اتفاقيات ترامب في الخليج تهدد الاستثمارات في مصر
يواجه الاقتصاد المصري تحديات متزايدة في ظل أزماته المعتادة وحاجته إلى جذب استثمارات جديدة، فيما تتوجه الاستثمارات الخليجية نحو الولايات المتحدة، عقب زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة إلى المنطقة.
وتكافح القاهرة من أجل تحسين الأداء الاقتصادي، ورفع كفاءة الأجهزة الإدارية، من أجل توفير بيئة مواتية للاستثمار، وسط تحولات سياسية حادة، ألقت بظلالها على الوضع الاقتصادي.
أداء الناتج المحلي الإجمالي
لكن على الرغم من العثرات، ارتفع نمو الناتج المحلي إلى 4,3% في الربع الثاني من السنة المالية 2024/ 2025 (أكتوبر – ديسمبر 2024)، مقارنةً بـ 2,3% قبل عام، مدعوماً بقفزة في الاستثمارات غير النفطية وقطاع السياحة. واستطاعت القطاعات غير النفطية، بما في ذلك السياحة والإنتاج الزراعي، تحقيق نمواً يفوق 15% في بعض الحالات، رغم تراجع نشاط قناة السويس بنسبة 70% بفعل المخاطر الأمنية بالبحر الأحمر.
كما ارتفع صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى 46,1 مليار دولار في السنة المالية 2023/ 2024، مع تدفقات 14,5 مليار دولار في الاستثمارات المحفظية.
وأظهرت بيانات البنك المركزي قفزةً في الأصول الأجنبية الصافية، بمقدار 4,9 مليارات دولار في آذار/ مارس 2025، عقب موافقة صندوق النقد على حيثيات المراجعة الرابعة لبرنامج التمويل طويل الأجل.
التضخّم والسياسات النقدية
سجل التضخّم السنوي 13,5% في نيسان/ أبريل 2025، مقابل 12,2% في الشهر ذاته قبل عام، بينما تراجع التضخّم الشهري إلى 1,3% في نيسان/ أبريل من 1,6% في آذار/ مارس. وأقرّ البنك المركزي 11 إصلاحاً في السياسات النقدية، من ضمنها تحرير سعر الصرف منذ آذار/ مارس 2024، تحت عنوان: “وضع إطار مرن لاستهداف التضخّم”، بهدف خفضه إلى 7% نهاية 2026، و5% نهاية 2028.
واستقرّ سعر صرف الدولار عند متوسط 50,05 جنيهًا للدولار الأميركي، مسجلاً تراجعاً طفيفاً، مقابل متوسط 51,68 جنيهاً للدولار سُجلت على مدار 52 أسبوعاً.
وتوقّع خبراء خفض سعر الفائدة تدريجياً خلال 2025– 2026، لدعم النشاط الاقتصادي، من دون التضحية بالسيطرة على التضخّم.
إصلاحات صندوق النقد
وكان صندوق النقد بدأ مراجعته الخامسة لبرنامج الإصلاح، لتقديم دعم بقيمة 8 مليارات دولار في أوائل أيار/ مايو 2025، مع وصول فريق البعثة إلى القاهرة.
وأكد مديرو صندوق النقد أنه من المبكر التوسع في زيادة القرض، لكنهم أبدوا ارتياحهم للتقدم في الإصلاحات المالية ونوعية الإنفاق العام.
وساهمت الإصلاحات منذ سنة 2022 في توفير نحو 800 مليون دولار، عبر آليات تضبط دعم الطاقة وتقلل العجز خلال ست سنوات.
وتوقّع صندوق النقد نمو الاقتصاد المصري بنحو 4,1% في 2025، مع تجاوز 5% على المدى المتوسط، وتراجع التضخّم تدريجياً.
قناة السويس والتحديات اللوجستية
وتسعى هيئة قناة السويس إلى تحفيز المرور عبر القناة، بعدما انخفضت الإيرادات الربعية من 2,4 مليار دولار إلى 880,9 مليون دولار في الربع الأول من 2025 بفعل هجمات الحوثيين على الملاحة بالبحر الأحمر. وقررت الهيئة تقديم حسم بنسبة 15% للناقلات الكبيرة (130,000 طن فأكثر) لمدة 90 يوماً لاستعادة حركة المرور. إضافةً إلى حسم 12– 15% للناقلات الأخرى، وذلك بتنفيذ فوري بقرار رئاسي.
انتعاش السياحة
في المقابل انتعش قطاع السياحة بنمو يزيد على 18% في 2024/ 2025، بدعم عوائد السياحة الثقافية والبيئية، رغم التحذيرات البيئية من توسع العشوائي بالشواطئ البحرية.
ويسعى القطاع للاستفادة من تخفيضات رسوم القناة، لجذب المزيد من الرحلات البحرية والسفن السياحية إلى الموانئ المصرية.
التحديات والفرص المستقبلية
ومع تحول الاستثمارات الخليجية نحو الولايات المتحدة، بعد زيارة ترامب الأخيرة للخليج، تزايدت المخاوف في مصر من توجه الاستثمارات الخليجية نحو الولايات المتحدة. فهذا التحول في تدفقات رؤوس الأموال، يثير مخاوف من تأثيره على قدرة مصر على جذب الاستثمارات الضرورية لدعم اقتصادها المتعثر.
وكانت القاهرة وقعت مؤخراً اتفاقًا مع قطر للحصول على استثمارات مباشرة بقيمة 7,5 مليار دولار، بالإضافة إلى صفقة مع الإمارات بقيمة 35 مليار دولار لتطوير منطقة رأس الحكمة.
كما أطلقت الحكومة المصرية برنامجاً لطرح 32 شركة حكومية للبيع لمستثمرين من الخليج، بهدف جذب الاستثمارات وزيادة مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد. وأدخلت مصر نظام “الرخصة الذهبية” لتسهيل إجراءات الاستثمار، وأطلقت برنامجاً لمنح الجنسية مقابل الاستثمار، في محاولة لجذب رؤوس الأموال الخليجية.
ويواجه الاقتصاد المصري مجموعة من المخاطر يُمكن تلخيصها بالتالي:
المخاطر الإقليمية: استمرار هجمات الحوثيين تهدد إيرادات قناة السويس، وتزيد تكلفة التأمين على الشحن البحري.
الضغوط التضخمية: هناك حاجة لضبط التضخّم، دون كبح النمو الاقتصادي عبر سياسات نقدية مرنة.
وفي المقابل، يُمكن الركون إلى مجموعة من الإجراءات التي قد تحفز الاقتصاد:
التوازن المالي: ضرورة توسيع القاعدة الضريبية، وتحسين كفاءة الإنفاق العام للحدّ من العجز.
جذب المستثمر الخليجي: أشارت تقارير إلى أنّ العديد من الاتفاقيات الموقعة خلال زيارة ترامب، هي مجرد مذكرات تفاهم غير ملزمة، ممّا يمنح القاهرة فرصة، لجذب الاستثمار الخليجي، في ظل مرونة التزام الدول الخليجية بتنفيذ هذه الاستثمارات.
تنويع الصادرات: دعم الصناعات التحويلية والتكنولوجية، لتعزيز الإيرادات من القطاعات الحرة.
الطاقة المتجددة: مواصلة الاستثمار في محطات الرياح والطاقة الشمسية لدعم الأمن الطاقي وتقليل فاتورة الاستيراد.
السياحة البيئية والثقافية: استغلال موقع مصر التاريخي وبيئتها البحرية، لرفع نصيب القطاع من الناتج المحلي.