السودانيون يدفعون ثمن إصرار المتصارعين على الحسم العسكري

ينذر الوضع في السودان بعواقب وخيمة على الصعيد الإنساني، فالقتال بين عناصر القوات المسلحة السودانية، وقوات الدعم السريع، شبه العسكرية، متواصل على الرغم من جهود وقف إطلاق النار، وقد سُجل في السياق انسحاب الجيش السوداني من مباحثات جدة، في 4 حزيران/ يونيو، ليعود مجدداً لتوقيع اتفاق وقف للنار جديد لمدة 24 ساعة، اشتعلت المعارك بعد انقضائها.

ولا يُغير من واقع نزوع طرفي النزاع إلى الحسم العسكري، ترحيب نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي، مالك عقار، بالجهود المستمرة لاستئناف المفاوضات، واعتباره أنّ الأولوية يجب أن تكون لضمان الوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار، وهو أمر لا يمكن تحقيقه، بحسب عقار، إلّا إذا انسحبت العناصر المسلحة (والمقصود هنا عناصر الدعم السريع) من الأحياء السكنية. وكذلك إعراب قائد قوات الدعم السريع، الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، عن دعمه لمحادثات جدة في اتصال هاتفي مع وزير الخارجية السعودي، في 5 حزيران/ يونيو، من دون أن يحدد آلية لاستمرارها.

وتشير التقارير الميدانية إلى استمرار أعمال القتال العنيف في العاصمة الخرطوم، وجهات أخرى مثل: أم درمان ومنطقة بحري ودارفور. علاوة على ذلك، تشير تقارير دولية إلى تزايد عمليات الاختفاء القسري في العاصمة الخرطوم، بما في ذلك عمليات الخطف التي تستهدف النساء.

ومنذ اندلاع أعمال القتال، نزح أكثر من 1,9 مليون شخص من السودان، بما في ذلك تحرك نحو 1,428,551 شخصاً في الداخل. وجاءت في الصدارة الخرطوم بنسبة (66٪)، يليها غرب دارفور (19٪)، ثم جنوب دارفور (7٪)، ووسط دارفور (6٪)، ثم تأتي بعد ذلك مناطق شمال دارفور، وشمال كردفان، بنسب أقل، بحسب تقرير موثق لمنظمة الهجرة الدولية. وغالبية النازحين فروا إلى أماكن أكثر أمنًا داخل البلاد، (65,4٪) فروا إلى المناطق الحضرية، بينما فر الباقون (34,6٪) إلى المناطق الريفية، واستهدف 78,6٪ من النازحين داخلياً البحث عن مأوى لدى الأقارب والمجتمعات المضيفة.

استمرار أعمال العنف

منذ اندلاع الحرب الأهلية، سيطرت قوات الدعم السريع، شبه العسكرية، على العديد من المواقع الاستراتيجية في البلاد، بما في ذلك السيطرة القصيرة على مطار مروي في الولاية الشمالية، ومطار نيالا في جنوب دارفور، والعديد من المناطق المهمة الأخرى في الخرطوم. وإلى الآن، يتنافس الجانبان من أجل السيطرة على المواقع الاستراتيجية في الخرطوم، بما في ذلك القصر الرئاسي والمطارات والقواعد العسكرية، وكذلك الطرق اللوجستية من وإلى العاصمة الخرطوم.

في دارفور، لا يزال الوضع متقلبًا: ففي شمال دارفور، أفادت تقارير ميدانية دولية أنّه في 3 حزيران/ يونيو، اندلعت اشتباكات عنيفة بين قوات الدعم السريع، والقوات المسلحة السودانية في منطقة كتم. وبحسب ما ورد قُتل ما لا يقل عن 50 شخصاً، وجُرح نحو 50 آخرون.

وفي نيالا (جنوب دارفور)، واصلت المصادر المحلية الإبلاغ عن حصول عمليات نهب واسعة النطاق، مع استمرار نزوح المواطنين نحو الجزء الجنوبي من المدينة. كما ورد في تقارير دولية، أن مسلحين ملثمين يستقلون مركبات ذات دفع رباعي ودراجات نارية، طوّقوا الأحياء، وقاموا بأعمال هجومية، ولا سيما في المناطق التي تسيطر عليها القوات الحكومية.

وبحسب مراسلون بلا حدود، فإن الوضع الميداني في زالنجي (وسط دارفور)، متوتر للغاية، في ظل سيطرة قوات الدعم السريع، والميليشيات العربية على المنطقة، مع الإبلاغ عن عمليات نهب وسطو تستهدف مختلف المكاتب الحكومية، ومباني الأمم المتحدة، والعاملين في المجال الإنساني والسكان المحليين.

ولا تزال مدينة الجنينة (غرب دارفور) تحت سيطرة قوات الدعم السريع والميليشيات العربية، مع استمرار تدهور الوضع الأمني والإنساني، في ظل استهداف القبائل الأفريقية، مثل: المساليت والزغاوة والفور.

نشطاء وشهود عيان أكدوا لموقع “ميدل إيست آي” (Middle East Eye) أنّ رجالاً يرتدون زياً مشابهاً لزي قوات الدعم السريع السودانية، اعتدوا جنسياً على 24 امرأة وفتاة في نيالا، عاصمة جنوب دارفور. حيث تمّ اصطحاب النساء بالقوة في سيارات تحمل لوحات أرقام القوات شبه العسكرية،  إحداهن طفلة في الـ 14 من العمر، إلى أحد الفنادق في نيالا، حيث تمّ الاعتداء عليهن جنسياً من قبل هؤلاء الرجال.

ويستمر إقليم شرق دارفور في استقبال النازحين الجدد من نيالا والفاشر (شمال دارفور) والخرطوم، بينما يمر بعض النازحين عبر الولاية لعبور الحدود إلى جنوب السودان. بالتزامن مع تقارير تؤكد ارتفاع وتيرة العنف الجنسي في دارفور، فضلاً عن ازدياد حالات عبور الأطفال القصر غير المصحوبين بذويهم عبر الحدود، ما يثير مخاوف بشأن حماية الأطفال.

إقليم غرب دارفور سجل أكبر عدد من الوفيات المبلغ عنها خلال الفترة من 15 نيسان/ أبريل إلى 19 أيار/ مايو، إذ تم تسجيل 720 حالة وفاة على الأقل خلال الفترة المشمولة بتقرير بالإنكليزية، أصدره مشروع بيانات أحداث النزاع المسلح (ACLED) الأميركي.

وضع إنساني كارثي

لا يزال الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك الرعاية الصحية، يمثل تحدياً، لا سيما في دارفور، في ظل استمرار سماع أصوات إطلاق نار بشكل كثيف بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في الأبيض (شمال كردفان). وبحسب تقرير منظمة الهجرة واللاجئين، تحسن الوضع نسبياً في منطقة شمال أبيي، مقارنة بالأسابيع السابقة، كما خفت حدة التوترات الطائفية إلى حد ما، ولكن لا تزال منطقة شرق السودان والنيل الأزرق متوترة للغاية، ولكنها مستقرة بشكل ما، مع محدودية الوصول إلى الخدمات الأساسية، وانقطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية وارتفاع أسعار الخدمات، مع تواصل ضغط أعداد كبيرة من النازحين، الذين يلتمسون اللجوء إلى المنطقة، أو المرور عبرها نحو الدول المجاورة.

وسط ذلك، دعت منظمة الهجرة الدولية جميع الأطراف إلى ضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، والسماح بوصولهم غير المقيد، ليكونوا قادرين على تقديم المساعدات الإنسانية، وتلبية الاحتياجات الإنسانية داخل السودان، وذلك فيما يتعلق باحتياجات النازحين داخليًا، وكذا المهاجرين.

لكن الأطراف المتحاربة واصلت مهاجمة ونهب مقار منظمات الإغاثة، وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية. ففي 23 أيار/ مايو) الفائت أبلغت منظمة أطباء بلا حدود عن نهب واحتلال مستودع تابع للمنظمة في الخرطوم، كما أبلغت وكالات الإغاثة الدولية عن وجود عقبات أمام الحصول على تأشيرات لموظفيها الأجانب.

وبحسب تقارير دولية، يتزايد المستوى الكارثي للاحتياجات يومياً، مع استمرار إعاقة وصول المساعدات الإنسانية، حيث أبلغ مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، أن 68 شريكاً في المجال الإنساني، بما في ذلك الأمم المتحدة، والمنظمات غير الحكومية السودانية والدولية، وجمعية الهلال الأحمر، يحاولون تقديم المساعدة المنقذة للحياة في جميع الولايات السودانية الـ 18، لكن أعمال القتال والنهب والسلب تعوق دون ذلك، كما تواصل المنظمة الدولية للهجرة توسيع نطاق استجابتها في جميع أنحاء البلاد، من خلال بناء مستودع جديد في بورتسودان، وتعمل جنباً إلى جنب مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وبرنامج الأغذية العالمي، ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، لتحديد الخيارات البديلة المحتملة لعمليات الإغاثة عبر الحدود.

وقد أعلنت القوات المسلحة السودانية عن تشكيل لجنة عليا لإدارة الأزمات، لمعالجة الآثار الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية الناتجة عن الصراع، لكن الأمر لم يتجاوز الدعاية الإعلامية، إذ لا يزال الوضع الإنساني على الأرض كارثياً بكل المقاييس.

وأشارت منظمة الهجرة الدولية إلى استمرار حركة تدفق النازحين هرباً من أعمال القتال والقصف العشوائي. فوفقاً للإحصائيات، هناك 476,811 شخصاً فروا إلى البلدان المجاورة، واعتباراً من 4 حزيران/ يونيو، وصل ما لا يقل عن 205,565 شخصًا إلى مصر عبر منفذ أرقين الحدودي، و125,377 شخصًا وصلوا إلى تشاد، و90,796 شخصاً نزحوا نحو جنوب السودان، فضلاً عن 39,833 شخصاً نزحوا تجاه إثيوبيا، و13,922 شخصاً اتجهوا نحو جمهورية إفريقيا الوسطى، و ,318 شخصاً ذهبوا إلى ليبيا منذ بدء النزاع.