التطبيع بين تركيا وسورية وخيارات المعارضة والنظام

فتحت التصريحات السياسية التركية بشأن نية أنقرة التطبيع مع النظام السوري، باب التساؤلات عن مصير المعارضة السورية المتحالفة مع تركيا والخيارات المتاحة لديها لمواجهة هذا التطبيع، إذ أنه وعلى الرغم من أن تصريحات المسؤولين الأتراك أشارت إلى أن التطبيع لن يؤثر على دعم أنقرة للمعارضة السورية، فإن شروط التطبيع من طرف النظام السوري في حال حصوله تستهدف بشكل مباشر المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري.

هيمنة تركية

تهيمن تركيا بشكل فعلي على المعارضة السورية في شقيها العسكري والسياسي، فأنقرة تدعم بالمال والسلاح فصائل المعارضة العسكرية السورية في شمال غرب سورية وتشرف بشكل مباشر عليها، بينما تحتضن تركيا معظم منصات المعارضة السياسية السورية وعلى رأسها الائتلاف الوطني السوري المعارض، بل تزج تركيا بعض الشخصيات المحسوبة عليها ضمن مؤسسات الإئتلاف والمعارضة.

 

وبالنظر إلى دور تركيا في سورية وهيمنتها على القرار السياسي والعسكري للمعارضة السورية فإن التطبيع بين تركيا والنظام السوري يشكل عامل قلق لدى المعارضة السورية، وعلى هذا الأساس يطرح السؤال الأبرز: ما هي خيارات المعارضة السورية لمواجهة هذا  التطبيع؟

خيارات المعارضة

لا تمتلك المعارضة السورية أي خيارات لمواجهة التطبيع بين تركيا والنظام السوري، لكن ما يُمكن أن يُخفف مرحلياً من وطأة التطبيع، أن هذه العملية تحتاج إلا إلى مراحل قد تمتد لسنوات لعودة العلاقات بين البلدين على ما كانت عليه قبل سنة 2011، وعلى هذا الأساس تعوّل المعارضة على الدعم التركي وتتبنى خطوات تركيا في مسار الحل السياسي للقضية السورية.

وتؤمن المعارضة السورية بأن تركيا لن تتخلى عنها، وخصوصاً أنها تدعم المعارضة عسكرياً وسياسياً، وبالتالي ترى أن الموقف التركي الحالي من النظام السوري ودعوات التطبيع معه يأتي من باب عزم تركيا في لعب دور سياسي جديد يهدف إلى إعادة تحريك الملف السياسي السوري بعد سنوات من تجميده دولياً.

كما ترى المعارضة السورية أن مصالح تركيا في سورية تتوافق مع مصالحها من الناحية السياسية ومن ناحية النفوذ العسكري والسيطرة على الأرض، لاسيما وأن المعارضة السورية وصلت إلى قناعة بأن إسقاط النظام عبر المواجهة العسكرية غير ممكنة في ظل إنعدام الدعم العسكري الدولي للمعارضة بهدف إسقاط النظام.

وكذلك ترى المعارضة السورية أن النظام السوري أصبح غير قادراً اليوم على فرض الحل العسكري والسيطرة على مواقع المعارضة في ظل تواجد الجيش التركي شمال غرب سورية، فضلاً عن أن فصائل المعارضة باتت تمتلك قدرات عسكرية تمكنها من صد هجمات قوات النظام، فضلاً عن أن أي عملية عسكرية من تبعات وخيمة تؤثر على النظام سلباً.

وترى المعارضة السورية أن الأولوية لدى النظام هي الاعتراف السياسي بأنّه السلطة الوحيدة الشرعية في سورية. وقد حصل على ذلك من السعودية وجامعة الدول العربية ولاحقا من تركيا، وتعتبر المعارضة أن النظام لا يزال يعيش في حقبة الحرب، ولا يملك رؤية لليوم التالي.

تعقيدات التطبيع

كخلاصة، فإن ما تملكه المعارضة هو تعقيدات مسار التطبيع، كخيار وحيد في وجه هذا المسار، وبالتالي ليس أمامها سوى أن تتماشى مع الرؤية التركية للحل السياسي في سورية. فتعقد المسار وطوله الزمني يمكن أن يعطي فرصة قد تكون أخيرة للمعارضة للعمل على رص صفوفها وتطوير نفسها سياسياً وعسكرياً، ومحاولة إثبات وجودها وأنها قوة لا يمكن تجاوزها، وأن يكون لها فرص أكبر في المشاركة في أي مسار وخطة مستقبلية لوضع حل سياسي شامل للقضية السورية.

أما النظام السوري فقد أصبح جُلّ ما يبحث عنه هو الاعتراف بشرعيته دولياً، ولكنه فعلياً على الأرض لا يمتلك أي أوراق قوة قادرة على تحقيق أي تقدم على مستوى النفوذ والسيطرة على الأرض.

ويبدو أن الدول العربية وتركيا مع دمشق، يهدف إلى تهيئة الظروف لوضع حل سياسي شامل في سورية، مستغلين ضعف المعارضة والنظام السوري على السواء، وعدم قدرتهما على إنهاء الصراع عن طريق الحسم العسكري، الأمر الذي يدفع الطرفين المتحاربين أكثر للقبول في أي تسوية سياسية قادمة.