قلق وحذر في العراق بعد فوز ترامب
من حق بغداد ان يساورها القلق في إثر فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية وتوليه المنصب مجدداً؛ فالزمن تغير نوعاً ما والظروف اختلفت وتوجهات من يتولى السلطة في العراق مختلفة عمّا كان عليه الحال قبل أربعة أعوام، لكن الثابت من كل ذلك هو بقاء ترامب على مواقفه المتشددة إزاء النفوذ الإيراني في العراق.
ومع أن رئيس الوزراء العراقي بادر إلى إرسال برقية تهنئة لترامب تحمل عبارات المجاملة، إلّا أن ما بين السطور يوحي بعدم ارتياح واضح وضيق من فوزه بالمنصب وما يمكن أن تكون عليه العلاقة ببن بغداد وواشنطن بعد أشهر من توتر واضح على خلفية الدعم الاميركي المقدم لاسرائيل منذ عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي وما جرّته من حرب على غزة ولاحقاً لبنان أوقعت عشرات آلاف القتلى والجرحى في البلدين.
استذكار اغتيال سليماني
وقفز فور فوز ترامب بالانتخابات أمام الساسة العراقيين مناخات عملية اغتيال قائد قوة القدس بالحرس الثوري الايراني الجنرال قاسم سليماني والقيادي بالحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس في بغداد خلال الرئاسة السابقة لترامب، وهي من أبرز الاحداث التي وترت العلاقة بين الولايات المتحدة والعراق وأثارت غضب الفصائل الشيعية المسلحة المقربة من إيران، والتي تصدرت حالياً عبر الإطار التنسيقي (تحالف سياسي شيعي) المشهد السياسي بتسميتها لرئيس الوزراء الحالي، ودفعت القضاء العراقي إلى إصدار مذكرة قبض بحق الرئيس الاميركي ترامب.
وخلال دورته الرئاسية الأولى كان على الإدارة الاميركية التزامات كبيرة تجاه العراق على الرغم من انكفائها نوعاً ما من الأحداث في الشرق الاوسط، إذ ركز ترامب على القضاء على تنظيم “داعش”، وفعليا زادت الإدارة الأميركية دعمها للقوات العراقية وقوات التحالف الدولي لتحقيق هذا الهدف، الأمر الذي أدى إلى تحرير مساحات واسعة من العراق من قبضة التنظيم.
وخلال فترته، عبّر ترامب عن رغبته في تقليص التواجد العسكري الأميركي في الشرق الأوسط، بما في ذلك العراق، وهذا الأمر نتج عنه تقليل عدد القوات الأميركية في العراق، لكن في الوقت نفسه أثار مخاوف بشأن استقرار المنطقة وأمنها، ولاسيما مع استمرار نشاط بعض الجماعات المسلحة.
واتخذ ترامب سياسة صارمة ضد إيران، بما في ذلك الانسحاب من الاتفاق النووي وفرض عقوبات اقتصادية صارمة، الإجراءات التي أثرت على العراق بشكل غير مباشر بسبب الارتباطات الاقتصادية والسياسية بينه وبين إيران، فتحول العراق إلى ساحة للتوترات بين الولايات المتحدة وإيران، وخصوصاً بعد اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس، والذي وسع ساحة التوتر إلى المنطقة كلها.
خفض التأثير الإيراني
ونجحت سياسات ترامب في ممارسة ضغوط على الحكومة العراقية في تقليص تأثير إيران داخل العراق، وتحقيق توازن بين التحالفات الأميركية والإيرانية. كما شجعت بعض السياسات الأميركية الحكومات العراقية على إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية بالاضافة إلى أن العلاقات الاقتصادية بين العراق وأميركا تراجعت بسبب السياسات الحمائية لترامب، إلا أن العراق ظل يعتمد على الدعم المالي والمساعدات الأميركية لتثبيت اقتصاده المتعثر.
بشكل عام أثرت سياسة ترامب على العراق في عدة جوانب سياسية وأمنية واقتصادية، وجعلت العراق مركزاً للتوترات الإقليمية المتزايدة.
استمرت الإدارة الأميركية في عهد ترامب بتشجيع الدول الإقليمية على دعم العراق للحد من النفوذ الإيراني فيه، من خلال تشجيع الاستثمارات والعلاقات الاقتصادية مع العراق. كما سعت الإدارة الأميركية إلى خلق بدائل اقتصادية تمنح العراق استقلالية أكبر عن إيران، وبالتالي تقليص نفوذ الميليشيات.
وقدمت الولايات المتحدة دعماً عسكرياً وأمنياً للعراق على مستوى القوات النظامية، مثل الجيش العراقي وقوات مكافحة الإرهاب، بهدف تمكينهم ليكونوا القوة الأساسية التي تحافظ على الأمن والاستقرار، ولتكون بديلاً عن الميليشيات.
وعلى الرغم من سياسات الضغط، سعت إدارة ترامب لإظهار نفسها كحليف للشعب العراقي. على سبيل المثال، شددت الإدارة على أنها تقف مع الشعب العراقي ضد الفساد وتدعم سيادة العراق واستقلاله عن أي نفوذ خارجي، في محاولة لتقليص الدعم الشعبي للميليشيات.
إجراءت محتملة
ومن غير المستبعد ان يواصل ترامب تبنى موقفاً حازماً تجاه الميليشيات العراقية المدعومة من إيران، باعتبارها تهديداً للمصالح الأميركية والاستقرار في العراق، وقد يلجأ إلى اعتماد عدد من الاجراءات من بينها:
1 – مواصلة تصنيف بعض الفصائل المسلحة كمنظمات إرهابية وفرض عقوبات عليها وعلى قادتها، وقيّد مواردها المالية.
2 – استمرار شن الهجمات الجوية واغتيال قادة الفصائل.
3 – اتساع دائرة الضغوط على الحكومة العراقية لإضعاف النفوذ الإيراني وتقييد نفوذ الجماعات المدعومة من طهران.
4 – تقليص التواجد الأميركي في العراق في ظل مواجهة القوات الأميركية لهجمات متكررة من الجماعات العراقية المسلحة.
5 – تصعيد الضربات الانتقامية على مواقع الميليشيات التي كانت تستهدف القواعد العسكرية الأميركية في العراق، حيث كانت الإدارة ترد بسرعة على أي تهديدات من الميليشيات لحماية مصالحها في المنطقة.
ومن المتوقع ان تثير مثل هذه السياسات في حال حصولها بعض التوترات مع الحكومة العراقية، وخصوصاً مع زيادة المطالبات في العراق بضرورة خروج القوات الأجنبية، بما فيها الأميركية من البلد. كما أن هذه السياسات قد توفر الفرصة لدى بعض الفصائل العراقية الموالية لإيران لتعبئة الراي العام وحشده ضد الوجود الأميركي.
ومن غير المستبعد أن تثير سياسة ترامب في مواجهة الفصائل العراقية عبر ضغوط متعددة آثار جانبية تسهم في خلق وديمومة بيئة من عدم الاستقرار والتوترات السياسية والأمنية في العراق.