إبادة مخيمات اللاجئين الفلسطينييني في شمال الضفة
يواصل الجيش الإسرائيلي عملية إبادة فعلية لـ 3 مخيمات للاجئين الفلسطينيين في شمال الصفة الغربية، هي جنين وطولكرم ونور شمس، في عدوان هو الأوسع والأطول والأخطر منذ حرب حزيران/ يونيو 1967، ويتمثل ذلك بعمليات تهجير قسري، وهدم وحرق للمنازل، وتدمير للبنية التحتية والطرقات.
يلخص موقع “التقرير العربي” المجريات والتداعيات، ويقدم أرقامًا لأبرز مؤشراته، في ظل تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، بأن العملية العسكرية الواسعة ستتواصل حتى نهاية سنة 2025.
تهجير 70 ألف فلسطين
قدرت مصادر أممية أعداد المُهجرين قسراً في الضفة الغربية، بسبب هدم جيش الاحتلال الإسرائيلي منازلهم، بنحو 70 ألفاً معظمهم في شمال الضفة الغربية، اضطروا للجوء إلى المدارس والمساجد وبيوت أقاربهم.
وقالت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل لاجئي فلسطينيين في الشرق الأدنى “الأونروا”، في تقرير أصدرته نهاية آذار/ مارس إن حجم النزوح في الضفة الغربية المحتلة وصل إلى مستويات غير مسبوقة منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي عام 1967.
وأكد مدير الوكالة في الضفة الغربية رولاند فريدريك، في تصريح صحافي، أن “القوانين الإسرائيلية الجديدة تقوض عمل الوكالة وتعيق قدرتها على تقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين”، مشيراً إلى أن “الاحتلال يحظر التواصل بين مسؤولي الوكالة والسلطات الإسرائيلية أثناء اقتحام القوات الإسرائيلية للمرافق التابعة لها”.
وأضاف أن موظفي “الأونروا” لا يزالون يتعرضون للمضايقات على الحواجز العسكرية، مما يعيق حركتهم ويؤثر على عمليات الإغاثة، لافتاً إلى أن “تخفيض إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمساعدات الخارجية أجبر الأمم المتحدة على اتخاذ خيارات صعبة، انعكست سلباً على قدرة الوكالة في الاستجابة للاحتياجات المتزايدة”.
حصيلة ثقيلة
واستمر جيش الاحتلال في عدوانه الواسع على جنين ومخيمها وريفها، الذي بدأه في 21 كانون الثاني/ يناير، وأسفر، حتى إعداد التقرير، وخلال 83 يوماً عن مقتل 36 فلسطينياً بينهم رضيعة وأطفال ومسن سبعيني، وتهجير نحو 21 ألف فرد من مخيم جنين وحي الهدف والحي الشرقي من مدينة جنين، وتدمير عدد كبير من المنازل بشكل كلي أو جزئي، وجرح العشرات، واعتقال المئات، وسط أعمال تدمير وتجريف واسعة.
أما في مدينة طولكرم ومخيميها، فقد قتلت قوات الاحتلال 13 فلسطينياً، بينهم طفل وامرأتان إحداهن حامل في شهرها الثامن، وإصابة واعتقال العشرات، وتهجير قسري لأكثر من 24 ألفاً من سكان مخيمي طولكرم ونور شمس، ونحو 4000 عائلة، بالإضافة إلى عشرات العائلات من الحي الشمالي للمدينة.
كما أجبر جيش الاحتلال 20 ألفاً من الفلسطينيين في المخيمين على ترك بيوتهم، ودمر عشرات المنازل وغالبية البنية التحتية والشوارع، في اجتياح بدأه في 27 كانون الثاني/ يناير الماضي.
ولم تصدر حصيلة نهائية عن حجم البيوت المدمرة كلياً أو جزئياً بسبب استمرار العدوان، ولصعوبة وصول الطواقم الفنية لحصر الأضرار وتقييمها.
وقال مدير مستشفى جنين الحكومي وسام بكر، لموقع “التقرير العربي” إن الإصابات في صفوف المواطنين تجاوزت المئة، ولم تسن الأطباء والممرضين الذين أصيب منهم 5 أفراد.
وأكد أن الاحتلال قطع خطوط تزويد المياه عن المستشفى، الذي أصبح يعتمد على نقل الصهاريج، عدا عن قطع الكهرباء 5 أيام، وتجريف وتدمير الشوارع المحيطة، واستهداف الباحات بقنابل الصوت والغاز المدمع.
وأفاد بأن مرضى غسيل الكلى والسرطان عانوا خلال الشهر الأول من العدوان، وأصبح وصولهم إلى المستشفى صعباً.
وأضاف أن الباحات الرئيسة وأقسام الطوارئ تدفع ثمناً يومياً للحصار، كما تسبب تجريف الطرقات المحيطة بالمستشفى بنقل الوحل إليه خلال هطول الأمطار، وبتشكل الغبار.
منطقة غير صالحة للحياة
ووصف رئيس بلدية جنين محمد جرار، مخيم جنين عقب العدوان المتواصل بـ “منطقة غير صالحة للحياة”، بحكم عمليات التدمير واسعة النطاق التي شهدها، إذ فقد المخيم نحو 4000 وحدة سكنية، وتدمير نحو 600 منزل، وجرى تجريف طرقاته كافة، وتدمير بنيته التحتية بالكامل، مع نزوح قرابة 21 ألف مواطن.
وبحسب التقديرات الأولية للبلدية، فقد تكبدت المدينة خلال 83 يوم عدوان 300 مليون دولار خسائر مباشرة وغير مباشرة، وتجريف نحو 120 كيلومتراً من الطرقات الرئيسة والفرعية، و25 كيلومتراً من خطوط المياه الناقلة، وتدمير واسع للخطوط الداخلية، إضافة إلى تجريف عشرات الكيلومترات من شبكة الصرف الصحي وقنوات تصريف مياه الأمطار.
وبين جرار لموقع “التقرير العربي” بأن 4 آلاف عامل في المدينة فقدوا مصادر دخلهم، وأضيفوا إلى “قوائم الفقراء الجدد”، وأصبحوا ينتظرون الإعانات، كما تضررت غالبية المنشآت، وانخفض بشكل حاد عدد المتسوقين.
وأشار إلى أن الحصار والعدوان الطويل فاقما أوضاع المدينة، التي شهدت خلال سنة 2024 إقفال 500 مؤسسة تجارية أبوابها، لكن حجم الضرر منذ مطلع العام الجاري تزايد بشكل كبير، وسط تراجع الدخل المحلي إلى أكثر من النصف، وخسائر شبكة الكهرباء بـ 9 مليون شيقل.
وأفاد مدير الغرفة التجارية محمد كميل، بأن جنين شهدت منذ مطلع العام الجاري 76 يوم إعلاق من أصل 99 يوماً، ما يعني أن المدينة لم تعمل سوى عدة أيام خلال 2025.
وقدّر الخسائر اليومية في المدينة جراء العدوان المتواصل منذ كانون الثاني/ يناير الماضي، وحالات الإغلاق بـ 30 مليون شيقل، وسط تراجع اقتصادي حاد انعكس على الغرفة نفسها، التي تراجعت إيراداتها، وانضمت إلى جهود تقديم المساعدات الطارئة للنازحين بنحو مليون ونصف المليون شيقل، ضمن مبادرة “لبيك يا جنين”.
مخططات إسرائيلية
عضو اللجنة الشعبية لخدمات مخيم جنين فرحة أبو الهيجاء، قالت إن الاحتلال يدمر المخيم بشكل يومي، ويخطط كما أعلن لإقامة نقاط عسكرية داخله، وتجريف المزيد من البيوت، وهو ما يفسر ترحيل أهالي الأحياء المرتفعة المطلة على المخيم.
وأضافت أن الاحتلال يستهدف المواطنين الذين يحاولون الوصل إلى بيوتهم وإحضار بعض مقتنياتهم منها، وسط تواجد مكثف لجنود الاحتلال، الذين يمعنون في التدمير والتخريب.
وبينت عدم وجود إحصاءات نهائية لحجم العدوان، لكن تقديرات أولية تشير إلى تدمير أكثر نصف منازل المخيم بالكامل، بينما تضرر النصف الثاني بدرجات متفاوتة، وأجبر بين 15-20 ألف من المخيم والمخيم الجديد وأحياء الهدف والجابريات وحي الزهراء وطلعة الغبس، ووادي برقين، على الإقامة المؤقتة في ظروف صعبة على 10 مواقع في أحياء المدينة وبلدات برقين واليامون والزبابدة ورمانة وسيلة الحارثية وكفردان ويعبد وقباطية.
ووصفت أبو الهيجاء إعلان الاحتلال سحبه المؤقت لدبابته الثلاث من المخيم بـ”الأمر الشكلي” فواقع العدوان لم يتغير، وتواصلت أمس عمليات التدمير والتجريف ومنع المواطنين من الوصل إلى منازل، وإطلاق النار العشوائي عليهم ما أسفر عن إصابتين في حي الهدف.
ترحيل
وقد وصف رئيس اللجنة الشعبية للخدمات في نور شمس، نهاد الشاويش ما يجري في مخيمات طولكرم بالكارثي وغير المتوقع.
وقال لموقع “التقرير العربي” إن الاحتلال أفرغ المخيمين من سكانهما، وبدأ بعد 70 يوماً من العدوان بتوسيع دائرة الاستهداف بالترحيل، إذ شن هجمات على أحياء داخل المدينة متاخمة للمخيمين، وشرع في ترحيل سكانها، كما حدث في ضاحية ذنابة.
وأشار إلى أن الاحتلال أحدث دماراً هائًلاً، ويبدو أن “شهية الاحتلال للترحيل قد فتحت، من أجل الانتقال إلى مخيمات أخرى، بعدما شاهد غياب أي ردود فعل مؤثرة فلسطينياً وعربياً ودولياً.
وأكد الشاويش أن أكثر 13 ألف فلسطيني اقتلعوا من مخيم طولكرم، و9 آلاف من نور شمس، كما أحدث الاحتلال دماراً هائلاً في منازل المخيمين وشوارعهما وبنيتهما التحتية، وألغى عملياً إمكانية العودة إليهما، حتى بعد انسحابه منهما.
وقال إن المخيمين أفرغا تماماً من سكانه، الذين يمنعهم الاحتلال من العودة، وأصبحوا للمرة الثانية يحملون لقب لاجئ، غالبيتهم العظمى في مدينة طولكرم وأحيائها وبلدتي عنبتا وكفر اللبد واكتابا.
ووفق الشاويش، فإن إعادة بناء المخيمين يحتاج وقتاً طويلاً وتمويلاً ضخماً، بسبب تدمير البنية التحتية والشوارع بشكل كامل، واستهداف البيوت كافة، وتخريب أثاثها وإحراقها.
وأكد أن حياة اللاجئين تحولت إلى “مأساة لا تقل قسوة عن نكبة 1948″، في ظل غياب خطط حكومية شاملة لاستيعابهم أو إغاثتهم، بالتزامن مع أزمة مالية طاحنة تعيشها السلطة الوطنية، وفي ظل انعدام أي أفق سياسي.