اللاجئون ورقة بيد النظام السوري للتطبيع مع أوروبا

أثارت زيارات مسؤولين سياسيين وأمنيين أوروبيين إلى دمشق في الآونة الأخيرة وتزامنها مع موجه هجرة كبيرة تشهدها عدة دول اوروبية، العديد من التساؤلات عن إمكانية تطبيع أوروبي مع دمشق، على الرغم من الموقف الأوروبي المتشدد حيال عودة العلاقات وتطبيعها من دون تحقيق تقدم في الحل السياسي، وفي ظل العقوبات الأوروبية على النظام السوري منذ سنة 2011.

الزيارات وموجة اللجوء

فقد شهدت دمشق في الأشهر القليلة الماضية زيارات لمسؤولين سياسيين وامنيين أوروبيين رفيعي المستوى ولقائهم مسؤولين سوريين على راسهم الرئيس بشار الأسد.

وقائمة المسؤولين الأوروبيين تضمنت رئيس الاستخبارات الرومانية، وزير الدولة لوزارة الخارجية التشيكية راديك روبيش التي حافظت على وجودها الدبلوماسي في سنوات الازمة، ورئيس المخابرات الإيطالية الجنرال جاني كارفيللي.

وترتبط هذه الزيارات، على ما يبدو، بموضوع رئيسي هو موجة اللاجئين الأخيرة التي تشهدها أوروبا خصوصاً، وخصوصاً أن سورية هي المصدر الأول لهؤلاء منذ سنة 2015 ومحاولة إيجاد طريقة للتعاون مع دمشق بشأن هذه القضية.

والحديث عن اللاجئين لا يمكن أن يكون بمعزل عن الملف الأمني الناجم عن موجة الهجرة الكبيرة وما تمتلكه دمشق من معلومات في هذا الخصوص، إذ إنه والأرقام، بلغ عدد المهاجرين العام الفائت بلغ 1,14 مليون شخص وهو الأعلى منذ سنة 2016، وقد حل السوريون في المرتبة الأولى من حيث عدد اللاجئين.

كما أن زيارة وزير الدولة للشؤون الخارجية التشيكي لها دلالة كبيرة، إذ إن التشييك حافظت على وجودها الدبلوماسي في دمشق خلال فترة اللازمة وقد يكون لها دور فاعل في الانفتاح وتطبيع العلاقات مع الأسد.

تحديد الموقف من دمشق

زيارات المسؤولين الأوروبيين لا يمكن عزلها عن المؤتمر الذي استضافته قبرص في 18 أيار/ مايو الفائت بمشاركة 8 دول أوروبية تريد إعلان مناطق آمنة في أجزاء من سورية، للسماح بإعادة اللاجئين من الحرب المستمرة منذ أكثر من عقد من الزمن.

وهذه الدول، فضلاً عن الدولة المستضيفة، قبرص، هي: النمسا؛ التشيك؛ الدنمارك؛ اليونان؛ إيطاليا؛ مالطا؛ بولندا.

وقال وزير الداخلية القبرصي كونستانتينوس يوانو، في بيان له إن “الحكومات الثماني تعتقد أنه بعد 13 عاماً من الصراع، يحتاج الاتحاد إلى إعادة تقييم الظروف الأمنية المتغيرة في سورية”، مؤكداً أنه “حان الوقت للاتحاد الأوروبي أن يعيد تحديد موقفه بشأن سورية.”

أما دعوة وزير الخارجية القبرصي بشأن دمشق ليست جديدة، فقد كشفت مجلة “فورين بوليسي” قبل عامين أن حكومات أوروبية مثل اليونان وقبرص وإيطاليا والمجر والنمسا وبولندا غيّرت مواقفها إزاء النظام السوري، وبعض هذه الدول شكل مجموعات من الخبراء للبحث عن طرق جديدة لتجاوز العقوبات الأوروبية المفروضة على دمشق.

وعلى الرغم من التوجه في عدد من الدول الأوروبية لإعادة تحديد الموقف من دمشق لازال موقف الاتحاد الأوروبي برفض تطبيع العلاقات، إذ قال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في تصريحات خلال مؤتمر للمانحين في سورية عقد في بروكسل مؤخراً إن “الظروف غير مواتية ليغيّر الاتحاد الأوروبي سياسته بشأن سورية” في ظل غياب “إصلاحات سياسية حقيقية” في البلد، موضحاَ أن الاتحاد الأوروبي سيُبقي على عقوباته على نظام الأسد ولن يدعم عودة السوريين إلى بلدهم ما لم تكن عودة “طوعية” وآمنة وخاضعة لمراقبة مجموعات دولية.

اللاجئون وصعود اليمين المتطرف

قضية اللاجئين والمهاجرين تثير مخاوف داخلية في دول أوروبا، من أهمها صعود أحزاب اليمين المتطرف وفرض نفسه على الساحة السياسية في العديد من الدول الأوروبية، إذ إن عقيدة تلك الأحزاب معادية للمهاجرين واللاجئين، وهي تعتبر أن الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي شهدتها أوروبا مؤخراً، سببها استقبال عدد كبير من اللاجئين، الأمر الذي رفع من أسهم تلك الأحزاب في الانتخابات الأوروبية والانتخابات التشريعية في عدد من دول أوروبا خلال العاميين الماضيين.

فصعود اليمين المتطرف وتحقيقه نتائج جيدة في الانتخابات البرلمانية في دول الاتحاد الأوروبي، أجبر الأحزاب الأخرى اليسارية والليبرالية والمحافظة على تغيير موقفها من قضية اللاجئين وتبني سياسية مشابهة لذلك التيار، ويضاف الى ذلك الى الرفض المجتمعي للاجئين في الآونة الأخيرة، وخصوصاً أن الأزمة الاقتصادية الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية صعدت من ثقافة رافض اللاجئين والمهاجرين بين بعض الفئات في المجتمعات الأوروبية، وتأصيل فكرة النزعة القومية واعتبار أن قانون اللجوء الأوروبي كان سبباً أساسياً في تدفق ملايين اللاجئين وتحمل المواطن الأوروبي تكلفة أزمة اللجوء والهجرة.

دمشق واللاجئين

في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 نظم النظام السوري بالتعاون مع روسيا المؤتمر الدولي لاعادة اللاجئين والمهجرين السوريين وسط مقاطعة دول غربية.

وقال الأسد في كلمة له في المؤتمر “نحن اليوم نواجه قضية مركبة من ثلاثة عناصر مترابطة، ملايين اللاجئين الراغبين في العودة ومئات المليارات من بنية تحتية مدمرة بنيت خلال عقود وإرهاب ما زال يعبث في بعض المناطق.” وأضاف أن “بعض الدول قامت باحتضان اللاجئين انطلاقاً من مبادئ إنسانية بينما قامت دول أخرى في الغرب وفي المنطقة باستغلال اللاجئين أبشع استغلال من خلال تحويل قضيتهم الإنسانية إلى ورقة سياسية للمساومة.” وتابع أن الحكومات التي “عملت بجد لنشر الإرهاب لا يمكن أن تكون هي نفسها السبب والطريق لعودتهم إلى وطنهم.”

وكانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا والأردن وغيرها من الدول، قاطعت المؤتمر بسبب ما وصفته تلك الدول بـ “عدم توفر الظروف الآمنة المطابقة للقوانين الدولية، من أجل عودة اللاجئين.”

وأشارت الدول نفسها، إلى العودة المحدودة التي تم تسجيلها قبل انعقاد المؤتمر كدليل “يعكس العقبات الجمة والتهديدات أمام عودة اللاجئين والنازحين”، ومن بينها “التجنيد الإجباري والاعتقال العشوائي والاختفاء القسري.”

وهكذا فإن خطوة دمشق وموسكو في هذه القضية لم تؤد الى أي نتائج ملموسة.

توظيف الأزمة

في ظل هذه الأجواء، يسعى النظام السوري لتوظيف واستثمار ورقة اللاجئين في إحداث خرق في علاقاته مع الدول الأوروبية وخصوصاً أن الاتحاد الأوروبي يخوض معركة وقف الهجرة غير الشرعية عبر جبهات متعددة.

ويجرك النظام أن هناك حاجة ماسة الى تعاون الدول الأوروبية معه في هذا الملف، وخصوصاً أن النسبة الأكبر من المهاجرين هي من السوريين، فالنظام يحاول ان يربط التعاون بملف الهجرة بالعقوبات الغربية التي ارهقت السوريين.

كما يحاول النظام الاستفادة من تطبيع علاقاته مع الدول العربية في هذا المجال، وتشير المعلومات إلى أن الإمارات والسعودية حاولتا خلال الأشهر الأخيرة، الضغط على الاتحاد الأوروبي لإعادة علاقاته مع دمشق مستثمرين في ذلك ورقة اللاجئين في أوروبا.

وعلى الرغم من أن الموقف الدولي من اللاجئين يرتبط بالشروع بعملية سياسية بموجب القرار الدولي 2254 وضمانات بالعودة الآمنة للاجئين وعدم مساءلتهم وتوقيفهم، إلّا أن موجة الهجرة الكبيرة التي تشهدها بعض الدول الأوروبية قد تسهم في التنسيق مع النظام السوري بخصوص هذه القضية، مقابل مكاسب تحصل عليها دمشق مثل إعادة العلاقات الدبلوماسية بشكل ثنائي مع تلك الدول ورفع للعقوبات والشروع بدعم مشاريه للتعافي المبكر تهيئ الظروف لعودة اللاجئين الطوعية