مقدمة

يعيش لبنان منذ 3 سنوات انكشافاً سياسياً واقتصادياً كان مستتراً منذ ما يزيد على 12 عاماً، وليس ما جرى ويجري من تطورات سوى بعض مشاهد السيناريو اللبناني الكارثي، وآخرها بداية الخلاف على من سيخلف اميشال عون لرئاسة الجمهورية، وقبل ذلك انتخابات مجلس النواب التي حصلت في أيار / مايو 2022، والتي انتجت مجلساً مفككاً من دون أكثرية واضحة لجهة واحدة، الأمر الذي يُعقد المشهد المقعد أصلاً منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري سنة 2005، والذي أسس للمشهد الحاضر الذي يعيشه لبنان المثقل بأزمات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية.
فخطتا التعافي الاقتصادي اللتان أطلقتهما حكومتا الرئيسين (السابق) حسان دياب و(المكلف ورئيس حكومة تصريف الإعمال) نجيب ميقاتي، ليستا سوى أفكاراً أو نوايا تفتقد إلى حلول مستدامة، وسط استمرار انهيار العملة الوطنية التي لامست في منتصف شهر آب / أغسطس 32,000 ليرة لكل دولار أميركي، بعد أن كانت قد لامست قبل أشهر قليلة عتبة 35,000 ليرة لكل دولار.
أما ثقافياً، فيحاول لبنان الخروج من الأزمة عبر استعادة نمط اعتاد عليه أيام الازدهار ولا سيما المهرجانات المركزية، مثل مهرجانات بعلبك.

التقرير السياسي

برلمان لبنان بلا أغلبية واضحة

خرج لبنان من الانتخابات النيابية الأخيرة التي حصلت في 15 أيار / مايو، بمزيد من التشرذم الذي بدا واضحاً في أكثر من ملف، وكان آخرها ملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل. هذا الترسيم هو مسار مفاوضات غير مباشرة امتد إلى نحو 10 سنوات، وحتى رفع هذا التقرير على الشبكة، لم تكن قد وصلت إلى خواتيم سعيدة.
وبينما كان يراهن الجانب اللبناني على انجاز اتفاق الترسيم سريعاً، على أمل أن يساعد التحول إلى دولة نفطية، والخروج من الأزمة الاقتصادية نتيجة وفرة الغاز الطبيعي والبترول في قعر البحر، فإن إسرائيل تريد استغلال الأمر لكسب مزيد من المساحة ضمن المنطقة المتنازع عليها، وقد تبين ذلك من خلال ما تسربه وسائل الإعلام الإسرائيلية عن رفض مقترح لبناني نقله الموفد الأميركي آموس هوكشتاين، يقضي باستحواذ لبنان على كامل البلوك 8 وكامل حقل قانا، مقابل عدم المطالبة بأي حقوق في حقل كاريش.
وفي المقابل يتهم حزب الله بعض أركان السلطة بالتخاذل في مواجهة إسرائيل، ويهدد بعدم السماح لاستخراج النفط والغاز من دون القبول بالمطالب اللبنانية.
ويتعامل حزب الله مع ملف التفاوض على أنه فرصة لتسجيل انتصار جديد على إسرائيل، بينما تتهمه الأوساط السياسية اللبنانية المعارضة له، بالتدخل في شؤون الدولة وفرض أجندته الخاص على مسار التفاوض.
هذا التشرذم يعود في الأصل إلى نتيجة الانتخابات الأخيرة، التي فشلت بموجبها المعارضة الحزبية والمرشحين المقبلين من انتفاضة 17 تشرين الأول / أكتوبر 2019، بالخروج بأغلبية واضحة في البرلمان اللبناني، وكذلك بخسارة تحالف “حزب الله” الأغلبية المريحة، التي كانت لهذا التحالف في البرلمان الماضي. وانقسم المجلس الجديد إلى 3 مجموعات غير متماسكة، وهي: ثنائي “حزب الله” وحركة أمل بالاضافة إلى بعض الحلفاء؛ مجموعة من نواب مستقليين وتغييريين يدورون في فلك انتفاضة 17 تشرين الأول / أكتوبر 2019، وقدامى تجمع 14 آذار / مارس الذي تشكّل بمواجهة “حزب الله” بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في شباط / فبراير 2005.
وتعكس تركيبة المجلس الجديد نفسها أيضاً في عملية انتخاب رئيس جديد للبلاد (المفترضة وفق الدستور في شهر تشرين الثاني / نوفمبر) من دون أن تتضح الصورة لأي مرشح من المرشحين ستؤول الرئاسة، أو حتى إذا ما كانت ستحدث بالأصل. لكنّ أبرز المرشحين حتى الآن، هم: قائد الجبش اللبناني جوزف عون المقرّب من الولايات المتحدة، والوزير الأسبق ورئيس حزب “المردة” سليمان فرنجية، وبين هاذين الأسمين أسماء أخرى كثيرة قد تكون أسماء “تسووية” ترتفع حظوظها وتنخف بحسب التوجهات الاقليمية.
فمنذ اعلان نتائج الانتخابات النيابية، يستمرّ التخبط السياسي الموجود أصلاً منذ أكثر من سنتين، وسط تعثر حكومي دام أشهراً طويلة انتهى بتشكيل حكومة بديلة عن تلك التي كان يرأسها سعد الحريري، نجل رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري الذي قضى بانفجار ضخم اتُهم بارتكابه عناصر من “حزب الله” في المحكمة دولية، فكان هذا الاغتيال ولا يزال المحطة التي قلبت الخارطة السياسية في لبنان وأثرت في التوازنات في لبنان وفي المنطقة.

ارتدادات الانتفاضة وانفجار المرفأ

لا يمكن فصل انتخابات أيار / مايو عن ارتدادات انتفاضة تشرين الأول / أكتوبر وضغوط المنتفضين في الشارع، والتي أعلن سعد الحريري في إثرها استقالته في 29 تشرين الأول / أكتوبر 2019 وسقطت حكومته، لكن “حزب الله” وحلفائه تمكنوا من تشكيل حكومة من لون واحد ترأسها حسان دياب في 21 كانون الثاني / يناير 2020، وهو أستاذ جامعي بعيد عن الجو السياسي العام. هذه الحكومة أعلنت تعثّر لبنان عن دفع مستحقاته الخارجية من سندات “اليوروبوند” التي تقدر قيمتها مجتمع بنحو 30 مليار دولار، فكانت المحطة الأبرز في انكشاف لبنان نقدياً واقتصادياً مع الخارج، وفي بدء مسلسل الانهيار بفصول جديدة.
وضعت حكومة حسان دياب خطة اقتصادية بعد اعلان التعثر، لكنّها لم تبصر النور نتيجة استقالة الحكومة بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب / أغسطس 2020، والذي دمّر نصف العاصمة، وصُنّف على أنه من بين أكبر الانفجارات غير النووية في العالم. فاتحاً المجال للمجتمع الدولي بالتدخل مجدداً، تحت مسميات إنسانية، من أجل لجم نفوذ “حزب الله”، وإرساء توازنات جديدة.
بعد الانفجار، زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبنان مرتين خلال تلك المرحلة، وعقد سلسلة اجتماعات مع أركان السلطة بما فيهم “حزب الله”، ومارس ضغوطاً بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية والمجتمع الدولي، من أجل ترتيب تفاهم سياسي، قضى باقصاء الحريري الابن من الصورة، وتصدّر نجيب ميقاتي المشهد الحكومي.

الانتخابات: محطة لمرحلة جديدة

بعد أن أفقدت الانتخابات الأخيرة “حزب الله” وحلفائه أغلبيتهم النيابية (ظاهرياً)، وثمة شكوك لدى كثيرين بأن تكون الخسارة “منسقة” و”مدروسة”. فالحزب الذي اختبر نتيجة “حكومة اللون الواحد” (حكومة حسان دياب) يعلم أنّ انقاذ لبنان اقتصادياً في ظل هيمنته على المشهد السياسي أمر صعب جداً، ويمنع المجتمع الدولي ودول مجلس التعاون الخليجي من تقديم المساعدة للبنان.
الغموض “المصطنع” في شكل الأغلبية داخل المجلس النيابي التي افرزتها الانتخابات الاخيرة، أفضى في 23 حزيران / يونيو 2022 إلى إعادة تكليف رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي تشكيل حكومة جديدة. لكنّ التكليف متعثّر اليوم نتيجة تصلب مطالب الأحزاب بالحصص الوزارية. هذا التأخير يؤثّر في نتيجة المفاوضات التي يجريها لبنان مع صندوق النقد الدولي لإقرار خطة التعافي الاقتصادي، ولا يبدو أنها ستتشكّل قبل انتخاب رئيس جديد للبلاد.
الاستحقاق الرئاسي المنتظر، ربّما يشكل فرصة لعودة التوازن إلى المؤسسات الدستورية، خصوصاً إذا ما أفضت الانتخابات إلى وصول رئيس وسطي و”حكم” بين الكتل السياسية، يمهد لولادة حكومة فاعلة وقادرة على إنجاز الاصلاحات المطلوبة من أجل انتشال لبنان من أزمته الاقتصادية، ويعيد لبنان إلى خارطة العالم العربي مبعداً إياه قدر المستطاع عن النفوذ الإيراني، وراسماً خطاً فاصلاً بين الدولة ودويلة حزب الله.

التقرير الاقتصادي

"خطة تعافي" قبل تصريف الأعمال

أقرت حكومة الرئيس نجيب مقاتي، في آخر جلسة رسمية في 20 أيار / مايو قبل تحولها إلى حكومة تصريف أعمال، “خطة التعافي” من دون أن تتمكّن من وقف التدهور ىالاقتصادي وانهيار سعر الليرة اللبنانية المتواصل منذ أكثر من سنتين. فحكومة ميقاتي والحكومات المتعاقبة ساهمت في مسار هذا التدهور نتيجة تخليها عن صلاحياتها لمصرف لبنان، عبر تغطيتها قرارات حاكمه رياض سلامة الذي تتهمه جهات عديدة بتبديد المليارات منذ بداية الأزمة.
الخطة التي كانت تطرحها الحكومة لا ترقى إلى مستوى أن تكون خطة شاملة، بل هي مجموعة أفكار أو محاولة إطلاق نوايا تخلو من أيّ إشارة إلى الفساد ولو بكلمة واحدة.
وتقر الحكومة في خطتها أن الشرارة التي أطلقت الأزمة هي “السحوبات الكبيرة من الودائع”، ولاحقاً تخلُّف الدولة عن سداد التزاماتها في سندات “اليوروبوندز”، ثمّ فيروس كورونا، وانفجار مرفأ بيروت. ولهذا تتحدّث عن ضرورة الإصلاح، وعن تعزيز النموّ وخلق فرص عمل جديدة من خلال “تحفيز البيئة الاستثمارية المشجّعة للقطاع الخاص”. وكذلك تقرّ بضرورة إعادة رسملة القطاع المصرفي الذي سيكون بحاجة إلى نحو 72 مليار دولار، أي ما يزيد على 300% من تقديرات الناتج المحلي الإجمالي لسنة 2021″، تزامناً مع ضرورة ردم الخسائر من أجل إعادة الثقة بالقطاع المصرفي.
أمّا استراتيجية الحكومة لإنجاز خطتها، فتقوم على “تغييرات تشريعية” قوامها:
أ – إقرار قانون طارىء لإعادة هيكلة المصارف.
ب – إقرار قانون الكابيتال كونترول.
ج – تعديل قانون السرّية المصرفية (حصل التعديل لكنّ رئيس الجمهورية رفض التوقيع عليه إلاّ بعد التأكّد من أن التعديل ينال موافقة صندوق النقد الدولي).
وتكشف الحكومة أنّه وفق “التقديرات الأوّليّة” فإنّ الرأسمال السلبي في مصرف لبنان هو نحو 60 مليار دولار، وبالتالي هي عازمة على شطب هذا الرقم من التزامات مصرف لبنان تجاه المصارف التجارية”، أي من أموال المودعين التي قامت المصارف بإقراضها للدولة عن طريق مصرف لبنان، متعهّدة بإعادة بناء قدرة الحكومة على تحصيل الضرائب ورسوم الجمارك، من خلال “تحسين الامتثال الضريبي من أجل تعزيز الإيرادات.”
أمّا في ملف الكهرباء الذي يعد “أم الأزمات” اللبنانية، فتؤكد الحكومة إلتزامها بـ “إجراء إصلاحات شاملة” لتحسين الجدوى التشغيلية من خلال تحديث الإطار القانوني لشركة كهرباء لبنان، وتقليل التكاليف المالية من خلال المساءلة والشفافية والمراقبة، وكذلك تعزيز الإيرادات من خلال الضرائب، أي تحسين الامتثال الضريبي وتقييم التعرفة الجمركية على الواردات بسعر صرف رسمي موحّد وجديد، وإضافة رسوم جديدة أخرى.
هذه الخطة كانت سبباً لانقسام عامودي وأفقي في لبنان: فجمعية المصارف ترفضها وتطالب بأخرى معدلة تكون فيها أصول الدولة من ممتلكات وذهب (يملك لبنان نحو 280 طناً من الذهب وهو ثاني دولة عربية من حيث احتياطات الذهب عربياً بعد السعودية) عنوان لإطفاء الخسائر. كما يرفضها عدد من الكتل النيابية لأنها تمس بأموال المودعين اللبنانيين (من بينهم بشكل صريح نواب التغيير الذين أفرزته انتفاضة 17 تشرين الأول / أكتوبر)، ناهيك عن كبار المودعين الذين يعتبرون أنّها على حساب مدخراتهم في المصارف اللبنانية، ليبقى أفق نجاحها محفوف بمخاطر الفشل، وبالتالي تعثر الوصول إلى برنامج مع صندوق النقد الدولي.

الأزمة الاقتصادية بنيوية وعميقة

ليس صحيحاً أنّ الأزمة الاقتصادية في لبنان عمرها سنتين مثلما تُظهر الأحداث، وإنّما موجودة قبل ذلك بسنوات. وقد كانت تتوسع وتتعمّق سنة تلو السنة بصمت وهدوء حتى طالت القطاعات كلّها، وخصوصاً منذ اغتيال الحريري، لكنّ أموراً كثيرة تظافرت لإطالة أمد ظهور هذه الأزمة إلى حين انطلاق شرارتها، ثمّ ظهورها بالطريقة التي نراها اليوم.
بدأت الازمة في منتصف سنة 2019، وقبل انتفاضة “17 تشرين” بأشهر قليلة. يومها تراجع مصرف لبنان عن سياسة تثبيت سعر صرف الدولار بعد انخفاض احتياطي العملات الصعبة لديه، فخرجت الأزمة، فعلياً، إلى دائرة الضوء.
وتُعدّ سياسة تثبيت سعر الصرف في لبنان قديمة جداً، انتهجها المصرف المركزي منذ منتصف التسعينيات بتكليف من الحكومات المتعاقبة وخصوصاً حكومات رفيق الحريري، الذي فرض الدولار الأميركي، عملة ثانوية في البلاد الخارجة حديثاً من الحرب الأهلية.
في حينه، أخطأ المصرف المركزي الذي كان يعتمد سياسة تثبيت سعر الدولار، في عدم تعويم سعر الصرف تباعاً طوال سنوات، فأدى تثبيته إلى استنزاف ما يقدّر بأكثر من 100 مليار دولار على مدى السنوات العشرين الأخيرة.

مصرف لبنان يقرر السياسات الاقتصادية

ومنذ الانتفاضة، أمسى مصرف لبنان الجهة الوحيدة التي تقرر السياسات الاقتصادية، لأنّه ببساطة الجهة التي تملك العملة الصعبة بعد تضخّم الليرة وتآكل إيرادات الدولة. ومع تفاقم الأزمة، صار مصرف لبنان هو الجهة التي تنظّم عمليات استيراد المحروقات، وتحدّد حصّة السوق وحصة القطاع العام من أجل توليد التيار الكهربائي، وتوافق لوزارة الاقتصاد على كمية القمح التي تنوي شراؤها، وتوافق لوزارة الصحة أيضاً على حجم الأدوية الطبية التي ستشتريها، وحتى هيّأت الأرضية للانتخابات النيابية من خلال ضبط سعر الصرف على وقع الحملات الانتخابية، وخلاف ذلك من الأمثلة.
هذه الميّزة جعلت المصرف المركزي سلطة فوق السلطات. حاكمه رياض سلامة هو “حاكم بأمره” يتحكّم في شؤون اللبنانيين مأكلاً وملبساً وطبابة وإنارة: يرفع سعر الصرف لحصد الدولار من “السوق الموازي”، ويخفّضه متى رأى أنّ الأمر يتطلب ضبط كتلة الليرة اللبنانية التي يضخها عبر المصارف المحلية في الأسواق بشكل كبير.
فقد انفق سلامة أكثر من 20 مليار دولار منذ بداية الأزمة، ولم تسأله أيّ حكومة كيف بدّد هذه الأموال ولم تحاسبه، بل أمعنت في منع القضاء المحلّي من مساءلته، بعد دعاوى قضائية داخلية وخارجية طالته، وحاولت منع القضاء الأوروبي من القيام بذلك أيضاً، رافضة السماح للقضاء المحلي التعاون مع نظيره الأوروبي.

سعر صرف الدولار يطلق الشرارة

مع التخلي المفاجىء عن تثبيت سعر الصرف. هذا الهامش الطفيف بين السعر الرسمي وغير الرسمي بداية، دفع المودعين إلى سحب دولاراتهم من المصارف، وبيعها لدى صرافي “السوق الموازية” من أجل كسب الفرق بين السعرين، لكن سرعان ما تنبّهت المصارف إلى هذه الحيلة وعمدت إلى عدم تسليم المودعين دولاراتهم، فولد ذعر في نفوس المودعين، فبدأوا بالتوجّه إلى المصارف من أجل سحب دولاراتهم، بعد أن شعروا بأنّ أزمة سيولة دولارات تلوح في الأفق.
عجز المصارف عن تلبية طلبات المودعين كشفت القطاع المصرفي، الذي بدأ بـ “سياسة الاستنساب” ودفع الودائع لأصحابها من النافذين والسياسيين، مع غياب السلطة السياسية وعدم فرضها قانوناً لضبط تهريب الأموال (“كابيتال كونترول”).
أمّا اليوم فتستمر أطراف الأزمة المالية بتوجيه التهم إلى بعضها البعض: المصارف تتهم الدولة بعدم دفع المستحقات المالية التي لها في ذمتها، وهي على شكل سندات خزينة وديون حصلت عليها الدولة من المصارف بآجال متنوّعة، يصل بعضها إلى سنة 2035، وتقول إنّ عدم ايفاء الدولة بالتزاماتها، منعها من إعادة الأموال إلى المودعين.
أمّا السلطة السياسية، فتتهم المصارف بتهريب أموالها إلى الخارج، وبالتالي باحتجاز أموال المودعين من دون وجه حق، وتطالبها بدفع هذه الأموال من دون تباطؤ.

أسعار صرف متعدد للدولار

هذا الواقع أسّس لظهرو أكثر من سعر صرف للدولار إلى جانب السعر الرسم، فهناك:
أ – سعر صرف رسمي معتمد في الدولة ولدى المصارف المحلية ومخصص لدفع كل الالتزامات الرسمية وهو 1500 ليرة لبنانية.
ب – سعر صرف يخص السحوبات من الحسابات المصرفية الدولارية وهو 8000 ليرة لبنانية.ج = سعر صرف يخص نوع محدّد للسحوبات من الحسابات المصرفية، وتحديداً لمن كان لديه أموالاً في المصارف قبل الأزمة الاقتصادية، وهو 12 ألف ليرة لبنانية.
د – سعر منصة “صيرفة”، وهي منصة أنشأها المصرف المركزي يبيع الدولارات للمواطنين عبر المصارف من خلالها، وسعرها هو الأقرب لسعر “السوق السوداء”، من بين الأسعار كلها، وهو قرابة 24500 ليرة لبنانية.
ه – وأخيراً، سعر “السوق السوداء” الذي يتحكم به الصرافون الشرعيون وغير الشرعيين والمضاربين من خلال تطبيقات على الهواتف الذكية أو من خلال مجموعات مع مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي السنتين المنصرمتين، فقد مصرف لبنان حصة كبيرة من احياطاته بالعملة الأجنبية، انخفضت من نحو 31 مليار دولار قبل الأزمة إلى حدود 10 ملياراً في آخر تصريح للحاكم رياض سلامة.
هذه الأموال بُددت على دعم السلع الغذائية والأدوية والمحروقات، وعلى الرواتب والأجورة في القطاع العام، إضافة إلى نفقات أخرى تخص استثمارات والتزامات بينه وبين المصارف المحلية، ولا يعرفها إلاّ حاكم المصرف المذكور.

التقرير الثقافي

انقطاع الكهرباء يعرقل النشاط الثقافي

أثر الانهيار الاقتصادي في كل شيء بلبنان. وكان انقطاع التيار الكهربائي بمعدل 22 ساعة في كل 24 ساعة بمنزلة “طلقة الرحمة” التي أطلقت على جميع القطاعات، وهذا بطبيعة الحال أثر في خدمة الأنترنت الرديئة جداً في لبنان.
فالقطاع الثقافي لم يسلم من الأزمة، إذ إن غياب الكهرباء وارتفاع أسعار المحروقات التي تحتاجها المولدات الخاصة جعل من أي نشاط ثقافي عملية مكلفة وبلا جدوى، حتى سعر البنزين المرتفع دفع باللبنانيين إلى إحصاء مشاويرهم والاقتصاد بها.

عودة المهرجانات الصيفية

لكن على الرغم من ذلك، وضعت وزارة السياحة اللبنانية خطة من أجل للعودة إلى المهرجانات الصيفية التي كانت تنظمها خلال فصل الصيف وغابت لسنيتن.
فمهرجانات كبرى مثل “بعلبك” و”بيت الدين” و”بيبلوس” تتحضّر لتنظيم ما تجده مناسباً خلال شهر تموز / يوليو، وستسهم هذه المهرجانات مجتمعة، في إحياء مهرجان وطني جامع في بيروت، يستمر أسبوعاً في شهر آب/أغسطس.
وتحاول وزارة السياحة “تغيير المشهد الحزين الذي يخيم على العاصمة اللبنانية”، منذ انفجار المرفأ، ولهذا وضعت خطة لمشاركة المهرجانات جميعها، كل بحسب ما يرتأي، بحفل على الأقل، لإحياء أسبوع في بيروت، سيطلق عليه اسم “مهرجانات لبنان”، بحيث توجه كل يوم تحية إلى علم من الأعلام، كما سيشمل البرنامج أنشطة تشكيلية وحرفية، وموسيقية، غنائية.
وسوف تكون بعض الأنشطة مجانية، بينما ستباع تذاكر للبعض الآخر، كمساهمة وذلك من أجل إمتاع الناس، وإعادة الفرح إلى قلوبهم.
ولا يريد مسؤولو المهرجانات الاستمرار في الغياب. فالتوقف مستمر منذ صيف 2020، إذ قدّمت آخر الحفلات واصطدم القيمون على الأنشطة بعدها، بتوالي الأزمات، وبوباء كورونا.. وصولاً إلى الانهيار الاقتصادي الذي شلّ الحركة وحرم اللبنانيين من الكهرباء، وبدت الأولويات في مكان آخر.
وعودة المهرجانات، ولو ببرامج محدودة، تحتاج 3 عناصر، كي تكتمل الدورة: التمويل الخاص، ومساعدة الدولة، وجمهور قادر على شراء البطاقات. ولكن أياً من هذه الشروط لا يتوفر في الوقت الحالي.
وتتحضر مهرجانات “بيبلوس” لحفلين أو ثلاث هذا الصيف في جبيل، لاستعادة نشاطها من جديد وإن بحذر.
أمّا مهرجانات “بعلبك”، فلا تريد أن تبقى غائبة عن المشهد هي الأخرى، حيث ستقيم حفلين، في في 8 و10 تموز/يوليو.
وستعود مهرجانات “بيت الدين” أيضاً بعد غياب. فالأولوية كانت للصمود الاجتماعي والتضامن الإنساني لاجتياز المرحلة. قصر بيت الدين سيقدم نشاطاً فنياً وثقافياً في تموز/يوليو أيضاً.
لكن مشكلة المهرجانات هي أن المصارف كانت الممول الرئيسي لها، وبعد الانهيار لم تعد تستطيع أو تريد القيام بذلك. أما الناحية التقنية هي الأكثر تكلفة.