التقرير الاقتصادي
- إيران تطرح الدينار العراقي في مصارفها وتمنع عن بغداد ملايين الدولارات
- عرض روسي نووي واتفاق سعودي عراقي لتجاوز أزمة الكهرباء
- مشاريع لتنويع الاقتصاد واعتماد الطاقة النظيفة
- مؤشرات اقتصادية إيجابية وتوقع نمو يفوق %9
- العراق يقفز 10 مراتب في ترتيب أكبر احتياطي للذهب
- النزاهة تتهم 300 وزير ومسؤول بقضايا فساد
- شركات عالمية تغادر كردستان بعد قرار من المحكمة الاتحادية
- شح مياه وتصحر وتحذير من جفاف دجلة خلال 20 عاماً
مقدمة
لا تزال الأزمة السياسية العراقية في عنق الزجاجة، على الرغم من محاولات يبذلها رئيس الحكومة مصطفى الكظمي، تمثلت خصوصاً في دعوته مرتين لحوار بين أطراف الصراع السياسي، غاب عنهما التيار الصدري الذي تكررت الدعوة له بالمشاركة في الحوار للوصول إلى حلول للأزمة التي تعمقت بعد قرار المحكمة الاتحادية العليا في العراق برفض حلّ البرلمان وتمسك الصدر بعدم عودة نوابه الى ممارسة أعمالهم بعد الطعن في استقالاتهم أمام المحكمة الاتحادية.
وجاءت جلستا الحوار وسط تطورات متسارعة شهدها العراق منذ الانتخابات النيابية في 10 تشرين الثاني / أكتوبر 2021، والتي سجلت تقدماً ملحوظاً للتيار الصدري باحتلاله صدارة الكتل النيابية، وتراجع عدد مقاعد الإطار التنسيقي الشيعي المقرب من إيران، لكن تلك الصدارة لم تمّكن الصدريين وحلفائهم من السنة والأكراد من إيصال مرشحهم لرئاسة الجمهورية والحكومة، والاكتفاء بالاتفاق مع المنافسين على اختيار مرشح الكتل السنية محمد الحلبوسي رئيساً لمجلس النواب في 9 كانون الثاني / يناير 2022.
فقد تمكن الإطار التنسيقي وحلفائه من جمع أكثر من ثلث عدد النواب، وبالتالي حال التعطيل دون عقد جلسات البرلمان لانتخاب رئيسي الجمهورية والحكومة، طيلة 5 أشهر، الأمر الذي دفع بزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى الطلب من نواب تياره الاستقالة من البرلمان 12 حزيران / يونيو، وهو ما نفذه النواب في اليوم ذاته.
وفيما بدا أن الأزمة حُلّت، وأن الإطار التنسيقي ربح الجولة بعد عمله التعطيلي، وباشرت زعامات الأحزاب والقوى التي يتشكل منها في عقد اجتماعات لتشكيل الحكومة – وسط خلافات بين تلك الأحزاب والقوى على من يتلى منصب رئاسة الحكومة ورفض لتسمية رئيس الحكومة السابق نوري المالكي، حُلت لاحقاً بالتوافق على اسم محمد شيّاع السوداني، المقرب المالكي، مرشحاً توافقياً للإطار التنسيقي، في 25 تموز / يوليو – قلب مقتدى الصدر الطاولة على رؤوس الجميع، واختار الشارع مكاناً للتنافس بعدما أفشلت مساعيه لتشكيل حكومة أغلبية العملية التعطيلية التي قادها الإطار التنسيقي. فبعد أن كان قد دعا أولاً أنصاره إلى صلاة يوم جمعة موحدة في 15 تموز / يوليو، شارك فيها عشرات الآلاف، من دون أن ينجح في ردع الإطار التنسيقي عن اختيار مرشح لرئاسة الحكومة، والذي حشد كل طاقاته لعقد جلسة للبرلمان لانتخاب رئيس للجمهورية خلال أسبوع، ومن ثم تنثبيت اختيار السوداني، شهر الصدر سيف الضغط في الشارع، واقتحم أنصاره البرلمان الواقع في المنطقة الخضراء في 27 تموز / يوليو، واعتصموا داخله طيلة أسبوعين، ثم في محيطه، مانعين عملياً عقد أي جلسة نيابية، فيما علّق رئيس المجلس الحلبوسي جلسات البرلمان حتى إشعار آخر، ثم انتقل الاعتصام إلى محيط مبنى المجلس بعدما دعا مقتدى الصدر أنصاره إلى ذلك.
ولم يكتف الصدر بالتصعيد الميداني، إذ أرفقه بتصعيد سياسي، عبر دعوته القضاء إلى حل البرلمان، في أمر اختلفت وجهات النظر إزائه، بين مؤيد لحق القضاء بحل البرلمان، تأسيساً على حقه بحل أي مؤسسة رسمية فاشلة، وبين من يرى أن حل البرلمان هو حق دستوري حصري للنواب أنفسهم، وانتهى بإعلان مجلس القضاء الأعلى أنه لا يملك صلاحية حل البرلمان، وبالتالي دخل القضاء ضمن مطالب الصدر الإصلاحية، من خلال دعوة لتنقية السلطة القضائية، وفي الوقت ذاته التصعيد أكثر في الشارع، بالدعوة إلى تظاهرة يوم السبت 20 آب / أغسطس من مختلف محافظات البلد باتجاه بغداد، وهو تحرك أعلن الصدر في 16 آب / أغسطس تأجيله إلى موعد لم يُسمّى، بينما كان الإطار التنسيقي نظم اعتصاماً مقابلاً لاعتصام الصدريين حول مبنى البرلمان.
وقد تفاقم الغضب الصدري من الإطار التنسيقي بعدما سُربت 6 تسجيلات صوتية لنوري المالكي، يهاجم بها مقتدى الصدر وحلفائه الأكراد والسنّة.
أمام الانسداد المتصاعد واحتمالات المواجهة بين القوى الشيعية في الشارع، برز مسعى لتسوية قادها زعيم تحالف الفتح (أحد فصائل الإطار) هادي العامري بدأها في كردستان، ثم لدى القوى السنية، تقضي بتشكيل حكومة متوافق عليها بين مختلف الأطراف، مهمتها الدعوة إلى انتخابات مبكرة، والإشراف عليها، على أن تقبل كل الأطراف بنتائج تلك الانتخابات.
وفي سياق البحث عن حلول ولو خارج الحدود، كانت لافتة زيارة رئيس تيار الحكمة السيد عمار الحكيم، وهو أحد أركان تحالف الإطار التنسيقي إلى الرياض ولقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ومسؤولين سعوديين كبار، قيل إنها تأتي في سياق تمن على السعودية السعي لإقناع الصدريين بالتهدئة. وإن صحت هذه التسريبات فقد تزعج إيران وحلفائها، إذ سيعني الأمر تعزيز تأثير السعودية على الوضع السياسي في العراق.
وقبيل نهاية شهر آب / أغسطس شهدت بغداد حرب الشوارع طوال 23 ساعة قتال شوارع تسببت بعشرات القتلى والجرحى، واقتحم خلالها أنصار الصدر القصرين الرئاسي والحكومي، في إثر علان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الاعتزال السياسي غضباً من فتوى كاظم الحائري المرجع الذي يعود اليه الصدريون، والذي اعتزل لكبر سنه وفق بيانه، وبضغط خارجي وفق بيان اعتزال مقتدى الصدر.
وعقب الصدام المسلح بين الصدريين والإطاريين وسقوط عشرات القتلى والجرحى في مواجهات المنطقة الخضراء التي أدت إلى انسحاب المحتجين الصدريين من محيط البرلمان العراقي، وتلافياً لما هو أعظم دعا رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي لحوار وطني، بدعم مباشر أو غير مباشر من الولايات المتحدة وإيران، وعلى دفعتين: في 17 آب / أغسطس وفي 5 أيلول / سبتمبر، قاطعهما التيار الصدري، وحضرته أحزاب وقوى أُخرى، الأمر الذي قلل من جدواه، فمثلاً توصية وقف كل أشكال التصعيد الميداني والإعلامي والسياسي لم يتجسد على أرض الواقع، فضلاً عن أن الامتثال السريع لأنصار الصدر لأوامر زعيمهم بالانسحاب الفوري من الشارع ووقف القتال لن يعني انسحاب الصدريين من احتمالات المواجهة، الأمر الذي يعني أن الأيام والاشهر القادمة تبقى حبلى بالمفاجأة.
لكن الأزمة لا تتوقف عند الخلافات الشيعية – الشيعية التي بادر العامري والحكيم والكاظمي إلى محاولة حلها، بل ما يجب تسجيله أيضاً في سياق الأزمة السياسية التي نشأت بعد الانتخابات العامة، أن التنافس الكردي – الكردي على منصب رئاسة الجمهورية كان عاملاً في عرقلة تشكيل حكومة أكثرية يريدها الصدر، فلا رئيس حكومة من دون انتخاب رئيس للجمهورية، والمنصب هو مدار تنافس بين حزب الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي الذي يتزعمه مسعود البارزاني الراغب في أن يكون المنصب من حصّة حزبه، وسط تسجيل تحرك كردي – كردي أخيراً للتوافق على اسم لمنصب الرئاسة، وهو تحرك تأخر كثيراً، وجاء بعد “خراب البصرة”.
والأزمة السياسية الأخيرة ليست ابنة ساعتها، فهي تعود بجذورها الحديثة إلى فترة الاحتلال الأميركي للعراق سنة 2003، وما تلاها من تطورات، والذي حل مؤسسات الدولة العراقية، ومزق النسيج الاجتماعي فيها، وفتح البلد على فوضى شاملة، وشرّعه أمام التدخلات الإقليمية، فساد الفساد الذي قوض الاقتصاد، وقوض العمق الثقافي للعراق.
على أن الأزمات السياسية المتلاحقة ألقت بظلالها على ملفات أخرى تتعلق بأزمات اجتماعية واقتصادية فرضتها الوقائع على الأرض، ولا سيما استشراء الفساد في مؤسسات الدولة العراقية وتورط العديد من كبار المسؤولين، فضلاً عن دفع الشركات الأجنبية العالمية العاملة في مجال النفط والغاز إلى مغادرة العراق، والتي أوقفت نشاطاتها على خلفية لجوء خصوم البارزاني لاستصدار قرارات قضائية من المحكمة الاتحادية العليا بهذا الموضوع الحيوي، في حين أتاحت وفرة العائدات المالية الناجمة عن بيع النفط للعراق التقدم في مراتب الدول ذات الرصيد المرتفع من الذهب.
أما ثقافياً فكان الحدث في سنة 2022 هو إعادة افتتاح شارع المتنبي الشهير، وتسجيل وفاتين لقامتين ثقافيتين: في شهر تموز / يوليو أحد أشهر الملحنين العراقيين محسن فرحان الذي يترك فراغاً كبيراً في الساحة الفنية العراقية، وقبله الشاعر العراقي الكبير مظفر النواب.
التقرير السياسي
الاتحادية ترفض حل البرلمان والصدر يرفض عودة نوابه للبرلمان
ففي خطوة متوقعة نأت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، يوم الأربعاء 7 ايلول / سبتمبر، بنفسها عن الازمة السياسية عندما قضت برد الدعوى المرفوعة بحل البرلمان والمقدمة من التيار الصدري، على الرغم من توجيه اللوم إلى البرلمان العراقي بشأن التأخر في حسم تشكيل الحكومة الجديدة.
وجاء قرار المحكمة بعد جلسة مغلقة استمرت نحو ساعتين، ولم يسمح بدخول الصحافيين أو المحامين إليها، إذ اقتصرت على أعضاء المحكمة وعدد من المستشارين المنتدبين فيها.
وجاء في نص الحكم النهائي للمحكمة بعد نحو شهر من التأجيل والتداول المتواصل، أن “أعضاء مجلس النواب بعد انتخابهم لا يمثلون أنفسهم ولا كتلهم السياسية وإنما يمثلون الشعب، ولذا كان من المقتضى عليهم العمل على تحقيق ما تم انتخابهم لأجله وهي مصلحة الشعب، لا أن يكونوا سبباً في تعطيل مصالحه وتهديد سلامته وسلامة البلد بالكامل”.
واعتبر بيان المحكمة أن “استقرار العملية السياسية في العراق يفرض على الجميع الالتزام بأحكام الدستور وعدم تجاوزه ولا يجوز لأي سلطة الاستمرار في تجاوز المدد الدستورية إلى ما لا نهاية، لأن في ذلك مخالفة للدستور وهدم للعملية السياسية بالكامل وتهديد لأمن البلد والمواطنين”.
وأكدت أن حل البرلمان وفقا للدستور يكون من خلال البرلمان نفسه، إذ إنه وفقا لبيان المحكمة فإن “دستور جمهورية العراق لعام 2005 رسم الآلية الدستورية لحل مجلس النواب وفقاً لأحكام المادة (64/ أولاً) منه، وأن اختصاصات المحكمة الاتحادية العليا مُحددة بموجب المادة (93) من الدستور والمادة (4) من قانون المحكمة الاتحادية العليا وليس من ضمنها حل البرلمان”.
وختم بيان المحكمة الذي نشر على موقعها الرسمي أن “دستور جمهورية العراق لعام 2005 لم يغفل عن تنظيم أحكام حل البرلمان، ولذلك فلا مجال لتطبيق نظرية الإغفال الدستوري.”
وربما تمهد هذه الخطوة بمزيد من التعقيد في المشهد السياسي العراقي، وخصوصاً مع استم، رار رفض التيار الصدري المشاركة في شكل من أشكال الحوار مع باقي القوى الأخرى، والتلميح عبر أذرعه الإعلامية وأعضاء نافذين فيه بإمكانية العودة مجدداً إلى الشارع على شكل تظاهرات بعد نهاية المراسم الدينية لزيارة الأربعين منتصف أيلول / سبتمبر، ضدّ أي خطوات لتشكيل الحكومة الجديدة من قبل قوى “الإطار التنسيقي”.
وكانت أطراف سياسية داخلية في العراق تعوّل على الدعوى القضائية التي تم ردها، كأحد مخرجات حل الأزمة الحالية، على اعتبار أن الحكم القضائي سيكون ملزماً لجميع الأطراف، وخصوصاً أن الشكوى مقدمة من قبل التيار الصدري الذي يتهم البرلمان بالإخفاق في الإيفاء بالتزاماته الدستورية المتضمنة اختيار رئيس جمهورية وتشكيل حكومة جديدة، على الرغم من مضي أكثر من 10 أشهر على إجراء الانتخابات.
لكن تبقى هناك جلسة مرتقبة للمحكمة الاتحادية هي الأخيرة، لناحية إمكانية حسم الأزمة قضائياً، إذ من المقرر أن تعقد المحكمة في 28 من أيلول / سبتمبر جلسة خاصة بشأن شكوى عدم شرعية قبول استقالات نواب التيار الصدري في حزيران / يونيو الماضي، والتي صادق عليها رئيس البرلمان فقط/ من دون عقد جلسة خاصة للبرلمان بنصاب كامل.
وبذلك يمكن إيجاد تسوية ما، في حال قضت الجلسة الأخيرة المرتقبة بعدم شرعية قرار الاستقالة ووجوب التصويت عليها في البرلمان، وخصوصاً أن من بين المستقيلين نائب رئيس البرلمان الأول حاكم الزاملي، الذي يعتبر منصبه سيادياً، وبذلك يمكن إعادة عقارب الساعة في أزمة العراق السياسية إلى ما قبل شهر حزيران / يونيو الذي شهد العراق توتراً سياسياً وتصعيداً حاداً بعده.
لكن مقتدى الصدر يبدو غير عابئ بالدعوات لعودة نوابه الى البرلمان، إذ قال في بيان نشره حساب “وزير القائد” الذي عادة ما ينشر بيانات وتصريحات للصدر، يوم الخميس 8 ايلول / سبتمبر: “يسعى البعض من المحبّين وبالطرق القانونية إلى إرجاع الكتلة الصدرية إلى البرلمان؛ قبل أن أعطي رأيي في هذه المسألة أقول: قد كان أول النتائج المتوخاة من انسحابهم هو سد كافة الطرق للتوافق مع ما يسمى الإطار التنسيقي فمثلي لا يتوافق معهم البتة”. وأضاف: “ثم أن رجوع الكتلة إلى مجلس النواب فيه احتمال ولو ضعيف في إيجاد هذا التوافق، وهو ممنوع عندنا، وفي حال منعه، فإن عودتهم ستكون انسداداً سياسياً مرة أخرى، فإن قيل: إنما عودتهم لأجل حل البرلمان لا لأجل التوافق معهم، أقول: إذا عدنا فلا بد أن يكون الحل مرضياً عند حلفائنا من السنة والكرد، ولا أظنه كذلك، فإن كان، فلا داعي لرجوعنا بل بمجرد انسحابهم سيفقد البرلمان شرعيته وسيحل مباشرة”. وتابع: “إننا نعي كثرة الضغوط على حلفائنا لكن التضحية من أجل إنهاء معاناة شعب بأكمله أيضاً أمر محمود ومطلوب، فالشعب لا التيار هو من يرفض تدوير الوجوه وإعادة تصنيع حكومة فاسدة مرة أخرى، فالكرة في ملعب الحلفاء لا في ملعب الكتلة الصدرية”. وأوضح حساب “وزير القائد”: “أما الرأي النهائي في مسألة عودة الكتلة الصدرية إلى مجلس النواب فهو ممنوع منعاً باتاً ومطلقاً وتحت أي ذريعة كانت، إذ يرفض الفاسدون حكومة لا شرقية ولا غربية ذات أغلبية وطنية، ونحن نرفض حكومة توافقية رفضاً قاطع”. وأضاف: “وحل البرلمان ممكن بلا عودة الكتلة الصدرية ولا سيما مع وجود حلفائها في مجلس النواب وبعض المستقلين الذين للآن هم على التل، لذا أدعو الحلفاء والمستقلين لموقف شجاع ينهي الأزمة برمتها، ولن يكون الحل حينئذ تياريا بل سيكون حل البرلمان وطنياً، سني وشيعي وكردي ومستقلين ليبقى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء على رأس حكومة لتصريف الأعمال وللإشراف على الانتخابات المبكرة أو بمعونة آخرين عراقيين أو دوليين”. وختم بيانه: “ومن هنا لا داعي للجوء إلى التيار أو الإطار في حل المشكلة، فالمفاتيح عند أولي الحل والعقد لا عند القضاء المسيس ولا عند المحاكم الخائفة ولا عند الكتلة الصدرية المنسحبة”.
ويمثل طرح الصدر خطوة باتجاه الحل ولا بد من التعاطي مع مثل هذه الحلول، كونها جاءت على اعتبار أن رئيس الجمهورية اتصف بالوسطية والعقلانية وخطابه الأخير وضع خريطة طريق لانتخابات مبكرة وتعديلات دستورية ولم يتحدث بجانب سياسي.
وعن موقف الإطار التنسيقي من مقترح الصدر، فأن معظم تشكيلات الإطار التنسيقي المقرب من ايران قد يتعاطى بإيجابية، لكن من غير المرجح أن يوافق بعض قوى الإطار، ولا سيما دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي وعصائب أهل الحق والفصائل المسلحة على مقترح الصدر.
وقد يعيد استمرار الانسداد السياسي ورفض الإطار التنسيقي أي مبادرة للصدر مشهد الخضراء من اشتباكات وتعمق الخلافات بين الأوساط الشيعية ويجعلان النزاع المسلح هو الأقرب إلى الطرفين، مع استبعاد الإطار التنسيقي قبول بقاء الكاظمي بمنصبه لإدارة الأمور إلى حين إجراء الانتخابات المبكرة، فعقدة الإطار التنسيقي هي الكاظمي، لأنها تعتقد أنه قوّض نفوذها وهي ترفض أن يكون الكاظمي خيارها في المرحلة المقبلة، وبذلك فأن ما طرحه الصدر لا يمكن أن يتحقق ولا يمكن أن توافق عليه قوى “الإطار” بهذه السهولة.
ويبدو مستبعداً قدرة “الإطار” على تشكيل الحكومة من دون رغبة الصدر كونها اقرب إلى المجازفة السياسية وإعلان حرب على الصدر، وهو أمر يضع الجميع أمام مفترق طرق خلال الفترة المقبلة.
23 ساعة قتال شوارع في بغداد بعد اعلان الصدر اعتزاله
وكانت بغداد، وخصوصاً المنطقة الخضراء، قد عاشت في 29 و30 آب / أغسطس، صدامات أشبه بحرب شوارع بين مسلحين تابعين للتيار الصدري ومناوئين من مجموعات مسلحة تابعة للإطار التنسيقي، بعدما فتح مسلحون النار على متظاهرين صدريين اقتحموا مقر الحكومة، وأوقعوا عدداً كبيراً من القتلى والجرحى بين المتظاهرين، الأمر الذي دفع بمقاتلين من سرايا السلام التابعة للتيار الصدري إلى التوجه إلى المنطقة الخضراء، والاشتباك مع مسلحين من تلك المجموعات، طوال 23 ساعة، خرج بعدها مقتدى الصدر في مؤتمر صحافي في 30 آب / أغسطس، ممهلاً أنصاره 60 دقيقة للانسحاب ووقف كل أنواع التظاهرات والاعتصامات تحت طائلة براءته من تياره، وفي أقل من هذه الدقائق كان كل مسلحي التيار وأنصاره قد انسحبوا من المنطقة الخضراء. وكانت تلك الأحداث اندلعت في إثر إصدار المرجع الشيعي كاظم الحائري (84 عاماً) بيان في 28 آب / أغسطس، أعلن فيه اعتزاله المرجعية، داعياً مقلديه إلى السير خلف الولي الفقيه (علي الخامنئي). وجاء في بيان انسحابه من المرجعية: “عدم الاستمرار في التصدي للمرجعية بسبب المرض والتقدم في العمر، وإسقاط جميع الوكالات والأذونات الصادرة من قبلنا أو من قبل مكاتبنا وعدم استلام أية حقوق شرعية من قبل وكلائنا وممثلينا نيابة عنا اعتباراً من تاريخ إعلاننا هذا”، داعياً مقلديه إلى “إطاعة الولي قائد الثورة الإسلامية علي الخامنئي، كونه الأجدر والأكفأ على قيادة الأمة وإدارة الصراع مع قوى الظلم والاستكبار.” وفي انتقاد غير مسبوق من قبله لمقتدى الصدر، قال إنه “على أبناء الشهيدين الصدرين (محمد باقر ومحمد صادق) أن يعرفوا أنّ حبّ الشهيدين لا يكفي ما لم يقترن الإيمان بنهجهما بالعمل الصالح والاتباع الحقيقي لأهدافهما التي ضحيا بنفسيهما من أجلها، ولا يكفي مجرّد الادعاء أو الانتساب، ومن يسعى لتفريق أبناء الشعب والمذهب باسم الشهيدين الصدرين، أو يتصدّى للقيادة باسمهما وهو فاقد للاجتهاد أو لباقي الشرائط المشترطة في القيادة الشرعيّة فهو – في الحقيقة – ليس صدريّاً مهما ادعى أو انتسب.”
وفي رد على بيان الحائري، أصدر مقتدى الصدر بياناً جاء فيه: “يظن الكثيرون بما فيهم السيد الحائري – دام ظله – أن هذه القيادة جاءت بفضلهم أو بأمرهم… كلا، إن ذلك بفضل ربي أولاً ومن فيوضات السيد الوالد (قُدس سره)… الذي لم يتخل عن العراق وشعبه.” وانتقد الصدر انسحاب الحائري لمصلحة خامنئي، وقال: “وعلى الرغم من استقالته، فإن النجف الأشرف هي المقر الأكبر للمرجعية كما هو الحال دوماً… وإنني لم أدع يوماً العصمة أو الاجتهاد ولا حتى القيادة، إنما أنا آمر بالمعروف وناه عن المنكر ولله عاقبة الأمور. وما أردتُ إلا أن أقوّم الاعوجاج الذي كان السبب الأكبر فيه هو القوى السياسية الشيعية باعتبارها الأغلبية، وما أردت إلا أن أقربهم إلى شعبهم وأن يشعروا بمعاناته عسى أن يكون بابا لرضى الله عنهم، وأنى لهم هذا.” وأضاف، “وعلى الرغم من تصوري أن اعتزال المرجع لم يكن من محض إرادته… وما صدر من بيان عنه كان كذلك أيضاً… إلا أنني كنت قد قررت عدم التدخل في الشؤون السياسية فإنني الآن أُعلن الاعتزال النهائي وغلق كافة المؤسسات إلا المرقد الشريف والمتحف الشريف وهيئة تراث آل الصدر الكرام… والكل في حل مني… وإن مت أو قُتلت فأسألكم الفاتحة والدعاء.”
ويعود أنصار التيار الصدري بالتقليد إلى المرجع الحائري بعد أن أوصى محمد محمد صادق الصدر، والد مقتدى قبيل اغتياله، بالعودة إليه بالأمور الفقهية في حال وفاته وهو يقيم بمدينة قم في إيران منذ سنوات طويلة.
وبعد ساعات على إعلان مقتدى الصدر اعتزاله العمل السياسي، اندفع أنصار التيار الصدري إلى شوارع بغداد، وخصوصاً إلى المنطقة الخضراء، واقتحموا القصر الرئاسي والقصر الحكومي، وتعرضوا لإطلاق نار كثيف خلال انسحابهم، فسقط قتلى وجرحى من بينهم، لينتشر مسلحون تابعون للتيار الصدري في شوارع العاصمة وتتوجه قافلة عسكرية تابعة لسرايا السلام التابعة للتيار إلى المنطقة الخضراء، وتبدأ اشتباكات وحرب شوارع طوال 23 ساعة بين 28 و29 آب / أغسطس، وتشهد باقي المحافظات ذات الأكثرية الشيعية توتر أمني، لكن من دون أن تسجل صدامات مسلحة كثيفة.
وفاجأ الصدر مجدداً أنصاره ومنافسيه والعراقيين بالظهور في مؤتمر صحافي في النجف، في 29 آب / أغسطس، على الرغم من انسحابه من الحياة السياسية، مهدداً أنصاره بالقول: “إذا لم ينسحب كل أعضاء التيار الصدري خلال ستين دقيقة من كل مكان، حتى من الاعتصام، أنا أبرأ منهم [….] بغض النظر من كان البادىء [في القتال في 28 آب / أغسطس]، أمشي مطأطأ الرأس وأعتذر للشعب العراقي الذي هو المتضرر الوحيد مما يحدث.” وأضاف، “أنا أنتقد ثورة التيار الصدري. بئس الثورة هذه [….] بغض النظر عمن هو البادئ. هذه الثورة ما دام شابها العنف ليست بثورة.”
وما كاد الصدر أن ينهي مؤتمره الصحافي، بدأ أنصاره بالانسحاب من المنطقة الخضراء، ورفع الجيش حظر التجول الذي كان قد أعلنه، وعادت الحياة شبه طبيعية في أنحاء العاصمة.
وقد أفادت معلومات بأن مقتدى الصدر اقتنع بعدم إمكانية نجاح أي ثورة صدرية، وليست شعبية عامة، لأن ذلك يضع التيار أمام اتهام بعمل هدفه تصفية الحسابات السياسية مع الخصوم، لذلك سارع إلى عقد المؤتمر الصحافي وتوجيه أوامر إلى أنصاره بالانسحاب، محققاً هدفين في آن واحد: الإثبات لخصومه وحلفائه أنه لا يزال القائد الذي باستطاعته أن يحرك حشداً ضخماً نحو الشارع، وأن يسحبه منه ببضع كلمات؛ خلخلة جبهة خصومه في التيار التنسيقي، إذ رحب قادة من التنسيقي بمبادرة الصدر ودعوا لحوار مباشر معه، كما ضمن تأييداً رسمياً لخطوته تمثلت بترحيب رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي بما قام به الصدر.
جلسة حوار ثانية بغياب الصدريين خرجت بـ 6 توصيات
وكان الحدث الأمني المذكور أعلاه، دفع رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي إلى مباشرة مساع لايجاد تسوية للازمة السياسية الخانقة، فددعا لهذه الغاية إلى اجتماع أول عقد في 17 آب / أغسطس، ثم اجتماع ثان حضرته الرئاسات والقوى السياسية، يوم الاثنين 5 أيلول / سبتمبر، وتغيب عنهما التيار الصدري، على الرغم من أنه الركن، ربما الأهم، من بين أركان العملية السياسية، والمنسحب منها حالياً.
وقال المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء في بيان أنه “استمراراً لمبادرة الحوار الوطني، اجتمعت الرئاسات مع قادة القوى السياسية الوطنية العراقية بدعوة من رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي [الإثنين] لمناقشة التطورات السياسية، وبحضور ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق”. وأضاف أن “الاجتماع خلص إلى الاتفاق على ما يأتي:
1 – أكد المجتمعون أن تطورات الأوضاع السياسية وما آلت إليه من خلافات تحمّل الجميع المسؤولية الوطنية في حفظ الاستقرار، وحماية البلد من الأزمات، ودعم جهود التهدئة، ومنع التصعيد والعنف، وتبني الحوار الوطني للتوصل إلى حلول، مشددين على ضرورة استمرار جلسات الحوار الوطني.
2 – قرر المجتمعون تشكيل فريق فني من مختلف القوى السياسية، لتنضيج الرؤى والأفكار المشتركة حول خارطة الطريق للحل الوطني، وتقريب وجهات النظر، بغية الوصول إلى انتخابات مبكرة، وتحقيق متطلباتها بمراجعة قانون الانتخابات، وإعادة النظر في المفوضية.
3 – أكد المجتمعون تفعيل المؤسسات، والاستحقاقات الدستورية.
4 – جدد الاجتماع دعوة الإخوة في التيار الصدري للمشاركة في الاجتماعات الفنية والسياسية، ومناقشة كل القضايا الخلافية، والتوصل إلى حلول لها.
5 – أكد المجتمعون ضرورة تنقية الأجواء بين القوى الوطنية ومن ضمن ذلك منع كل أشكال التصعيد، ورفض الخطابات التي تصدر أو تتسرب وتسبب ضرراً بالعلاقات الأخوية التاريخية، ومعالجتها من خلال السبل القانونية المتاحة، وبما يحفظ كرامة الشعب العراقي، ومشاعره، واستحقاقاته، واحترام الاعتبارات الدينية، والسياسية، والاجتماعية.
6 – شدد المجتمعون على ضرورة تحقيق الإصلاح في بنية الدولة العراقية، وتثمين المطالب بمعالجة أي اختلال في أطر العمل السياسي أو الإداري من خلال التشريعات اللازمة، والبرامج الحكومية الفعالة، وبتعاون كل القوى السياسية، وبدعم من شعبنا العزيز، ومن ضمن ذلك مناقشة أسس التعديلات الدستورية، والتمسك بالخيارات الدستورية في كل مراحل الحوار والحل.”
الحكيم في الرياض ويلتقي بن سلمان: لا للضغوط الخارجية
وفي سياق البحث عن حلول، وفي خطوة حظيت باهتمام استثنائي لجهة توقيتها، ورمزية من قام بها، زار رئيس تيار الحكمة الوطني السيد عمار الحكيم يوم الجمعة 19 آب / أغسطس الرياض، والتقى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وتكمن أهمية الزيارة بأن الحكيم ينتمي إلى تحالف الإطار التنسيقي المدعوم من إيران، وفي الوقت ذاته، يستعين بالرياض للتدخل والمساهمة في حل الأزمة السياسية التي تعصف بالعراق، في تكريس للثقل السعودي والإقرار بأهميته.
وقال بيان صدر عن مكتب الحكيم إن “العراق والسعودية يمثلان ثقلاً اقتصادياً وإقليمياً ودولياً”، لافتاً إلى أن “الحوار بين مختلف الأطراف هو السبيل الأمثل للوصول إلى حلول مرضية للانسداد السياسي الحالي في العراق.” وأضاف “لا بد أن تبقى الحلول عراقية من دون أي ضغوطات خارجية”، مشيداً “بالدور العراقي في الوساطة بين إيران والسعودية.”
وفي دعم للموقف السعودي في اليمن، أشاد الحكيم “بالهدنة الإنسانية في اليمن مع ضرورة وضع حلول نهائية للأزمة اليمنية”، مؤكداً “أهمية الخروج بقرارات مُرضية للجماهير من القمة القادمة في الجزائر”. وشدد على أن “القضية الفلسطينية ستبقى رمزاً لتوحيد الشعوب العربية.”
وفي الداخل العراقي كان قد سُجل تحرك قاده رئيس تحالف الفتح والقيادي في الإطار التنسيقي هادي العامري، خلال زيارة إلى كردستان في 14 آب / أغسطس، حيث عرض أفكاراً للحل على القادة الأكراد في أربيل والسليمانية، تتضمن سحب الإطار التنسيقي ترشيح السوداني مقابل إنهاء عمل حكومة تصريف الأعمال الحالية التي يترأسها الكاظمي، والاتفاق لاحقاً على تسمية مرشح لرئاسة الجمهورية وآخر لرئاسة حكومة جديدة تكون مهمتها الإعداد للانتخابات التشريعية المبكرة، وتعهُد الأطراف بقبول نتائج الانتخابات الجديدة.
وكان العامري رفض أفكاراً تم تداولها في وقت سابق في الإطار التنسيقي لترشيحه لرئاسة الحكومة. وقال في بيان في 11 تموز / يوليو إن “هذه الأخبار عارية عن الصحة، وأني لست مرشحاً لهذا المنصب، وأرفض ترشيحي ممن يرى صواب ذلك من الإطار التنسيقي”، مضيفاً “سوف أقوم بتقديم الدعم والمساندة لأي مرشح يتفق عليه الأخوة في الإطار رغم قرارنا عدم المشاركة في أي حكومة مستقبلية.”
وأظهر العامري منذ انسحاب الصدر من البرلمان حرصاً على عدم المضي بتشكيل حكومة من دون الصدريين، خلافاً لمواقف حلفائه في الإطار التنسيقي وما يطمح إليه نوري المالكي وحليفه قيس الخزعلي الذي يقود عصائب أهل الحق، الأمر الذي يعني وجود انقسامات داخل التحالف الشيعي الأكبر، يحول دون تشكيل حكومة جديدة.
التقرير الاقتصادي
إيران تطرح الدينار العراقي في مصارفها وتمنع عن بغداد ملايين الدولارات
في خطوة رآى فيها مراقبون عراقيون أنها لا تخلو من الخبث الاقتصادي، أعلن محافظ البنك المركزي الإيراني علي صالح آبادي، يوم الأربعاء 7 أيلول / سبتمبر، طرح عملة الدينار العراقي في المصارف المحلية الإيرانية.
وقال المحافظ في تصريح على هامش جلسة لمجلس الوزراء الإيراني، إن كمية من الدينار العراقي دخلت إلى البلاد في 6 أيلول / سبتمبر وستوزع ابتداء من 8 أيلولب / سبتمبر، وأنه على الراغبين بأداء زيارة أربعينية الإمام الحسين التوجه إلى لمصارف المحلية لتوفير عملة الدينار بجانب مراجعة مكاتب الصرافة.
وتابع صالح آبادي إنه تم تحديد 25 بنكاً محلياً يطرح عملة الدينار، وذلك تفادياً لحدوث ازدحام على مكاتب الصرافة بالسوق.
ويبدو أن الحكومة الايرانية لاتفوت فرصة يمكن أن يستفيد منها العراق إلا وتقوضها، فهي لجأت الى اعتماد خطة الزمت نحو 5 ملايين زائر إيراني من الذين توجهوا لزيارة اربعينية الإمام الحسين بن علي بتزويدهم بعملة عراقية بدلاً من جلب العملة الصعبة الى العراق، وبالتالي حرمانه من الاستفادة حتى من دولار واحد يدخله الزوار الإيرانيون.
ويسود الغموض عن طريقة حصول ايران على الدينار العراقي، وآلية شرائه من العراق بالعملة الصعبة، الأمر الذي يطرح تساؤلات عن حجم الكتلة النقدية العراقية التي بحوزة إيران، وكيفية شرائها، بالتومان الايراني أو الدولار الأميركي، ومن أي مكان، فضلاً عن تفاصيل أخرى غير معروفة.
ولمعرفة كمية مبالغ العملة الصعبة التي قطعت ايران دابرها عن العراق وكانت ستجلب وتنفق في العراق بالفعل من قبل الزائرين لولا خطوة الحكومة الايرانية بتوزيع الدينار العراقي لزائريها بدلا من العملة الصعبة، فحسب إحصائيات سابقة أن قيمة ماينفقه الزائر الإيراني في العراق خلال فترة الزيارة لاتتجاوز 21 الف دينار عراقي.
وبدخول 5 ملايين زائر أجنبي بحسب السلطات الايرانية والعراقية، فهذا يعني أن الزائرين الإيرانيين من المحتمل أن ينفقون نحو 100 مليار دينار عراقي، ولو كانوا جلبوا عملة صعبة فأنهم سيدخلون وينفقون في العراق قرابة 70 مليون دولار خلال فترة الزيارة، لكن الحكومة الإيرانية قطعت الطريق على تدفق العملة الصعبة نحو العراق، فضلاً عن خسارة العراق قرابة 25 مليون دولار جراء إدخال الزائرين بلا تأشيرات وبشكل مجاني.
عرض روسي نووي واتفاق سعودي عراقي لتجاوز أزمة الكهرباء
دخل الصراع الروسي الأميركي الذي برز جليّاً في الحرب الأوكرانية، إلى ملفات دولية أخرى، ومحاولات دخول إلى أزمات دول حليفة لهذا أو ذاك، أو تقع تحت دائرة نفوذها. في هذا السياق وموقف روسي مفاجئ قد يثير غضب واشنطن، أبدت موسكو، استعدادها لمساعدة العراق في تطوير قدراته النووية لأغراض سلمية، منها توليد الكهرباء.
وقال مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية الروسية، ألكسندر كينشاك، في تصريح نشرته وسائل إعلام روسية، يوم الجمعة 2 أيلول / سبتمبر، إن موسكو أبدت استعدادها لمساعدة الشركاء العراقيين في مجال استخدام الطاقة النووية لأغراض تتصل بإنتاج الكهرباء وتوريد النظائر المشعة، وأيضاً تعليم العراقيين في مؤسسات التعليم العالي المختصة الروسية”، مشيرا إلى أن “روسيا مستعدة لتنفيذ مشاريع مشتركة كبيرة في هذا المجال”.
ووفقا لخبراء فإن العراق كان يمتلك بنى تحتية وكادراً نوويا متدرباً في فرنسا وروسيا ودول أخرى، ولكن هناك شروطاً روتينية لاستخدام الطاقة النووية، إذ يجب أن تمر بمراحل عديدة حتى يمكن استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية ومنها توليد الكهرباء وتشكيل لجان من الوزارات المعنية مثل وزارة العلوم والتكنولوجيا والجامعات ووزارة الصحة للتوقيع على العقود الخاصة بهذا الموضوع، وخصوصاً أن الكهرباء المنتجة نووياً أرخص وأنظف من الكهرباء التقليدية التي تعمل بالنفط والغاز، أو حتى المنتجة من الطاقة الشمسية، لأن كمية صغيرة من اليورانيوم تكفي لتشغيل التوربين لمدة سنتين، والعراق غني باليورانيوم.
ومعظم المحطات الكهربائية في العراق تقادمت وباتت غير قادرة على توفير الطاقة المطلوبة، فلجأ العراق إلى استيراد الطاقة الكهربائية من إيران، بعدما استثني من العقوبات الأميركية المفروضة على طهران، وقد دفع العراق 400 مليون دولار في سنة 2020 لإيران، وهو مبلغ يمثل نصف مستحقات الأخيرة عن تصديرها الكهرباء له.
ويحمل تأسيس المنشآت النووية تبعات سياسية، إذ يمكن للعراق أن يقدم طلباً بشأن إنشاء مفاعل نووي لتوليد الكهرباء والأغراض السلمية بالتعاون مع روسيا، ولكن المشكلة أن بعض الدول الأوروبية بدأت توقف العمل بالمحطات النووية لإنتاج الكهرباء لما تنطوي عليه من مخاطر، فضلاً عن عدم سماح واشنطن بتعاون بين العراق وروسيا في مجال الطاقة النووية، إذ إنها، على الأغلب، سوف تعمل على عرقلة هذا التعاون كما عرقلت التعاقد مع شركة سيمنز (الألمانية)، أو إبرام الاتفاقية مع الصين.
وكان رئيس هيئة السيطرة على المصادر المشعة العراقية كمال لطيف أعلن، في 10 حزيران / يونيو 2021، أن العراق يجري محادثات مباشرة مع روسيا وكوريا الجنوبية لدراسة خيارات بناء ثمانية مفاعلات نووية قادرة على إنتاج نحو 11 غيغاواط من الطاقة بتكلفة 40 مليار دولار.
ويسعى العراق إلى تنويع مصادر استجرار الكهرباء، ولهذه الغاية وقع مع السعودية في 15 تموز / يوليو، اتفاقاً بشأن توفير الطاقة الكهربائية بشكل مستقر وبكلف مخفضة عبر الاتفاق مع هيئة الربط الخليجي. ومن شأن هذا الاتفاق، أن يهيء المزيد من أسباب استقرار تزويد الطاقة الكهربائية، وإمدادات الشبكة الوطنية، ولاسيما في المواسم التي تشهد ارتفاع الطلب.
وجرى أيضاً توقيع اتفاق ثان، يهدف إلى تجهيز العراق بالطاقة الكهربائية من السعودية، وأن تصبح الشبكة الوطنية العراقية محوراً لنقل الطاقة بين قارتي آسيا وأوروبا، ومن جهة أخرى ضمان استقلال للعراق وعدم استخدام طهران لملف الكهرباء وتصدير الغاز كورقة ابتزاز وهو مايحصل بالفعل منذ أعوام.
ويعتبر هذا التوقيع الثالث من نوعه لاتفاقية الربط الكهربائي بين بغداد والرياض: الأول في 19 نيسان / أبريل 2019، والثاني في 23 أيار / مايو 2020، لكن التنفيذ دونه صعوبات، ليست فنيّة، بل سياسية وأمنية في ظل استمرار تحكم الفصائل الموالية لإيران بالمشهد العراقي واستمرارها بالحفاظ على نفوذ إيران، وخصوصاً في قطاع الطاقة، حيث جرت عمليات استهداف لأبراج الكهرباء للحيلولة دون إنجاح تنفيذ هذه الاتفاقية، وهو خطر يبقى مستمراً، طالما لم تتخذ الحكومة العراقية خطوات فعلية لتطويق نفوذ هذه اللمليشيات.
وتعد أزمة الكهرباء في العراق، من أكبر ملفات الهدر. ويحتاج العراق إلى 30 ألف ميغاواط من الطاقة، لكن نصف ذلك فقط يصل إلى المستهلكين بسبب قضايا الفساد.
ومع كل فصل صيف تبرز أزمة الكهرباء، وخصوصاً مع تراجع إمدادات الغاز الإيراني، إلى قرابة 5 مليون متر مكعب، على الرغم من وجود اتفاقات مسبقة بين إيران والعراق على تزويد بغداد بـ 70 مليون متر مكعب يومياً من الغاز صيفاً، و50 مليون متر مكعب في الشتاء، من أجل تأمين احتياجات محطات الكهرباء من الوقود.
وتعطّلت الإمدادات بصورة متكررة خلال الأشهر الماضية، نتيجة عدم قدرة العراق على الدفع، وخفضت طهران صادراتها من الغاز إلى بغداد بسبب الديون المتزايدة، التي تقدّرها طهران بأكثر من 5 مليارات دولار، وكذلك أزمة الطاقة في البلاد.
وصرفت وزارة الكهرباء أكثر من 60 مليار دولاراً، من غير المصاريف التشغيلية، علماً أنه، وفق المعايير الدولية، كل مليار دولار من هذا المبلغ يفترض أن يمنح 1000 ميغاواط، وبالتالي فإنه يجب أن يكون هناك 60 ألف ميغاواط، في حين أن ما هو موجود في أحسن الأحوال لا يزيد على 20 ألف ميغاواط، الأمر الذي يؤشر على وجود فساد كبير في مشاريع الوزارة.
ويأتي مشروع الربط الكهربائي مع دول الخليج، على رأس أولويات الحكومة العراقية، وكان يفترض أن يصبح مشروع الربط الكهربائي مع دول الخليج جاهزاً للعمل في صيف 2022 إلا أن الواقع يشير إلى صعوبة تحقيق ذلك.
وتتضمن المرحلة الأولى نقل 500 ميغاواط، عبر إنشاء خط بطول 300 كيلومتر، بواقع 220 كيلومتراً داخل الكويت، و80 كيلومتراَ داخل العراق.
مشاريع لتنويع الاقتصاد واعتماد الطاقة النظيفة
ولخفض اعتماد العراق اقتصادياً على النفط الذي يمثل بنسبة تبلغ نحو 90% من واردات الموازنة، وفي سياق البحث عن تنويع الاقتصاد، يجري حالياً تطوير خط سكك حديد الفاو – زاخو إلى الحدود التركية ثم إلى أوروبا وبالعكس. ويعد خط التجارة فاو – تركيا – أوروبا أسرع من خط التجارة المار من باب المندب – قناة السويس – أوروبا بـ ١١ يوماً، فضلاً عن قلة التكلفة، وهو أمر يقضي بضرورة زيادة الاستثمار لتحقيق الأهداف الاستراتيجية التي تدر أرباحا على البلد.
وفي سياق اللحاق بالتوجه العالمي لإنتاج الطاقة النظيفة، فإن العراق يملك العديد من المؤشرات الإيجابية في المجال الاقتصادي، منها أن وزارة الصناعة تشجع وتدعم توجهات القطاع الخاص لإنتاج الخلايا الشمسية واستخدامها في المعامل بدلاً من الوقود، كما أن بعض المصارف أعلنت عن تقديمها قروض للقطاع الخاص بهذا التوجه لإنتاج أو شراء منظومات الطاقة الشمسية بدلاً من الوقود، الأمر الذي يدل على أن السنوات المقبلة ستشهد انخفاضاً كبيراً في الطلب على النفط كمصدر للطاقة.
ويقع على عاتق الحكومة خلال المرحلة المقبلة أن تتوجه نحو تأسيس قطاعات مالية جديدة غير نفطية لتمويل الاقتصاد العراقي بالتوجه نحو الزراعة والصناعة والنقل والسياحة.
مؤشرات اقتصادية إيجابية وتوقع نمو يفوق 9%
وعلى الرغم من الأزمات، سجل العراق مؤشرات اقتصادية إيجابية في الآونة الأخيرة، إذ ارتفع احتياطي العملة الصعبة للبلاد إلى أكثر من 70 مليار دولار بعد أن حقق العراق شهر أيار / مايو 11 مليار دولار إيرادات من بيع النفط الذي تسجل أسعاره زيادات هي الأعلى منذ 14 عاماً، بينما من المتوقع ارتفاع الاحتياطات النقدية إلى أكثر من 90 مليار دولار بحلول نهاية 2022. ويتوقع صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد العراقي بنسبة 9,5% خلال العام الجاري ليكون الأعلى عربياً.
وفي شأن يريح مالية الدولة، سدد العراق في حزيران / يونيو آخر دفعة من التعويضات المرتبطة بغزوه للكويت إبان حكم صدام حسين في سنة 1990، والتي بلغت 52,4 مليار دولار.
العراق يقفز 10 مراتب في ترتيب أكبر احتياطي للذهب
وعلى الرغم من الهدر والفساد الذي تسعى بغداد لمكافحته، فإن العائدات المالية الناجمة عن بيع النفط اتاحت للعراق وفرة مالية دفعته إلى شراء الذهب ليصعد بحسب بيان المجلس العالمي للذهب، الاحد 7 آب / أغسطس، عشر مراتب بعد شرائه 34 طناً، ليصل إلى المرتبة 30 من بين أكبر الدول امتلاكاً لاحتياطي الذهب عالمياً.
وذكر المجلس في جدول عن شهر آب / أغسطس 2022 أنه “بموجب عمليات الشراء الكبيرة للعراق والبالغة 34 طناً، فإن العراق صعد عشر مراتب ليصل إلى المرتبة 30 من أصل 100 دولة مدرجة بالجدول بأكبر احتياطي للذهب لتبلغ حيازته من الذهب 130,4 طناً، وهي تمثل 11,5% من باقي احتياطاته الأخرى.” وأوضح البيان أن “العراق أصبح رابع أكبر احتياطي للذهب عربياً، بعد أن كان سادساً، متجاوزاً بذلك مصر وليبيا اللتين احتلتا المرتبة الخامسة والسادسة على التوالي.”
النزاهة تتهم 300 وزير ومسؤول بقضايا فساد
لكن المؤشرات الإيجابية أعلاه، لا تغطي على السلبيات الكبرى، إذ وبموازاة الازمة السياسية التي تضرب اطنابها في العراق، فإن الفساد المالي يعد أحد الملفات الخطيرة المتداخلة سياسياً واقتصادياً، ويتورط فيه مسؤولون كبار من سرقة وهدر المال العام، وآخر محاولات السرقة، إعلان هيئة النزاهة الاتحادية، يوم الخميس 11 اب / أغسطس، أنها حالت دون هدر تريليوني دينار عراقي، أي نحو مليار و200 مليون دولار، من الأموال العامة، وإعادتها إلى حساب الخزينة العامة، عن طريق إجراءاتها الردعية والوقائية.
وكشفت الهيئة عن أن 39 وزيراً ومسؤولين بمرتبة وزير، و241 من ذوي الدرجات الخاصة والمديرين العامين ومن بدرجتهم، من بين المُتَّهمين في قضايا جزائية.
وكانت هيئة النزاهة العراقية، أعلنت يوم الخميس 10 حزيران / يونيو، في بيان عن “عملية اختلاس كبيرة” في مصارف حكومية، و”تزوير وتلاعب وغسل أموال”، بقيمة تفوق 700 مليون دولار من المال العام، تورط فيها موظفون وزبائن وشركات وأفراد. وكان فريق تحقيق عيّنته الهيئة توصل إلى وجود اختلاس مبلغ كبير من المال العام، من خلال التزوير والتحريف والتلاعب وغسل الأموال واستغلال المناصب والتلاعب في القيود المصرفيَة وإدخال تعزيزات أرصدة وهمية على حسابات الزبائن، في فرع المصرف الزراعي في محافظة ميسان الجنوبية و4 من فروع مصرف الرشيد في ميسان وبغداد.
ويُعد العراق من بين أكثر الدول فساداً، وقد جاء في المرتبة 157 من بين 180 دولة، في ترتيب البلدان الأكثر فساداَ، بحسب مؤشر منظمة الشفافية الدولية لسنة 2021.
شركات عالمية تغادر كردستان بعد قرار من المحكمة الاتحادية
في غضون ذلك، تلقى إقليم كردستان ضربة اقتصادية موجعة، بعدما أعلنت وزارة النفط العراقية، في يوم الإثنين 4 تموز / يوليو 2022، أن شركات “شلمبرجيه” و”بيكر هيوز” و”هاليبرتون” العالمية لن تقدم على مشاريع جديدة في إقليم كردستان، امتثالاً لقرار المحكمة الاتحادية.
وأشارت الوزارة إلى أن تلك الشركات “هي الآن في طور تصفية وإغلاق المناقصات والعقود القائمة”، مؤكدة أنه بموجب تعهد الشركات، فإنها “لا تمتلك كياناً تجارياً أو شركات أخرى تعمل في الإقليم سواء بالعلامة التجارية لها أو لغيرها أو بالإنابة عنها، بما يخالف قرار المحكمة الاتحادية.”
وجاء انسحاب الشركات الأجنبية العاملة في إقليم كردستان امتثالاً لقرار المحكمة الاتحادية العليا العراقية المرقم 59 بشأن نفط وغاز إقليم كردستان، والتزاماً منها بالقوانين والأنظمة السائدة في البلدان التي تقدم خدماتها فيها، في أعقاب أشهر من النزاعات بين أربيل وبغداد بعد أن قضت المحكمة الاتحادية في شباط / فبراير، أن الأسس القانونية لقطاع النفط والغاز في إقليم كردستان غير دستورية.
ومنذ ذلك الحين قامت وزارة النفط بمحاولات جديدة لتنفيذ الحكم، بما في ذلك استدعاء سبع شركات عاملة هناك إلى جلسات قضائية تجارية تأجلت مراراً، الأمر الذي يُفاقم الوضع الاقتصادي في الإقليم الذي يعاني أوضاعاً اقتصادية سيئة، وخصوصاً أن ما يدر عليه من عائدات نفطية يسهم بشكل واضح في توفير السيولة اللازمة لتمويل المشاريع ودفع رواتب الموظفين والالتفاف على محاولات التضييق التي تفرضها حكومة بغداد بسبب ضغوط سياسية.
وكان هجوم صاروخي استهدف حقول الغاز في إقليم كردستان العراق، يوم السبت 25 حزيران / يونيو، ولاسيما حقل دانا للغاز في قضاء چمچمال بالسليمانية، وهو الهجوم الثالث منه نوعه الذي نُفذ خلال ٧٢ ساعة، على قطاع مهم يمثل شريان الحياة في الإقليم.
ويعد الاستهداف العسكري لحقول النفط والغاز الكردية، الذي يتزامن مع انسحاب الشركات الأميركية من الاستثمار في الإقليم على وقع قرار المحكمة الاتحادية بشأن عدم دستورية قانون النفط والغاز، من العوامل الضاغطة على الإقليم ومساعيه الرامية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاستقلال المالي عن الحكومة الاتحادية.
ومع ان الخلافات السياسية والعداء الإقليمي بين الأذرع الإيرانية وبعض الدول العربية يجعل من استهداف شركة دانا الإماراتية هدفاً ضمن عملية استهداف أي نشاط إماراتي في العراق، إلى جانب استهداف اي محاولة لتطوير استخراج الغاز الطبيعي وقطع الطريق على مساعي الاستغناء عن الغاز الايراني، إلا أنه من غير المستبعد أن يندرج أيضاً في إطار الصراع والخلافات بين الحزب الديمقراطي الكردستاني ومنافسه الاتحاد الوطني الكردستاني على الثروات والنفوذ، ولاسيما أن البيشمركة التابعة للحزب الديمقراطي منعت دخول جهة رسمية تابعة للجيش الاتحادي للتحقيق في القضية.
شح مياه وتصحر وتحذير من جفاف دجلة خلال 20 عاماً
وفضلاً عن الأزمات ذات الأسباب البشرية، فإن العوامل الطبيعية تهدد نمو الاقتصاد العراقي، وفي مقدمة تلك العوامل، شُح المياه، إذ تقول وزارة الموارد المائية العراقية إن المياه التي يحصل عليها العراق من نهري دجلة والفرات سوف تجف في غضون 20 عاماً إذا لم يتم فعل شيء. وقد أصبحت حالات الجفاف والعواصف الرملية ودرجات الحرارة التي تتجاوز الخمسين درجة مئوية شائعة بشكل متزايد في العراق.
ويواجه العراق خطر التصحر الذي ينعكس سلباً على وضعه الاقتصادي والزراعي، ولاسيما مع استمرار هبوب العواصف الترابية التي بلغت نحو 10 عواصف منذ كانون الثاني / يناير الماضي، تلازماً مع موسم الجفاف الذي تمر به الكرة الأرضية خلال العقد الحالي، الأمر الذي يستدعي من الأجهزة الحكومية البحث عن بدائل لمياه الأنهار لسقي الأراضي الزراعية من خلال تقنين استخدام المياه الجوفية والاعتماد على المحاصيل التي لا تستهلك مياهاً كثيرة.
وقد تراجعت موارد العراق المائية بنسبة 50 في المئة منذ سنة 2021 بسبب فترات الجفاف المتكررة وانخفاض معدل هطول الأمطار وتراجع منسوب الأنهار.
ويشترك العراق، في نهري دجلة والفرات مع تركيا وسورية وأنهار أخرى مع إيران، ويهدد بناء السدود في دول المنبع موارده المائية للخطر. وقد أجبر النقص والجفاف العراق بالفعل على خفض مساحات الأراضي المزروعة إلى النصف خلال فصل الشتاء الماضي. ويحتاج العراق الذي دمرته عقود من الصراع والعقوبات إلى استثمار 180 مليار دولار على مدى العقدين المقبلين في البنية التحتية وبناء السدود ومشاريع الري. بحسب البنك الدولي.
التقرير الثقافي
الحياة الليلية تعود إلى شارع المتنبي بعد إعادة افتتاحه
لم يستجد شيئاً خلال شهر تموز / يوليو على النشاطات الثقافية وبقي النشاط مقتصراً على إعادة افتتاح شارع المتنبي في بغداد مطلع حزيران / يونيو، المشهور بمكتباته، بعد إعادة ترميم خضع لها، تتيح لهذا الشريان الحيوي في العاصمة العراقية استعادة بعض من مجده السابق.
ويعجُّ الشارع عادة أيام الجمعة بالرواد، لا سيما الطلاب والشباب، وكذلك فنانو ومثقفو الجيل السابق، ولوحظ في إثر إعادة الافتتاح عودة الحياة إلى الشارع ليلاً بعدما كانت تقتصر سابقاً على ساعات النهار.
وأُطلق على الشارع التاريخي في سنة 1932 خلال عهد الملك فيصل الأول اسم الشاعر الشهير أبو الطيب المتنبي (915 – 965)، الذي ولد في عهد الدولة العباسية.
ويبلغ طول الشارع نحو كيلومتر واحد، ويؤدي إلى إحدى ضفاف نهر دجلة، ويمكن للزائر أن يجد في المكتبات والأكشاك التي يعج بها الشارع مجموعة متنوعة من الكتب باللغتين الإنجليزية والعربية، إضافة إلى الكتب الجامعية والمدرسية.
واللافت في مكتبات شارع المتنبي وجود إصدارات قديمة، بينها كتب بالفرنسية والإنجليزية والعربية، وبعضها قد يكون نادرا ويعود للقرن الماضي.
وتعرّض الشارع في سنة 2007 لتفجير بسيارة مفخخة خلّف عشرات القتلى والجرحى، وتسبب بتدمير المحال القديمة التاريخية ومن بينها مقهى الشهبندر لكن تم إعادة إعماره لاحقاً.
وخلال شهر حزيران / يونيو تم إعادة افتتاح موقع نصب “الشهيد” بعد سنوات من الإغلاق، ويعد من أبرز المعالم المعمارية في العراق، وتم بناؤه خلال الحرب العراقية الإيرانية ثمانينيات القرن الماضي.
معارض كتب دولية وافتتاح مكتبة الموصل المركزية
ويشهد العراق في كل عام افتتاح عدد من معارض الكتب الدولية دون ضوابط واضحة، إذ تبلغ نحو خمسة معارض سنوياً تنظمها مؤسسات غير حكومية في بغداد وإقليم كردستان والبصرة والنجف وكان آخرها في العاصمة، وأثار جدلاً بين المثقفين والناشطين بسبب افتتاحه من قبل رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، الأمر الذي دفع الكثيرين إلى مقاطعته.
وأعيد رسمياً افتتاح مكتبة الموصل المركزية بعد ترميمها بالكامل من الدمار الذي لحق بها أثناء المعارك بين القوات العراقية وتنظيم “داعش”، أثناء محاولة استعادة الموصل من سيطرة التنظيم قبل خمس سنوات.
تضييق على الحريات الإعلامية والفنية وتصفيات
وشهدت الفترة الأخيرة عمليات قمع جديدة طاولت الحريات الإعلامية والعامة. فقد أوقفت هيئة الإعلام والاتصالات في العراق برنامج “مع ملا طلال” على قناة UTV، بعد أن اشتكى الجيش من مشهد تمثيلي بالبرنامج تناول قضية الفساد. وزارة الدفاع العراقية اعتبرت المشهد مسيئاً للجيش ومنتسبيه.
وسجل مقتل الناشطة النسوية إيمان سامي بينما كان العالم يحتفل باليوم العالمي للمرأة، الأمر الذي أثار غضباً عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتساؤلات حول جدية الجهود التي تبذلها الحكومات لتمكين النساء.
وفيما استضافت بغداد على مدى الأشهر الماضية عدداً كبيراً من الفنانين العرب في مختلف المجالات، وخصوصاً في مجال الغناء، لكن بعض الحفلات الغنائية تعرضت لاحتجاجات لأسباب عدة منها رفض الجماعات الإسلامية المتشددة إقامتها، وآخرها إلغاء حفل المطرب المغربي سعد المجرد في شهر حزيران / يونيو.
الموت يغيّب أيقونات فنية وأدبية
غيب الموت في الأشهر الأخيرة أيقونات فنية وأدبية عراقية. فقد نعت نقابة الفنانين العراقيين، يوم الجمعة 5 اب / أغسطس، الفنان سعد مجيد الذي وافته المنية أثر مرض عضال.
وكانت نقابة الفنانين العراقيين، نعت الملحن العراقي محسن فرحان الذي وافته المنية في 18 تموز / يوليو عن عمر ناهز 75 عاماً بعد صراع مع المرض.
وشهد شهر أيار / مايو وفاة الشاعر العراقي الكبير مظفر النواب بعد صراع مع المرض، وقد أُجريت له مراسم تشييع مهيبة بعد نقل جثمانه من دولة الإمارات العربية المتحدة إلى العراق.