مقدمة
تمكن البرلمان العراقي أخيراً، بعد مخاض عسير تجاوز مدة عام كامل منذ الانتخابات النيابية، وعلى وقع هجمات صاروخية وقصف إيراني على منطقة كردستان، توافق الأكراد على مرشح منصب رئيس الجمهورية، وتم انتخاب عبد اللطيف رشيد رئيساً، كما رضخ البرلمان الذي غاب عنه النواب الصدريون المستقيلون لمشيئة الإطار التنسيقي الحليف لإيران، وتم تكليف محمد شياع السوداني، الشخصية الجدلية، لتشكيل الحكومة الجديدة. وكان طرح السوداني لرئاسة الحكومة، بعد أشهر من السجالات والصدامات التي قادت إلى صدامات سياسية وأمنية بين التيار الصدري وقوى الإطار التنسيقي، والتي تم لملمتها سريعاً بعد وساطات عاجلة لتطويق اشتباكات المنطقة الخضراء عقب استقالة الصدريين وغضب زعيمهم مقتدى الصدر من عراقيل وضعها منافسوه لتاليف الحكومة.
ويمكن القول إن التيار الصدري أسهم بالوصول إلى مثل هذه النتيجة، بعدما اقترف، مثلما يرى كثيرون، خطأ سياسياً استراتيجياً باستقالة نوابه من البرلمان ومنح الفرصة لخصمه بالحصول على الأغلبية التي تتيح له التحكم بمفاصل مهمة في مؤسسات الدولة ومنها البرلمان.
كما أن الأكراد يتحملون بدورهم مسؤولية عمّا آلت إليه الأوضاع، بعدما فشلوا في الاتفاق سابقاً على مرشح واحد لرئاسة الجمهورية، إذ أصر كل من الحزب الديمقراطي الكردستاني (بزعامة مسعود البارزاني) وغريمه الاتحاد الوطني الكردستاني (بزعامة بافل الطالباني) على مرشح يخصه لرئاسة الجمهورية، وهو الموقع الذي يعد من حصة الأكراد وفقا لنظام المحاصصة، غير المكتوب. وكان الحزب الديمقراطي الكردستاني، المتحالف مع التيار الصدري الكتلة السنيّة، رفض إعادة ترشيح برهم صالح لولاية رئاسية ثانية وتمسك بمرشحه ربير أحمد ليتنازل في نهاية المطاف، وبعد ابتعاد الصدريين عن المشهد البرلماني، لمصلحة عبد اللطيف رشيد المحسوب على الاتحاد الوطني، حليف الإطار التنسيقي.
وكان تسهيل انتخاب رئيس جديد للعراق مخرجاً من حالة انسداد سياسي أثارت المخاوف من حصول تداعيات سياسية وأمنية واجتماعية تضاف إلى تراكم المشاكل الاقتصادية، الأمر الذي يهدد بانفجار شامل في ظل ما يشهده العراق من أزمات مرتبطة بالخلاف السياسي من جهة، وتفشي الفساد من جهة أخرى. هذه الحال دفعت بممثلة الأمين العام للامم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت إلى إطلاق حزمة تحذيرات جديّة من مخاطر دخول البلد في آتون صراع محتدم، منتقدة بشدة الساسة العراقيين وأسلوب إدارتهم للبلد والعملية السياسية.
وسبق التوافق على الرئاستين، عودة عودة الاحتجاجات الشبابية، استذكاراً لمرور ثلاثة سنوات على انتفاضة تشرين الأول / أكتوبر التي اسقطت الحكومة السابقة بقيادة عادل عبد المهدي، وجاءت بحكومة مصطفى الكاظمي الذي سعى خلال فترة ولايته الى حلحلة الازمة عبر دعوته مرتين لحوار بين أطراف الصراع السياسي، غاب عنهما التيار الصدري الذي تكررت الدعوة له بالمشاركة في الحوار للوصول إلى حلول للأزمة التي تعمقت بعد قرار المحكمة الاتحادية العليا في العراق برفض حلّ البرلمان وتمسك الصدر بعدم عودة نوابه الى ممارسة أعمالهم بعد الطعن في استقالاتهم أمام المحكمة الاتحادية.
والأزمة السياسية الأخيرة ليست ابنة ساعتها، فهي تعود بجذورها الحديثة إلى فترة الاحتلال الأميركي للعراق سنة 2003، وما تلاها من تطورات، والذي حل مؤسسات الدولة العراقية، ومزق النسيج الاجتماعي فيها، وفتح البلد على فوضى شاملة، وشرّعه أمام التدخلات الإقليمية، فساد الفساد الذي قوض الاقتصاد، وقوض العمق الثقافي للعراق.
على أن الأزمات السياسية المتلاحقة ألقت بظلالها على ملفات أخرى تتعلق بأزمات اجتماعية واقتصادية فرضتها الوقائع على الأرض، ولا سيما استشراء الفساد في مؤسسات الدولة العراقية وتورط العديد من كبار المسؤولين، فضلاً عن دفع الشركات الأجنبية العالمية العاملة في مجال النفط والغاز إلى مغادرة العراق، والتي أوقفت نشاطاتها على خلفية لجوء خصوم البارزاني لاستصدار قرارات قضائية من المحكمة الاتحادية العليا بهذا الموضوع الحيوي، في حين أتاحت وفرة العائدات المالية الناجمة عن بيع النفط للعراق التقدم في مراتب الدول ذات الرصيد المرتفع من الذهب.
أما ثقافياً فكان الحدث في سنة 2022 هو إعادة افتتاح شارع المتنبي الشهير، وتسجيل وفاتين لقامتين ثقافيتين: في شهر تموز / يوليو أحد أشهر الملحنين العراقيين محسن فرحان الذي يترك فراغاً كبيراً في الساحة الفنية العراقية، وقبله الشاعر العراقي الكبير مظفر النواب.
التقرير السياسي
ثقة برلمانية بالحلبوسي واختيار رشيد للرئاسة والسوداني للحكومة
أخيراً، وبعد مخاض عسير دام أكثر من عام كامل عُقب الانتخابات البرلمانية، انتخب مجلس النواب العراقي، في جلسة عقدها الخميس 13 تشرين الأول / أكتوبر، عبد اللطيف رشيد رئيساً للجمهورية، والذي كلف مرشح الإطار التنسيقي، حليف إيران في العراق، محمد شيّاع السوداني، لتشكيل الحكومة الجديدة، بعدما كان المجلس جدد الثقة سابقاً بمحمد الحلبوسي رئيساً له.
وفي تفاصيل ما جرى تحت قُبة البرلمان: أخفق المجلس في الجولة الأولى من الجلسة من انتخاب أحد المرشحين مع اشتداد التنافس بين مرشح الاتحاد الوطني الكردستاني، الرئيس الحالي برهم صالح، وعبد اللطيف رشيد، على الرغم من تفوق الأخير بعدد الأصوات، بسبب عدم تمكنه من تحقيق أغلبية 220 صوتاً، أي ثلثي الحضور من النواب، وهو ما يتطلبه القانون. وحصل رشيد على الأغلبية 162 صوتاً، بينما حصل منافسه برهم صالح على 99 صوتاً، وسجلت 8 اوراق باطلة. وعقب فوزه بالرئاسة، في الجولة الثانية، كلّف رشيد مرشح الكتلة الاكبر في مجلس النواب العراقي محمد شيّاع السوداني.
وينص الدستور العراقي أن على رئيس مجلس الوزراء المكلف عرض تشكيلته الحكومية خلال مدة اقصاها 30 يوماً أمام مجلس النواب العراقي لتنال الثقة، وإذا ما فشل خلال هذه المدة، يتم سحب التكليف منه وإسناده إلى مكلّف جديد.
والسوداني هو عضو في مجلس النواب العراقي عن الإطار التنسيقي الذي يضم القوى الشيعية، عدا التيار الصدري الذي استقال نوابه من البرلمان احتجاجاً على انسداد الأفق السياسي، وقد اختاره الإطار التنسيقي كمرشح له بعد انسحاب الكتلة الصدرية.
والسوداني، سياسي عراقي فاز بعضوية مجلس النواب لثلاث دورات انتخابية متتالية عن بغداد ضمن ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي. وهو حاصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة الزراعية من جامعة بغداد.
بدأ السوداني حياته السياسية بعد سنة 2003 بالانضمام لحزب الدعوة / تنظيم العراق، وتدرج في المواقع القيادية الرسمية من قائم مقام إلى محافظ ومن ثم وزيراً في حكومتين في 2010 و2018.
وبعد انطلاق تظاهرات تشرين الأول / أكتوبر 2019، أعلن استقالته من حزب الدعوة وائتلاف دولة القانون وأسس “تيار الفراتين” ونال في أول مشاركة انتخابية ثلاثة مقاعد في مجلس النواب الحالي، وانضوى من خلالها مع الإطار التنسيقي كقوة سياسية شيعية.
وبهذا يكون البلد فقد طوى صفحة أكبر أزمة سياسية عاشها منذ تأسيس الدولة الدولة العراقية، إذ لم تتمكن القوى والأطراف السياسية المتنافسة من المضي في تشكيل الحكومة خلال أكثر من عام بعد الانتخابات البرلمانية المبكرة.
ويذكر أن العراق أجرى في 10 تشرين الأول / أكتوبر 2021 انتخابات تشريعية مبكرة للخروج من أزمة سياسية عصفت بالبلاد بعد تظاهرات كبيرة شهدتها مناطق الوسط والجنوب في سنة 2019 احتجاجاً على استشراء البطالة في المجتمع، وتفشي الفساد المالي والإداري في الدوائر والمؤسسات الحكومية، وتردي الواقع الخدمي والمعيشي، الأمر الذي دفع رئيس الحكومة السابقة عادل عبد المهدي إلى الاستقالة بضغط شعبي
وكان مجلس النواب العراقي قد صوت، يوم الأربعاء 28 ايلول / سبتمبر، على تجديد الثقة برئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي بـاغلبية 222 نائباً على رفض استقالته من منصبه، وفاز في الجلسة نفسها النائب محسن المندلاوي بمنصب النائب الأول لرئيس مجلس النواب العراقي خلفا للمستقيل عن التيار الصدري حاكم الزاملي.
وحصل المندلاوي وهو ينحدر من شريحة الاكراد الفيليين (الشيعة) على 203 أصوات من مجموع الحضور وسط منافسة كل من النائبين ياسر الحسيني، والنائب باسم الخشان وقد حصل الأول على سبعة أصوات بينما حصل الثاني على 17 صوتا.
وتشير تلك التطورات إلى تماسك أطراف الإطار التنسيقي واعتمادهم على استراتيجية صبر تشبه إلى حد كبير سياسة حائك السجاد الإيراني، على حساب التيار الصدري الذي انسحب من المؤسسة الدستورية، أملاً بخوض غمار المواجهة في الشارع، والتي لم تؤت أكلها حتى اللحظة.
وسبق التطورات الأخيرة، وففي خطوة متوقعة، نأي المحكمة الاتحادية العليا في العراق، في 7 ايلول / سبتمبر، بنفسها عن الأزمة السياسية عندما قضت برد الدعوى المرفوعة بحل البرلمان والمقدمة من التيار الصدري، على الرغم من توجيه اللوم إلى البرلمان العراقي بشأن التأخر في حسم تشكيل الحكومة الجديدة.
وأكدت المحكمة أن حل البرلمان وفقا للدستور يكون من خلال البرلمان نفسه، لأن “دستور جمهورية العراق لعام 2005 رسم الآلية الدستورية لحل مجلس النواب وفقاً لأحكام المادة (64 / أولاً) منه، وأن اختصاصات المحكمة الاتحادية العليا مُحددة بموجب المادة (93) من الدستور والمادة (4) من قانون المحكمة الاتحادية العليا وليس من ضمنها حل البرلمان”.
وكانت الأزمة السياسية أحدثت توتراً أمنياً كاد أن يصل إلى حرب أهلية، بعدما عاشت المنطقة الخضراء، في 29 و30 آب / أغسطس، صدامات أشبه بحرب شوارع بين مسلحين تابعين للتيار الصدري ومناوئين من مجموعات مسلحة تابعة للإطار التنسيقي، بعدما فتح مسلحون النار على متظاهرين صدريين اقتحموا مقر الحكومة، وأوقعوا عدداً كبيراً من القتلى والجرحى بين المتظاهرين، الأمر الذي دفع بمقاتلين من سرايا السلام التابعة للتيار الصدري إلى التوجه إلى المنطقة الخضراء، والاشتباك مع مسلحين من تلك المجموعات، طوال 23 ساعة، خرج بعدها مقتدى الصدر في مؤتمر صحافي في 30 آب / أغسطس، ممهلاً أنصاره 60 دقيقة للانسحاب ووقف كل أنواع التظاهرات والاعتصامات تحت طائلة براءته من تياره، وفي أقل من هذه الدقائق كان كل مسلحي التيار وأنصاره قد انسحبوا من المنطقة الخضراء. وكانت تلك الأحداث اندلعت في إثر إصدار المرجع الشيعي كاظم الحائري (84 عاماً) بيان في 28 آب / أغسطس، أعلن فيه اعتزاله المرجعية، داعياً مقلديه إلى السير خلف الولي الفقيه (علي الخامنئي). وفي رد على بيان الحائري، أصدر مقتدى الصدر بياناً جاء فيه: “يظن الكثيرون بما فيهم السيد الحائري – دام ظله – أن هذه القيادة جاءت بفضلهم أو بأمرهم… كلا، إن ذلك بفضل ربي أولاً ومن فيوضات السيد الوالد (قُدس سره)… الذي لم يتخل عن العراق وشعبه.” وانتقد الصدر انسحاب الحائري لمصلحة خامنئي، وقال: “وعلى الرغم من استقالته، فإن النجف الأشرف هي المقر الأكبر للمرجعية كما هو الحال دوماً… وإنني لم أدع يوماً العصمة أو الاجتهاد ولا حتى القيادة، إنما أنا آمر بالمعروف وناه عن المنكر ولله عاقبة الأمور. وما أردتُ إلا أن أقوّم الاعوجاج الذي كان السبب الأكبر فيه هو القوى السياسية الشيعية باعتبارها الأغلبية، وما أردت إلا أن أقربهم إلى شعبهم وأن يشعروا بمعاناته عسى أن يكون بابا لرضى الله عنهم، وأنى لهم هذا.” وأضاف، “وعلى الرغم من تصوري أن اعتزال المرجع لم يكن من محض إرادته… وما صدر من بيان عنه كان كذلك أيضاً… إلا أنني كنت قد قررت عدم التدخل في الشؤون السياسية فإنني الآن أُعلن الاعتزال النهائي وغلق كافة المؤسسات إلا المرقد الشريف والمتحف الشريف وهيئة تراث آل الصدر الكرام… والكل في حل مني… وإن مت أو قُتلت فأسألكم الفاتحة والدعاء.”
ويعود أنصار التيار الصدري بالتقليد إلى المرجع الحائري بعد أن أوصى محمد محمد صادق الصدر، والد مقتدى قبيل اغتياله، بالعودة إليه بالأمور الفقهية في حال وفاته وهو يقيم بمدينة قم في إيران منذ سنوات طويلة.
وبعد ساعات على إعلان مقتدى الصدر اعتزاله العمل السياسي، اندفع أنصار التيار الصدري إلى شوارع بغداد، وخصوصاً إلى المنطقة الخضراء، واقتحموا القصر الرئاسي والقصر الحكومي، وتعرضوا لإطلاق نار كثيف خلال انسحابهم، فسقط قتلى وجرحى من بينهم، لينتشر مسلحون تابعون للتيار الصدري في شوارع العاصمة وتتوجه قافلة عسكرية تابعة لسرايا السلام التابعة للتيار إلى المنطقة الخضراء، وتبدأ اشتباكات وحرب شوارع طوال 23 ساعة بين 28 و29 آب / أغسطس، وتشهد باقي المحافظات ذات الأكثرية الشيعية توتر أمني، لكن من دون أن تسجل صدامات مسلحة كثيفة.
وفاجأ الصدر مجدداً أنصاره ومنافسيه والعراقيين بالظهور في مؤتمر صحافي في النجف، في 29 آب / أغسطس، على الرغم من انسحابه من الحياة السياسية، مهدداً أنصاره بالقول: “إذا لم ينسحب كل أعضاء التيار الصدري خلال ستين دقيقة من كل مكان، حتى من الاعتصام، أنا أبرأ منهم [….] بغض النظر من كان البادىء [في القتال في 28 آب / أغسطس]، أمشي مطأطأ الرأس وأعتذر للشعب العراقي الذي هو المتضرر الوحيد مما يحدث.” وأضاف، “أنا أنتقد ثورة التيار الصدري. بئس الثورة هذه [….] بغض النظر عمن هو البادئ. هذه الثورة ما دام شابها العنف ليست بثورة.”
وما كاد الصدر أن ينهي مؤتمره الصحافي، بدأ أنصاره بالانسحاب من المنطقة الخضراء، ورفع الجيش حظر التجول الذي كان قد أعلنه، وعادت الحياة شبه طبيعية في أنحاء العاصمة.
وقد أفادت معلومات بأن مقتدى الصدر اقتنع بعدم إمكانية نجاح أي ثورة صدرية، وليست شعبية عامة، لأن ذلك يضع التيار أمام اتهام بعمل هدفه تصفية الحسابات السياسية مع الخصوم، لذلك سارع إلى عقد المؤتمر الصحافي وتوجيه أوامر إلى أنصاره بالانسحاب، محققاً هدفين في آن واحد: الإثبات لخصومه وحلفائه أنه لا يزال القائد الذي باستطاعته أن يحرك حشداً ضخماً نحو الشارع، وأن يسحبه منه ببضع كلمات؛ خلخلة جبهة خصومه في التيار التنسيقي، إذ رحب قادة من التنسيقي بمبادرة الصدر ودعوا لحوار مباشر معه، كما ضمن تأييداً رسمياً لخطوته تمثلت بترحيب رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي بما قام به الصدر.
وتبعت الأحداث الأمنية تلك مساع قادها رئيس الحكومة المنتهية ولايته، مصطفى الكاظمي، إلى مباشرة مساع لايجاد تسوية للازمة السياسية الخانقة، فدعا لهذه الغاية إلى اجتماع أول عقد في 17 آب / أغسطس، ثم اجتماع ثان حضرته الرئاسات والقوى السياسية، يوم الاثنين 5 أيلول / سبتمبر، وتغيب عنهما التيار الصدري، على الرغم من أنه الركن، ربما الأهم، من بين أركان العملية السياسية، والمنسحب منها حالياً، وأصدرت بياناً تضمن مقترحات لحل الأزمة السياسية (المقترحات متضمنة في التقرير السابق).
مبعوثة الأمم المتحدة الخاصّة تنتقد بشدة السياسيين العراقيين
الأزمة السياسية في العراق كانت قد حضرت في مجلس الأمن الدولي خلال إحاطة عن الوضع في العراق، وحذرت مبعوثة الأمم المتحدة الخاصة جينين هينيس في 4 تشرين الأول / أكتوبر من أن الوضع في لا يزال “متقلباً للغاية”. وقالت إنه “مع وجود خطر اندلاع مزيد من الفتنة وسفك الدماء لا يزال ملموساً للغاية، فإن التركيز على من فعل ماذا ومتى لم يعد خيارا”. وأضافت: “خيبة الأمل العامة تصل إلى عنان السماء، والكثير من العراقيين فقدوا الثقة في أن الطبقة السياسية بالبلاد تعمل من أجل مصالح البلد والشعب”، مشيرة إلى أنه يتعين على قادة العراق “تحمل المسؤولية والانخراط بسرعة في حوار وتسليط الضوء على احتياجات الشعب”.
وحذرت من أن “الفشل المستمر في معالجة فقدان الثقة هذا لن يؤدي إلا إلى تفاقم مشكلات العراق”، مشددة على أن “هناك حلولا، ولكن لكي يتم تبني أي منها، يجب على قادة العراق أن يبدأوا الحوار وأن يكونوا مستعدين لتقديم تنازلات”.
وأوضحت هينيس – بلاسخارت أنه منذ سنة 2003، “عندما أطاح الغزو الذي قادته الولايات المتحدة بالمستبد الذي حكم البلاد طويلا صدام حسين، تم إهدار الكثير من الفرص لإجراء إصلاحات ذات مغزى في البلاد، ولا يزال الفساد سمة أساسية للاقتصاد السياسي العراقي الحالي، ومدمج في كل المعاملات اليومية “.
ويظهر تلميح ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق، إلى اعتذار البعثة الأممية عن المساعدة في إجراء أي انتخابات جديدة، نقطة تحول في العملية السياسية، مع احتمالات أن تكون تمهيداً لعدم الاعتراف الدولي بالانتخابات في حال أجريت من دون مراقبة أممية.
قصف إيراني ومظاهرات في ذكرى تشرين واشتباكات في البصرة وذي قار
وبموازاة الازمة السياسية التي قد لا تنتهي على الرغم من انتخاب رئيس وتكليف رئيس للحكومة، فإن الأمن لا يرزال متفلتاً والفوضى الامنية تضرب أجزاء من العراق، ولا سيما الجنوب الغني بالنفط، حيث شهدت مدينة البصرة فجر الثلاثاء 4 تشرين الأول / أكتوبر اشتباكات مسلحة، اسفرت عن سقوط ضحايا. كما شهدت محافظة ذي قار المجاورة قبلها بيوم توتراً أمنياً بعدما عمد العشرات من الملثمين إلى إحراق مبنى المحافظة وعدة دوائر فيها.
ودارت الاشتباكات العنيفة بمختلف الأسلحة، المتوسطة والخفيفة بين عشائر لديها أبناء معتقلين من قبل الحشد الشعبي، ويتهم فصيل عصائب أهل الحق باعتقالهم.
ويمكن قراءة مايجري على أنه صراع سياسي يترجم على الأرض، وأن القصف والاشتباكات تحدث بين أفراد مرتبطين بالتيار الصدري وجماعات مسلحة أخرى محسوبة على الحشد الشعبي، وهناك مخاوف من اتساع دائرة العنف في المدينة من خلال بدء أتباع الصدر في الضغط على خصومه في مركز النفط بجنوب العراق، لتجريدهم من مواردهم الاقتصادية.
وفي الذكرى الثالثة لتظاهرات تشرين الأول / أكتوبر 2019، خرج مئات المتظاهرين في العاصمة بغداد وحاولوا عبور جسر الجمهورية باتجاه المنطقة الخضراء.
وصادف يوم السبت 1 تشرين الأول / أكتوبر 2022، الذكرى الثالثة لانتفاضة 2019، وتجمهر المتظاهرون في ساحات الاحتجاج حاملين صور ضحايا التظاهرات الذين قتلوا قبل ثلاثة اعوام.
وطالب المتظاهرون بإعادة الانتخابات، وتشكيل حكومة جديدة من دون أي من الاحزاب والوجوه التي حكمت البلاد منذ 2003، محملين الإطار التنسيقي مسؤولية الانسداد السياسي الذي تعيشه البلاد.
وحاول المتظاهرون اجتياز الحواجز الكونكريتية ودخول المنطقة الخضراء في العاصمة، لكن القوات الأمنية حالت دون ذلك. حيث وقعت مواجهات عنيفة بين الطرفين استخدمت خلالها قوات الأمن القنابل الصوتية والغاز المسيّل للدموع لتفريق المتظاهرين.
وأدّت المواجهات الى مقتل شخص وإصابة 28 شخصاً آخرين، 19 منهم من عناصر القوات الأمنية.
وتركز توجهات القوى السياسية المعارضة على تغيير النظام السياسي ورفض المحاصصة الطائفية ومن المحتمل بعد تلويح المحتجين بالعودة الى المظاهرات.
وبحسب معلومات فإن التيار الصدري يعمل على إشراك انصاره بشكل شخصي في الاحتجاجات المقبلة واستثمارها سياسياً لفرض شروطه للخروج من الأزمة السياسية، ولاسيما أن الصدر ارتكب خطأ ستراتيجياً كبيراً بسحب نوابه واستقالاتهم من مجلس النواب ودخوله في صدام مسلح تم تطويقه للحد من انتشار العنف والصراع المسلح بين عناصر التيار الصدري ومنافسيهم في الإطار التنسيقي.
أمنياً أيضاً، استدعت وزارة الخارجية العراقية، يوم الخميس 29 أيلول / سبتمبر، السفير الإيراني لدى بغداد محمد آل صادق وسلمته مذكرة احتجاج وصفتها بأنها “شديدة اللهجة”، بسبب القصف المدفعي على مناطق في أربيل في إقليم كردستان.
وقال المتحدث باسم الخارجية العراقية أحمد الصحاف في بيان صحفي، إن وزارة الخارجية استدعت السفير الإيراني احتجاجاً على عمليات القصف المدفعي والجوي بالصواريخ والطائرات المسيرة على مدن وقرى متعددة في إقليم كردستان العراق، ولاسيما في يوم الأربعاء 28 أيلول / سبتمبر.
وشددت الوزارة في المذكرة، وفق الصحاف، “رفضها لتلك الأعمال وما نجم عنها من ترويع وإرهاب المواطنين الآمنين”، كما طالبت “بإحترام سيادة العراق والالتزام بتعهدات الجمهورية الإسلامية الإيرانية المنصوص عليها في المواثيق الدولية والابتعاد عن المنطق العسكري ولغة السلاح في معالجة التحديات الأمنية؛ وحذرت من تداعياتها على السلم المجتمعي لكلا البلدين، وعلى الأمن والاستقرار الإقليميين”.
وأعلن حزب حرية كردستان الإيراني المعارض، أن القصف استهدف مقارهم في كويسنجق وأسفر عن مقتل خمسة أشخاص على الأقل فيما أُصيب العشرات بجروح.
وكانت معلومات مكافحة الإرهاب في إقليم كردستان قد افادت بإن الحرس الثوري الإيراني شن سلسلة هجمات على أربع مراحل استخدم فيها الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة المفخخة لاستهداف مقرات كل من مقر حزب آزادي كردستان في بردي / آلتون كوبري، والحزب الديمقراطي الكردستاني – إيران في كويسنجق ومقر جماعة كادحي كوردستان إيران في السليمانية ومخيم إقامة كورد إيران في السليمانية ومخيمات آزادي وقلعة (قللا) وأميرية في كويسنجق.
وتشير المعلومات إلى أنه جرى إطلاق أكثر من ٧٠ صاروخاً بالستياً من طراز فاتح وطائرات مسيرة مفخخة من داخل الأراضي الإيرانية على أربع مراحل، تضمنت الأولى الصواريخ البالستية فقط، الثانية الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة المفخخة، والثالثة الصواريخ البالستية بإسناد طائرات المراقبة، وفي المرحلة الرابعة استخدمت الصواريخ البالستية فقط.
وتم إطلاق الهجوم من منطقة سلاسي باوَجان في محافظة كرمانشاه المحاذية لحلبجة ومنطقة سردشت في محافظة آذربيجان الغربية المحاذية لإدارة رابرين، حيث تم استهداف الأماكن العامة مثل رياض الأطفال والمدارس والمراكز الصحية والمستشفيات وقاعات المناسبات والسيارات الخدمية ومنازل المدنيين.
وأسفر الهجوم عن مقتل ١٣ شخصاً بينهم امرأة حامل، وإصابة ٥٨ آخرين أغلبهم من المدنيين ومنهم أطفال تحت سن العاشرة وطلاب وتدريسون وصحفيون.
ووفق بيان عسكري اميركي تم إسقاط طائرة مسيرة إيرانية أخرى في كويسنجق قبل أن تصيب أهدافها من قبل القوات الاميركية فيماا كد نائب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية فيدانت باتيل مقتل مواطن أمريكي في هجوم صاروخي إيراني استهدف مواقع معارضة في إقليم كردستان.
وتجسد الضربات الايرانية على مناطق حدودية في اربيل باقليم كردستان العراق حالة الاختراق المتكرر للسيادة العراقية بشكل يعكس ضعف الحكومة المركزية ومحدودية الخيارات امامها لردع الهجمات على العراق.
ولايجمع الساسة العراقيون على سياسة واضحة لحماية السيادة العراقية في ظل الانقسامات القائمة على أساس الانحياز الإقليمي بين أطراف مؤيدة لإيران وأخرى بتركيا، اللتان تقومان بين الحين والاخر بقصف مقار الأحزاب المناهضة لهما، واغلبهم من الاكراد. كما لا يخفى على المتابعين وجود ازدواجية معايير واضحة في التعاطي مع حوادث مماثلة، وخصوصاً أن حلفاء إيران يلتزمون الصمت على استهدافها للمناطق العراقية، بينما تتشدد مواقفهم في حال كان القصف من تركيا.
التقرير الاقتصادي
اتفاق بين العراق والأردن على الربط الكهربائي في حزيران / يونيو 2023
اقتصادياً، وضع رئيس الوزراء العراقي، المنتهية ولايته، مصطفى الكاظمي، في 5 تشرين الأول / أكتوبر، حجر الأساس مع رئيس الوزراء الأردني بشر هاني الخصاونة، لمشروع الربط الكهربائي العراقي – الأردني، وإعلان إطلاق العمل فيه بعد وصوله إلى الحدود العراقية – الأردنية.
وأعلن الكاظمي، ان خط الربط الكهربائي مع الأردن سيدخل الخدمة، في حزيران / يونيو 2023، وبعده خط الربط مع المملكة العربية السعودية والخليج. وقال، “مستمرون بالعمل لاستثمار أكبر للطاقة البديلة واستخراج الغاز المصاحب، لأجل استقرار الطاقة الكهربائية في العراق.”
ويسعى العراق الى التحرر من ابتزاز الحكومة الإيرانية التي تعمل على عرقلة اي جهد حكومي عراقي لتحسين الطاقة الكهربائية. ومضي العراق لكسر الاحتكار الإيراني في ملف توليد الطاقة من خلال الاعتماد على دول الجوار الأخرى كي لا يبقى البلد رهن الحاجة إلى الغاز والكهرباء الإيرانيين على المدى الطويل، مع ملاحظة مهمة هي إعلان طهران عن عطل الأنبوب الذي يمد العراق بالغاز، بعد يوم واحد من وضع حجر الأساس لمشروع الربط الكهربائي العراقي – الأردني.
عرض روسي نووي واتفاق سعودي عراقي لتجاوز أزمة الكهرباء
إلى ما سبق، فقد دخل الصراع الروسي الأميركي الذي برز جليّاً في الحرب الأوكرانية، إلى ملفات دولية أخرى، ومحاولات دخول إلى أزمات دول حليفة لهذا أو ذاك، أو تقع تحت دائرة نفوذها. في هذا السياق وموقف روسي مفاجئ قد يثير غضب واشنطن، أبدت موسكو، استعدادها لمساعدة العراق في تطوير قدراته النووية لأغراض سلمية، منها توليد الكهرباء.
وقال مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية الروسية، ألكسندر كينشاك، في تصريح نشرته وسائل إعلام روسية، يوم الجمعة 2 أيلول / سبتمبر، إن موسكو أبدت استعدادها لمساعدة الشركاء العراقيين في مجال استخدام الطاقة النووية لأغراض تتصل بإنتاج الكهرباء وتوريد النظائر المشعة، وأيضاً تعليم العراقيين في مؤسسات التعليم العالي المختصة الروسية”، مشيرا إلى أن “روسيا مستعدة لتنفيذ مشاريع مشتركة كبيرة في هذا المجال”.
ووفقا لخبراء فإن العراق كان يمتلك بنى تحتية وكادراً نوويا متدرباً في فرنسا وروسيا ودول أخرى، ولكن هناك شروطاً روتينية لاستخدام الطاقة النووية، إذ يجب أن تمر بمراحل عديدة حتى يمكن استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية ومنها توليد الكهرباء وتشكيل لجان من الوزارات المعنية مثل وزارة العلوم والتكنولوجيا والجامعات ووزارة الصحة للتوقيع على العقود الخاصة بهذا الموضوع، وخصوصاً أن الكهرباء المنتجة نووياً أرخص وأنظف من الكهرباء التقليدية التي تعمل بالنفط والغاز، أو حتى المنتجة من الطاقة الشمسية، لأن كمية صغيرة من اليورانيوم تكفي لتشغيل التوربين لمدة سنتين، والعراق غني باليورانيوم.
ومعظم المحطات الكهربائية في العراق تقادمت وباتت غير قادرة على توفير الطاقة المطلوبة، فلجأ العراق إلى استيراد الطاقة الكهربائية من إيران، بعدما استثني من العقوبات الأميركية المفروضة على طهران، وقد دفع العراق 400 مليون دولار في سنة 2020 لإيران، وهو مبلغ يمثل نصف مستحقات الأخيرة عن تصديرها الكهرباء له.
ويحمل تأسيس المنشآت النووية تبعات سياسية، إذ يمكن للعراق أن يقدم طلباً بشأن إنشاء مفاعل نووي لتوليد الكهرباء والأغراض السلمية بالتعاون مع روسيا، ولكن المشكلة أن بعض الدول الأوروبية بدأت توقف العمل بالمحطات النووية لإنتاج الكهرباء لما تنطوي عليه من مخاطر، فضلاً عن عدم سماح واشنطن بتعاون بين العراق وروسيا في مجال الطاقة النووية، إذ إنها، على الأغلب، سوف تعمل على عرقلة هذا التعاون كما عرقلت التعاقد مع شركة سيمنز (الألمانية)، أو إبرام الاتفاقية مع الصين.
وكان رئيس هيئة السيطرة على المصادر المشعة العراقية كمال لطيف أعلن، في 10 حزيران / يونيو 2021، أن العراق يجري محادثات مباشرة مع روسيا وكوريا الجنوبية لدراسة خيارات بناء ثمانية مفاعلات نووية قادرة على إنتاج نحو 11 غيغاواط من الطاقة بتكلفة 40 مليار دولار.
ويسعى العراق إلى تنويع مصادر استجرار الكهرباء، ولهذه الغاية وقع مع السعودية في 15 تموز / يوليو، اتفاقاً بشأن توفير الطاقة الكهربائية بشكل مستقر وبكلف مخفضة عبر الاتفاق مع هيئة الربط الخليجي. ومن شأن هذا الاتفاق، أن يهيء المزيد من أسباب استقرار تزويد الطاقة الكهربائية، وإمدادات الشبكة الوطنية، ولاسيما في المواسم التي تشهد ارتفاع الطلب.
وجرى أيضاً توقيع اتفاق ثان، يهدف إلى تجهيز العراق بالطاقة الكهربائية من السعودية، وأن تصبح الشبكة الوطنية العراقية محوراً لنقل الطاقة بين قارتي آسيا وأوروبا، ومن جهة أخرى ضمان استقلال للعراق وعدم استخدام طهران لملف الكهرباء وتصدير الغاز كورقة ابتزاز وهو مايحصل بالفعل منذ أعوام.
ويعتبر هذا التوقيع الثالث من نوعه لاتفاقية الربط الكهربائي بين بغداد والرياض: الأول في 19 نيسان / أبريل 2019، والثاني في 23 أيار / مايو 2020، لكن التنفيذ دونه صعوبات، ليست فنيّة، بل سياسية وأمنية في ظل استمرار تحكم الفصائل الموالية لإيران بالمشهد العراقي واستمرارها بالحفاظ على نفوذ إيران، وخصوصاً في قطاع الطاقة، حيث جرت عمليات استهداف لأبراج الكهرباء للحيلولة دون إنجاح تنفيذ هذه الاتفاقية، وهو خطر يبقى مستمراً، طالما لم تتخذ الحكومة العراقية خطوات فعلية لتطويق نفوذ هذه اللمليشيات.
وتعد أزمة الكهرباء في العراق، من أكبر ملفات الهدر. ويحتاج العراق إلى 30 ألف ميغاواط من الطاقة، لكن نصف ذلك فقط يصل إلى المستهلكين بسبب قضايا الفساد.
ومع كل فصل صيف تبرز أزمة الكهرباء، وخصوصاً مع تراجع إمدادات الغاز الإيراني، إلى قرابة 5 مليون متر مكعب، على الرغم من وجود اتفاقات مسبقة بين إيران والعراق على تزويد بغداد بـ 70 مليون متر مكعب يومياً من الغاز صيفاً، و50 مليون متر مكعب في الشتاء، من أجل تأمين احتياجات محطات الكهرباء من الوقود.
وتعطّلت الإمدادات بصورة متكررة خلال الأشهر الماضية، نتيجة عدم قدرة العراق على الدفع، وخفضت طهران صادراتها من الغاز إلى بغداد بسبب الديون المتزايدة، التي تقدّرها طهران بأكثر من 5 مليارات دولار، وكذلك أزمة الطاقة في البلاد.
وصرفت وزارة الكهرباء أكثر من 60 مليار دولاراً، من غير المصاريف التشغيلية، علماً أنه، وفق المعايير الدولية، كل مليار دولار من هذا المبلغ يفترض أن يمنح 1000 ميغاواط، وبالتالي فإنه يجب أن يكون هناك 60 ألف ميغاواط، في حين أن ما هو موجود في أحسن الأحوال لا يزيد على 20 ألف ميغاواط، الأمر الذي يؤشر على وجود فساد كبير في مشاريع الوزارة.
ويأتي مشروع الربط الكهربائي مع دول الخليج، على رأس أولويات الحكومة العراقية، وكان يفترض أن يصبح مشروع الربط الكهربائي مع دول الخليج جاهزاً للعمل في صيف 2022 إلا أن الواقع يشير إلى صعوبة تحقيق ذلك.
وتتضمن المرحلة الأولى نقل 500 ميغاواط، عبر إنشاء خط بطول 300 كيلومتر، بواقع 220 كيلومتراً داخل الكويت، و80 كيلومتراَ داخل العراق.
إيران تطرح الدينار العراقي في مصارفها وتمنع عن بغداد ملايين الدولارات
وفي خطوة رآى فيها مراقبون عراقيون أنها لا تخلو من الخبث الاقتصادي، أعلن محافظ البنك المركزي الإيراني علي صالح آبادي، يوم الأربعاء 7 أيلول / سبتمبر، طرح عملة الدينار العراقي في المصارف المحلية الإيرانية.
وقال المحافظ في تصريح على هامش جلسة لمجلس الوزراء الإيراني، إن كمية من الدينار العراقي دخلت إلى البلاد في 6 أيلول / سبتمبر وستوزع ابتداء من 8 أيلول / سبتمبر، وأنه على الراغبين بأداء زيارة أربعينية الإمام الحسين التوجه إلى لمصارف المحلية لتوفير عملة الدينار بجانب مراجعة مكاتب الصرافة.
وتابع صالح آبادي إنه تم تحديد 25 بنكاً محلياً يطرح عملة الدينار، وذلك تفادياً لحدوث ازدحام على مكاتب الصرافة بالسوق.
ويبدو أن الحكومة الايرانية لاتفوت فرصة يمكن أن يستفيد منها العراق إلا وتقوضها، فهي لجأت الى اعتماد خطة ألزمت نحو 5 ملايين زائر إيراني من الذين توجهوا لزيارة اربعينية الإمام الحسين بن علي بتزويدهم بعملة عراقية بدلاً من جلب العملة الصعبة الى العراق، وبالتالي حرمان العراق من الاستفادة حتى من دولار واحد يدخله الزوار الإيرانيون.
ويسود الغموض عن طريقة حصول إيران على الدينار العراقي، وآلية شرائه من العراق بالعملة الصعبة، الأمر الذي يطرح تساؤلات عن حجم الكتلة النقدية العراقية التي بحوزة إيران، وكيفية شرائها، بالتومان الايراني أو الدولار الأميركي، ومن أي مكان، فضلاً عن تفاصيل أخرى غير معروفة.
ولمعرفة كمية مبالغ العملة الصعبة التي قطعت إيران دابرها عن العراق وكانت ستجلب وتنفق في العراق بالفعل من قبل الزائرين لولا خطوة الحكومة الإيرانية بتوزيع الدينار العراقي للحجاج بدلاً من العملة الصعبة. ووفق إحصائيات سابقة فإن قيمة ما ينفقه الزائر الإيراني في العراق خلال فترة الزيارة لاتتجاوز 21 الف دينار عراقي.
وبدخول 5 ملايين زائر أجنبي بحسب السلطات الايرانية والعراقية، فهذا يعني أن الزائرين الإيرانيين من المحتمل أن ينفقون نحو 100 مليار دينار عراقي، ولو كانوا جلبوا عملة صعبة فأنهم سيدخلون وينفقون في العراق قرابة 70 مليون دولار خلال فترة الزيارة، لكن الحكومة الإيرانية قطعت الطريق على تدفق العملة الصعبة نحو العراق، فضلاً عن خسارة العراق قرابة 25 مليون دولار جراء إدخال الزائرين بلا تأشيرات وبشكل مجاني.
مؤشرات اقتصادية إيجابية وتوقع نمو يفوق 9%
وعلى الرغم من الأزمات، سجل العراق مؤشرات اقتصادية إيجابية في الآونة الأخيرة، إذ ارتفع احتياطي العملة الصعبة للبلاد إلى أكثر من 70 مليار دولار بعد أن حقق العراق شهر أيار / مايو 11 مليار دولار إيرادات من بيع النفط الذي تسجل أسعاره زيادات هي الأعلى منذ 14 عاماً، بينما من المتوقع ارتفاع الاحتياطات النقدية إلى أكثر من 90 مليار دولار بحلول نهاية 2022. ويتوقع صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد العراقي بنسبة 9,5% خلال العام الجاري ليكون الأعلى عربياً.
وفي شأن يريح مالية الدولة، سدد العراق في حزيران / يونيو آخر دفعة من التعويضات المرتبطة بغزوه للكويت إبان حكم صدام حسين في سنة 1990، والتي بلغت 52,4 مليار دولار.
التقرير الثقافي
الحياة الليلية تعود إلى شارع المتنبي بعد إعادة افتتاحه
لم يستجد حدثاً ثقافياً بارزاً منذ شهر تموز / يوليو على النشاطات الثقافية، وبقي النشاط مقتصراً على إعادة افتتاح شارع المتنبي في بغداد مطلع حزيران / يونيو، المشهور بمكتباته، بعد إعادة ترميم خضع لها، تتيح لهذا الشريان الحيوي في العاصمة العراقية استعادة بعض من مجده السابق.
ويعجُّ الشارع عادة أيام الجمعة بالرواد، لا سيما الطلاب والشباب، وكذلك فنانو ومثقفو الجيل السابق، ولوحظ في إثر إعادة الافتتاح عودة الحياة إلى الشارع ليلاً بعدما كانت تقتصر سابقاً على ساعات النهار.
وأُطلق على الشارع التاريخي في سنة 1932 خلال عهد الملك فيصل الأول اسم الشاعر الشهير أبو الطيب المتنبي (915 – 965)، الذي ولد في عهد الدولة العباسية.
ويبلغ طول الشارع نحو كيلومتر واحد، ويؤدي إلى إحدى ضفاف نهر دجلة، ويمكن للزائر أن يجد في المكتبات والأكشاك التي يعج بها الشارع مجموعة متنوعة من الكتب باللغتين الإنجليزية والعربية، إضافة إلى الكتب الجامعية والمدرسية.
واللافت في مكتبات شارع المتنبي وجود إصدارات قديمة، بينها كتب بالفرنسية والإنجليزية والعربية، وبعضها قد يكون نادرا ويعود للقرن الماضي.
وتعرّض الشارع في سنة 2007 لتفجير بسيارة مفخخة خلّف عشرات القتلى والجرحى، وتسبب بتدمير المحال القديمة التاريخية ومن بينها مقهى الشهبندر لكن تم إعادة إعماره لاحقاً.
معارض كتب دولية وافتتاح مكتبة الموصل المركزية
ويشهد العراق في كل عام افتتاح عدد من معارض الكتب الدولية دون ضوابط واضحة، إذ تبلغ نحو خمسة معارض سنوياً تنظمها مؤسسات غير حكومية في بغداد وإقليم كردستان والبصرة والنجف وكان آخرها في العاصمة، وأثار جدلاً بين المثقفين والناشطين بسبب افتتاحه من قبل رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، الأمر الذي دفع الكثيرين إلى مقاطعته.
وأعيد رسمياً افتتاح مكتبة الموصل المركزية بعد ترميمها بالكامل من الدمار الذي لحق بها أثناء المعارك بين القوات العراقية وتنظيم “داعش””، أثناء محاولة استعادة الموصل من سيطرة التنظيم قبل خمس سنوات.
تضييق على الحريات الإعلامية والفنية وتصفيات
وشهدت الفترة الأخيرة عمليات قمع جديدة طاولت الحريات الإعلامية والعامة. فقد أوقفت هيئة الإعلام والاتصالات في العراق برنامج “مع ملا طلال” على قناة UTV، بعد أن اشتكى الجيش من مشهد تمثيلي بالبرنامج تناول قضية الفساد. وزارة الدفاع العراقية اعتبرت المشهد مسيئاً للجيش ومنتسبيه.
وسجل مقتل الناشطة النسوية إيمان سامي بينما كان العالم يحتفل باليوم العالمي للمرأة، الأمر الذي أثار غضباً عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتساؤلات حول جدية الجهود التي تبذلها الحكومات لتمكين النساء.
وفيما استضافت بغداد على مدى الأشهر الماضية عدداً كبيراً من الفنانين العرب في مختلف المجالات، وخصوصاً في مجال الغناء، لكن بعض الحفلات الغنائية تعرضت لاحتجاجات لأسباب عدة منها رفض الجماعات الإسلامية المتشددة إقامتها، وآخرها إلغاء حفل المطرب المغربي سعد المجرد في شهر حزيران / يونيو.