مقدمة

تحولت بغداد إلى نقطة التقاء لمختلف العواصم العربية والدولية، في مؤشر لاستعادتها زخم التاثير ودينامية العمل السياسي في معالجة الملفات الحساسة وإيجاد حلول لقضايا عالقة مع بغداد التي تعاني من ارتدادات المتصارعين الإقليميين واللاعبين الكبار. وتتجه سياسة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني نحو تقوية العلاقات الخارجية من خلال زيارات أجراها ويجريها للدول العربية والأوروبية، وعقد اتفاقيات عديدة اقتصادية وأمنية، فضلاً عن محاولته تفعيل جولات الحوار بين السعودية وإيران، والتي بدأت في عهد الحكومة السابقة.

ويعكس حضور وزيري الخارجية السعودي والإيراني في بغداد، وإن بشكل غير متزامن، حرص الرياض على منح بغداد ضوء أخضر سعودي على مد جسور التواصل مع اللاعب الإيراني في ملفات المنطقة والسعي لتذليل المشكلات التي تخيّم على علاقات الرياض وطهران، ولا سيما ما يتعلق بالوضع في اليمن والخليج العربي وسورية ولبنان، فضلاً عن رغبة بغداد في أن يكون لها دور يتلائم مع زخم العلاقات مع السعودية التي ساعدت العراق على العودة إلى ممارسة دور أكبر في المنطقة.

وفيما تتجه بغداد غرباً في علاقاتها، لفتت استدارة روسية نحو العراق الذي لا يزال يُعاني من أزمات كثيرة، بدءاً من انقسامه السياسي الداخلي وليس انتهاء بالأزمة الاقتصادية وتذبذب عملته المحلية أمام الدولار، بينما الدب الروسي غاطس في المستنقع الأوكراني وباحث عن عسل عراقي متمثل بالثروات الطبيعية من النفط والغاز، الأمر الذي جعله في صلب تفكير روسيا بالاستفادة منه عبر حلفائها في المنطقة على حساب الولايات المتحدة، إذ لا يمكن النفي أن العراق يرى في العلاقة مع الجانب الروسي نقطة أساسية وإستراتيجية ومهمة لخلق التوازن.

بموازاة ذلك أخذ رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي على عاتقه تعزيز وتفعيل الدبلوماسية البرلمانية كمسار مواز للدبلوماسية الرسمية، ولاسيما أن النفوذ السياسي للحلبوسي أخذ يتسع بفضل ما يملكه من سمات قيادية وعلاقات واسعة ومرونة في العمل، أتاحت له فرض دوره في قيادة العمل النيابي العربي، وخصوصاً أن استضافة بغداد لمؤتمر الاتحاد البرلماني العربي مثل تاكيداً على دورها المحوري في المنطقة وعودتها لاعباً مؤثراً في مختلف الملفات.

وكان واضحاً تأثير رئيس البرلمان العراقي على مجريات ووقائع مؤتمر الاتحاد البرلماني ومبادرته إلى زيارة سورية على رأس وفد ضم العديد من رؤساء البرلمانات العربية، كما أن قمة بغداد البرلمانية مثلت فرصة مهمة أجل تفعيل دور البرلمانات العربية والحوار العربي العربي والموقف العربي الموحد اتجاه القضايا العربية والتكامل الاقتصادي العربي والاهتمام بالشباب والمرأة.

وفي الشق الاقتصادي لا تزال أزمة صرف الدينار العراقي أمام الدولار الأميركي تتعمق في ظل الفشل الحكومي في إيجاد حلول واقعية للأزمة، على الرغم من التواصل الرسمي بين بغداد وواشنطن لإيجاد مساحة مشتركة تضمن عدم استمرار تهريب العملة إلى الدول المجاورة.

ثقافياً أقام ناشطون عراقيون في محافظة البصرة، أقصى جوب العراق، عرضاً مبتكراً للأزياء المستعملة، في خطوة لافتة للتعبير عن قدرة العراقيين على التعاطي بإيجابية، حتى مع مرورهم بأسوء أوضاع اقتصادية، ولاسيما أن معظم زبائن الملابس المستعملة من الطبقة الفقيرة، علماً أن العرض نُظّم بهدف الترويج البيئي والثقافي.

التقرير السياسي

الحلبوسي يرأس البرلماني العربي في بغداد وإلى دمشق

شهدت بغداد يوم السبت 25 شباط / فبراير قمة برلمانية عربية برئاسة رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي وبمشاركة نحو 15 رئيس برلمان عربي ضمن أعمال المؤتمر 34 للاتحاد البرلماني العربي، تحت شعار “الدعم العربي لتعزيز استقرار العراق وسيادته” في خطوة تدلل على تعزيز الدور المحوري للعراق وبروز الحلبوسي كزعامة برلمانية عربية قادرة على تفعيل العمل العربي المشترك واعتماد الحوار في حل الأزمات وتعزيز التضامن العربي.

وافتتح الحلبوسي الذي يرأس الدورة الحالية للبرلمان العربي، اعمال المؤتمر بكلمة، رحب خلالها بزعماء وممثلي الدول العربية المشاركة ومنها: السعودية؛ الأردن؛ الكويت؛ الإمارات؛ سلطة عمان، مؤكداً أنه “آن الأوان للبيت العربي أن يوحدَ الجهود، وينبذ الخلافات الجانبية، للوقوف أمام التحديات الراهنة دولياً وإقليمياً، من خلال صياغة استراتيجية شاملة وواقعية تجاه المشكلات العالقة منذ فترة طويلة. فالعالم اليوم يمر بظروف صعبة للغاية، تتطلَّب عملاً تشاركياً وجهوداً استثنائية وتكثيفاً للمساعي الرامية لتحقيق الاستقرار والأمن، وفي مقدمة تلك القضايا قضية الأمن الغذائي التي بحثناها في اللقاء البرلماني العربي في القاهرة، وما يترتب على جميع الخطط المعروضة من جهود حكومية لتنفيذها على أرض الواقع.”

وأعرب رئيس مجلس النواب عن رفضه “لاعتداءات قوات الاحتلال الصهيوني، وتجاهله لكل القيم والمبادئ الإنسانية بحق الأشقاء الفلسطنيين، ونكرر تأكيدنا اليوم على موقفنا الثابت والمبدئي من القضية الفلسطينية، ومهما مر الوقت وتغيّرت الظروف الدولية فإننا ننطلق من رؤية وإيمان راسخ بأحقية إخواننا الفلسطينيين بإقامة دولتهم الفلسطينية المستقلَّة وعاصمتها القدس الشريف. وفي هذا السياق أيضاً، نعبِّر جميعاً عن رفضنا القاطع للإساءة للأديان والكتب السماوية، ولا سيما المحاولات المتكرّرة التي حاولت وتحاول أن تعتدي على القرآن الكريم وقدسيته، في الوقت الذي ندعو فيه إلى احترام الأديان والمقدَّسات بجميع تنوُّعاتها.”

وقال أيضاً “لقد مر الأشقاء في سورية في الأيام الأخيرة بظروف صعبة إثر الزلزال المدمر الذي ضرب مدناً عزيزة وغالية من أرجاء البلاد، وأوقع أضراراً بالغة في الأرواح والممتلكات، وكل ذلك يلزمنا جميعاً السعي والاستمرار في واجب المساندة والدعم إلى حين إنجلاء تداعيات الأزمة وآثارها الصعبة.”

ودعا الحلبوسي إلى أن “تتبنّى الدول العربية على كافة المستويات البرلمانية والحكومية قراراً نهائياً بعودة سورية إلى محيطها العربي، وإلى ممارسة دورها العربي والإقليمي والدولي بشكل فاعل، والعمل الجاد لاستقرار هذا البلد العربي الشقيق، وإعادة تاهيل بناه التحتية، وعودة أشقائنا السوريين، الذين هجَّرتهم الحرب، إلى ديارهم وبلادهم معزَّزين مكرمين.”

واكد الاتحاد البرلماني العربي في مؤتمره الـ 34 في بغداد، دعمه لاستقرار ووحدة وسيادة العراق، وأعلن تشكيل وفد من الاتحاد البرلماني العربي لزيارة سورية.

وأصدر الاتحاد إعلاناً تحت اسم “إعلان بغداد”، تضمن دعماً للعراق وسيادته وكذلك دعماً للمتضررين من الزلزال في سورية، فضلاً عن التأكيد على دعم القضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب المركزية.

وزار الحلبوسي على رأس وفد نيابي ضم عدداً من رؤساء البرلمانات العربية العاصمة السورية دمشق والتقى مع رئيس الظام السوري بشار الاسد للتضامن مع الشعب السوري عقب كارثة الزلزال.

ونجح الحلبوسي في إظهار قمة بغداد العربية البرلمانية بالمظهر الذي يلبي التطلعات والطموح ويحقق مصالح العرب وتوجهاتهم بتعزيز الأمن العربي المشترك والتضامن العربي، فضلاً عن الهدف الاسمى المتمثل بالدعم العربي لتعزيز استقرار العراق وسيادته، وخصوصاً أن إعلان بغداد الصادر عن المؤتمر، وما تضمنه من مخرجات تمثل خارطة طريق عربية نيابية إذا ما طبقت بالشكل الصحيح ووجهت بالاتجاه السليم فإنها تثمر نتائج إيجابية، كما أن عقد القمة البرلمانية العربية وبهذا الزخم الكبير في بغداد، سيفتح الباب أمام استضافة اجتماعات وقمم برلمانية عربية وإقليمية أخرى في بغداد، وسيجعل الطريق معبداً أمام اعتماد مبدأ الدبلوماسية البرلمانية كأسلوب عمل مواز للدبلوماسية التقليدية والرسمية واعتماد الحوار أساساً للتواصل وتسوية مشاكل الدول العربية.

السوداني في الإمارات لاتفاقيات شاملة وفي ميونيخ أمنياً

وفي سياق نهج الانفتاح على المحيط العربي والعالمي، قام رئيس الوزراء محمد شياع السوداني زيارة رسمية إلى دولة الإمارات في 9 شباط / فبراير 2023، بدعوة من رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.

وذكر بيان رسمي عراقي أن الجانبين بحثا “سبل تعزيز التعاون السياسي والدبلوماسي والتجاري والاقتصادي، وتبادلا وجهات النظر حول عدد من القضايا الإقليمية والدولية، وأكدا أهمية العمل المشترك لتطوير مختلف جوانب العلاقات الثنائية.”

وأضاف البيان أن الجانبين اتفقا على أهمية انعقاد الدورة العاشرة من اللجنة المشتركة بين البلدين، لما لها من أثر مهم في تعزيز العلاقات ومتابعة جميع الملفات الثنائية في المجالات ذات الاهتمام المشترك. كما تم الاتفاق على تطوير الإطار الناظم للتجارة الثنائية بين البلدين، والارتقاء به إلى مستوى الشراكة الشاملة، لتحقيق تكامل اقتصادي أوسع بين الدولتين، وتفعيل الدبلوماسية الاقتصادية ودفع معدلات النمو الاقتصادي بشكل عام.

ووفقا للبيان “سيعمل البلدان على رفع مستويات التبادل التجاري والبناء على النمو الكبير الذي شهدته التجارة البينية خلال السنوات الماضية، حيث وصلت التجارة الثنائية غير النفطية إلى حوالي 17,5 مليار دولار أميركي عام 2022″، كما اتفق الجانبان على توسيع وتطوير التعاون الثنائي في المجالات الصحيّة والسياحية والثقافية والرياضية لما لها من أهمية في تعزيز وتطوير العلاقات بين البلدين.

وأكد الجانبان حرصهما على دعم الاستقرار في المنطقة وتحقيق رخاء شعوبها، عن طريق تعزيز التواصل والحوار وبناء الجسور الذي يعد السبيل الأمثل لتحقيق الاستقرار والأمن والازدهار الإقليمي والدولي.

وتقدم الجانب العراقي بالشكر والتقدير لحكومة دولة الإمارات على تبنيها مبادرة “إحياء روح الموصل” بالشراكة مع منظمة اليونسكو لإعادة بناء جامع النوري وكنيستي الطاهرة والساعة.

ووجه السوداني دعوة لرئيس دولة الإمارات للقيام بزيارة رسمية إلى جمهورية العراق، بحسب البيان.

وتمثل الزيارة رغبة الحكومة الحالية في تطوير التعاون الاقتصادي وتوسعت مجالات الاستثمار مع دول لديها تجارب ناجحة في هذا المجال، لاسيما بعد زيارتي السوداني إلى كل من ألمانيا وفرنسا، وخصوصاً كون الإمارات من البلدان الناجحة التي تحاول الحكومة العراقية أن تستفيد من تجاربها في الإدارة والاستثمار والتطور الحياتي واستقطاب الشركات التجارية، فضلاً عن سعي الدولة العراقية في السنوات الاخيرة للابتعاد عن سياسة المحاور.

ويعد ملف استرداد الأموال المهربة، من أبرز الملفات التي تعمل عليها الحكومة الحالية، وبين فترة وأخرى يعلن عن استرداد بعض المبالغ، وهذه المسألة كانت إحد أسباب زيارة السوداني إلى دولة الإمارات حسب ماتم تداوله.

وفي المانيا عرض السوداني خلال مشاركته في الدورة 59 لمؤتمر ميونخ للأمن، في 18 شباط / فبراير، استراتيجية العراق في مواجهة الإرهاب. وقال السوداني إن أمن العراق ضمانة لأمن واستقرار المنطقة، وبالنتيجة أمن العالم. وأضاف، بحسب بيان رسمي “أوضحنا في مؤتمر ميونخ، قراءتنا الوضع الأمني في العراق والمنطقة، والتأكيد على أن أمن العراق هو ضمانة لأمن واستقرار المنطقة، وبالنتيجة أمن العالم، وبيّنا إمكانيات أجهزتنا الأمنية وقدراتها المتصاعدة في ملاحقة الإرهاب وعصابات الدواعش في كل مكان، وأنه لا وجود لداعش على الأرض ولا يحتفظ بمنطقة، إنما هي عصابات مهزومة مذعورة تلاحقها أجهزتنا الأمنية في كل مكان.”

ويتجه رئيس الحكومة العراقية إلى تنويع مصادر شراكاته السياسية والاقتصادية والأمنية من خلال الحفاظ على حالة التوازن والتى يسعى الحفاظ عليها فى تعاملاته على مستوى السياسة الخارجية، وخصوصاً مع القوى الإقليمية والدولية، وتحديداً إدارة “سياسات التوازن” مع كل من إيران والولايات المتحدة والقوى الأوروبية والدول العربية، علماً أن حصيلة المائة يوم الأولى من عمر حكومة السودانى عكست سياسات داخلية “حذرة” بالتوازي مع سياساته الخارجية تتحسب للوزن السياسى لخصومه ومعارضيه، سواء من التيار الصدرى أو من قوى التغيير الوطنية، أو حتى من قبل داعميه من قوى الإطار التنسيقى.

وعلى هامش مشاركة السوداني في مؤتمر ميونخ، عقد لقاءات مع الجانب الأميركي ووقع مذكرة تفاهم مع شركة “جنرال إلكتريك” الأميركية مدتها خمس سنوات تشمل عدة مشاريع، وذلك بهدف تنويع مصادر التعاون الاقتصادى والشراكات الاستراتيجية بين العراق والقوى الدولية من ناحية، وإعادة صياغة العلاقة بين العراق والتحالف الدولي الذي تترأسه الولايات المتحدة لمواجهة الإرهاب من ناحية أخرى.

والتوجه العراقى الجديد بالبحث عن بدائل دولية للتعاون والشراكة الاقتصادية والأمنية يعد فى حد ذاته تنوعاً فى خيارات السياسة الخارجية العراقية، بما قد يوحي باستكمال مسار حكومة الكاظمي السابقة التى حاولت الحفاظ على “خيارات التوازن” فى علاقتها الخارجية، لكن هذا التوجه سيبقى رهناً بمدى ما يمثله من مصالح لإيران، الراعي الإقليمي للحكومات العراقية أياً كانت توجهاتها، والتي لا تخرج عن مسارين: إما موالية تماماً لإيران وتوجهاتها الخارجية (الحكومات العراقية منذ سنة 2006 إلى 2018)، وإما متوازنة فى توجهاتها حيالها (حكومة الكاظمى 2020 – 2022).

بن فرحان في بغداد تعزيزاً للعلاقات السعودية العراقية

وكان شهر شباط / فبراير افتتح بتأكيد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، الذي وصل إلى العاصمة العراقية بغداد يوم الخميس 2/2/2023، على رأس وفد رسمي، على “عمق العلاقة الوطيدة” مع العراق. وتشديده خلال مؤتمر صحافي مع نظيره العراقي فؤاد حسين، أن للعراق “دوراً مهماً في المنطقة”، وعلى أن “هناك تطوراً إيجابياً اقتصادياً مع العراق.”

بدوره لفت وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين إلى أن العراق “يلعب دورا في تخفيف التوترات بالمنطقة”، موضحاً إن” الجانبين بحثا ملف المجلس التنسيقي بين العراق والسعودية وملف الاستثمارات، والسعودية مستعدة للاستثمار في العراق.”

والتقى وزير الخارجية السعودي على رأس وفد رسمي، رئيس الجمهورية العراقي عبد اللطيف جمال رشيد، ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي ومسؤولين عراقيين آخرين.

وتعكس زيارة بن فرحان إلى بغداد ومحادثاته مع القيادات العراقية، التطور المستمر في العلاقات الثنائية بين البلدين وانتقالها إلى مرحلة التنسيق المشترك لمعالجة بعض الملفات العالقة إقليمياً.

وتريد الرياض عبر زيارة وزير خارجيتها، على الرغم من تولي رئيس وزراء محسوب على المحور الموالي لإيران، تأكيد حرصها على استمرار العلاقات مع بغداد وتوثيق اواصر التعاون، ولاسيما في مجال الاقتصاد الذي ينوء تحت وطأة الحرب الروسية الأوكرانية، فضلاً عن أن التعاون العراقي السعودي في مجال الطاقة والتجارة يأخذ مديات أوسع بعد فتح الحدود بين البلدين.

لافروف في بغداد لبحث التعاون وقضايا النفط والغاز

وبموازاة الحراك العراقي والإقليمي، لفتت زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إلى بغداد يوم الأحد 5 شباط / فبراير، محطته الأولى في جولة إلى مالي وموريتانيا والسودان.

والتقى لافروف بالرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد، ورئيس الوزراء محمد السوداني، ورئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي وناقش معهم توسيع التعاون بين البلدين وقضية مستحقات شركات النفط الروسية المترتبة على العراق، وخصوصاً أن روسيا تعوّل على التعاون مع بغداد لضمان استقرار أسعار النفط عالمياً بما يدر عليها عائدات تعينها على مواجهة تكاليف الحرب مع أوكرانيا. وآخر زيارة للافروف إلى العراق كانت في سنة 2019.

ويمكن التماس ثقل زيارة لافروف إلى بغداد من خلال ترؤسه وفداً دبلوماسياً واقتصادياً واستثمارياً رفيع المستوى، ورؤساء ومدراء شركات نفطية وغازية ومن قطاعات أخرى، في الوقت الذي تعيش فيه موسكو على وقع العقوبات الغربية التي فُرضت عليها عقب اجتياحها أوكرانيا، الأمر الذي يعني أن الزيارة جاءت بسبب العزلة المالية المفروضة على روسيا، وفي إطار سعيها لفك الحصار المفروض عليها، والبحث عن الدولار وبيع الغاز لتجاوز العقوبات الدولية من خلال استغلال الحكومة العراقية الحالية التابعة للإطار التنسيقي الذي تدعمه طهران التي تجمعها مصالح مشتركة مع موسكو لمواجهة الحصار، واللجوء إلى السوق السوداء للحصول على الدولار.

ولا تخلو زيارة لافروف من مخاطر على العراق وقد تكون بمثابة “المغامرة” في السياسة الخارجية للعراق لما تشكله من استفزاز وإثارة غضب واشنطن، وخصوصاً أن العراق حالياً غير مؤهل للدخول في مشاريع مع روسيا، بسبب “الهيمنة” الأميركية والكثير من الملفات الاقتصادية الحساسة، فضلاً عن العلاقات الإستراتيجية المُتشابكة التي تجمع النظام العراقي بواشنطن، وكذلك “الفيتو الأميركي” الذي له دور كبير في إيقاف مثل هذه المشاريع.

كما أن الحكومة الروسية تبدو قلقة من إمكانية تصدير العراق للغاز، لاسيما من إقليم كردستان إلى تركيا ومن ثم إلى أوروبا، فيما ملف الطاقة تحوّل لورقة ضغط كبيرة بيد الروس ضد الدول الأوروبية والغربية.

وقد تكون التحركات الأخيرة للحكومة العراقية بالتوجه نحو عقد شراكة إستراتيجية مع دول بارزة في الاتحاد الأوروبي مثل فرنسا، قد تسببت في هواجس لدى موسكو بشأن مستقبل علاقتها السياسية والاستثمارية في العراق.

التقرير الاقتصادي

أزمة الدولار تجبر بغداد على التفاوض مع واشنطن

وفي سياق الازمة التي مازالت تلقي بضلالها على الاقتصاد العراقي في ظل ارتفاع قيمة الدولار الأميركي مقابل الدينار العراقي، بحث وزير الخارجية فؤاد حسين على رأس وفد عراقي مع وزارة الخزانة الأميركية في واشنطن يوم الجمعة 10 شباط / فبراير 2023، إجراءات الحكومة والبنك المركزي في تطوير وإصلاح السياسة النقدية.

والتقى الوفد مع نائب وزير الخزانة الأميركية والي أدييمو، ومساعد وزير الخزانة اليزابيث روزنبرغ وكبار موظفي الوزارة المعنيين في العراق والشرق الأوسط، لمناقشة “إجراءات الحكومة والبنك المركزي في تطوير وإصلاح السياسة النقدية”، وأشار إلى “الأولوية الحكومية في تعزيز الإستثمار والتجارة وتنويع مصادر الطاقة ومواجهة التحديات الراهنة في المستويين النقدي والمصرفي، وما تعكسه هذه الإجراءات من إصلاح للنظام المصرفي عبر مكافحة الفساد وغسيل الأموال، وأهمية إستمرار الإجتماعات الفنية بين المختصين في هذا الجانب.”

من جهتها، أوضحت وزارة الخزانة الأميركية في بيان، أن الجانبين بحثا “الوضع الاقتصادي في العراق وخطط الحكومة لإصلاح قطاع الاقتصاد والمالية والالتزام المشترك بالتصدي لتبييض الأموال وأجراءات منع تمويل الإرهاب.”

البيان الأميركي ذكر أن وزير الخارجية العراقي ومساعدة وزير الخزانة الأميركي، أكدا “أهمية العلاقات الثنائية المستدامة والاقتصادية بين الولايات المتحدة والعراق وهدفهما المشترك في تقوية الاقتصاد العراقي.”

كما بحث الجانبان التحديات التي تواجه الاقتصاد العراقي، منها الفساد، استقلالية قطاع الطاقة، مسألة سعر الصرف.

وأكد وزير الخارجية العراقي أن الإدارة الأميركية تساند “سياسة الحكومة العراقية الحالية والإجراءات الأخيرة التي اتبعها البنك المركزي العراقي، وهناك تعاون كبير بين البنك المركزي العراقي ووزارة الخزانة الأميركي.”

وحملت زيارة وزير الخارجية العراقي إلى الولايات المتحدة رسائل متعددة الأهداف، أبرزها رغبة الحكومة بالانصياع إلى الشروط الأميركية لضمان أمن وسلامة الإجراءات المالية المعتمدة من قبل بغداد للحد من تهريب العملة الصعبة إلى دول خاضعة للعقوبات الأميركية وفي مقدمتها إيران وسورية ولبنان، الأمر الذي أدى، في ظل التشدد الأميركي، إلى ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي، وإثارة قلق واسع النطاق من آثار وتأثيرات سلبية على المستوى المعاشي للمواطنين.

ومن أهم الرسائل الأخرى التي حملتها الزيارة، بحث العلاقات الثنائية وفق الاتفاقية الاستراتيجية بين البلدين، والتي أتاحت للولايات المتحدة أن يكون لها تاثير في ملفات مهمة ذات أبعاد اقتصادية وسياسية وأمنية كبيرة وخصوصاً تحديد مستقبل الوجود الأميركي في القواعد العسكرية العراقية لمواجهة داعش والسعي قدما لسحب الاعتراضات التي كانت قائمة من قبل أطراف موالية لإيران، مقابل الحصول على دعم سياسي من واشنطن لحكومة محمد شياع السوداني.

بغداد تستعين باليوان لمحاربة تهريب العملة الأجنبية

مالياً أيضاً، أعلن البنك المركزي العراقي خطة للسماح بالتجارة مع الصين باليوان الصيني بدلاً من الدولار، في محاولة كما يبدو لتحسين فرص الحصول على العملة الأجنبية وتقليل الاعتماد على الدولار، كما تقول الحكومة، في الوقت الذي يحذر فيه المراقبون من “المحاولات الملتوية” التي قد يستغلها المهربون.

وقال البنك في بيانه إنه “سيتمّ تنظيم تمويل التجارة الخارجية من الصين بشكل مباشر وبعملة اليوان الصيني عبر خيارين، أولهما تعزيز أرصدة المصارف العراقية التي لديها حسابات مع مصارف صينية بعملة اليوان الصيني والثاني هو تعزيز أرصدة المصارف العراقية من خلال حسابات البنك المركزي إلى المستفيد النهائي بعملة اليوان الصيني من خلال حساباتنا لدى مصرف جي بي مورغان، وبنك التنمية في سنغافورة.”

وأضاف أنه سيتم تقديم تسهيلات للتحويلات المالية إلى الولايات المتحدة وأوروبا بالآلية نفسها لاحقاً.

وتشير النقطة الثالثة في البيان إلى أن الوثائق المطلوبة للتقديم للتحويلات المالية الخارجية ستتكون من “قائمة (فاتورة) تجارية فقط، أو أوّليات الاعتماد المستندي، على أن يُقدّم الزبون للمصرف لاحقا ما يثبت دخول البضاعة.”

وتعد الحزمة الجديدة من التعليمات التي أصدرها البنك المركزي بشأن قضية الدولار والحد من تهريبه، وما تضمنته بشأن تمويل التجارة من الصين بعملة اليوان الصيني، محاولة لتقليل الطلب على العملة الأميركية. ووفقاً لمتخصصين في الاقتصاد فإن البنك سيعزز ملاءة المصارف باليوان، وهو الإجراء الذي سيتخذه مصرف “جي بي مورغان” المسؤول عن نقل الأموال العراقية للصين. وبينما تعوّل الحكومة على هذه الخطوة بتقليل الفارق الكبير بين سعر الدولار “الرسمي” وفي السوق السوداء، يقلل خبراء من أهمية الأمر، ويؤكدون أن أصل المشكلة سيبقى دون علاج، وهو استمرار الاعتماد على السوق في تأمين الدولار، وبالتالي الإبقاء على سعر الصرف المرتفع.

وجاءت هذه الاجراءات الحكومية لما للصين من أولوية في الميزان التجاري للعراق، إذ التبادل التجاري (واردات والصادرات من السلع والخدمات) أكثر من 53 مليار دولار سنوياً. والصين هي الشريك التجاري الأول للعراق.

وتواجه بعض المصارف التي تحوم حولها شبهات تهريب العملة الصعبة وضعاً غير مسبوق، بين ضغوط إيرانية تحثها على مواصلة تلك العمليات لدعم صمود إيران، وبين احتجاجات العراقيين الذين يعانون من ارتفاع الأسعار بسبب انخفاض قيمة عملتهم أمام الدولار، الأمر الذي يوفر وقوداً جديداً لاندلاع احتجاجات تعيد العراق إلى مربع الانتفاضة التي أدت إلى سقوط حكومة عادل عبد المهدي في كانون الأول / ديسمبر 2019.

واسهمت القيود الأميركية المفروضة على حركة الدولار بتقليل ما نسبته 70% من عمليات تهريبه إلى إيران وسورية ولبنان، وتم حظر 80% من التحويلات المصرفية العراقية في الأشهر الثلاثة الماضية نتيجة شكوك مؤكدة، أو شبة مؤكدة، بأن المستفيدين النهائيين مرتبطون بجهات محظورة في البلدان الثلاثة.

كما أن السفيرة الأميركية إلينا رومانوسكي أبلغت وزير الخارجية العراقي خلال لقائهما مطلع شهر شباط / فبراير، بأن واشنطن مصرة على المضي بالإجراءات المطبّقة لمنع تهريب الدولار المباع في العراق، وأن على بغداد اتخاذ إجراءات أكثر صرامة بحظر وصوله إلى المشتبه بهم بالتهريب.

التقرير الثقافي

عرض أزياء فريد للملابس المستعملة في البصرة

ثقافياً شهدت محافظة البصرة، أقصى جنوب العراق، عرضاً فريداً من نوعه لعرض الأزياء، إذ إنه خُصص للملابس المستعملة والجمهور من الناشطين البيئيين، وسار العارضون على البساط فيما كانت فرقة تعزف مقطوعات موسيقية.

ويهدف القائمون على العرض إلى التوعية والحفاظ على البيئة والترويج لأماكن تراثية، لا سيما أن المصانع تنتج سنوياً الكثير من الملابس، وهذا بالتالي يؤدي إلى تلوث البيئة. وإلى جانب ذلك، توعية الناس أيضاً لاستخدام الملابس المستعملة، لأنه ليس كما يظنون بأنها ملابس قديمة أو بالية.

واقيم عرض الأزياء في قضاء الزبير الذي يعود تاريخه إلى 636 ميلادية، ويضم العديد من المواقع الأثرية.

ويشار إلى أن منظمي العرض يعتزمون إقامة عروض مماثلة في بغداد واربيل.

 

اقرء المزيد عن الأحداث في العراق: ارتياح في بغداد التي مهدت للمصالحة السعودية الإيرانية