لا تغيير بعد فوز الحلبوسي و"التنسيقي" في انتخابات العراق المحلية

فرض رئيس البرلمان المقال محمد الحلبوسي نفسه رقماً صعباً في المعادلة السياسية بعدما حقق حزب “تقدم”، الذي يقوده، نتائج ايجابية في الانتخابات المحلية (التي قاطعها التيار الصدري، بزعامة مقتدى الصدر) أثارت صدمة خصومه من السنة وانزعاج منافسيه من اللوائح الشيعية، بعدما تصدر نتائج انتخابات بغداد وفق الأرقام التي أصدرتها مفوضية الانتخابات التي شارك فيها أكثر من 6 ملايين ناخب من أصل 25 مليون ناخب يملك منهم 16,1 مليون بطاقات الاقتراع.

وشكك مراقبون في صحة هذه النسبة، مشيرين إلى أن مراكز اقتراع كانت تخلو من الناخبين، معتبرين أن العزوف عن المشاركة يأتي بسبب الفشل في تقديم الخدمات، والمقاطعة المنظمة من قبل التيار الصدري وقوى أخرى، إلا أن الإطار التنسيقي الحاكم وجدها نسبة جيدة ومقاربة كمعدل لنسب الانتخابات السابقة، بل قلل من تأثير المقاطعة على هذه الانتخابات.

وشهد الإقبال على انتخابات مجالس المحافظات تراجعاً، إذ سجلت نسبة مشاركة بلغت 44 في المئة، مقارنة بنسبة 51 في المئة في الانتخابات السابقة في سنة 2013 وفي 2021، علماً ان حلّ مجالس المحافظات في سنة 2019 جرى تحت ضغط شعبي في أعقاب تظاهرات غير مسبوقة.

وشهد العراق 5 انتخابات تشريعية بعد 2003، لغاية الآن، وكانت انتخابات مجالس المحافظات التي جرت مؤخراً  هي السادسة في تاريخه الحديث.

وتتولى المجالس المحلية المنتخبة في العراق مسؤوليات تتمثل باختيار المحافظ ومسؤولي المحافظة التنفيذيين، وتمتلك صلاحيات الإقالة والتعيين، بالإضافة إلى إقرار خطة المشاريع وفقاً للموازنة المالية المخصصة للمحافظة من الحكومة المركزية في بغداد، وفقاً لأحكام الدستور العراقي.

واستفادت القوى والأحزاب المقربة من إيران من غياب التيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر، إضافة إلى امتناع بعض القوى المدنية عن المشاركة في الانتخابات المحلية في العراق، ما سمح لتلك القوى بتحقيق تقدم في مناطق جنوب العراق ووسطه، بما في ذلك بغداد.

ونظمت الانتخابات من دون “التيار الصدري”، أحد أبرز التيارات السياسية في العراق، بعدما أعلن زعيمه رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر العزوف عن المشاركة فيها، علماً بأن الصدر كان قد انسحب من الحياة السياسية بعد صراع مع خصومه ومواجهات مسلحة دامية في صيف 2022، فضلاً عن أن الانتخابات جرت وسط حال عامة من الإحباط في البلد الغني بالنفط، والذي يعاني فساداً مستشرياً وتردياً في البنى التحتية والخدمات العامة.

الفائزون

وتشير  نتائج انتخابات مجالس المحافظات، فلى ظهور توجهين في تسع محافظات وسط البلد وجنوبه ذات الاغلبية الشيعية، إذ حلّت في الصدارة التكتلات التي يترأسها المحافظون الحاليون، ومن ثم التحالفات المشكَّلة من القوى السياسية الاسلامية الحليفة لإيران، والتي تملك الغالبية في البرلمان.

ففي محافظات ذي قار وميسان والبصرة وبابل و واسط، هيمنت التحالفات نفسها على المراكز الأربعة الأولى من حيث ترتيب عدد الأصوات وأبرزها: تحالف “نبني” بزعامة هادي العامري القيادي في “الحشد الشعبي”، وهو تحالف فصائل مسلحة باتت منضوية في القوات الرسمية، إلى جانب تحالف “دولة القانون” بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وكلاهما ينتميان إلى التحالف السياسي نفسه المعروف باسم “الإطار التنسيقي” ويلي هذين التحالفين، تحالف “قوى الدولة الوطنية” بزعامة عمار الحكيم ورئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، المنضوي كذلك في “الإطار التنسيقي”.

وفي محافظة البصرة جنوب العراق، حقق تحالف “تصميم”، الذي يتزعمه المحافظ الحالي أسعد العيداني، المرتبة الأولى.

وفي بغداد، تصدر تحالف “تقدم” بزعامة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي عدد الأصوات، يليه مباشرة تحالفا “نبني” و”دولة القانون” تلتها قوى بارزة مثل “السيادة” بزعامة الشيخ خميس الخنجر، و”عزم” السنية بزعامة السياسي مثنى السامرائي والحسم الوطني السنية بزعامة وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي المقرب من تركيا حيث حققت القوائم السنية نحو 20 مقعداً من اصل 49 مقعداً من مقاعد محافظة بغداد.

وفي محافظة الأنبار ذات الغالبية السنية والواقعة في غرب البلاد، أحرز تحالف “تقدم” أكبر عدد من الأصوات، وستتقاسم القوى الحائزة أعلى عدد من الأصوات، مقاعد مجالس المحافظات.

وفي محافظة كركوك بلغت نسبة المشاركة في هذه المحافظة 65 في المئة، وهي الأعلى بين مختلف المحافظات، وسجلت الأحزاب العربية والتركمانية مجتمعة تقدماً واضحاً على القوى الكردية، ما يجعل عملية اختيار محافظ لهذه المدينة الغنية بالنفط أمراً معقداً للغاية، وخصوصاً إذا لم يجرِ التوصل إلى تحالف كبير داخل مجلس المحافظة لتحديد المناصب الرئيسية.

شمالاً، حقق حزب “الجماهير” المرتبة الأولى في محافظة صلاح الدين، تلاه حزب “تقدم”. وفي محافظة نينوى، حقق تحالف “نينوى لأهلها” بزعامة محافظها السابق نجم الجبوري المرتبة الأولى، تلاه الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني بالمرتبة الثانية.

خاسرون

ضمت قائمة الخاسرين تحالف “الأساس” الذي يتزعمه رئيس مجلس النواب بالإنابة محسن المندلاوي، وتحالف “قيم” الذي يضم الشيوعيين ومجموعة من المدنيين والشباب الجدد الذين نشأوا عن ساحات الاحتجاجات، بالإضافة إلى تحالف “بابليون” برئاسة ريان الكلداني، وتحالف “الرئاسة” بقيادة السياسي والباحث ليث شبر الذين حققوا مقاعد قليلة جدا لا تتلائم مع مكانتهم السياسية

مقاطعون

ورفع الصدريون شعار مقاطعون للانتخابات استجابة لطلب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر ورفض مشاركة أي من انصاره، سواء ترشيحاً أو انتخاباً ورفض توفير غطاء شرعي لمجالس المحافظات، وخوصاً أن الانتخابات المحلية تعد استحقاقاً سياسياً مهماً لحكومة محمد شياع السوداني الذي يعد بإصلاحات خدمية وتطوير للبنى التحتية المدمرة جراء عقود من النزاعات، مذ تسلم الحكم بدعم من غالبية برلمانية لأحزاب وتيارات إسلامية راديكالية قبل نحو عام،  وعلى الرغم من مساعي وسياسة رئيس الوزراء الشعبوية الاقتصادية وسياسته في منح فرص العمل،  لم تكن ناجحة وقادرة في رفع نسبة المشاركة في الانتخابات و جذب جيل جديد.

لا تغيير

أثّرت هيمنة المال السياسي والسلاح المنفلت على الوضع السياسي والاقتصادي في البلاد وكونت الدافع الأكبر لعدم شعور العراقيين بجدوى الانتخابات كمسار للتغيير في الانتخابات المحلية الأخيرة، كما مثلت مُجريات انتخابات 2021 البرلمانية وما تلاها من أحداث وتعقيدات، دافعاً إضافياً لمقاطعة الانتخابات المحلية لدى طيف واسع من العراقيين، وخصوصاً بعد وصول قوى “الإطار التنسيقي” إلى السلطة على رغم خسارتهم الانتخابات نتيجة انسحاب كتلة “التيار الصدري” من البرلمان.

ويرى مراقبون مهتمون وخبراء وسياسيون، أو لا شيء سوف يتغير في البلد. فسوف تبقى الهيمنة الإيرانية من خلال وكلائها قائمة، وسيبقى التشرذم السياسي قائماً، الأمر الذي سيسمح لمراكز الفساد أن تحتفظ بمكتسباتها على حساب الشعب ومقدرات البلد، وكذلك سيبقي البلد مشرعاً أمام التدخلات الخارجية، وكذلك لاحتمالات الاضطرابات السياسية والشعبية.