ثلاثة سيناريوهات لأزمة العلاقات المصرية السعودية

تستمر التكهنات بشأن أزمة العلاقات بين مصر السعودية، بالتزامن مع تقارير أكدت وجود توتر في العلاقات بين ولي العهد محمد بن سلمان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وهو توتر ظهرت تداعياته في عدة مستويات، قبل أن تتجلى بوضوح في حملة التراشق الإعلامي التي جرت أخيراً بين كتّاب صحافيين من الطرفين.

ويمكن القول إن التوترات طفت على السطح، بحدّة بين البلدين، خلال الأزمة الاقتصادية التي ضربت مصر مؤخراً. فوفقاً لتقديرات البنك المركزي المصري صدرت في سنة 2019، قدمت الرياض ودول الخليج للنظام المصري أكثر من 90 مليار دولار منذ صيف 2013، الأمر الذي ساعد على مواجهة جملة من التحديات الاقتصادية الهائلة، والتي واجهتها القاهرة في أعقاب سقوط نظام الإخوان.

بدايات الأزمة

مع إقرار حزمة المساعدات الأخيرة لمصر، دعا صندوق النقد الدولي في أوائل كانون الثاني / يناير الفائت، دول الخليج إلى الوفاء بتعهداتها الاستثمارية التي وعدت بها القاهرة في الوقت المحدد، كي تتمكن الأخيرة من تغطية أعباء ديونها الخارجية، وكان اللافت التزام المسؤولين في السعودية والكويت، الصمت حيال بيان صندوق النقد الدولي، الأمر الذي جاء صادماً للقاهرة. لكن الصدمة الأكبر جاءت مع مطالبة أمين مجلس الأمة الكويتي أسامة الشاهين حكومة بلاده بعدم الامتثال لمطالب صندوق النقد الدولي، مؤكداً أن الكويت أحق بأموالها.

وفي المملكة السعودية، انتقد كاتبان معروفان بعلاقاتهما الوثيقة بالديوان الملكي، وهما: تركي الحمد، وخالد الدخيل، النظام المصري بشكل غير مسبوق، فغرّد الحمد، المعروف بأنّه المتحدث الإعلامي للعائلة المالكة السعودية، على صفحته الرسمية، على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، عدة تغريدات، أعرب فيها عن اعتراض بلاده صراحة على سيطرة الجيش على الاقتصاد المصري.

وأشار الأكاديمي السعودي، في سلسلة التغريدات، إلى أن جميع المشاريع في مصر، تمر عبر مؤسسات تسيطر عليها القوات المسلحة، ويستفيد منها أصحاب النفوذ داخلها على حساب القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، منتقداً ما أطلق عليه شيخوخة البيروقراطية المصرية التي تشكل حجر عثرة أمام فرص الاستثمار الاقتصادي الناجح.

علاوة على ذلك، قال الحمد إن هناك ثقافة شعبية خاضعة في مصر، حيث ينتظر الجميع أن يأتي كل شيء من القمة، مع غياب شبه كامل لأي مبادرة مجتمعية مستقلة.

كما أرجع الكاتب والمفكر السعودي خالد الدخيل، في تغريدة على حسابه الرسمي على موقع التواصل تويتر، ما يجري لمصر في السنوات الأخيرة، إلى أن القاهرة “لم تغادر عباءة العسكر منذ 1952″، لافتاً إلى أن سيطرة الجيش على السلطة، وعلى اقتصاد مصر، لم يسمح ببديل سياسي أو اقتصادي مختلف.

بالتزامن مع هذه الانتقادات الحادة، التي وجهتها أقلام صحفية سعودية قريبة من القصر، للنظام المصري، وجّه رئيس تحرير صحيفة الجمهورية المصرية عبد الرازق توفيق، عدة رسائل مسيئة بشكل غير مباشر إلى المملكة السعودية، فانتقد ما وصفه بالتضليل الإعلامي الموجه ضد مصر، متسائلاً: لماذا تتسبب قوة الجيش المصري وقدرته في جنونهم وبغضهم؟ واستمر في مهاجمة المملكة من دون أن يذكرها صراحة، معرباً عن دهشته من أن تأتي الإساءة ممن يفترض أنهم أخوة، مؤكداً أن مصر تتغاضى عن التفاهات وأفعال الأقزام والصغار، ولن ترضخ لابتزاز قد يدفع بالمنطقة إلى صراعات، تتبدد معها كل وسائل الأمن والاستقرار

الكاتب المصري وصف الكتاب والأكاديميين السعوديين الذي هاجموا النظام المصري، ومنهم تركي الحمد وخالد الدخيل، بالمتغطرسين والأقزام، الذين لا يدركون قيمة وعظمة الجيش المصري العظيم وتاريخه وحاضره ومستقبله.

وزعم توفيق أن مصر تواجه كل الأكاذيب والانتهاكات المستمرة التي يطلقها الأشقاء والأقزام والكارهون لقوة مصر وقدرتها على إفشال كل مخططاتهم ومؤامراتهم وسيناريوهاتهم الجهنمية التي لا تستهدف مصر وحدها.

تصعيد عملي

وعلى الرغم من حذف جريدة الجمهورية، مقالة رئيس التحرير، واعتذارها عن المحتوى، وإشادة رئيس التحرير في مقالة لاحقة بالعلاقات المصرية السعودية، فإن تقارير متعددة أكدت أن القاهرة تفاجأت بمطالبة الرياض بسداد الديون القديمة المستحقة على مصر لشركة أرامكو السعودية للنفط، والمتعلقة بشحنات نفط تسلمتها القاهرة قبل نحو خمس سنوات.

وجدير بالذكر أن السعودية والكويت تغيبتا عن القمة التي استضافتها الإمارات في 19 كانون الثاني / يناير الفائت، والتقى خلالها السيسي بأمير قطر وملك البحرين وسلطان عُمان وملك الأردن، لبحث المساعدات الاقتصادية المحتملة لبلاده.

وقبل ذلك  صرّح وزير المال السعودي محمد الجدعان، أمام منتدى دافوس الاقتصادي، بأن بلاده ترفض دفع المزيد من المساعدات أو المنح المالية إلى حلفائها، من دون أن تنفذ تلك الدول إصلاحات اقتصادية حقيقية وفعالة.

إزاء الاحتقان المتزايد في العلاقات بين الطرفين، ومع الصمت الرسمي، يمكن طرح عدة سيناريوهات قد تحدد أفق العلاقات بين القاهرة والرياض في المستقبل المنظور:

تهدئة واحتواء

ربما تدرك المملكة السعودية الخطورة التي يمثلها انهيار النظام المصري على استقرار الشرق الأوسط، وخصوصاً أن الجيش المصري، على الرغم من كل الانتقادات الموجهة إليه، يظل صمام أمان لا غنى عنه للرياض، في ظل التهديدات إيران عبر ذراعها الحوثي في اليمن.

ويمكن ربط ذلك المعطى، بالتقارير التي تحدثت عن اجتماعات مهمة تجري حالياً في المملكة العربية السعودية. فوفقاً لقناة “العربية”، قال مسؤولون إن كبار المسؤولين الأميركيين من إدارة بايدن، سيشاركون في اجتماعات أمنية في الرياض لمناقشة الوضع في إيران والتهديدات المشتركة الأخرى، فإذا كانت واشنطن تتطلع إلى إبعاد نفسها عن التورط في قضايا الشرق الأوسط بشكل مباشر، فإنها ربما تضغط للحفاظ على التحالف المصري السعودي، بوصفه الحل الواقعي الأمثل، في الوقت الراهن، لردع إيران.

جدير بالذكر أن نائب قائد القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية الأدميرال براد كوبر، التقى نائب قائد القوات البحرية الملكية السعودية الفريق الركن فهد الغفيلي، في الرياض في 12 شباط / فبراير الجاري، لمناقشة جهود الأمن البحري الثنائية، والتأكيد على الالتزام المشترك بأطر تعزيز الأمن والاستقرار الإقليميين. وبالطبع فإن المحادثات تطرقت إلى سبل تعزيز الأمن المائي في البحر الأحمر، والتي لا يمكن أن تتم بمعزل عن القاهرة.

ويمكن فهم تصريحات الرئيس السيسي الأخيرة، والتي تناول فيها عمق الروابط بين القاهرة والرياض، في ضوء الأهمية الاستراتيجية التي تفرضها المتغيرات الدولية على راهن العلاقات بين البلدين. وإذا كان احتواء الخلاف يتطلب الحفاظ على تدفق الدعم السعودي لمصر، فإن ذلك قد يتم بضمانات وشروط سعودية جديدة، ربما عبر تسويات مالية تستحوذ من خلالها الشركة السعودية المصرية للاستثمار (SEIC)، التي أطلقها مؤخراً صندوق الاستثمارات العامة في المملكة العربية السعودية، على حصص جديدة في شركات مصرية عامة.

وتملك الشركة بالفعل حصصاً في أربع شركات مصرية ضخمة هي: شركة أبو قير للأسمدة والصناعات الكيماوية، وشركة مصر لإنتاج الأسمدة، وشركة الإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع، وشركة إي فاينانس للاستثمارات المالية والرقمية.

وعليه يمكن لصندوق الثروة السيادية السعودي، الدخول في تفاهمات مع الجهات المعنية في مصر لبناء محفظة من الاستثمارات، تعوض ما قدمته المملكة من دعم لمصر، وتنشط في المقابل مجالات الاستثمار في مصر.

استمرار العلاقات الباردة

يتحقق هذا السيناريو إذا لم يتم الوصول إلى حل للأزمة، ويتواصل تحفظ الرياض على دخول السوق المصرية، وتقوم بتجميد المساعدات، ولا تستجيب لمطالب صندوق النقد، فتدخل العلاقات بين البلدين في مرحلة البرود، من دون تصعيد، بينما تقوم الإمارات بتعويض القاهرة بشكل أو بآخر عن الدعم السعودي، وتحتفظ المملكة بالحد الأدنى من العلاقات بين البلدين، وفقاً لما تتطلبه المتغيرات الدولية والإقليمية.

يدعم هذا السيناريو، الزيارة الأخيرة التي دشنها السيسي للإمارات، وإشادته بدولة الإمارات العربية المتحدة خلال القمة العالمية للحكومات في دبي، مستهلاً تصريحاته بالاعتراف بالفضل للدعم الإماراتي لبلاده.

تدهور العلاقات

من الممكن أن تمضي الأزمة نحو الإنفلات الكامل في العلاقات بين الطرفين، فتنأى الرياض بنفسها عن الشأن الاقتصادي المصري، وتطالب بشكل رسمي بديونها المستحقة، وتستعيض عن القاهرة بتطوير علاقتها مع تركيا كقوة إقليمية قادرة على إحداث توازن استراتيجي مع إيران.

هذا السيناريو يترتب عليه جملة من المتغيرات في ملفات إقليمية مهمة، أبرزها ليبيا وشرق المتوسط، ذلك بأن اصطفاف الرياض مع أجندة أنقرة في الشرق الأوسط، قد يذهب بالتوتر مع مصر إلى منطقة اللا عودة.