مقدمة

جميع الملفات في لبنان مجمدة وتنتظر انجلاء المشهد جنوباً، حيث المواجهات بين “حزب الله” وإسرائيل تستعر يوماً بعد يوم، على الرغم من الحديث عن هدنة قريبة بين إسرائيل وحركة “حماس”، إذ يبدو أن الجيش الإسرائيلي سيستثني جنوب لبنان من تلك الهدنة ويستمر باستهداف معاقل الحزب، ليس في الجنوب، وإنما في كل المناطق اللبنانية، وكانت آخر الغارات تستهدف مدينة بعلبك شمال شرق لبنان.

وسط هذا تضغط الدول الغربية، وخصوصاً الولايات المتحدة وفرنسا على السلطات اللبنانية من أجل إعادة الاعتبار للقرار الأممي 1701، الذي استطاع أن يرسي استقراراً منذ سنة 2006، انهار مع عملية “طوفان الأقصى”.

الضحية الكبرى لهذا التصعيد كان الاقتصاد اللبناني الذي بدأ يتأثر بمفاعيل تلك الحرب (أو اللاحرب) التي أنهكت خزينة الدولة ويبدو أنها بدأت تستنفذ ما تبقى من احتياطات لدى مصرف لبنان. ناهيك عن إضراب موظفي القطاع العام ومطالبتها بعلاوات على الرواتب.

التقرير السياسي

التصعيد يتواصل وقدرات حزب الله" أكبر من حماس

تتصاعد نظيرتها في جنوب لبنان بين الجيش الإسرائيلي و”حزب الله” الذي يقول منذ بداية الحرب في 7 تشرين الأول/ أكتوبر أن ما يقوم به ليس حرباً وإنما “جبهة مساندة”.

وتظهر الاحصاءات، أنّه منذ بداية شهر شباط/ فبراير، تراجع عدد الصواريخ المطلقة من قطاع غزة صوب إسرائيل بشكل ملحوظ، وباتت تلك التي يطلقها “حزب الله” أكثر عدداً، وقد وصل عدد تلك التي أطلقتها حماس منذ بداية شباط حتى منتصفه11 صاروخاً، بينما تلك التي أطلقها الحزب تخطى عددها الـ138 صاروخاً، وذلك بحسب إحصاءات “منظمة الدفاع والديمقراطية” الأميركية (FDD).

ووسط الكر والفر بين إسرائيل والحزب، أجرى الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين اتصلاً هاتفياً بالرئيس نبيه بري، وكرّر المطالبة بانسحاب “حزب الله” بضعة كيلومترات عن الحدود مع اسرائيل. إلا أن بري أكد للموفد الأميركي أن الانسحاب من كل الجنوب سيحصل حينما تطبق إسرائيل القرار الأممي 1701.

كما قال بري لقائد قوات اليونيفيل العاملة في جنوب لبنان الجنرال آرولدو لاثارو، بعيد استهداف سلاح الجو الاسرائيلي منطقة بعلبك للمرة الأولى منذ منذ حرب تموز/ يوليو 2006: “إذا ضُربت بيروت، فالمقاومة ستردّ على تل ابيب”، الأمر الذي يشي بأنّ الأمور آيلة إلى مزيد من التصعيد خلال الأسابيع المقبل، التي يصفها مراقبون لبنانيون وأجانب على أنها من بين أشد الأيام حساسية منذ بداية الحرب.

إيران أبلغت المعنيين بأنها غير معنية بالبناء بعد الحرب

إلى ذلك، أفادت مصادر واسعة الاطلاع تتصل بالموقف الإيراني، بأنّ طهران أبلغت من يعنيهم الأمر في لبنان وخارجه، أنّها غير معنية بإعمار ما يتهدّم في الجانب اللبناني من الحدود مع اسرائيل بعد انتهاء الحرب. معتبرة أنّ الدمار تسببت به إسرائيل التي تقع المسؤولية على عاتقها.

وقالت المصادر إنّ تجربة إيران في الحرب مع العراق، التي دامت 8 أعوام في ثمانينات القرن الماضي، لم تنته الى حصول إيران على تعويضات من الاتحاد السوفياتي السابق الذي تسبب بدمار في المدن الإيرانية بسبب استخدام العراق السلاح السوفياتي آنذاك.

هذه المعلومات تأتي في معرض نفي إيران وجود رسائل تتبادلها مع واشنطن حول لبنان، وتؤكد طهران من خلال ذلك أنّ توسيع الحرب في جنوب لبنان هو “بيد الولايات المتحدة وإسرائيل”، وإذا وقعت الحرب فإن “حزب الله سيكون  جاهزاً لها”.

لبنان يؤجل الرد على الفرنسيين لوقف التصعيد

بعد أن تسلّم لبنان ورقة اقتراحات من فرنسا لمعالجة التوتر في الجنوب، وأعلنت وزارة الخارجية تسلّمها والكتاب بشكل رسمي بعد اعتراضها عليه شكلاً وهي اليوم في صدد التحضير لتقيدم ردها الرسمي. فقد أرجأت الحكومة الردّ على تلك الورقة لأنّ فرنسا بحسب مصادر وزارة الخارجية “لم تراعِ الأصول الدبلوماسية، إذ لم تحمل الورقة شعار الخارجية الفرنسية ولا السفارة الفرنسية في بيروت.”

وقد أعلن وزير الخارجية عبدالله بو حبيب، بعد لقائه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في 26 شباط/ فبراير، أن البحث في الرد على المقترح الفرنسي قيد التحضير، وسيكون الأسبوع المقبل.

وتقول مصادر لبنانية أنّ الجانب اللبناني فهم أنّ باريس ليست في موقع يؤهّلها للقيام بدور بنّاء، لأن الموقف الفرنسي منذ اللحظة الأولى لعملية “طوفان الأقصى” كان متطابقاً ومتماهياً مع المصلحة الإسرائيلية، إلى درجة أن الورقة الفرنسية تبدو وكأنها “صيغت في تل أبيب”.

كما أن كل الأفرقاء باتوا مقتنعين بأن باريس ليست قادرة على إدارة مفاوضات والتوصل إلى اتفاقات بمعزل عن واشنطن. وثمة اعتقاد لدى غالبية المسؤولين اللبنانيين بضرورة انتظار نتائج المفاوضات الجارية في القاهرة والدوحة حول غزة، وأنه في حال أفضت إلى هدنة مؤقتة، فإن ذلك يعني أن هناك إمكانية كبيرة لأن يقوم الموفد الأميركي عاموس هوكشتين بزيارة للمنطقة ولبنان، حاملاً اقتراحات لوقف التصعيد في الجنوب.

ويتردد كذلك أن لدى الموفد الأميركي مقترحاً لم تُكشف بنوده بعد في انتظار ما ستفضي إليه المفاوضات، لذلك ترى الحكومة أنه من الأفضل انتظار تطورات الأسبوعين المقبلين: فإذا أتى الموفد الأميركي يكون الكلام مباشرة مع الأصيل باعتبار واشنطن هي الطرف الذي سيُبرم معه أي اتفاق مقبل، وخصوصاً أن “حزب الله”، يرفض البحث في الإجراءات قبل وقف العدوان على غزة، ما يعني أن المقترح الفرنسي لا يبدو قابلاً للتطبيق في الوقت الراهن، ويبدو أن تأخر الرد الرسمي اللبناني تأخر بسبب ذلك.

يذكر أنّ الورقة الفرنسية كانت تطالب لبنان بـ:

– انسحاب الحزب على الأقل 10 كيلومترات شمال الحدود.

– وقف إطلاق النار.

– تأليف لجنة لمتابعة مسار العملية ودخول الجيش إلى الجنوب.

كتلة الاعتدال تحرك المياه الرئاسية الراكدة

استهلت “كتلة الاعتدال الوطني” (السُنيّة) شهر شباط/ فبرير بمبادرة جديدة من أجل بلوغ انتخاب رئيس للجمهورية، بدأتها من خلال مجموعة من اللقاءات مع القيادات اللبنانية. هذه المبادرة تقوم على عقد لقاء تشاوري بين النواب للمطالبة بعقد جلسة استثنائية لانتخاب رئيس للبلاد، وتحظى بتأييد عدد لا بأس به من النواب، وتنتظر انتهاء الكتلة من اختتام جولتها على كافة الكتل النيابية.

ولن يأخذ هذا الطرح شكل الحوار المتعارف عليه ولن يكون طاولة مقيدة ببرنامج كتل التي ترفضها أحزاب المعارضة. كما لم تدخل المبادرة حيز التطبيق.

وتقول أوساط الكتلة التي تضمّه والنواب: محمد سليمان، وليد البعريني، أحمد رستم، عبد العزيز الصمد وأحمد الخير، إن حراكها السياسي هو الأول لإنهاء الفراغ الرئاسي، وقد لا يكون الأخير ما دام الفراغ مستمراً ويتمدّد لأسباب شتّى يعرفها الجميع. وإنها تبحث عن “توافق على اسم جامع يحقّق الرضى الداخلي والثقة الخارجية، ستصوّت لأي رئيس يحقّق الإجماع الوطني من دون أن يكون لها اسم إلاّ من يحقق الإجماع”.

وحتى الآن، وافق رئيس الهيئة التنفيذية في حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع عليها وخرج بنفسه إلى الإعلام في 24 شباط/ فبراير، ليعلن قرار “تكتل الجمهورية القوية” المشاركة بهذا اللقاء الذي لا يعتبره حواراً ولا يترأسه أحد. كما يعول على أن تأتي موافقات أخرى أو تأييد أو دعم، والمهم أن يتحرك الاستحقاق الرئاسي محلياً.

ولم يحدد التكتل توقيتاً محدداً من أجل عقد اللقاء وذلك بانتظار استكمال عناصره وشروطه، إلا أنّ استعجال الكتلة هو سمة حراكها، ولذلك بمجرد أن تحصل”كتلة الاعتدال الوطني” على موافقة بالإجماع حول طرحها في نهاية جولاتها، فإنها قد تعمد الى تحضير مستلزمات هذا اللقاء في البرلمان.

وتكشف أوساط سياسية أنّ الطرح يتقدم ولا عوائق كبيرة أمامه، وبالتالي فإن حظوظه تبدو مرتفعة. وفيما الغطاء المسيحي مؤمن له، إلاّ أن الأمر مرهون بالنتيجة النهائية، التي تتوقف الآن عند رأي “حزب الله”.

وترى مصادر سياسية أنّه لا يمكن الحكم على مسار اللقاء المنتظر مع الحزب. وحتى لو كانت الأجواء سلبية لكنها ستخلق مناخاً جديداً، يسمح للعملية الدستورية المتصلة بالانتخاب بأنّ تسلك طريقها.

التقرير الاقتصادي

توتال تنسحب من اتفاق النفط وترفض تعديل الشروط

على عكس أحلام وطموحات السلطة السياسية، إنتهى موضوع تلزيم البلوكّين 8 و10. فبعد أنْ مدّدت وزارة الطاقة اللبنانية لتحالف “توتال إنرجي” الفرنسية و”إيني” الإيطالية و”قطر للطاقة”، من أجل وضع تعديلات على إتفاق التلزيم إلى بداية شهر شباط/ فبراير، وبعد إنقضاء المدة المحددة من قبل مجلس الوزراء، جاء رد “توتال” الرافض للتعديلات والخروج من الإتفاقية، وهو ما خيب آمال السياسيين، وبالتالي أعاد ملف النفط في لبنان إلى نقطة الصفر تقريباً.

هذا الجواب تسبب بتقاذف التهم بين اللبنانيين. المعارضة تعتبر أن الدولة اللبنانية، لم تنطلق منذ بدأت البحث في موضوع النفط والغاز، من موقع قوة. فقامت بتلزيم الإئتلاف الثلاثي “توتال” و”إيني” و”نوفاتيك” وفي ما بعد “قطر للطاقة”، ومذاك لم يتقدم أحد سواها، وهذا ما يطرح علامات إستفهام. إذ لم يكن من أولويات الدولة اللبنانية حينها الإطلاع على شروط المفاوضات مع الشركات، بل كان همّها فقط تلميع صورتها أمام الشعب وإقناعه بأن لبنان بلد نفطي.

ولهذا كانت الشروط اللبنانية في نظر المعارضين “ضعيفة ومجحفة منذ البداية”. ومنذ أن بدأت عملية التنقيب والوقت الذي استغرقته للبدء بالحفر في البلوك رقم 4، لم يعلم أحد ما إذا كانت “توتال” قد أصدرت التقارير الرسمية حوله. كما لم تصدر التقرير الرسمي المتعلق أيضاً بالبلوك رقم 9، بل غادرت البلوك رقم 4 ولم تبحث في بئر أخرى، ولا أحد يعلم إذا كانت تنوي إنشاء بئر أخرى في البلوك رقم 9 أم لا.

أمّا الموالون، وخصوصاً الفريق المقرب من “حزب الله”، فيعتبر أوساطهم أن شركة توتال الذراع الاقتصادية والاستعمارية للدولة الفرنسية، تعمل على زيادة الضغوط على لبنان من خلال النفط، وذلك بعد تجربتين مشبوهتين في البلوكين 4 و9.

ترى تلك الأوساط، أن “توتال” تراهن على انصياع الحكومة لرغبات الشركة التي لا تريد إحراز أي تقدم عملي في الملف قبل سنة 2028. ولهذا ترى أن الثقة باتت الثقة شبه مفقودة بالشركة لدى غالبية المعنيّين بالملف، مع خلاصة عامّة مفادها أنها تريد فقط المماطلة وبيع اللبنانيين مسكّنات، كما تفعل في دول أفريقية مثل الكاميرون، فتضع يدها على الموارد لتكريس النفوذ السياسي وتماطل لسنوات قبل أن تقرر الاستخراج، وتكسب خلال هذا الوقت عقوداً أخرى وهيمنة على البلد المضيف.

كما تماطل لشراء الوقت والسنوات لصالح إسرائيل في مقابل تقدمها في المشاريع النفطية مع قبرص بما يمكن إدراجه في خدمة التحالف الغازي القبرصي – الإسرائيلي، وهو ما يثير شكوكاً حول النوايا الفرنسية وحتى القطرية، والادّعاءات بالحرص على إخراج لبنان من أزمته الاقتصادية.

ولهذا تعتبر الأوساط نفسها أنّ فرض التنقيب والاستخراج يجب أن يكون جزءاً من أيّ تهدئة مقبلة في جنوب لبنان، طالما أن فرنسا تأتي بالضغوط لتطبيق 1701 وضمان أمن إسرائيل، وليس مهماً عندها إن مات اللبنانيون قصفاً أو جوعاً.

إضراب موظفي القطاع العام بشمل إدارات الدولة

توسّع إضراب موظفي القطاع العام في الأيام القليلة الماضية فشمل كل إدارات الدولة، حتى تلك التي بقيت بمنأى عن الإقفال في السنوات الماضية، وذلك على خلفية تعثر المفاوضات من أجل رفع الرواتب.

وتدور مفاوضات بين الحكومة ومصرف لبنان الذي يرفض زيادة الرواتب حرصاً على استقرار سعر الصرف الذي سيكون مهدداً بالارتفاع نتيجة زيادة طلبه على الدولار من السوق من أجل دفع تلك الرواتب بالدولار الأميركي.

ويعتبر لبنان الدولة الوحيدة في العالم التي تدفع رواتب موظفيها بعملة دولة أخرى. وبدأ هذا الاجراء قبل نحو سنتين مع ابتكار حاكم مصرف لبنان السابق هذه الطريقة من أجل تحاشي ضخ ليرات لبنانية في السوق مع بداية كل شهر (الرواتب) مفضلاً شراء تلك الدولارات من السوق خلال أيام السهر بهدوء وضخها في نهايته، وهكذا دواليك.

ويعتبر الموظفون أن رواتبهم تآكلت نتيجة تراجع قيمة العملة، بينما تتمسك الحكومة بموقفها الرافض لمنح تلك الزيادة وتقول إنها مقيّدة بـ “سقف الموازنة” وبـ “سقف الإنفاق الشهري” الذي حدّده حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري.

وسبق أن منحت الحكومة زيادات لموظفي وزارة المالية حصراً، باعتبار أنها الجهة التي تؤمن الأموال لخزينة الدولة، لكن هذا الاجراء استفز بقية الموظفين وأعلنوا الاضراب، وحينما تراجعت الحكومة عن قرارها أضرب الموظفون جميعاً في كل الوزارات لإعادة الزيادة وشمولها الجميع.

ويبدو أن إصرار الحكومة على الامتناع عن تقديم الزيادة والتمييز بين فئات الموظفين سينتج تأخيراً في تسديد رواتب شهر شباط/ فبراير، إذ تقول مصادر في وزارة المالية إن المهلة الزمنية المطلوبة لتحويل الرواتب قد “فات أوانها”، وإن إقفال النظام المالي في الوزارة أدّى إلى شل قدرة الدولة على الإنفاق والجباية على كل الأراضي اللبنانية.

وقد أنتج ذلك توقّف حركة استيراد وتصدير المواد الغذائية في بلد يستورد 80% من حاجاته الغذائية، إذ أضرب موظفو وزارة الزراعة في المرفأ للمرّة الأولى. وفي وزارة الصحة توقّف الموظفون عن العمل، ما عطّل، أمس، إمكانية إدخال وتسجيل الأدوية وعلى مدى الأيام الثلاثة الماضية تكدّست البضائع المستوردة على أرض المطار والمرفأ.

سعر الصرف إلى دائرة الانفلات مجدداً

يعود القلق الواقع الأمني والاجتماعي، من احتمال عودة سعر صرف الدولار إلى التدهور، وذلك نتيجة عوامل عدة:

1 – تصاعد الحرب في جنوب لبنان واقترابها شيئاً فشيئاً من المركز والعاصمة بيروت، وهذا قد يؤدي إلى اقفال الإدارات الرسمية، وبالتالي وقف تدفع أموال الرسوم والضرائب من صناديق وزارة المالية إلى خزينة الدولة.

2 – هذا بدوره سينعس انكماشاً في الحركة الاقتصادية وخصوصاً حركة الوافدين إلى الداخل اللبناني، والتي تعني بدورها تراجع حجم الأموال المقبلة من الخارج عبر السياح والمغتربين التي يعمد عليها الاقتصاد اللبناني بشكل رئيسي من أجل الاستمرار والصمود.

3 – إصرار الموظفين على الزيادة وإلاّ الاستمرار بالاضراب، وهذا على غرار النقطة رقم 1 أعلاه، ستعطل حركة الإيرادات إلى خزينة الدولة التي يعتمد عليها مصرف لبنان من أجل التدخل في السوق وجمع الدولارات التي أضحت بدورها شحيحة نتيجة النقطة رقم 2.

كل هذا يهدد سعر صرف الدولار مجدداً بمزيد من الانهيار، وذلك بعد استقرار دام قرابة 5 أشهر أو أكثر قليلاً منذ استلام نائب الحاكم الأول وسيم منصوري مهام الحاكمية بالإنابة.

وما يعزز هذا الحذر وتلك الهواجس، هو امتناع مصرف لبنان منذ نحو 3 أسابيع عن نشر تقاريره النقدية على موقعه الرسمي، وهو ما تسبب بالضبابية حول حجم الاحتياطات بالعملة الاجنبية لدى مصرف لبنان التي كان يقول إنه رفعها على مدى الأشهر الخمسة الفائتة إلى قرابة 9 مليارات دولار، ويبدو أنه عاد لينفق منها على إلتزامات الدولة.

مشروع قانون هيلكة المصارف يفتقد إلى أي دعم

تسرب في الإعلام اللبناني منتصف شهر شباط/ فبراير مشروع أعدته الحكومة لمعالجة أوضاع المصارف في لبنان وإعادة تنظيمها، وذلك قبل طرحه على طاولة مجلس الوزراء، الذي كان يستعد في غضون الأيام الماضية لدراسته وإحالته إلى البرلمان. لكن ذلك لم يحصل نتيجة موجة الرفض التي جوبه المشروع بها.

مشروع متشعّب جداً، ويشوبه الكثير من الثغرات. إذ لم يستطع أن يحصد أي دعم من أي جهة معنيّة مباشرة بالأزمة: المصارف اللبنانية وجمعية المصارف رفضته رفضاً قاطعاً، والمودعون ينظّمون الحملات لإسقاطه. أمّا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي فيحاول التنصّل منه، بينما يوحي مصرف لبنان بأن لديه عدداً من الملاحظات حوله، في حين تبدي الكتل النيابية تحفّظاً عليها قبل إبداء رأيها فيه وتنتظر وصوله إليها بالطرق الدستورية.

المشروع كان عبارة عن توليفة تجمع ثلاثة قوانين يفترض أن تكون منفصلة، وهي: قانون “الكابيتال كونترول”، قانون “الانتظام المالي”، وقانون “هيكلة المصارف”، وهو يتلخّص بالتالي:

– إلزام المصارف بدفع الودائع بالليرة اللبنانية كاملة، ومن دون احتساب أيّ فرق بين سعر الصرف قبل الأزمة (1,500 ليرة) وسعر الصرف اليوم (89,500 ليرة).

– تصنيف الودائع بين “ودائع مؤهّلة” (قبل 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019) تُدفع لأصحابها ضمن مهلة زمنية تراوح بين 10 و15 سنة ضمن سقف لا يتعدّى 100 ألف دولار وتبدأ بـ 300 دولار وتنتهي بـ 800 دولار، وأخرى “ودائع غير مؤهّلة” (بعد 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019) تُدفع لأصحابها ضمن المهلة نفسها لكن ضمن سقف لا يتعدّى 36 ألف دولار وتبدأ بـ200 دولار وتنتهي بـ400 دولار.

– استرجاع قيمة الفوائد التي تفوق 1% المتراكمة في حساب العميل منذ سنة 2015، وذلك للودائع فوق 100 ألف دولار، مع إمكانية تحوّلها، طوعياً، إلى الليرة اللبنانية بما يعادل 20% من سعر الصرف.

– تحويل “الودائع المؤهّلة” التي تفوق 500 ألف دولار إلى “أدوات رأسمالية”، وما يُعرف مصرفيّاً بـ Bail-in.

– تحويل الودائع إلى سندات ماليّة مصنّفة A وما فوق، ثمّ تحويلها إلى “صندوق استرداد الودائع” الذي يُنشأ من أجل هذا الغرض.

– الفرض على المودعين تبرير حصولهم على الودائع التي تفوق 500 ألف دولار، و300 ألف دولار للموظّفين العموميين.

وتبدي جمعية مصارف لبنان رفضها للمشروع بشكل قاطع، وتعتبر أن دعوى ربط النزاع التي رفعتها ضد الدولة اللبنانية “لم تعد كافية”، وتدرس توسيعها لتشمل مصرف لبنان بشكل مباشر باعتباره الجهة المدينة للمصارف (80 مليار دولار) أكثر من الدولة (10 مليارات دولار سندات يوروبوند).

المصارف ترى أن مشروع القانون لم يأخذ وجهة نظرها بالحسبان، فترى أن أي مشروع قانون يجب أن يتم التوافق عليه بين الحكومة، والبرلمان، ومصرف لبنان، وجمعية المصارف، وكذلك المودعين (إذا أمكن)، وهو ما يبدو متعثراً حتى اللحظة.

التقرير الثقافي

مارون الحكيم ينير وجه الأرض

يستقبل معرض “منير وجه الأرض” لمارون الحكيم الزوّار في غاليري Escape حتى منتصف آذار/ مارس. المعرض يهدف إلى استكمال الفنّان بحثه الفني باستدراج كل الوسائل والوسائط والقواعد إلى “بيدر الابتكار الخلاق في التقنيّات والأساليب”، وذلك وفق النص التعريفي الخاص بالحدث، كما جاء فيه أيضاً: “حسيّة الرسم مع الحكيم هي في تجل مستمر، لكون غنائيّة تأليفاته قائمة على كثافة المادة الصلبة والمطمئنّة في الآن نفسه، مادة لا تعرف اللين ولا الانحناء.”

وتقول الناقدة الفرنسية فرنسواز بارب ــ غال في تقديمها لأعماله: “القصة التي تُنسَج أمامنا لن نشهد لها أي نهاية. لأن كل لوحة من لوحاته إنّما هي في ريعانها، تسلسُ قيادها لحيويّة الطبيعة، وتتفاجأ بها في الآن نفسه. وهي الطبيعة التي لا ينفكّ الحكيم يُميط اللثام عنها مراراً وتكراراً.”

ويضم الحدث 43 لوحة جديدة رُسمت بين سنتي 2022 و2023، إلى جانب 12 منحوتة برونزيّة جرى العمل عليها بين عامَي 1992 و2021 وصُبّت العام الماضي.

مصطفى علي يستدعي التراث بالخشب والبرونز

افتت غاليري Mission Art في منطقة مار مخايل، معرضاً للنحات السوري مصطفى علي، ضمّ مجموعة منوّعة من الأعمال التي وقّعها ابن رأس شمرا في اللاذقية منذ عام 2000 وحتى الآن.

الفنان المتخرّج من كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق، درس الفن في إيطاليا، واشتهر بتأسيس حي الفنانين في حي الأمين في دمشق القديمة.

استحوذ على منحوتاته عدد كبير من الغاليريات العالمية مثل “معهد العالم العربي” في باريس. ويستخدم علي الخشب والبرونز في منحوتاته، إضافة إلى الحجر والبوليستر والمعادن وغيرها.

تأثّر بفنون الحضارة الإتروسكانية التي تعود أصولها إلى الفنون الشرقية وخصوصاً الأوغاريتية، كما بالمنحوتات التدمرية، وتحديداً تلك التي تدور في فلك الفن الجنائزي. أمّا من المعاصرين، فقد تأثّر بالنحات السويسري جياكوميتي.

بيت شادي الهبر مشرّع على المصادفات

“بيت” هو عنوان المسرحية الجديدة التي يقدّمها مسرح “شغل بيت” في “مسرح المدينة” في منطقة الحمرا، فيخرّج عبرها دفعته الثانية والعشرين من دورة إعداد التمثيل والإخراج المسرحي التي يشرف عليها المخرج شادي الهبر.

العمل من تأليف المشاركين في المستوى الأوّل، يتمحور حول قصص مخبّأة في “بيت أبطاله أناس اجتمعوا عن طريق الصدفة”، وفقاً للنص التعريفي الخاص بالعمل.

أما قائمة الممثلين، فتضم: ساندي شيّا، وريما يونس، وعلي حسن ماجد، وجوليانا إبراهيم، وميسا حنوني يعفوري، وإيدي غنيمة، ويمان زين، ووجيل عطا، ووريم النابلسي، ولميس عكّوش، وجورج الأشقر، وأمير شميط، وليا النواقيل.

رحلة موسيقية إلى بيروت السبعينيات

تحت عنوانLe vent nous portera  أحيت فرقةBeirut Connection Band  حفلة على مسرح “مترو المدينة” يوم “عيد الحبّ” في 14 شباط/ فبراير. قدّمت خلالها الفرقة ألحاناً فرنسية وإنكليزية وعربية ساحرة من السبعينيات حتى الآن. كما قدّمت مزيجاً من الكلاسيكيات المُعاد توزيعها والإيقاعات المعاصرة، فنقلت الجمهور إلى عالم مليء بالرقص.

الفرقة مؤلفة من: ربى خوري (غناء ــ الصورة)، وشاهيه كوبيليان (كيبورد)، وآلان أوجان (غيتار)، وإيلي شمالي (باص)، وفؤاد عفرا (درامز).

بلو والأصدقاء من بيروت إلى ريو

أحيت في 20 شباط/ فبراير فرقة Blue Comme Moi حفلة في “أونوماتوبيا ــ الملتقى الموسيقي”. “بلو” هي ريتا عقيص، كاتبة الأغاني والمؤلفة الموسيقية والمغنية التي تستهلم أعمالها من بيروت وباريس وريو دي جانيرو وأجوائها الموسيقية.

مزجت الفنانة (غناء وكيبرود) التي أصدرت ألبومها الأوّل في 2018، بين أغنياتها الخاصة وأخرى معروفة، ورافقها سام وهبة (غيتار وغناء)، ومحمود رمضان (باص وغناء)، وشريف سلّوم (دارمز). وعاد ريع السهرة لدعم برنامج “أونوماتوبيا” لتطوير المهارات الموسيقية.

مارون بغدادي ونادية تويني لبنان الذي في بالي

بدأ منصة “أفلامنا” منذ 22 شباط/ فبراير عرض فيلم “همسات” (1980 ـــ 94 د) للمخرج اللبناني الراحل مارون بغدادي (1950 ـــ 1993).

وتعود قصته إلى بداية الثمانينيات، إذ تجول الشاعرة الراحلة نادية تويني على مناطق لبنانية مختلفة، مزّقتها الحرب. كما يسجّل الشريط تفكّك دولة تكافح من أجل البقاء والبحث عن الأمل.

في كل محطة، وسط مواقع مشبعة بالشعر والحنين إلى عصر مضى، يتقاطع حلم الشاعرة المحطم ورؤاها المثلى لوطنها مع تأملات المخرج الشخصية. تلتقي تويني بمجموعة من الفنانين والمصرفيين والمحامين والمواطنين من أصحاب المهن الأخرى.

وبعيداً من طابع الفيلم النوستالجيّ والشاعري ورؤية بغدادي المثالية لما يحلم أن يكون عليه لبنان، فإن الشريط يضيء على الواقع اللبناني في تلك المدة المفصلية من الحرب الأهلية، التي بدا فيها المستقبل مشوّشاً تماماً.

بيكار بيروت طرب وتراث

“عِناق” هو عنوان الحفلة الغنائية التي أحيتها فرقة “بيكار بيروت” على خشبة مسرح “قصر الأونيسكو” في 23 شباط/ فبراير الحالي. السهرة أقيمت بالتعاون مع جمعية “بادر”، وتضمنت مختارات من أعمال تمزج بين الطرب والتراث.

ومنذ تأسيسها على يد الفنانة هالة رمضان من طلاب هواة وكورال ومحترفين موسيقيين، تحافظ الفرقة على شعار “لا للتلوّث السمعي”، عبر تقديم الموسيقى التقليدية والأغاني التراثية والطربية العربية الأصيلة بتوزيع جديد من دون المس بجوهرها. فتوسع “بيكار” مذاك وضمّ عشرات المواهب التي تخضع لتدريبات مستمرّة.

فادي العبد الله الموشحات اللعوب

أحيت “مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربيّة” جلسة سمع بعنوان “الموشحات اللعوب”، قدمها الشاعر والحقوقي والكاتب والناقد الموسيقي فادي العبد الله.

ظلمت التسجيلات كثيراً أداء الموشحات المغناة في مصر والشام، وكذلك فعلت الانطباعات اللاحقة عنها التي أسقطت “عبق التاريخ” عليها ونزعت عنها جماليّاتها الخاصة المرتكزة على أشكال منوّعة من اللعب المستمر على مستويات اللغة والجملة الموسيقية والإيقاع والأداء والبنية.

في اللقاء كشفت المؤسسة للحاضرين بعضاً من هذه الألعاب المعقّدة “المفعمة بالطرب التي حفظتها أسطوانات درويش الحريري وسيد الصفتي وغيرهما.”

وتهدف المؤسسة إلى الإسهام في حفظ التقاليد الموسيقية الحية والقديمة في العالم العربي، فيما تتميّز مجموعتها المكوّنة من أسطوانات حجرية وريلات وتسجيلات على وسائط متعدّدة بأنّها أكثر المجموعات في العالم شمولاً لفترة عصر النهضة.

بيروت نادر سراج عن الهوية والحداثة

نظّم جمعية متخرّجي المقاصد الإسلامية في 21 شباط/ فبراير، لقاء حوارياً في مقرّها في بيروت مع الباحث والأكاديمي والمترجم اللبناني نادر سراج، تحت عنوان “ارتقاء العلوم والصنائع والفنون في بيروت”، تلاه حوار مفتوح.

وارتكز سراج في حديثه على كتابه “بيروت: جدل الهوية والحداثة” الصادر العام الماضي عن مكتبة أنطوان، وجاء استكمالاً لمشروع معرفي استهلّه قبل عقد بكتاب “أفندي الغلغول: تحولات بيروت خلال قرن 1854ــ 1940″، رسم عبره مراحل تدرّج العاصمة اللبنانية في عشرينيات القرن الماضي وما بعدها في سلّم الحداثة الغربية، في مدينة تُعدُ الأسرع تجاوباً لإيقاع الجديد والنهوض والتألق.