دور السعودية في دعم سورية وموجهة التدخلات الإقليمية
شكلت السياسة الخارجية السعودية تجاه الإدارة الجديدة في سورية في الآونة الأخيرة، علامة فارقة في تاريخ البلدين.
إن الدعم السعودي للإدارة يثير العديد من القضايا والتساؤلات بشأن عزم الرياض إحياء دورها في سورة وخصوصاً مع إدراكها لحجم التغير الاستراتيجي الذي شهده الإقليم في العامين الأخيرين، وللهواجس والمشاريع التي تواجهها المملكة في تحقيق هدفها، والخطوات التي ستعمل المملكة على اتخاذها للحفاظ على دورها.
دعم الإدارة الجديدة
بعد سقوط النظام تبنت المملكة سياسة تجاه سورية الجديدة ترتكز على وحدة البلاد وإرساء الاستقرار والأمن وضمان الانسحاب الإيراني بشكل نهائي، وضمان عدم تحول البلد إلى منصة للنشاط الإسلامي المتطرف ومكان لتصدير النموذج الإسلامي المتطرف، والحد من النفوذ التركي وغيرها.
لقد رحبت المملكة بالإدارة الجديدة واستقبلت المسؤولين السوريين الجدد وعلى راسهم رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع ووزير خارجيته اسعد الشيباني.
كما لعبت المملكة مؤخراً دوراً مهماً في استضافة محادثات لترسيم الحدود بين لبنان وسورية في جدة بالإضافة إلى تسديد مستحقات على سورية لصندوق النقد الدولي مع قطر.
يضاف الى ذلك إعلان المملكة مراراً دعمها للإدارة الجديدة وتعيين الشرع رئيساً وانعاقد مؤتمر الحوار الوطني وتشكيل حكومة انتقالية، فضلاً عن أدانتها الاعتداءات الإسرائيلية.
إحياء النفوذ
تسعى المملكة العربية السعودية من خلال دعمها للإدارة الجديدة في سورية لإعادة إحياء نفوذها في المنطقة ككل باعتبارها زعيمة للعالم العربي، لكنها تعي حجم الصعوبات جراء تزاحم المشاريع في المنطقة إسرائيل تركيا وإيران.
وتعتبر المملكة ما حدث في سورية التي تُعد الموقع الاستراتيجي المهم والحاكم في المنطقة، منطلقاً للتغيرات الجيوستراتيجية في منطقة المشرق العربي، وقد أظهرت هذه التغيرات بوضوح للسعودية ضرورة التدخل والتواجد في سوريا.
كما أن المملكة تحول دون تكرار دروس الماضي حيث أسهم عدم تدخلها في العراق بعد الاحتلال الأميركي سنة 2003 الى سيطرة النفوذ الإيراني على المنطقة ومحاصرة السعودية والتقليل من نفوذها في العراق وسورية ولبنان.
السعودية والنفوذ التركي
يعتبر التنافس على القيادة الإقليمية بين الرياض وأنقرة مسألة بارزة في علاقات البلدين في العقود الأخيرة إلا أن البلدين في الوقت الحالي على الأقل لا يسعيان إلى تحدي بعضهما البعض في سورية، لوجود رغبة مشتركة في دعم العملية الانتقالية في سورية، من أجل الاستقرار الإقليمي.
وتتلاقى المصالح السعودية التركية في عدة قضايا، أهمها الحد من النفوذ الإيراني في سورية، حيث تسعى طهران الى استعادة دورها الإقليمي الذي خسرته في سورية عقب سقوط نظام الأسد، ويسعيان إلى التصدّي لها من خلال توسيع نطاق نفوذهما في سورية خلال المرحلة الانتقالية الراهنة.
كما أن التصدي للمشروع الإسرائيلي في المنطقة الساعي إلى جعل سورية دولة ضعيفة مقسمة يتعارض مع رغبة البلدين في الحفاظ على وحدتها وسيادتها وترتيب موازين القوى في منطقة المشرق العربي يكون لصالحهما.
يضاف إلى ذلك المصالح التي يسعى البلدان الى الاستفادة منها في سورية، وخصوصاً ة ملف إعادة الإعمار حيث يمكن أن تتضافر الاستثمارات المالية السعودية مع الخبرات التركية في قطاع الإنشاءات.
إلا أن المصالح قد تتضارب في حال وجدت السعودية أن الإدارة الجديدة في سورية تدور في الفلك التركي أو أن هناك دعما تركياً لنظام إسلامي ملتزم بتصدير الثورة وهنا قد تسعى السعودية إلى العمل مع دول عربية أخرى لسحب سورياة إلى الحضن العربية وبعيداً عن مدار النفوذ التركي.
مواجهة المشروع الإسرائيلي
تشكل مواجهة المشروع الإسرائيلي في سورية والمنطقة تحدياً كبيراً للمملكة حيث سيؤدي الى تقويض الدور القيادي لها في العربي.
إسرائيل عملت في الآونة الأخيرة على تدمير معظم القدرات العسكرية لسورية، كما تواصل توسعها العدواني في جنوب البلاد وتوسيع المنطقة العازلة، ومنع الإدارة الجديدة من التواجد عسكريا جنوب دمشق، واستغلال الانتهاكات الأخيرة ضد الأقليات للعمل على تقسيم البلاد.
إن مضي إسرائيل في تحقيق مشاريعها العدوانية وتدخلها السياسي والعسكري يثير خشية الرياض من أن تؤدي إلى إضعاف الحكومة الجديدة، ولا سيما أن ذلك قد يفاقم تشرذم سورية، وبالتالي التأثير على نفوذ المملكة.
لذلك دأبت المملكة في الأشهر الأخيرة على حشد الدعم للإدارة الجديدة خليجياً وعربياً ودولياً بهدف الحفاظ على وحدة سوريا وإدانة الممارسات الإسرائيلية وإرغامها على تغيير نهجها الحالي.
النفوذ الإيراني
تخشى السعودية أن يسهم عدم الاستقرار في سورية من خلال فشل الإدارة الجديدة في مهمتها أم من خلال تداعيات المشروع الإسرائيلي عن عودة النفوذ الإيراني الى البلاد والذي تراجع بشكل كبير جداً جراء سقوط نظام بشار الأسد.
لذلك ستسعى الرياض إلى الأخذ بعين الاعتبار هذه المخاوف ومواجهتها من خلال الانخراط مع الإدارة الجديدة لتحقيق الاستقرار في البلاد وعدم تكرار تجربة العراق بعد الاحتلال الأميركي والعمل على كسر الهلال الشيعي الذي كان يمتد من طهران الى بيروت عبر بغداد ودمشق.
إن التخوف الأساسي للملكة من عودة النفوذ الإيراني يرتبط أيضاً بمشكلة الاتجار بالكبتاغون، الذي كان له تداعيات كبيرة على أمن المملكة.
دعم الإدارة الجديدة
إن انخراط السعودية في سورية سيعتمد بشكل كبير على نجاح الإدارة الجديدة هناك على تحقيق الاستقرار وتحقيق الانتقال السياسي في البلاد، ومنع نشاط الجماعات الجهادية من جهة، ومواجهة المملكة للنفوذ الإقليمي المتنامي لكل من تركيا وإسرائيل منع إحياء النفوذ الإيراني من جهة ثانية.
إن هذا الأمر يتطلب دعماً سياسياً واقتصادياً سعوديا ًكبيراً للإدارة الجديدة لكي تتمكن من حكم البلد بشكل فعال وتحقيق الاستقرار ووحدة البلاد، بالإضافة الى مواصلة المملكة لمبادراتها الدبلوماسية لاستعادة سورية لعلاقاتها مع الدول العربية كي تبقى في الحضن العربي، فضلاً عن سعي السعودية الى رفع العقوبات الغربية المفروضة على دمشق وتقديم المساعدات للبلاد التي تعاني من أزمة اقتصادية واجتماعية كبيرة.