إقليم كردستان الوسيط لتهدئة توترات المنطقة

لم يكن لقاء رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني في إنطاليا، في 11 نيسان/ أبريل بالرئيس السوري أحمد الشرع حدثاً مستجداً، إذ إن العلاقة بين المعارضة السورية وإقليم كردستان كان قائماً منذ انطلاقة الثورة السورية في سنة 2011، واستقبال الإقليم عدداً كبيراً من اللاجئين السوريين.

ويبدو الود بين الرئيسين واضحاً في تغريدة بارزاني على منصة “إكس” في إثر اللقاء الذي جرى على هامش منتدى أنطاليا الديبولماسي الرابع، وجاء فيها: “كان من دواعي سروري أن ألتقي بالرئيس أحمد الشرع  في أنطاليا. ناقشنا الوضع في سورية حيث شارك رؤيته لسورية مستقبلية تحتضن كل شعبها. وأشدت بنهجه الشامل وأكدت له دعمنا المستمر. كما أكدنا من جديد التزامنا المشترك بالقتال المستمر ضد داعش. وقد شجعني تفاني الرئيس الشرع في تحقيق السلام والأمن الإقليميين.”

وكان نيجيرفان بارزاني عبر بيان في 11 آذار 2025 باتفاق الشرع وقائد قوات سورية الديموقراطية “قسد” مظلوم عبدي، وقال “نهنئ إخوتنا في سورية على الاتفاق الذي تم بين رئيس الجمهورية السورية وقائد قوات سورية الديمقراطية (قسد)”، هذا الاتفاق يمثل خارطة طريق مناسبة للمستقبل ومرحلة انتقالية صحيحة.”

وحقيقة الأمر فإن إقليم كردستان لعب ويلعب أدواراً ليس في سورية فقط، بل في الإقليم، وربما يُلحظ دوره المميز في الوساطة بين حكومة أنقرة وحزب العمال الكردستاني أيضاً، في توجه نحو أن يكون الإقليم مركز وساطة وتهدئة توترات في المنطقة، وانفتاح كردي على شعوب الإقليم، ومن شعوب الإقليم وحكوماته على الإقليم.

علاقات قديمة ساهمت باتفاق عبدة الشرع

مصدر مقرب من الإدارة الجديدة في سورية، صرح لموقع “التقرير العربي” بأن العلاقة بين الحكم السورية الحالي وحكومة إقليم كردستان هي قديمة وليست وليدة اللحظة، وهو سابق لتولي المعارضة السورية الحكم في سورية، وخصوصاً أن الإقليم لم يكن من مؤيدي نظام الأسد.

ويؤكد المصدر أن حكومة كردستان لعبت دوراً محورياً في تقريب وجهات النظر للوصول إلى إتفاق بين قسد وحكومة دمشق، إذ إن حكومة الإقليم لها تأثير كبير ومباشر على الأكراد في سورية، وتملك تأثيراً داخل قسد ولها أحزاب ونشطاء مؤيدون لها داخل مناطق سيطرة قسد في شرق سورية.

وأوضح أن العلاقة بين حكومتي كردستان  ودمشق ترعاها تركيا التي تربطها علاقات تحالف سياسي قوية مع الطرفين. وأشار إلى أن تركيا لعبت وتلعب دوراً محورياً بين الطرفين سابقاً، وفي سنة 2016 شاركت قوات المعارضة وقوات البيشمركة الكردية التابعة لحكوة أربيل بمعارك مشتركة ضد “داعش” في منطقة عين العرب كوباني بتنسيق ودعم من التحالف الدولي وتركيا، وقد استمرت العلاقات الودية بين الطرفين وكانت هنالك علاقات تواصل بين المعارضة السورية وكردستان.

وكان وزير الإعمار العراقي بنكين ريكاني، أكد في حديث صحافي أوره موقع “الجبال” الكردي في 10 شباط/ فبراير 2025، أن الزعيم الكردي العراقي التاريخي مسعود بارازاني لعب دوراً مهماً في اتفاق قسد مع حكومة دمشق، وقال إن “الكرد في تركيا وسورية يلجؤون دائماً إلى مسعود البارزاني.”

كوردستان والدور الإقليمي

وتلعب قيادة إقليم كردستان دوراً مهماً في إرساء السلام في المنطقة، ويُذكر أن القائد الكردي التركي عبدالله أوجلان طلب في الرسالة التي وجهها من سجنه في شباط/ فبراير 2025 إلى حزب العمال الكردستاني وطلب فيها إلقاء السلاح، طلب أيضاً من الزعيم مسعود بارزاني الوساطة بين أنقرة والمقاتلين الأكراد لتسهيل الوصول إلى حوار سياسي ينهي النزاع المسلح المستمر منذ عقود.

وبشأن الاتفاق بين أكراد سورية وحكومة دمشق، قال نيجيرفان بارزاني لشبكة “رووداو” الكردية العراقية “كانت لدينا هذا العام محادثات كثيرة حول سورية، وطرحنا وجهة نظرنا بخصوص المستجدات والوضع في سورية وناقشناها مع الأطراف المعنية، سواء مع الدول الأوروبية أو أميركا أو دول الشرق الأوسط. كانت سورية المحور الأول وكانت لها الأولوية في اجتماعاتنا المتعلقة بالمنطقة.”خصوصاً المساعدة في في تخفيف التوتر والاشتباكات التي كانت تدور منذ أشهر طويلة حول سدّي تشرين والثورة على نهر الفرات.

وبعد طلب أوجلان، انتقل رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني إلى تركيا في زيارة رسمية حيث اجتمع  مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان قبل أن يلتقي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في حضور فيدان، وقال في تغريدة منصة “إكس” إن البحث ركّز على “سبل تعزيز العلاقات الثنائية وآخر التطورات في العراق والمنطقة، بخاصّة الوضع في سورية”.

وأكّد بيان رسمي للرئاسة التركية أنّ بارزاني ناقش “سبل تعزيز العلاقات الثنائية والأوضاع العامّة في العراق والمنطقة، وخصوصاً التغيّرات التي حدثت في سورية.”

تجربة تؤهل لأدوار محلي وإقليمية

في المحصلة، فإن التجربة التاريخية لإقليم كردستان في العراق، وقدرته على التعامل مع مختلف الظروف والضغوط والمتغيرات التي طرأت على العراق والمنطقة، تؤهله للعب دور إقليمي لتخفيف التوتر، وتقريب وجهات النظر، ليس فقط بين الأكراد ودول المنطقة، بل أيضاً بين الدول التي تشوب علاقتاتها توترات، وكذلك نقل تجربة كردستان التي تشهد ازدهاراً اقتصادياً وثقافياً وتعدداً سياسياً، وسلاماً داخلياً، إلى سورية خصوصاً، لتشابه ما حصل في سورية أخيراً وما حصل سابقاً في العراق.

والواضح أن قيادة إقليم كردستان في العراق تسعى لتطوير علاقاتها مع جميع الدول والأطراف العربية، وهي تفتح اقتصادها للاستثمارات وتسهلها، بحيث باتت الكثير من الرساميل العربية وغير العربية تتدفق إلى الإقليم.

ويكفي الأخذ بالاعتبار تجربتي الإقليم في الوساطة بين حزب العمال الكردستاني والحكومة المركزية في أنقرة، على أمل حل النزاع التاريخي بينهما، والوساطة الناجحة بين قسد وحكومة دمشق التي نجحت في توقيع اتفاق الشرع عبدة.