ارتياح في بغداد التي مهدت للمصالحة السعودية الإيرانية

قبل إعلان إعادة العلاقات بين السعودية وإيران في بكين، كانت بغداد مسرحاً لجولات حوار سرية وعلنية بين الدولتين انطلقت في نيسان / أبريل 2021 بتسهيل من رئيس الحكومة العراقية السابق مصطفى الكاظمي الذي تربطه علاقات جديدة بالجانبين. وترى بغداد أن هذا التطور الأخير، قد يمنح منطقة الشرق الاوسط دفعة نوعية للتعاون والتهدئة بعد سنوات من الصراع والاستقطاب الاقليمي.

بين فكي الخلافات

شهدت العلاقات العراقية مع السعودية وإيران شداً وجذباً وصعوداً وانحداراً في مختلف الحقب التي مر به العراق.

فعلاقة العراق مع السعودية ازدهرت في عهد الرئيس الراحل صدام حسين خلال سنوات الحرب مع إيران، وانتكست تلك العلاقات عقب غزو الكويت وتولي الرياض مسؤولية إخراج الجيش العراقي من الكويت بالتنسيق مع الحلفاء، سواء الولايات المتحدة أو الدول الغربية الكبرى، فيما تميّزت العلاقات بالتوتر خلال السنوات التي اعقبت غزو العراق في 2003، لتعود إلى الاستقرار خلال حقبة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي ووصولاً إلى حكومة محمد شياع السوداني حالياً.

وبشأن إيران، فبعد سنوات من الدم عقب حرب طاحنة دامت 8 أعوام، كان الغزو الأميركي للعراق مدخلاً لدخول إيراني إلى العراق ومد نفوذ واسع في مختلف المجالات العراقية، وباتت هي من يرسم السياسة العراقية فيما يختص بملفات المنطقة، الأمر الذي أثار حفيظة معظم دول المنطقة وفي مقدمتها السعودية التي سعت إلى النأي بالعراق عن الانخراط الكامل في المحور الإيراني، علماً أن الحكومات العراقية المتعاقبة كانت تبدي حرصاً على تأكيد استقلالياتها عن القرار الإيراني، وسط صعوبات داخلية تمثلت في أن بعض الأحزاب العراقية ارتبطت بإيران عقائدياً وسياسياً، ومصلحياً.

لقد أدى تاثير النفوذ الإيراني على الفصائل الموالية لطهران في أكثر من بؤرة إقليمية، وخصوصاً في العراق واليمن إلى انزعاج الرياض التي وضعت سياسة واقعية تنحو نحو الاستقرار للحفاظ على خططها التنموية الطموحة، وهو أمر تلقفته طهران التي تعاني بدورها من أزمات اقتصادية وضغوطات إقليمية ودولية، فتلاقت مصلحة الطرفين على العمل على تحقيق اختراقات في جدار القطيعة الذي فرضته جهات إيرانية هاجمت السفارة السعودية في طهران عقب إعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر، بتهم تتعلق بتهديد الامن القومي السعودي.

بغداد تتنفس الصعداء

كانت لافتة المساعي التي بذلتها الحكومة العراقية في عهد الكاظمي للتقريب بين الرياض وطهران، فاستضافت بغداد جولات الحوار بين الطرفين، والتي أوجدت قاعدة للحوارات التي تلت، إن كان في سلطنة عُمان أو الصين، وصولاً للحظة الإتفاق الذي سيدشن مرحلة جديدة من العلاقات بين دول منطقة الشرق الأوسط.

وتأمل بغداد في أن يصب الأتفاق بين السعودية وإيران على استعادة العلاقات الدبلوماسية في مصلحة المنطقة سياسياً واقتصادياً، وخصوصاً على العراق الذي يرى في الاتفاق بادرة جيدة لتقريب وجهات النظر وحلحلة كل الأزمات في المنطقة بما يشكل خطوة أولى في الطريق الصحيح الذي قد ينعكس على كثير من المحاور والقضايا في المرحلة القادمة.

ويُشعر الاتفاق بغداد بتخفيف كمية الضغط الذي ترزح تحته جراء التجاذب الذي ساد طويلاً بين القوتين المؤثرتين في المنطقة، ورعاية كل طرف لما يثير إزعاج الطرف الآخر في مناطق نفوذهما بما فيها العراق، فضلاً عن أن توتر العلاقات بين البلدين لطالما انعكس على الواقع الداخلي في العراق في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولا سيما أن إيران والقوى الموالية لها، وخصوصاً في العراق، باتت مقتنعة بفكرة التعايش والانفتاح على السعودية في ظل انهيار اقتصادي، سواء في إيران ودول حليفة أو لها نفوذ فيها.

كذلك فإن السعودية التي تمثل إحدى أهم ركائز الاقتصاد العالمي، باتت مقتنعة بأن الانخراط في سياسات تصادمية مع بعض الدول قد يعيق خططها الطموحة لترسخ دورها قوة اقتصادية وسياسية كبرى، وبالتالي فإن سياسة صفر مشاكل قد تعود بالفائدة على مختلف دول المنطقة ومنها العراق.

ويمكن للمتابع للشأن العراقي أن يلمس خلال الفترة المقبلة بأن نبرة العداء ضد السعودية من قبل بعض الشخصيات المؤثرة سوف تتلاشى، بينما قد تمارس بعض الفصائل العراقية تشويشاً على طبيعة العلاقة مع السعودية، لأن الاتفاق سيضع هذه القوى في موقف حرج، لكن ذلك التشويش سيكون على المستوى الإعلامي فقط.

ومن المتوقع أن يكون مستوى الحضور السعودي في العراق في المستقبل القريب حذراً، وقد يقتصر على مناطق معينة، وتحديداً في مفاصل الطاقة والاتفاقات التجارية والاستثمار، قبل أن يشهد توسعاً كبيراً في مجالات أخرى، إذا ما سار الاتفاق على السكة الصحيحة.

 

اقرء المزيد عن إعادة العلاقات بين السعودية وإيران في تقدير الموقف: لا يقين سورياً إزاء إعادة العلاقات السعودية الإيرانية