أسلمة الأحوال الشخصية إنهاء لعلمانية العراق

أخذت القوى الإسلامية في البرلمان العراقي، والشيعية منها تحديداً، على عاتقها زمام المبادرة لأسلمة الدولة العراقية وفرض رؤيتها الدينية على مجمل نواحي الحياة، ولاسيما ما يتعلق بالأحوال الشخصية التي تثير حساسية كبيرة على المجتمع العراقي الذي يصارع للحفاظ على مدنية الدولة.

وواجهت محاولة تمرير البرلمان العراقي لمقترح قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية المستمد من التشريعات الفرنسية، والذي تم اقراره بعد ثورة 14 تموز/ يوليو 1958 في عهد رئيس الوزراء الراحل عبد الكريم قاسم، رفضاً اجتماعياً وشعبياً واسعاً، على الرغم من محاولات بعض الأحزاب الإسلامية ورجال الدين الترويج لهذا التعديل بهدف إقراره.

حقوق الإنسان والعلمانية

ويتخوف ناشطون مدنيون وأحزاب مدنية وليبرالية من إثارة تعديل القانون خلافات طائفية واعتراضات دولية كونه يؤثر سلباً على مدنية الدولة وحقوق الإنسان؛ فتعديل القانون سيسلب القضاء دوره ويعطي رجال الدين الدور الأبرز في مسائل الزواج والطلاق، كونه سيقترح الغاء المادة التي تفرض عقوبات على كل شخص يقوم بعقد زواج خارج المحكمة، وبهذا المعنى فإن التعديل يقوض قدرة القضاء على المحاسبة والحد من الطلاق خارج المحاكم، ويعيد العمل بالمحاكم الشرعية الخاصة بالشيعة والسنة.

ومع أن معظم الكتل السياسية الكردية والسنية وبعض الشخصيات الشيعية نجحت في جلسة يوم الاربعاء في تأجيل عرض تعديل قانون الأحوال الشخصية، إلّا أن الاحزاب الدينية التي تمثل أغلبية في تحالف الإطار التنسيقي الشيعي الحاكم تعد العدة لاستكمال عملية طرح القانون على البرلمان العراقي، كونه بات تحدياً حقيقياً أمام محاولات رفض تمريره، فضلاً عن كون تمرير التعديل يُعد فرصة مهمة قد لن تتكرر مجدداً في ظل غياب رئاسة البرلمان وتولي نائب رئيس مجلس النواب رئاسة البرلمان بالنيابة، وهو ما جعل لعاب زعامات الإطار التنسيقي تسيل لتمرير قوانين خلافية بقيت لسنوات في الأدراج.

ذكوري وغير عادل

‏ويرى العديد من الأطراف أن القانون ذكوري ومجحف بحق النساء ومنحاز بشكل واضح وفاضح للرجال؛ فقانون الأحوال الشخصية العراقي الحالي الذي تم تشريعه في الجمهورية الأولى في عهد عبدالكريم قاسم، يعد من أفضل قوانين المنطقة، إذ يتيح للطفل بعد طلاق ذويه اختيار العيش مع أمه أو أبيه عند بلوغ الخامسة عشرة من العمر، وفي التعديل الجديد سيتم تخييره بعمر سبع سنوات فقط. كما يمكن للطفل أن يعيش مع والدته في حال زواجها بآخر في حال أراد الطفل ذلك، بينما في القانون الجديد سيسلب الطفل منها بشكل نهائي ولا يحق لها المطالبة به، ولا يحق للطفل اختيارها. كما يتضمن التعديل الجديد للقانون إدخال الوقفين السني والشيعي في قضايا الخلع والتفريق، وهو ما يتعارض مع مدنية الدولة العراقية.

النواب الداعمون لتمرير التعديل، يرون أن التعديلات الخاصة بقانون الأحوال المتعلقة بحضانة الطفل تحقق العدالة والحماية للأسرة من التفكك وسط زيادة حالات الطلاق، وتقترح حضانة مشتركة بين الأبوين لتربية الطفل في بيئة متوازنة.

ومنذ نهاية عقد الخمسينيات تقوم العوائل العراقية بعقد القران للزيجات المختلطة السنية والشيعية وفق القضاء المدني، بينما سيكون للمذاهب الإسلامية رأيها في القانون الجديد، فالتفريق يتم وفقاً للفقه المذهبي بحسب اختيار الزوجين، وفي حال لم يكن للزوجة مذهب فقهي للاحتكام إليه، تعتمد المحكمة مذهب الزوج في التفريق بينهما بما يتعلق بالحقوق، التدبير الذي اعتبره الرافضون للقانون شرعنة للطائفية في إدارة الدولة والقضاء، وابتعاداً عن الدستور الذي ينص على مدنية الدولة العراقية.

ويعبر المعترضون عن مخاوفهم من أن يكون هدف التحركات الجارية في البرلمان العراقي وإقرار قوانين مثيرة للجدل باتجاه فرض لون مذهبي معين على بلد متنوع بالإثنيات والأديان والمذاهب.