مقدمة

تطورات متسارعة شهدها العراق منذ الانتخابات النيابية في 10 تشرين الثاني / أكتوبر 2021، والتي سجلت تقدماً ملحوظاً للتيار الصدري باحتلاله صدارة الكتل النيابية، وتراجع عدد مقاعد الإطار التنسيقي الشيعي المقرب من إيران، لكن تلك الصدارة لم تمّكن الصدريين وحلفائهم من السنة والأكراد من إيصال مرشحهم لرئاسة الجمهورية والحكومة، والاكتفاء بالاتفاق مع المنافسين على اختيار مرشح الكتل السنية محمد الحلبوسي رئيساً لمجلس النواب في 9 كانون الثاني / يناير 2022.
فقد تمكن الإطار التنسيقي وحلفائه من جمع أكثر من ثلث عدد النواب، وبالتالي حال التعطيل دون عقد جلسات البرلمان لانتخاب رئيسي الجمهورية والحكومة، طيلة 5 أشهر، الأمر الذي دفع بزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى الطلب من نواب تياره الاستقالة من البرلمان 12 حزيران / يونيو، وهو ما نفذه النواب في اليوم ذاته.
وفيما بدا أن الأزمة حُلّت، وأن الإطار التنسيقي ربح الجولة بعد عمله التعطيلي، وباشرت زعامات الأحزاب والقوى التي يتشكل منها في عقد اجتماعات لتشكيل الحكومة – وسط خلافات بين تلك الأحزاب والقوى على من يتلى منصب رئاسة الحكومة ورفض لتسمية رئيس الحكومة السابق نوري المالكي، حُلت لاحقاً بالتوافق على اسم محمد شيّاع السوداني، المقرب المالكي، مرشحاً توافقياً للإطار التنسيقي، في 25 تموز / يوليو – قلب مقتدى الصدر الطاولة على رؤوس الجميع، واختار الشارع مكاناً للتنافس بعدما أفشلت مساعيه لتشكيل حكومة أغلبية العملية التعطيلية التي قادها الإطار التنسيقي. فبعد أن كان قد دعا أولاً أنصاره إلى صلاة يوم جمعة موحدة في 15 تموز / يوليو، شارك فيها عشرات الآلاف، من دون أن ينجح في ردع الإطار التنسيقي عن اختيار مرشح لرئاسة الحكومة، بل وحشد الإطار كل طاقاته لعقد جلسة للبرلمان، دعا إليها في اليوم ذاته، لانتخاب رئيس للجمهورية خلال أسبوع، ومن ثم تنثبيت اختيار السوداني، شهر الصدر سيف الضغط في الشارع، واقتحم أنصاره البرلمان الواقع في المنطقة الخضراء في 27 تموز / يوليو، واعتصموا داخله طيلة أسبوعين، ثم في محيطه، مانعين عملياً عقد أي جلسة نيابية، فيما قانونياً كان رئيس المجلس الحلبوسي أعلن تعليق جلسات البرلمان حتى إشعار آخر، ثم انتقل الاعتصام إلى محيط مبنى المجلس بعدما دعا مقتدى الصدر أنصاره إلى ذلك.
ولم يكتف الصدر بالتصعيد الميداني، إذ أرفقه بتصعيد سياسي، عبر دعوته القضاء إلى حل البرلمان، في أمر اختلفت وجهات النظر إزائه، بين مؤيد لحق القضاء بحل البرلمان، تأسيساً على حقه بحل أي مؤسسة رسمية فاشلة، وبين من يرى أن حل البرلمان هو حق دستوري حصري للنواب أنفسهم، وانتهى بإعلان مجلس القضاء الأعلى أنه لا يملك صلاحية حل البرلمان، وبالتالي دخل القضاء ضمن مطالب الصدر الإصلاحية، من خلال دعوة لتنقية السلطة القضائية، وفي الوقت ذاته التصعيد أكثر في الشارع، بالدعوة إلى تظاهرة يوم السبت 20 آب / أغسطس من مختلف محافظات البلد باتجاه بغداد، وهو تحرك أعلن الصدر في 16 آب / أغسطس تأجيلها إلى موعد لم يُسمّى، بينما كان الإطار التنسيقي نظم اعتصاماً مقابلاً لاعتصام الصدريين حول مبنى البرلمان.
وقد تفاقم الغضب الصدري من الإطار التنسيقي بعدما سُربت 6 تسجيلات صوتية لنوري المالكي، يهاجم بها مقتدى الصدر وحلفائه الأكراد والسنّة.
أمام الانسداد المتصاعد واحتمالات المواجهة بين القوى الشيعية في الشارع، برز مسعى لتسوية قادها زعيم تحالف الفتح (أحد فصائل الإطار) هادي العامري بدأها في كردستان، ثم لدى القوى السنية، تقضي بتشكيل حكومة متوافق عليها بين مختلف الأطراف، مهمتها الدعوة إلى انتخابات مبكرة، والإشراف عليها، على أن تقبل كل الأطراف بنتائج تلك الانتخابات.
كما دعا رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي لحوار وطني في 17 آب أغسطس، قاطعه التيار الصدري، وحضرته أحزاب وقوى أُخرى، الأمر الذي قلل من جدواه، فمثلاً توصية وقف كل أشكال التصعيد الميداني والإعلامي والسياسي لم يتجسد على أرض الواقع.
وقبيل نهاية شهر آب / أغسطس شهدت بغداد حرب الشوارع طوال 23 ساعة قتال شوارع تسببت بعشرات القتلى والجرحى، واقتحم خلالها أنصار الصدر القصرين الرئاسي والحكومي، في إثر علان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الاعتزال السياسي غضباً من فتوى كاظم الحائري المرجع الذي يعود اليه الصدريون، والذي اعتزل لكبر سنه وفق بيانه، وبضغط خارجي وفق بيان اعتزال مقتدى الصدر. وعلى الرغم من الامتثال السريع لأنصار الصدر لأوامر زعيمهم بالانسحاب الفوري من الشارع ووقف القتال، إلا أن الأيام والاشهر القادمة تبقى حبلى بالمفاجأة.
وسط هذه الأجواء، كانت لافتة زيارة رئيس تيار الحكمة السيد عمار الحكيم، وهو أحد أركان تحالف الإطار التنسيقي إلى الرياض ولقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ومسؤولين سعوديين كبار، قيل إنها تأتي في سياق تمن على السعودية السعي لإقناع الصدريين بالتهدئة. وإن صحت هذه التسريبات فقد تزعج إيران وحلفائها، إذ سيعني الأمر تعزيز تأثير السعودية على الوضع السياسي في العراق.
لكن الأزمة لا تتوقف عند الخلافات الشيعية – الشيعية التي بادر العامري والكاظمي إلى محاولة حلها، بل ما يجب تسجيله أيضاً في سياق الأزمة السياسية التي نشأت بعد الانتخابات العامة، أن التنافس الكردي – الكردي على منصب رئاسة الجمهورية كان عاملاً في عرقلة تشكيل حكومة أكثرية يريدها الصدر، فلا رئيس حكومة من دون انتخاب رئيس للجمهورية، والمنصب هو مدار تنافس بين حزب الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي الذي يتزعمه مسعود البارزاني الراغب في أن يكون المنصب من حصّة حزبه.
والأزمة السياسية الأخيرة ليست ابنة ساعتها، فهي تعود بجذورها الحديثة إلى فترة الاحتلال الأميركي للعراق سنة 2003، وما تلاها من تطورات، والذي حلت مؤسسات الدولة العراقية، ومزق النسيج الاجتماعي فيها، وفتح البلد على فوضى شاملة، وشرعه أمام التدخلات الإقليمية، فساد الفساد الذي قوض الاقتصاد، وقوض العمق الثقافي للعراق.
على أن الأزمات السياسية المتلاحقة ألقت بظلالها على ملفات أخرى تتعلق بأزمات اجتماعية واقتصادية فرضتها الوقائع على الأرض، ولا سيما استشراء الفساد في مؤسسات الدولة العراقية وتورط العديد من كبار المسؤولين، فضلاً عن دفع الشركات الأجنبية العالمية العاملة في مجال النفط والغاز إلى مغادرة العراق، والتي أوقفت نشاطاتها على خلفية لجوء خصوم البارزاني لاستصدار قرارات قضائية من المحكمة الاتحادية العليا بهذا الموضوع الحيوي، في حين أتاحت وفرة العائدات المالية الناجمة عن بيع النفط للعراق التقدم في مراتب الدول ذات الرصيد المرتفع من الذهب.
أما ثقافياً فكان الحدث في سنة 2022 هو إعادة افتتاح شارع المتنبي الشهير، وتسجيل وفاتين لقامتين ثقافيتين: في شهر تموز / يوليو أحد أشهر الملحنين العراقيين محسن فرحان الذي يترك فراغاً كبيراً في الساحة الفنية العراقية، وقبله الشاعر العراقي الكبير مظفر النواب.

التقرير السياسي

(آب/أغسطس)التقرير العربي سياسي العراق

23 ساعة قتال شوارع في بغداد بعد اعلان الصدر اعتزاله

إذاً، عاشت بغداد، وخصوصاً المنطقة الخضراء، حرب شوارع بين مسلحين تابعين للتيار الصدري ومناوئين من مجموعات مسلحة تابعة للإطار التنسيقي، بعدما فتح مسلحون النار على متظاهرين صدريين اقتحموا مقر الحكومة، وسقوط عدد كبير من القتلى والجرحى بين المتظاهرين، الأمر الذي دفع بمقاتلين من سرايا السلام التابعة للتيار الصدري إلى التوجه إلى المنطقة الخضراء، والاشتباك مع مسلحين من تلك المجموعات، طوال 23 ساعة، خرج بعدها مقتدى الصدر في مؤتمر صحافي ممهلاً أنصاره 60 دقيقة للانسحاب ووقف كل أنواع التظاهرات والاعتصامات تحت طائلة براءته من تياره، وفي أقل من هذه الدقائق كان كل مسلحي التيار وأنصاره قد انسحبوا من المنطقة الخضراء. وكانت تلك الأحداث اندلعت في إثر إصدار المرجع الشيعي كاظم الحائري (84 عاماً) بيان في 28 آب / أغسطس، أعلن فيه اعتزاله المرجعية، داعياً مقلديه إلى السير خلف الولي الفقيه (علي الخامنئي). وجاء في بيان انسحابه من المرجعية: “عدم الاستمرار في التصدي للمرجعية بسبب المرض والتقدم في العمر، وإسقاط جميع الوكالات والأذونات الصادرة من قبلنا أو من قبل مكاتبنا وعدم استلام أية حقوق شرعية من قبل وكلائنا وممثلينا نيابة عنا اعتباراً من تاريخ إعلاننا هذا”، داعياً مقلديه إلى “إطاعة الولي قائد الثورة الإسلامية علي الخامنئي، كونه الأجدر والأكفأ على قيادة الأمة وإدارة الصراع مع قوى الظلم والاستكبار”. وفي انتقاد غير مسبوق من قبله لمقتدى الصدر، قال إنه “على أبناء الشهيدين الصدرين (محمد باقر ومحمد صادق) أن يعرفوا أنّ حبّ الشهيدين لا يكفي ما لم يقترن الإيمان بنهجهما بالعمل الصالح والاتباع الحقيقي لأهدافهما التي ضحيا بنفسيهما من أجلها، ولا يكفي مجرّد الادعاء أو الانتساب، ومن يسعى لتفريق أبناء الشعب والمذهب باسم الشهيدين الصدرين، أو يتصدّى للقيادة باسمهما وهو فاقد للاجتهاد أو لباقي الشرائط المشترطة في القيادة الشرعيّة فهو – في الحقيقة – ليس صدريّاً مهما ادعى أو انتسب.” وفي رد على بيان الحائري، أصدر مقتدى الصدر بياناً جاء فيه: “يظن الكثيرون بما فيهم السيد الحائري – دام ظله – أن هذه القيادة جاءت بفضلهم أو بأمرهم… كلا، إن ذلك بفضل ربي أولًا ومن فيوضات السيد الوالد قُدس سره… الذي لم يتخل عن العراق وشعبه.” وانتقد الصدر انسحاب الحائري لمصلحة خامنئي، وقال: “وعلى الرغم من استقالته، فإن النجف الأشرف هي المقر الأكبر للمرجعية كما هو الحال دوماً… وإنني لم أدع يوما العصمة أو الاجتهاد ولا حتى (القيادة) إنما أنا آمر بالمعروف وناه عن المنكر ولله عاقبة الأمور. وما أردتُ إلا أن أقوم الاعوجاج الذي كان السبب الأكبر فيه هو القوى السياسية الشيعية باعتبارها الأغلبية وما أردت إلا أن أقربهم إلى شعبهم وأن يشعروا بمعاناته عسى أن يكون بابا لرضى الله عنهم، وأنى لهم هذا.” وأضاف، “وعلى الرغم من تصوري أن اعتزال المرجع لم يكن من محض إرادته… وما صدر من بيان عنه كان كذلك أيضاً… إلا أنني كنت قد قررت عدم التدخل في الشؤون السياسية فإنني الآن أُعلن الاعتزال النهائي وغلق كافة المؤسسات إلا المرقد الشريف والمتحف الشريف وهيئة تراث آل الصدر الكرام… والكل في حل مني… وإن مت أو قُتلت فأسألكم الفاتحة والدعاء.” ويعود أنصار التيار الصدري بالتقليد إلى المرجع الحائري بعد أن أوصى محمد محمد صادق الصدر، والد مقتدى قبيل اغتياله، بالعودة إليه بالأمور الفقهية في حال وفاته وهو يقيم في إيران بمدينة قم منذ سنوات طويلة. وبعد ساعات على إعلان مقتدى الصدر اعتزاله العمل السياسي، اندفع أنصار التيار الصدري إلى شوارع بغداد، وخصوصاً إلى المنطقة الخضراء، واقتحموا القصر الرئاسي والقصر الحكومي، وتعرضوا لإطلاق نار كثيف خلال انسحابهم، فسقط قتلى وجرحى من بينهم، لينتشر مسلحون تابعون للتيار الصدري في شوارع العاصمة وتتوجه قافلة عسكرية تابعة لسرايا السلام التابعة للتيار إلى المنطقة الخضراء، وتبدأ اشتباكات وحرب شوارع طوال 23 ساعة بين 28 و29 آب / أغسطس، وتشهد باقي المحافظات ذات الأكثرية الشيعية توتر أمني، لكن من دون أن تسجل صدامات مسلحة كثيفة. وفاجأ الصدر مجدداً أنصاره ومنافسيه والعراقيين بالظهور في مؤتمر صحافي في النجف، في 29 آب / أغسطس، على الرغم من انسحابه من الحياة السياسية، مهدداً أنصاره بالقول: “إذا لم ينسحب كل أعضاء التيار الصدري خلال ستين دقيقة من كل مكان، حتى من الاعتصام، أنا أبرأ منهم [….] بغض النظر من كان البادىء [في القتال في 28 آب / أغسطس]، أمشي مطأطأ الرأس وأعتذر للشعب العراقي الذي هو المتضرر الوحيد مما يحدث.” وأضاف، “أنا أنتقد ثورة التيار الصدري. بئس الثورة هذه [….] بغض النظر عمن هو البادئ. هذه الثورة ما دام شابها العنف ليست بثورة.” وما كاد الصدر أن ينهي مؤتمره الصحافي، بدأ أنصاره بالانسحاب من المنطقة الخضراء، ورفع الجيش حظر التجول الذي كان قد أعلنه، وعادت الحياة شبه طبيعية في أنحاء العاصمة. وتفيد معلومات بأن مقتدى الصدر اقتنع بعدم إمكانية نجاح أي ثورة صدرية، وليست شعبية عامة، لأن ذلك يضع التيار أمام اتهام بعمل هدفه تصفية الحسابات السياسية مع الخصوم، لذلك سارع إلى عقد المؤتمر الصحافي وتوجيه أوامر إلى أنصاره بالانسحاب، محققاً هدفين في آن واحد: الإثبات لخصومه وحلفائه أنه لا يزال القائد الذي باستطاعته أن يحرك حشداً ضخماً نحو الشارع، وأن يسحبه منه ببضع كلمات؛ خلخلة جبهة خصومه في التيار التنسيقي، إذ رحب قادة من التنسيقي بمبادرة الصدر ودعوا لحوار مباشر معه، كما ضمن تأييداً رسمياً لخطوته تمثلت بترحيب رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي بما قام به الصدر.

الحكيم في الرياض ويلتقي بن سلمان: لا للضغوط الخارجية

في خطوة حظيت باهتمام استثنائي لجهة توقيتها، ورمزية من قام بها، زار رئيس تيار الحكمة الوطني السيد عمار الحكيم يوم الجمعة 19 آب / أغسطس الرياض، والتقى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وتكمن أهمية الزيارة بأن الحكيم ينتمي إلى تحالف الإطار التنسيقي المدعوم من إيران، وفي الوقت ذاته، يستعين بالرياض للتدخل والمساهمة في حل الأزمة السياسية التي تعصف بالعراق، في تكريس للثقل السعودي والإقرار بأهميته.
وقال بيان صدر عن مكتب الحكيم أن “العراق والسعودية يمثلان ثقلاً اقتصادياً وإقليمياً ودولياً”، لافتاً إلى أن “الحوار بين مختلف الأطراف هو السبيل الأمثل للوصول إلى حلول مرضية للانسداد السياسي الحالي في العراق”. وأضاف “لا بد أن تبقى الحلول عراقية من دون أي ضغوطات خارجية”، مشيداً “بالدور العراقي في الوساطة بين إيران والسعودية”.
وفي دعم للموقف السعودي في اليمن، أشاد الحكيم “بالهدنة الإنسانية في اليمن مع ضرورة وضع حلول نهائية للأزمة اليمنية”، مؤكداً “أهمية الخروج بقرارات مُرضية للجماهير من القمة القادمة في الجزائر”. وشدد على أن “القضية الفلسطينية ستبقى رمزاً لتوحيد الشعوب العربية”.
وفي الداخل العراقي كان قد سُجل تحرك قاده رئيس تحالف الفتح والقيادي في الإطار التنسيقي هادي العامري، خلال زيارة إلى كردستان في 14 آب / أغسطس، حيث عرض أفكاراً للحل على القادة الأكراد في أربيل والسليمانية، تتضمن سحب الإطار التنسيقي ترشيح السوداني مقابل إنهاء عمل حكومة تصريف الأعمال الحالية التي يترأسها الكاظمي، والاتفاق لاحقاً على تسمية مرشح لرئاسة الجمهورية وآخر لرئاسة حكومة جديدة تكون مهمتها الإعداد للانتخابات التشريعية المبكرة، وتعهُد الأطراف بقبول نتائج الانتخابات الجديدة.
وكان العامري رفض أفكاراً تم تداولها في وقت سابق في الإطار التنسيقي لترشيحه لرئاسة الحكومة. وقال في بيان في 11 تموز / يوليو إن “هذه الأخبار عارية عن الصحة، وأني لست مرشحاً لهذا المنصب، وأرفض ترشيحي ممن يرى صواب ذلك من الإطار التنسيقي”، مضيفاً “سوف أقوم بتقديم الدعم والمساندة لأي مرشح يتفق عليه الأخوة في الإطار رغم قرارنا عدم المشاركة في أي حكومة مستقبلية.”
وأظهر العامري منذ انسحاب الصدر من البرلمان حرصاً على عدم المضي بتشكيل حكومة من دون الصدريين، خلافاً لمواقف حلفائه في الإطار التنسيقي وما يطمح إليه نوري المالكي وحليفه قيس الخزعلي الذي يقود عصائب أهل الحق، الأمر الذي يعني وجود انقسامات داخل التحالف الشيعي الأكبر، يحول دون تشكيل حكومة جديدة.

حوار الكاظمي: 5 توصيات وغياب الصدريين عن الاجتماع

وفي بغداد أتاح لجوء الصدر إلى التهدئة الشعبية المؤقتة، التئام الرئاسات وقادة القوى السياسية، باستثناء الصدريين، في اجتماع عقد يوم الاربعاء 17 آب / أغسطس، برعاية رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، خرج بخمسة توصيات لإنهاء الأزمة الراهنة في البلاد.
وقال بيان صادر عن المكتب الإعلامي للكاظمي أن “الرئاسات اجتمعت مع قادة القوى السياسية الوطنية العراقية بدعوة من رئيس الوزراء، لمناقشة التطورات السياسية في البلاد، وبحضور ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق”. وأضاف البيان، أن الاجتماع أفضى إلى عدد من النقاط، اتفق عليها المجتمعون، تتمثل بما يأتي:
1 – عبر المجتمعون عن التزامهم بالثوابت الوطنية، وإيجاد حل لكل الأزمات من خلال الحوار.
2 – أشار المجتمعون إلى أن الاحتكام مرة جديدة إلى صناديق الاقتراع من خلال انتخابات مبكرة ليس حدثاً استثنائياً، وأن القوى السياسية الوطنية تحتكم إلى المسارات الدستورية في الانتخابات.
3 – دعا المجتمعون التيار الصدري إلى الانخراط في الحوار الوطني، لوضع آليات للحل الشامل بما يخدم تطلعات الشعب العراقي وتحقيق أهدافه.
4- اتفق المجتمعون على استمرار الحوار الوطني من أجل وضع خريطة طريق قانونية ودستورية لمعالجة الأزمة الراهنة.
5ـ – دعا المجتمعون إلى إيقاف كل أشكال التصعيد الميداني، أو الإعلامي، أو السياسي.
وكان المكتب الخاص لمقتدى الصدر أعلن مقاطعة الحوار، وذكر في بيان، أنّ “التيار الصدري وبجميع عناوينه وشخصياته السياسية لم يشترك فـي الحوار السياسي الذي دعا إليه رئيس مجلس الوزراء [….] لا بطريق مباشر ولا غير مباشر.”
وعلى الرغم من دعوات التهدئة والبحث عن مخرج سياسي من خلال المفاوضات السياسية بين طرفي النزاع فإن القلق سيد الموقف من أن يكون مصيرها الفشل بسبب تعنت الأطراف السياسية.
ومن المستبعد أن تكون دعوات التهدئة مؤثرة على ساحة الصراعات الداخلية، وقد تسبب بعض الأجندات المحلية أو سلوكيات أطراف داخلية باشتداد الأزمة وتصاعدها، لتصل أخيراً إلى المواجهة المسلحة، وهو ما جرى بالفعل باستهداف مقر حركة “سيد الشهداء” (أحد الفصائل المنضوية ضمن الحشد الشعبي)، فضلاً عن إغلاق أنصار الصدر عدداً من مقرات تيار الحكمة، عقب كلمة رئيس تيار الحكمة عمار الحكيم، أبدى فيها تمسكه وتمسك الإطار التنسيقي بالمرشح السوداني لمنصب رئاسة الوزراء.

الصدر يؤجل التظاهرة المليونية ويتمسك بالاعتصام

وكان زعيم التيار الصدري تراجع عن دعوة وجهها لأنصاره لتنظيم تظاهرة مليونية استباقاً لإعلان مجلس القضاء الأعلى، في 14 آب / أغسطس، بأنه لا يملك صلاحية حل البرلمان، وجهها عبر تغريدة على موقع تويتر، ولمواجهة اعتصام نفذه أنصار الإطار التنسيقي، في مقابل اعتصام انصار الصدر حول مبنى البرلمان.
أما التراجع عن الدعوة إلى المظاهرة، فقد جاء في تغريدة على تويتر يوم الثلثاء 16 آب أغسطس، نقلها صالح محمد العراقي، المعروف بلقب وزير القائد والمقرب من الصدر، عن مقتدى الصدر،
قال فيها “مستمرون بالإصلاح ومستمرّون بالثورة ضد فسادكم أيها الفاسدون. وسياساتكم بالتشبّه بخطواتنا دليل على إفلاسكم والإصرار على فسادكم. وإن كنتم تراهنون على حرب أهلية فأنا أراهن على الحفاظ على السلم الأهلي وإن الدم العراقي غال بل أغلى من كل شيء. وسيبقى الشعب على اعتصامه حتى تحقيق مطالبه. لكنني حبّاً بالعراق وعشقاً لشعبه ومقدساته.. أعلن تأجيل موعد تظاهرة يوم السبت [20 آب / أغسطس] إلى إشعار آخر.. لكي أُفشل مخططاتكم الخبيثة ولكي لا أغذي فسادكم بدماء العراقيين الذين راح الكثير منهم ضحية لسادكم وشهواتكم ولكي تبقى قيادات الفساد تعيث في الأرض فساداً. فهذا ندائي للثوار بالمحافظة على سلمية الاحتجاجات والحفاظ على دمائم ودماء القوات الأمنية والحشد الشعبي طاعة لله وحباً بالوطن. ولن يستمر فسادهم وإن استمر إصراركم.. والله ولي التوفيق.”
وكان مجلس القضاء الأعلى في العراق في جلسة عقدها صباح يوم الأحد 14 آب / أغسطس أنه “يتفق مع الصدر في تشخيص سلبية الواقع ‏السياسي الذي يشهده العراق والمخالفات الدستورية المستمرة ‏المتمثلة بعدم اكتمال تشكيل السلطات الدستورية بانتخاب رئيس ‏للجمهورية ورئيس مجلس الوزراء وتشكيل الحكومة ضمن المدد ‏الدستورية”، وأن ما يمر به العراق “حالة غير مقبولة ويجب معالجتها وعدم تكرارها”، لكنه أوضح أنه “لا يمتلك الصلاحية لحل مجلس النواب”، داعياً “كافة الجهات السياسية والاعلامية لعدم زج القضاء في الخصومات والمنافسات السياسية.”
ولم يتوقف المسار القضائي عند رأي مجلس القضاء الأعلى، إذ إن القضية مرفوعة أمام المحكمة الاتحادية التي أرجأت موعد البت بها إلى 30 آب / أغسطس.
وكان أنصار التيار الصدري أقدموا في يومي الأربعاء 27 والسبت 30 تموز / يوليو على الدخول إلى المنطقة الخضراء واقتحموا البرلمان العراقي وسيطروا عليه، بعد التظاهرات التي انطلقت في ساحة التحرير، وسط العاصمة بغداد، احتجاجاً على ترشيح الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني لرئاسة الوزراء في 25 تموز / يوليو، وهو شخصية مقربة من رئيس الحكومة السابق نور المالكي.
وما لبث المتظاهرون، بعد أيام من اعتصامهم داخل قاعات المجلس، إلى الانسحاب إلى خارجه والاعتصام أمامه.
وتعكس هذه المظاهرات حجم المشكلة السياسية التي لم تبدأ بالاعتصامات، ولا بترشيح السوداني لرئاسة الوزراء، وإنما قبل الانتخابات العامّة الأخيرة، حين أعلن التيار الصدري الانسحاب من الانتخابات ثم عودته بناء على وساطة وشروط واتفاق، واستمرت الأزمة خلال الانتخابات وما بعدها، وانسحبت إلى جلسات البرلمان الأولى وتشكيل التحالفات، وبلغت أوجها عند إثارة موضوع نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية التي عَقّدت الأمر ومنعت تشكيل الحكومة العراقية، إذ عمد الإطار التنسيقي إلى تعطيل العملية التشريعية طيلة أشهر ومنع التيار الصدري من تشكيل حكومة أغلبية وطنية مع حلفاء سنة وأكراد.
وتعقدت الأزمة السياسية أكثر باستقالة الكتلة الصدرية من مجلس النواب، وقرار مقتدى الصدر بالانسحاب من العملية السياسية الفوقية، وإبدالها بالسياسة من تحت، حيث يقول الشارع كلمته.
وربط الصدر أي تقدم في العملية السياسية بحل الفصائل المسلحة التي تعمل من خارج إطار الدولة. وقد جاء ذلك في كلمة ألقاها الشيخ محمود الجياشي، يوم الجمعة 15 حزيران / يونيو 2022، نيابة عن مقتدى الصدر، وسط جموع غفيرة من المصلين من اتباع التيار الصدري في صلاة موحدة أُقيمت بمدينة الصدر في العاصمة بغداد تلبية لدعوة الصدر، “إننا في مفترق طريق صعب ووعر حيث هناك إقبال على تشكيل الحكومة من قبل البعض ممن لا نحسن الظن بهم والذين جربناهم سابقا”. ودعا الصدر المتصدين لتشكيل الحكومة إلى إخراج ما تبقى من الاحتلال بالطرق الدبلوماسية والبرلمانية، قائلا: إن هذه من حقوق الشعب بعيداً عن الاحتلال وبنود الاتفاق معه”. ولفت إلى أنه “لا يمكن تشكيل حكومة عراقية قوية مع وجود سلاح منفلت وميليشيات منفلتة لذا عليهم حل جميع الفصائل، وإن عاد المحتل عدنا أجمع”.
ووجه الصدر باسمه وباسم الحشد الشعبي شكره إلى اهالي المناطق السنية المحررة من قبضة تنظيم داعش، قائلاً إنهم “رضوا بنا محررين ولولا تعاونهم لما حُررت الاراضي المغتصبة فلا مَنّة للحشد عليهم”، مشدداً على أنه “يجب اعادة تنظيم الحشد وترتيبه وتصفية جسده من العناصر غير المنضبطة والاعتناء بالمجاهدين منهم وترك المحسوبيات وإبعاد الحشد عن التدخلات الخارجية وعدم زجه بالحروب الطائفية والخارجية وإبعاده عن السياسة والتجارة.”
وصعّد زعيم التيار الصدري، من سقف مطالبه، بشروط اعتُبر جزء منها تعجيزياً، وذلك لقاء قبوله بتشكيلهم إي حكومة جديدة، والتي أعلن “الإطار” رسمياً عزمه على المضي بها بعد تقديم نواب “التيار” من البرلمان.
واستقال نواب التيار الصدري من مجلس النواب يوم الأحد 12 حزيران / يونيو 2022، وكان هؤلاء النواب وقعوا مساء الخميس 9 حزيران / يونيو، على استقالاتهم جميعاً ووضعوها تحت تصرف زعيم التيار، بعدما كان قد دعاهم في وقت سابق من اليوم ذاته إلى تقديم استقالاتهم، في ظل جمود مستمر منذ فترة طويلة بخصوص تشكيل حكومة.
وبعد 11 يوماً على استقالة النواب الصدريين، أدى 64 نائباً جديداً اليمين الدستورية، ومعظمهم من قوى “الإطار التنسيقي” أو مقربين منها، وبينهم مستقلون، الأمر الذي ضمن نظرياً للإطار النصاب البرلماني المطلوب لتشكيل الحكوم، لكن لجوء مقتدى الصدر إلى الشارع حال دون التمكن من ذلك.
ومنذ إجراء الانتخابات النيابية في 10 تشرين الأول / أكتوبر 2021، لم تتمكن القوى السياسية العراقية من تأليف الحكومة الجديدة، بسبب رغبة تحالف “إنقاذ الوطن” الذي يتزعمه مقتدى الصدر، بتشكيل حكومة “أغلبية وطنية”.
فعقب الانتخابات، أُعلن عن تأسيس تحالف “إنقاذ وطن” يوم الأربعاء 23 آذار / مارس 2022، وهو أوسع تحالف برلماني منذ أول انتخابات في سنة 2005. وضم التحالف كل من “التيار الصدري” بزعامة مقتدى الصدر، وتحالف “السيادة” بزعامة خميس الخنجر، والحزب “الديمقراطي الكردستاني” بزعامة مسعود البارزاني، وبمجموع مقاعد وصل إلى نحو 180 نائباً (من أصل 329) في البرلمان الجديد.
لكن لم يتمكن تحالف “إنقاذ وطن” من تأمين الأصوات اللازمة لفرض مرشحيه في الرئاسات الثلاث، إذ إن “الإطار التنسيقي” وحلفائه امتلكوا ما يُطلق عليه “الثلث المعطل” الذي من دونه لا يُمكن عقد جلسة بنصاب قانوني لانتخاب رئيس الجمهورية. وبينما تمكن البرلمان من انتخاب رئيساً له هو محمد الحلبوسي، العضو في “تحالف وطن”، إلا أنه فشل في انتخاب رئيس للجمهورية 3 مرات، آخرها يوم الأربعاء 30 / 3 / 2022، بعد أن قاطع “الإطار التنسيقي” التصويت الذي تطلب حضور ثلثي أعضاء البرلمان.

تسريبات صوتية للمالكي يهاجم فيها السنّة والأكراد والصدر

وسط كل التأزيم في المشهد السياسي العراقي، جاءت 6 تسريبات صوتية نسبت إلى المالكي وبثت عبر وسائل التواصل الاجتماعي بين 13 و22 تموز / يوليو، لتزيد من حدة الخلافات بين رئيس الحكومة السابق ومقتدى الصدر.
فالتسريبات التي نشرها عراقي مقيم في الولايات المتحدة، تناولت قضايا سياسية حساسة وخطيرة، وأكثرها خطورة، توجيه المالكي تهديدات إلى مقتدى الصدر وقادة شيعة آخرين وقيادات سنية وكردية، إذ قال إن “العراق مقبل على حرب طاحنة لا يخرج منها أحد إلا في حال إسقاط مشروع مقتدى الصدر، ورئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني، ورئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي، فإذا أسقطنا مشروعهم نجا العراق، وفي حال عدم استطاعتنا ذلك فإن العراق سيدخل في الدائرة الحمراء”.
ورداً على التسريبات، نشر مقتدى الصدر بياناً شديد اللهجة على حسابه على تويتر عبر فيه عن استغرابه من “محاولة قتله من قبل حزب الدعوة وكبيرهم المالكي”، ناصحاً المالكي “بالاعتكاف واعتزال العمل السياسي واللجوء للاستغفار أو تسليم نفسه ومن يلوذ به إلى الجهات القضائية، ولا يحق له، بعد أفكاره الهدامة، أن يقود العراق بأي صورة من الصور، بل ذلك خراب ودمار للوطن وشعبه”.
وجاء رد الصدر على الرغم من نفي المالكي صحة التسريبات في بيانين، قال في أحدهما: “بمناسبة ما نشر في مواقع التواصل من كلام بذيء منسوب لي فيه إساءة لسماحة السيد مقتدى الصدر، وأنا أعلن النفي والتكذيب وأبقى متمسكاً برغبة العلاقات الطيبة مع السيد وأنصاره المحترمين، وأرجو ألا يصدقوا ما ينشر… إنها فتنة يبعثونها لتمزيق الصفوف وإثارة الاضطرابات”.

العراق حضر قمة جدّة ويواصل وساطته بين الرياض وطهران

ولي العهد السعودي محمد بن سلمان التقى في جدة يوم الجمعة 15 تموز / الكاظمي الذي شارك يوم السبت 16 تموز / يوليو في قمة الجدة بحضور الرئيس الاميركي وقادة الدول الخليجية ومصر والاردن، لبحث ملفات الامن والطاقة والتنمية والتعاون المشترك.
وجرى خلال لقاء بن سلمان والكاظمي “استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين وفرص التعاون الواعدة، بالإضافة إلى تبادل وجهات النظر حول عددمن القضايا الإقليمية”.
وتظهر مشاركة العراق استعادة لزخم ما يمثله من مكانة وموقعاً استراتيجياً على الرغم من حاجته إلى حكومة قوية وذكية تستطيع استثمار هذه المكانة ولعب دور قيادي في العلاقات الدولية والإقليمية بين الولايات المتحدة الأميركية وبين إيران والسعودية، وبين تركيا وإيران، وهذا الأمر لم يشهده العراق إلا في ظل حكومة الكاظمي.
وستواجه أي حكومة عراقية قادمة تحدي كيفية تثبيت علاقات متوازنة وشراكة مع دول الجوار، وفي إبقاء الغطاء الخارجي للعراق فعالاً ومركز استقطاب وتقريب وجهات النظر داخل الشرق الأوسط، وأن تمسك الأمور من الوسط وتقنع الآخرين بأنها حكومة هدفها خدمة العراق وألا تنحاز في محور ضد محور آخر.

اعتداءات وانفلات أمني وقصف تركي على كردستان

أمنياً، أعلن مصدر أمني ومسؤول كردي، يوم الأربعاء 20 تموز / يوليو، أن 9 أشخاص على الأقل قتلوا، وأصيب 33 في هجوم صاروخي تركي استهدف منتجعا في مدينة زاخو الواقعة على الحدود بين إقليم كردستان العراق وتركيا. وغالبية الضحايا هم من السياح العراقيين العرب.
وأمر القائد العام للقوات المسلحة بالتحقيق الفوري في الحادث، وإيفاد وزير الخارجية ونائب قائد العمليات المشتركة وقائد قوات حرس الحدود إلى المكان للوقوف على حيثيات ما جرى وزيارة الجرحى.
ودانت الحكومة العراقيّة بأشد العبارات القصف، وقالت إن هذه المواقف تمثِّل انتهاكاً صارخاً لسيادة العراق، وتهديداً واضحاً للآمنين من المدنيين.
ووجه رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي بتشكيل لجنة تحقيق برئاسة وزير الخارجية فؤاد حسين، بهدف الوقوف على تفاصيل دقيقة حول الطرف المعني بالاستهداف، لاتخاذ أعلى مستويات الرد الدبلوماسي، بدءاً من اللجوء إلى مجلس الأمن، وكذلك اعتماد كافة الإجراءات الأخرى المقرّرة في هذا الشأن”.
كما دان الرئيس العراقي برهم صالح القصف التركي على بلاده في تغريدة على موقع “تويتر”.
وشن الزعيم العراقي مقتدي الصدر هجوماً حاداً على سلوك تركيا إزاء بلاده.
وتُفاقم هذه العمليات الضغط على العلاقات بين أنقرة وحكومة العراق المركزية في بغداد التي تتهم تركيا بانتهاك حرمة أراضيها، على الرغم من أن البلدين شريكان تجاريان مهمان.
وناقش مجلس النواب العراقي في جلسته الأولى للفصل التشريعي الثاني من السنة التشريعية الأولى التي عقدت يوم السبت 23 تموز/ يوليو، برئاسة محمد الحلبوسي رئيس المجلس، وحضور 242 نائباً، الهجمات على الأراضي العراقية. وشارك في الجلسة أيضاً وزيرا الخارجية والدفاع ورئيس أركان الجيش ونائب قائد العمليات المشتركة. وأوصت لجنة الأمن والدفاع بـ: إخراج عناصر حزب العمال الكردستاني من العراق، وانسحاب جميع القوات التركية، وإعادة انتشار القوات الاتحادية على طول الحدود المحاذية لتركيا، وإلغاء الاتفاقيات الأمنية مع تركيا، وإعادة النظر في ميزانية وزارة الدفاع لتعزيز قدراتها العسكرية.
وتنفذ عناصر الحزب بشكل متكرر هجمات داخل الأراضي التركية انطلاقاً من مواقعها في العراق. وتعتبر أنقرة عملياتها العسكرية دفاعية ضد مسلحي الحزب.
أما في الأمن الداخلي، فقد أعقبت الانتخابات البرلمانية الأخيرة وتكوين الكتل النيابية وانعقاد المجلس الجديد، سلسلة من أعمال العنف طاولت نواباً وشخصيات سياسية، وقصف بالصواريخ طاول محيط السفارة الأميركية في بغداد وقواعد عسكرية، وحتى مطار بغداد الدولي حيث تضرر عدد من الطائرات المدنية، وكان أكثرها لفتاً للنظر الهجوم الصاروخي الإيراني على أربيل في إقليم كردستان فجر يوم الأحد 13 آذار / مارس 2022، والذي بررته طهران بأنه استهدف مقار للموساد الإسرائيلي، الأمر الذي نفته كل من أربيل وبغداد.
ومنذ شهر شباط / فبراير، شهدت محافظة ميسان سلسلة من الاغتيالات والتصفيات التي طاولت شخصيات محسوبة على التيار الصدري ومليشيا عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي، في تطور ربطه الكثير من المحللين بالأزمة السياسية.
ومن مظاهر الانفلات الأمني الذي رافق العملية السياسية في العراق منذ إزاحة صدام حسين في إثر الغزو الأميركي سنة 2003، وتصاعد بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة، أن القتل بات يحدث خارج عملية الاغتيال السياسي أيضاً. فقد قُتل حيدر عبد الرازق، اللاعب السابق لمنتخب العراق لكرة القدم، بعد تعرضه لاعتداء وحشي في مطلع حزيران / يونيو، أدّى إلى إصابة بليغة في رأسه، وتوفي في المستشفى بعد أيام قليلة متأثراً بجروحه.
وتمثل المليشيات المسلحة دولة داخل الدولة، ويلجأ الكثير من الخارجين على القانون للاحتماء بها، وتمارس تلك المليشيات أدواراً هي حصرية للسلطة الشرعية. وآخر تلك الممارسات مطالبة النائب العراقي علاء الحيدري، في 26 نيسان / أبريل، من قوات الحشد الشعبي حماية المياه الإقليمية العراقية بعدما ألقت قوات خفر السواحل الكويتية القبض على خمسة صيادين بسبب “دخولهم المياه الكويتية” للصيد. ويتألف الحشد الشعبي من عدد من المليشيات المسلحة التي تأسست خلال الحرب ضد تنظيم “داعش” الإرهابي.
وفي رد ضمني على هذه الدعوة، دعا مقتدى الصدر في تصريح في 12 حزيران / يونيو، إلى فصل الحشد الشعبي عما تُسمى بالفصائل المسلحة في العراق وعدم الزج به في السياسة والتجارة والخلافات.

البرلمان العراقي يقر قانوناً يجرّم فيه التطبيع مع إسرائيل

في سياق سياسي منفصل، وافق البرلمان العراقي يوم الخميس 9 حزيران / يونيو على قانون يجرم التطبيع مع إسرائيل. وينص القانون الجديد على عقوبات، بينها السجن المؤبد أو المؤقت، ويهدف وفق مادته الأولى إلى “منع إقامة العلاقات الدبلوماسية أو السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية أو الثقافية أو أية علاقات من شكل آخر مع الكيان الصهيوني المحتل.” وتنص المادة 201 من قانون العقوبات العراقي، على أنه يُعاقب بالإعدام كل من روّج لـ “مبادئ الصهيونية، بما في ذلك الماسونية، أو انتسب إلى أي من مؤسساتها، أو ساعدها مادياً أو أدبياً، أو عمل بأي كيفية كانت لتحقيق أغراضه.”
وقد نددت الولايات المتحدة بذلك، وقالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان صدر بعد ساعات “إن هذا القانون، فضلاً عن تهديده حرية التعبير وتعزيزه بيئة معاداة السامية، يتعارض بشكل صارخ مع التقدم الذي حققه جيران العراق في بناء الجسور وتطبيع العلاقات مع إسرائيل.”

التقرير الاقتصادي

(آب/أغسطس)التقرير العربي إقتصاد العراق

مؤشرات اقتصادية إيجابية وتوقع نمو يفوق 9%

وعلى الرغم من الأزمات، سجل العراق مؤشرات اقتصادية إيجابية في الآونة الأخيرة، إذ ارتفع احتياطي العملة الصعبة للبلاد إلى أكثر من 70 مليار دولار بعد أن حقق العراق شهر أيار / مايو 11 مليار دولار إيرادات من بيع النفط الذي تسجل أسعاره زيادات هي الأعلى منذ 14 عاماً، بينما من المتوقع ارتفاع الاحتياطات النقدية إلى أكثر من 90 مليار دولار بحلول نهاية 2022. ويتوقع صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد العراقي بنسبة 9,5% خلال العام الجاري ليكون الأعلى عربياً.

وفي شأن يريح مالية الدولة، سدد العراق في حزيران / يونيو آخر دفعة من التعويضات المرتبطة بغزوه للكويت إبان حكم صدام حسين في سنة 1990، والتي بلغت 52,4 مليار دولار.

العراق يقفز 10 مراتب في ترتيب أكبر احتياطي للذهب

وعلى الرغم من الهدر والفساد الذي تسعى بغداد لمكافحته، فإن العائدات المالية الناجمة عن بيع النفط اتاحت للعراق وفرة مالية دفعته إلى شراء الذهب ليصعد بحسب بيان المجلس العالمي للذهب، الاحد 7 آب / أغسطس، عشر مراتب بعد شرائه 34 طناً، ليصل إلى المرتبة 30 من بين أكبر الدول امتلاكاً لاحتياطي الذهب عالمياً.
وذكر المجلس في جدول عن شهر آب / أغسطس 2022 أنه “بموجب عمليات الشراء الكبيرة للعراق والبالغة 34 طناً، فإن العراق صعد عشر مراتب ليصل إلى المرتبة 30 من أصل 100 دولة مدرجة بالجدول بأكبر احتياطي للذهب لتبلغ حيازته من الذهب 130,4 طناً، وهي تمثل 11,5% من باقي احتياطاته الأخرى.” وأوضح البيان أن “العراق أصبح رابع أكبر احتياطي للذهب عربياً، بعد أن كان سادساً، متجاوزاً بذلك مصر وليبيا اللتين احتلتا المرتبة الخامسة والسادسة على التوالي.”

بغداد والرياض توقعان اتفاقية الربط الخليجي والتزويد الكهربائي

وقع العراق والسعودية، مساء الجمعة 15 تموز / يوليو، اتفاقاً بشأن توفير الطاقة الكهربائية بشكل مستقر وبكلف مخفضة عبر الاتفاق مع هيئة الربط الخليجي. ومن شأن هذا الاتفاق، أن يهيء المزيد من أسباب استقرار تزويد الطاقة الكهربائية، وإمدادات الشبكة الوطنية، ولاسيما في المواسم التي تشهد ارتفاع الطلب.
وجرى أيضاً توقيع اتفاق ثان، يهدف إلى تجهيز العراق بالطاقة الكهربائية من السعودية، وأن تصبح الشبكة الوطنية العراقية محوراً لنقل الطاقة بين قارتي آسيا وأوروبا، ومن جهة أخرى ضمان استقلال للعراق وعدم استخدام طهران لملف الكهرباء وتصدير الغاز كورقة ابتزاز وهو مايحصل بالفعل منذ اعوام.
ويعتبر هذا التوقيع الثالث من نوعه لاتفاقية الربط الكهربائي بين بغداد والرياض: الأول في 19 نيسان / أبريل 2019، والثاني في 23 أيار / مايو 2020، لكن التنفيذ دونه صعوبات، ليست فنيّة، بل سياسية وأمنية في ظل استمرار تحكم الفصائل الموالية لإيران بالمشهد العراقي واستمرارها بالحفاظ على نفوذ إيران، وخصوصاً في قطاع الطاقة، حيث جرت عمليات استهداف لأبراج الكهرباء للحيلولة دون انجاح تنفيذ هذه الاتفاقية، وهو خطر يبقى مستمراً، طالما لم تتخذ الحكومة العراقية خطوات فعلية لتطويق نفوذ هذه اللمليشيات.
وتعد أزمة الكهرباء في العراق، من أكبر ملفات الهدر. ويحتاج العراق إلى 30 ألف ميغاواط من الطاقة، لكن نصف ذلك فقط يصل إلى المستهلكين بسبب قضايا الفساد.
ومع كل فصل صيف تبرز أزمة الكهرباء، وخصوصاً مع تراجع إمدادات الغاز الإيراني، إلى قرابة 5 مليون متر مكعب، على الرغم من وجود اتفاقات مسبقة بين إيران والعراق على تزويد بغداد بـ 70 مليون متر مكعب يومياً من الغاز صيفاً، و50 مليون متر مكعب في الشتاء، من أجل تأمين احتياجات محطات الكهرباء من الوقود.
وتعطّلت الإمدادات بصورة متكررة خلال الأشهر الماضية، نتيجة عدم قدرة العراق على الدفع، وخفضت طهران صادراتها من الغاز إلى بغداد بسبب الديون المتزايدة، التي تقدّرها طهران بأكثر من 5 مليارات دولار، وكذلك أزمة الطاقة في البلاد.
وصرفت وزارة الكهرباء أكثر من 60 مليار دولاراً، من غير المصاريف التشغيلية، علماً أن كل مليار دولار من هذا المبلغ يفترض أن يمنح 1000 ميغاواط، وبالتالي فإنه يجب أن يكون هناك 60 ألف ميغاواط، في حين أن ما هو موجود في أحسن الأحوال لا يزيد على 20 ألف ميغاواط، الأمر الذي يؤشر على وجود فساد كبير في مشاريع الوزارة.
ويأتي مشروع الربط الكهربائي مع دول الخليج، على رأس أولويات الحكومة العراقية، وكان يفترض أن يصبح مشروع الربط الكهربائي مع دول الخليج جاهزاً للعمل في صيف 2022 إلا أن الواقع يشير إلى صعوبة تحقيق ذلك.
وتتضمن المرحلة الأولى نقل 500 ميغاواط، إذ يتضمن إنشاء خط بطول 300 كيلومتر، بواقع 220 كيلومتراً داخل الكويت، و80 كيلومتراَ داخل العراق.

مشاريع لتنويع الاقتصاد واعتماد الطاقة النظيفة

ولخفض اعتماد العراق اقتصاديا على النفط الذي يمثل بنسبة تبلغ نحو 90% من واردات الموازنة، وفي سياق البحث عن تنويع الاقتصاد، يجري حالياً تطوير خط سكك حديد الفاو – زاخو إلى الحدود التركية ثم إلى أوروبا وبالعكس. ويعد خط التجارة فاو – تركيا – أوروبا أسرع من خط التجارة المار من باب المندب – قناة السويس – أوروبا بـ ١١ يوماً، فضلاً عن قلة التكلفة، وهو أمر يقضي بضرورة زيادة الاستثمار لتحقيق الأهداف الاستراتيجية التي تدر أرباحا على البلد.
وفي سياق اللحاق بالتوجه العالمي لإنتاج الطاقة النظيفة، فإن العراق يملك العديد من المؤشرات الإيجابية في المجال الاقتصادي، منها أن وزارة الصناعة تشجع وتدعم توجهات القطاع الخاص لإنتاج الخلايا الشمسية واستخدامها في المعامل بدلاً من الوقود، كما أن بعض المصارف أعلنت عن تقديمها قروض للقطاع الخاص بهذا التوجه لإنتاج أو شراء منظومات الطاقة الشمسية بدلاً من الوقود، الأمر الذي يدل على أن السنوات المقبلة ستشهد انخفاضاً كبيراً في الطلب على النفط كمصدر للطاقة.
ويقع على عاتق الحكومة خلال المرحلة المقبلة أن تتوجه نحو تأسيس قطاعات مالية جديدة غير نفطية لتمويل الاقتصاد العراقي بالتوجه نحو الزراعة والصناعة والنقل والسياحة.

النزاهة تتهم 300 وزير ومسؤول بقضايا فساد

لكن المؤشرات الإيجابية أعلاه، لا تغطي على السلبيات الكبرى، إذ وبموازاة الازمة السياسية التي تضرب اطنابها في العراق، فإن الفساد المالي يعد أحد الملفات الخطيرة المتداخلة سياسياً واقتصادياً، ويتورط فيه مسؤولون كبار من سرقة وهدر المال العام، وآخر محاولات السرقة، إعلان هيئة النزاهة الاتحادية، يوم الخميس 11 اب / أغسطس، أنها حالت دون هدر تريليوني دينار عراقي، أي نحو مليار و200 مليون دولار، من الأموال العامة، وإعادتها إلى حساب الخزينة العامة، عن طريق إجراءاتها الردعية والوقائية.
وكشفت الهيئة عن أن 39 وزيراً ومسؤولين بمرتبة وزير، و241 من ذوي الدرجات الخاصة والمديرين العامين ومن بدرجتهم، من بين المُتَّهمين في قضايا جزائية.
وكانت هيئة النزاهة العراقية، أعلنت يوم الخميس 10 حزيران / يونيو، في بيان عن “عملية اختلاس كبيرة” في مصارف حكومية، و”تزوير وتلاعب وغسل أموال”، بقيمة تفوق 700 مليون دولار من المال العام، تورط فيها موظفون وزبائن وشركات وأفراد. وكان فريق تحقيق عيّنته الهيئة توصل إلى وجود “اختلاس مبلغ كبير من المال العام، من خلال التزوير والتحريف والتلاعب وغسل الأموال واستغلال المناصب والتلاعب في القيود المصرفيَة وإدخال تعزيزات أرصدة وهمية على حسابات الزبائن”، في فرع المصرف الزراعي في محافظة ميسان الجنوبية و4 من فروع مصرف الرشيد في ميسان وبغداد.
ويُعد العراق من بين أكثر الدول فساداً، وقد جاء في المرتبة 157 من بين 180 دولة، في ترتيب البلدان الأكثر فساداَ، بحسب مؤشر منظمة الشفافية الدولية لسنة 2021.

شركات عالمية تغادر كردستان بعد قرار من المحكمة الاتحادية

في غضون ذلك، تلقى إقليم كردستان ضربة اقتصادية موجعة، بعدما أعلنت وزارة النفط العراقية، في يوم الإثنين 4 تموز / يوليو 2022، أن شركات “شلمبرجيه” و”بيكر هيوز” و”هاليبرتون” العالمية لن تقدم على مشاريع جديدة في إقليم كردستان، امتثالاً لقرار المحكمة الاتحادية.
وأشارت الوزارة إلى أن تلك الشركات “هي الآن في طور تصفية وإغلاق المناقصات والعقود القائمة”، مؤكدة أنه بموجب تعهد الشركات، فإنها “لا تمتلك كياناً تجارياً أو شركات أخرى تعمل في الإقليم سواء بالعلامة التجارية لها أو لغيرها أو بالإنابة عنها، بما يخالف قرار المحكمة الاتحادية”.
وجاء انسحاب الشركات الأجنبية العاملة في إقليم كردستان امتثالاً لقرار المحكمة الاتحادية العليا العراقية المرقم 59 بشأن نفط وغاز إقليم كوردستان، والتزاماً منها بالقوانين والأنظمة السائدة في البلدان التي تقدم خدماتها فيها، في أعقاب أشهر من النزاعات بين أربيل وبغداد بعد أن قضت المحكمة الاتحادية في شباط / فبراير، أن الأسس القانونية لقطاع النفط والغاز في إقليم كردستان غير دستورية.
ومنذ ذلك الحين قامت وزارة النفط بمحاولات جديدة لتنفيذ الحكم، بما في ذلك استدعاء سبع شركات عاملة هناك إلى جلسات قضائية تجارية تأجلت مراراً، الأمر الذي يُفاقم الوضع الاقتصادي في الإقليم الذي يعاني أوضاعاً اقتصادية سيئة، وخصوصاً أن ما يدر عليه من عائدات نفطية يسهم بشكل واضح في توفير السيولة اللازمة لتمويل المشاريع ودفع رواتب الموظفين والالتفاف على محاولات التضييق التي تفرضها حكومة بغداد بسبب ضغوط سياسية.
وكان هجوم صاروخي استهدف حقول الغاز في إقليم كردستان العراق، يوم السبت 25 حزيران / يونيو، ولاسيما حقل دانا للغاز في قضاء چمچمال بالسليمانية، وهو الهجوم الثالث منه نوعه الذي نُفذ خلال ٧٢ ساعة، على قطاع مهم يمثل شريان الحياة في الإقليم.
ويعد الاستهداف العسكري لحقول النفط والغاز الكردية، الذي يتزامن مع انسحاب الشركات الأميركية من الاستثمار في الإقليم على وقع قرار المحكمة الاتحادية بشأن عدم دستورية قانون النفط والغاز، من العوامل الضاغطة على الإقليم ومساعيه الرامية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاستقلال المالي عن الحكومة الاتحادية.
ومع ان الخلافات السياسية والعداء الإقليمي بين الأذرع الإيرانية وبعض الدول العربية يجعل من استهداف شركة دانا الإماراتية هدفاً ضمن عملية استهداف اي نشاط إماراتي في العراق، إلى جانب استهداف اي محاولة لتطوير استخراج الغاز الطبيعي وقطع الطريق على مساعي الاستغناء عن الغاز الايراني، إلا أنه من غير المستبعد أن يندرج أيضاً في اطار الصراع والخلافات بين الحزب الديمقراطي الكردستاني ومنافسه الاتحاد الوطني الكردستاني على الثروات والنفوذ، ولاسيما أن البيشمركة التابعة للحزب الديمقراطي منعت دخول جهة رسمية تابعة للجيش الاتحادي للتحقيق في القضية.

شح مياه وتصحر وتحذير من جفاف دجلة خلال 20 عاماً

وفضلاً عن الأزمات ذات الأسباب البشرية، فإن العوامل الطبيعية تهدد نمو الاقتصاد العراقي، وفي مقدمة تلك العوامل، شُح المياه، إذ تقول وزارة الموارد المائية العراقية إن المياه التي يحصل عليها العراق من نهري دجلة والفرات سوف تجف في غضون 20 عاماً إذا لم يتم فعل شيء. وقد أصبحت حالات الجفاف والعواصف الرملية ودرجات الحرارة التي تتجاوز الخمسين درجة مئوية شائعة بشكل متزايد في العراق.
ويواجه العراق خطر التصحر الذي ينعكس سلباً على وضعه الاقتصادي والزراعي، ولاسيما مع استمرار هبوب العواصف الترابية التي بلغت نحو 10 عواصف منذ كانون الثاني / يناير الماضي، تلازماً مع موسم الجفاف الذي تمر به الكرة الأرضية خلال العقد الحالي، الأمر الذي يستدعي من الأجهزة الحكومية البحث عن بدائل لمياه الأنهار لسقي الأراضي الزراعية من خلال تقنين استخدام المياه الجوفية والاعتماد على المحاصيل التي لا تستهلك مياهاً كثيرة.
وقد تراجعت موارد العراق المائية بنسبة 50 في المئة منذ سنة 2021 بسبب فترات الجفاف المتكررة وانخفاض معدل هطول الأمطار وتراجع منسوب الأنهار.
ويشترك العراق، في نهري دجلة والفرات مع تركيا وسورية وأنهار أخرى مع إيران، ويهدد بناء السدود في دول المنبع موارده المائية للخطر. وقد أجبر النقص والجفاف العراق بالفعل على خفض مساحات الأراضي المزروعة إلى النصف خلال فصل الشتاء الماضي. ويحتاج العراق الذي دمرته عقود من الصراع والعقوبات إلى استثمار 180 مليار دولار على مدى العقدين المقبلين في البنية التحتية وبناء السدود ومشاريع الري. بحسب البنك الدولي.

التقرير الثقافي

(آب/أغسطس)التقرير العربي ثقافة العراق

الحياة الليلية تعود إلى شارع المتنبي بعد إعادة افتتاحه

لم يستجد شيئاً خلال شهر تموز / يوليو على النشاطات الثقافية وبقي النشاط مقتصراً على إعادة افتتاح شارع المتنبي في بغداد مطلع حزيران / يونيو، المشهور بمكتباته، بعد إعادة ترميم خضع لها، تتيح لهذا الشريان الحيوي في العاصمة العراقية استعادة بعض من مجده السابق.
ويعجُّ الشارع عادة أيام الجمعة بالرواد، لا سيما الطلاب والشباب، وكذلك فنانو ومثقفو الجيل السابق، ولوحظ في إثر إعادة الافتتاح عودة الحياة إلى الشارع ليلاً بعدما كانت تقتصر سابقاً على ساعات النهار.
وأُطلق على الشارع التاريخي في سنة 1932 خلال عهد الملك فيصل الأول اسم الشاعر الشهير أبو الطيب المتنبي (915 – 965)، الذي ولد في عهد الدولة العباسية.
ويبلغ طول الشارع نحو كيلومتر واحد، ويؤدي إلى إحدى ضفاف نهر دجلة، ويمكن للزائر أن يجد في المكتبات والأكشاك التي يعج بها الشارع مجموعة متنوعة من الكتب باللغتين الإنجليزية والعربية، إضافة إلى الكتب الجامعية والمدرسية.
واللافت في مكتبات شارع المتنبي وجود إصدارات قديمة، بينها كتب بالفرنسية والإنجليزية والعربية، وبعضها قد يكون نادرا ويعود للقرن الماضي.
وتعرّض الشارع في سنة 2007 لتفجير بسيارة مفخخة خلّف عشرات القتلى والجرحى، وتسبب بتدمير المحال القديمة التاريخية ومن بينها مقهى الشهبندر لكن تم إعادة إعماره لاحقاً.
وخلال شهر حزيران / يونيو تم إعادة افتتاح موقع نصب “الشهيد” بعد سنوات من الإغلاق، ويعد من أبرز المعالم المعمارية في العراق، وتم بناؤه خلال الحرب العراقية الإيرانية ثمانينيات القرن الماضي.

معارض كتب دولية وافتتاح مكتبة الموصل المركزية

ويشهد العراق في كل عام افتتاح عدد من معارض الكتب الدولية دون ضوابط واضحة، إذ تبلغ نحو خمسة معارض سنوياً تنظمها مؤسسات غير حكومية في بغداد وإقليم كردستان والبصرة والنجف وكان آخرها في العاصمة، وأثار جدلاً بين المثقفين والناشطين بسبب افتتاحه من قبل رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، الأمر الذي دفع الكثيرين إلى مقاطعته.
وأعيد رسمياً افتتاح مكتبة الموصل المركزية بعد ترميمها بالكامل من الدمار الذي لحق بها أثناء المعارك بين القوات العراقية وتنظيم “داعش”، أثناء محاولة استعادة الموصل من سيطرة التنظيم قبل خمس سنوات.

تضييق على الحريات الإعلامية والفنية وتصفيات

وشهدت الفترة الأخيرة عمليات قمع جديدة طاولت الحريات الإعلامية والعامة. فقد أوقفت هيئة الإعلام والاتصالات في العراق برنامج “مع ملا طلال” على قناة UTV، بعد أن اشتكى الجيش من مشهد تمثيلي بالبرنامج تناول قضية الفساد. وزارة الدفاع العراقية اعتبرت المشهد مسيئاً للجيش ومنتسبيه.
وسجل مقتل الناشطة النسوية إيمان سامي بينما كان العالم يحتفل باليوم العالمي للمرأة، الأمر الذي أثار غضباً عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتساؤلات حول جدية الجهود التي تبذلها الحكومات لتمكين النساء.
وفيما استضافت بغداد على مدى الأشهر الماضية عدداً كبيراً من الفنانين العرب في مختلف المجالات، وخصوصاً في مجال الغناء، لكن بعض الحفلات الغنائية تعرضت لاحتجاجات لأسباب عدة منها رفض الجماعات الإسلامية المتشددة إقامتها، وآخرها إلغاء حفل المطرب المغربي سعد المجرد في شهر حزيران / يونيو.

الموت يغيّب أيقونات فنية وأدبية

غيب الموت في الأشهر الأخيرة أيقونات فنية وأدبية عراقية. فقد نعت نقابة الفنانين العراقيين، يوم الجمعة 5 اب / أغسطس، الفنان سعد مجيد الذي وافته المنية أثر مرض عضال.
وكانت نقابة الفنانين العراقيين، نعت الملحن العراقي محسن فرحان الذي وافته المنية في 18 تموز / يوليو عن عمر ناهز 75 عاماً بعد صراع مع المرض.
وشهد شهر أيار / مايو وفاة الشاعر العراقي الكبير مظفر النواب بعد صراع مع المرض، وقد أُجريت له مراسم تشييع مهيبة بعد نقل جثمانه من دولة الإمارات العربية المتحدة إلى العراق.