المأمول والمتوقع في انتخابات الأردن البرلمانية

تشكل الانتخابات البرلمانية الأردنية المزمعة في أيلول/ سبتمبر المقبل حدثاً استثنائياً في تاريخ المملكة، حيث سيتم اختبار الحالة السياسية بعد إقرار إصلاحات مهمة قد تحدث تغيراً في البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ويبقى التساؤل الأهم هل تستطيع الأحزاب السياسية في الأردن إحداث خرق في المشهد السياسي الذي سيطرت فيه العشائر منذ تأسيس المملكة وكانت اللاعب الأساسي في البرلمان منذ عقود وسط عزوف المجتمع الأردني، وخصوصاً الشباب، وسيطرة مطلقة للملك في العملية السياسية.

انتخابات مختلفة

تأتي الانتخابات البرلمانية العشرين المزمعة بعد إقرار سلسلة من الإصلاحات السياسية تمثلت بتعديل للدستور وإقرار قانونين للأحزاب والانتخابات.

ومن التعديلات، إقرار نظام مختلط يتضمن التصويت على القائمة النسبية المفتوحة على مستوى المحافظات، وقائمة النسبية المغلقة على مستوى المملكة، والتي خصصت للأحزاب فقط، وأُعطيت لها 41 مقعداً من أصل 130 مقعداً، أي ما نسبته 30% من مقاعد مجلس النواب المقبل، على أن تزداد مقاعدها إلى 50% في البرلمان الواحد والعشرين، ليصبح عدد مقاعد القائمة النسبية المغلقة 70 مقعداً، فيما يتم رفع نسبة القائمة النسبية المغلقة، بما لا يقل عن 65% في البرلمان الثاني والعشرين، ليصبح عدد مقاعد القائمة المغلقة 91 مقعداً.

هذا التعديل غاية في الأهمية ويدل على توجه للملك لتكون الأحزاب لاعباً أساسياً في مستقبل البلاد، إذ إن الانتخابات الماضية التي جرت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 أسفرت عن سيطرة شبه مطلقة للعشائر على حساب الأحزاب الـ 47 من أصل 48 حزباً، والتي حصلت على ما نسبته 16 % من المقاعد.

ويشار إلى أن مجلس الأمة، أي السلطة التشريعية الأردنية، يتألف من مجلس النواب (منتخب)، ومجلس الاعيان المؤلف من 65 نائباً يعينهم الملك.

تحديات أمام الأحزاب

قانون الأحزاب الجديد أدى الى تقلص عدد الأحزاب إلى 26 حزباً سياسياً بسبب الشروط الجديدة للترخيص لها، والتي تضمنت أن يكون عدد المنتسبين للحزب عند عقد مؤتمره التأسيسي بما لا يقل عن ألف عضو، وضمن اشتراطات تتعلق بنسبة عضوية للمرأة والشباب والانتشار الجغرافي للحزب.

وعلى الرغم من هذا التحديث السياسي، إلا ان واقع الأحزاب في المجتمع الأردني يثير شكوكاً في تحقيقها النتائج المرجوة، فالأحزاب تفتقر إلى قواعد شعبية واسعة باستثناء عدد محدود جداً منها، أما برامجها فهي شكلية، يضاف الى ذلك ان هناك عزوفاً من الانضمام إلى الأحزاب في الشارع بسبب ممارسات السلطات الأمنية ضد متحزبين من دون ان يستطيع الحزب تقديم الحماية لأعضائه، على خلاف العشائر التي إحدى مهماتها حماية افرادها.

بسبب هذه الأمور كلها، لم تستطع الأحزاب استقطاب فئات المجتمع وخاصة فئة الشباب العريضة، على الرغم من الندوات واللقاءات التي عقدتها مع هذه الفئة لإقناعهم بالانتماء اليها.

هكذا، تبدو الأحزاب في الانتخابات المقبلة أمام تحديات وفرص لإثبات نفسها على الساحة السياسية، وبالتالي عليها أن تركز جهودها على إعادة بناء الثقة مع المجتمع وعرض برامج واقعية وشفافة ومقنعة تلبي طموحات الشارع، وتكون قادرة على حل مشاكله الاقتصادية والاجتماعية بدلاً من مصالح النخب السياسية.

وقد يؤدي الأداء الانتخابي إلى تحريك المشهد السياسي الأردني الذي شهد جموداً في العقود الأخيرة، وذلك من خلال التنافس في جذب مرشحين من خلال برامج للأحزاب، وصولاً إلى إمكانية اجراء تحالفات بين تلك الأحزاب لتعزيز فرصها بالفوز في مقاعد لها في مجلس النواب.

العشائر والأحزاب

على الرغم من ان إقرار الإصلاحات السياسية الأخيرة إلا أن البنية المجتمعية الأردنية ستجعل تأثير العشيرة على الحزب أمراً واقعاُ لا مفر منه.

فالعشائر قد تلعب دوراً مؤثراً، إن لم يكن سلبياً، على الحياة الحزبية، وخصوصاً أن الأحزاب فشلت في احتلال مساحة في مجلس النواب، وخير دليل على ذلك عندما زار الملك عبد الله الثاني البادية وطالبهم بالانخراط في الأحزاب، للخروج من عباءة العشائرية، رد شيخ مشايخ عشائر الشرفات، الشيخ سويلم قاسم الشرفات، على الملك، وقال: ان البادية بحاجة للخبز وليس للأحزاب، متى شبعوا خبز حدثوهم عن الأحزاب.

في السنوات الأخيرة اعتمد مرشحو الأحزاب على العشائر في الوصول إلى البرلمان وليس على شعبية الحزب، وقد تحكم المعادلة في البرلمان مصطلح حزب العشيرة وعشيرة الحزب من خلال دعم العشائر لمرشحين حزبيين فيما يقوم الحزبيون باتخاذ خط سياسي لخدمة عشائرهم ومناطقهم، وبالتالي فإن العشائر ستبقى هي المؤثرة في مستقبل العملية السياسية.

انتخابات مفصلية ولكن

سوف تكون الانتخابات البرلمانية القادمة حدثاً مفصلياً في تاريخ البلاد بلا شك، إذ سيتم اختبار قدرة الأحزاب على إحداث تغير في الواقع السياسي في دولة توصف بأنها نصف ديمقراطية بسبب سيطرة العشائر.

وعلى الرغم من اعتبار الكثير من المحللين أن الإصلاحات السياسية الأخيرة التي أقدم عليها العاهل الأردني لتهيئة الظروف لتوريث ولي عهده الحكم بأقل قدر من المشكلات، ولمواجهة خضات سياسية قد تحدث مثلما حدث في قضية الأمير حمزة، إلّا أن تلك الإصلاحات تبقى شكلية مع سلطات الملك المطلقة في الحكم وإدارة البلاد في تعيين رئيس مجلس الوزراء واختيار الوزراء وفق أسس لا تحددها صناديق الاقتراع، بناء على برامج وسياسات تتبناها الأحزاب لمواجهة المشاكل الاقتصادية المزمنة التي يعاني منها البلد.