لعنة الجغرافيا في شرق سورية

تعتبر مناطق شمال شرق سورية أكثر المناطق تعقيداً في المشهد السوري، وذلك بسبب تداخل قوى الصراع الدولية والإقليمية والأطراف المحلية في منطقة جغرافية محدودة المساحة، وكثيفة الثروات الطبيعية.

تتمتع مناطق شرق سورية بموقع استراتيجي مهم لقوى الصراع الإقليمية والدولية كونها نقطة التقاء الحدود السورية مع الأردن والعراق وتركيا، فضلاً عن اختزانها معظم حقول النفط والغاز ومناجم الفوسفات، وكذلك تُعد سلة سورية الغذائية والزراعية حيث تنتج الأراضي الممتدة على ضفتي نهر الفرات ثلثي الإنتاج الزراعي في سورية.

تداخل محلي وإقليمي ودولي

تشهد مناطق شرق سورية صراعات داخلية أسوة بباقي المناطق السورية. وتواجد في هذه المنطقة عدة قوى محلية أبرزها قوات سورية الديمقراطية (قسد)، وقوات النظام السوري والميليشيات الموالية لها، وقوى عشائرية مستقلة، وخلايا تتبع تنظيم داعش الإرهابي.

وتعمل القوى المحلية على فرض سيطرتها على المنطقة من خلال الصدام العسكري، وكل واحدة من هذه القوى مدعومة من أطراف دولية وإقليمية، مثل روسيا وإيران والولايات المتحدة الأميركية، وجميع هذه القوى لها وجود ميداني أمني في المنطقة.

وهنا يكمن السؤال الأبرز: ما الذي تبحث عنه تلك القوى الدولية والإقليمية من تداخلها بشكل مباشر في الصراع القائم في شرق سورية؟

يرى خبراء وباحثون سياسيون أن “لعنة الجغرافيا” هي التوصيف الأقرب للوضع الراهن في شرق سورية، حيث تتضارب مصالح الدول الإقليمية والكبرى في تلك البقعة الجغرافية الضيقة.

ولفهم الواقع لا بد من تفصيل ما تبحث عنه تلك الدول وحلفائها المحليين في المنطقة، والتي تتقاسم خارطة المنطقة الشرقية لسورية لأهداف سياسية واستراتيجية تراها حاجة ملحة لتحقيق مصالحها في سورية والمنطقة العربية.

أهداف أميركية

تعد الولايات المتحدة اللاعب الأبرز في شرق سورية حيث يمتلك الجيش الأميركي 7 قواعد عسكرية ممتدة من مدينة دير الزور شرقاً وصولاً إلى قاعدة التنف في البادية السورية على المثلث الحدودي مع العراق والأردن.

وتتحالف الولايات المتحدة مع “قسد” التي تسيطر فعلياً على 70% من مناطق شرق سورية، بعد أن تمكنت من دحر تنظيم داعش الإرهابي في الشرق السوري وسيطرتها على المنطقة بالتعاون والتنسيق مع التحالف الدولي.

كذلك تدعم الولايات المتحدة بشكل مباشر “جيش سورية الحرة” في منطقة الركبان على المثلث الحدودي مع العراق والأردن، وتستخدم هذه القوة المحلية لمواجهة تنظيم داعش الإرهابي في البادية السورية.

ويرى خبراء عسكريون أن أبرز أهداف تدخل الولايات المتحدة عسكرياً في سورية تتمثل بـ:

أولا: محاربة تنظيم داعش الإرهابي والقضاء عليه لما يحمله التنظيم من قوة تهدد المصالح والأمن القومي للولايات المتحدة وحلفائها.

ثانياً: تعتبر مناطق شرق سورية امتداداً للتواجد الأميركي في العراق، وتريد الولايات المتحدة من تدخلها عسكرياً في سورية البقاء لاعباً أساسياً في المنطقة العربية لتأمين مصالحها.

ثالثاً: مواجهة تمدد إيران في المنطقة وتحقيق مشروع طهران بربط طريق بغداد بيروت عبر شرق سورية.

رابعاً: حرمان النظام السوري من إعادة سيطرته على مقدرات وثروات شرق سورية وإعادة انتعاشه اقتصادياً قبل إيجاد حل سياسي شامل في سورية.

أهداف إيرانية

تعد إيران أيضاً من أبرز اللاعبين الإقليميين في سورية، حيث تهدف من وراء نشرها عشرات الميليشيات الموالية لها بالإضافة إلى قوات الحرس الثوري الإيراني في مناطق شرق سورية، إلى تأمين مصالحها واستكمال تحقيق مشروعها التوسعي في المنطقة العربية. وتتمثل أبرز الأهداف الإيرانية في سورية بـ:

أولا: تأمين طريق بغداد بيروت عبر شرق سورية، وهو المشروع إيران الأبرز لضمان سيطرتها على العراق وسورية ولبنان.

ثانياً: السيطرة على حقول النفط والغاز ومناجم الفوسفات التي تعتبر أهم ثروات سورية، لاسترداد ديونها من النظام السوري المتأتية عن دعمه عسكرياً خلال سنوات الصراع.

ثالثاً: صناعة الميليشيات الموالية لها من العناصر العشائرية العربية المحلية والعمل على تغيير بنية المجتمع السوري في شرق سورية عقائدياً وفكرياً، بما يضمن المصالح الإيرانية في سورية لعشرات الأعوام المقبلة.

أهداف روسية

تلعب روسيا دوراً بارزاً في سورية كون النظام السوري حليفها الرئيسي. وتسعى روسيا مع النظام السوري للسيطرة على مناطق شرق سورية لضمان بسط النظام سيطرته على مقدرات وثروات البلاد وانتعاشه اقتصادياً، مقابل هيمنة روسيا على سورية عسكرياً وسياسياً وطرد قوات التحالف الدولي من البلد. وتتركز أهم الأهداف الروسية في سورية بما يلي:

أولاً: طرد القوات الأميركية وقوات التحالف الدولي من سورية وسيطرت روسيا على الجغرافية السورية من دون وجود منافس دولي بارز.

ثانياً: تمكين النظام السوري من بسط سيطرته على كامل الجغرافيا السورية والسيطرة الروسية من خلاله على مناجم الفوسفات وحقول النفط والغاز بعقود استثمارية طويلة الأمد.

ثالثاً: تحجيم دور إيران داخل سورية واقصائها عن السيطرة على مقدرات وثروات سورية، كون إيران تشكل الخطر الأكبر على المصالح الروسية في سورية بعد الولايات المتحدة والتحالف الدولي.

النظام السوري

أمّا أهداف النظام السوري فتتمثل بالتالي:

أولاً: بسط نفوذه على مساحة جغرافية أكبر وإنهاء خطر تقسيم الذي يتمثل بقوات سورية الديمقراطية، ومنع أي محاولة لإعلان حكم إدارة ذاتية على غرار تجربة كردستان العراق.

ثانياً: إعادة السيطرة على مقدرات وثروات سورية الأُحفورية والزراعية التي تسيطر عليها حالياً “قسد”، وهذا يعني إعادة انتعاش النظام السوري اقتصادياً وتمكنه من تأمين احتياجاته النفطية والزراعية التي تضمن بقائه.

ثالثاً: فتح خطوط التجارة الخارجية والترانزيت وتأمين الطرق الدولية بين سورية والعراق والخليج العربي، الأمر الذي يُخفف من أثر الحصار الدولي المفروض على النظام السوري اقتصادياً.

واقع يُعقّد المستقبل

بالنظر إلى واقع القوى المحلية والدولية في شرق سورية، فإن المنطقة الشرقية من سورية تعد الأكثر تعقيداً في خارطة الأزمة السورية، تبعاً لتعدد القوى المحلية والإقليمية والدولية المتواجدة فيها، وللثروات التي تختزنها المنطقة، وتمسك تلك القوى بمصالحها، الأمر الذي يشير إلى أن الصراع في المنطقة الشرقية في سورية طويل الأمد، وقد لا يجد علاجاً حتى لو تم ايجاد حل سياسي شامل لسورية، لينطبق على تلك المنطقة مصطلح “لعنة الجغرافيا”.