تنافس محلي في الجنوب السوري واحتلال إسرائيلي

يعد الجنوب السوري من أكثر المناطق حساسية جيوسياسياً في سورية بعد سقوط نظام الأسد، فإلى جانب التركيبة السكانية المتنوعة، تقع هذه المنطقة على تماس مباشر مع إسرائيل والأردن، مما يجعلها محوراً تجاذبات إقليمية ودولية معقدة.

فبعد انهيار النظام المركزي في دمشق، دخل الجنوب في حالة اضطراب أمني، مع صعود قوى محلية، ومحاولات من أطراف إقليمية إعادة ترتيب المشهد بما يخدم مصالحها، وسط تفاعل حذر من حكومة الرئيس أحمد الشرع التي تسلمت السلطة في دمشق.

فالفراغ الأمني الذي شكله انهيار سلطة النظام السابق وضع الجنوب السوري على صفيح ساخن، بين التصعيد الإسرائيلي والاضطرابات بين القوى المحلية.

تنافس محلي

تسبب الفراغ الأمني الذي أحدثه سقوط نظام الأسد بوقوع أسلحة الجيش النظام السابق في أيدي المدنيين، كما تنافست عدة أطراف محلية على السيطرة على هذه المنطقة.

ففي درعا، استمرت الحركات المحلية المسلحة التي نشأت في فترة الثورة، لكنها انقسمت بين من يسعى للاندماج في الحكومة السورية الانتقالية ومن فضّل الاستقلال العسكري والأمني، لكن قوات الأمن السورية استطاعت سحب السلاح من بعض قرى درعا إلى جانب ملاحقتها لبعض المجموعات التي عملت مع نظام الأسد المخلوع.

ويعد اللواء الثامن أكبر التشكيلات العسكرية في درعا، والذي تم تشكيله في سنة 2018 مدعوماً من روسيا بعد اتفاق التسوية، وكان قائده أحمد العودة ظهر في صور جمعته مع أحمد الشرع في الأسابيع الأولى لتحرير البلد، إلا أن تصريح وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال مرهف أبو قصرة لصحيفة “واشنطن بوست” في 7 شباط/ فبراير بيّن أن العودة كان من ضمن عدد من قادة الفصائل الذين رفضوا الانضمام لوزارة الدفاع.

ودفعت هذه التصريحات القيادي في اللواء الثامن نسيم أبو عرة للإدلاء في بيان مصور وصف فيه تصريح أبو قصرة “بالتخوين والاتهام”، نافياً معارضة اللواء للانخراط في وزارة الدفاع.

كما صرح أحمد العودة لـ “شبكة درعا 24” اعتزامه ترك قيادة اللواء والاستقرار في دمشق، الأمر الذي أبقى المشهد الأمني في درعا غير واضح.

أما محافظة السويداء، فقد بقيت إلى حد ما مستقلة ذاتياً، حيث حاولت الفصائل المحلية إدارة شؤونها بمعزل عمّا يجري خارج المحافظة، ولم تشهد تواجداً للإدارة السورية الجديدة باستثناء موفد لتسيير شؤون المحافظة إدارياً، وضابطين لإدارة الأمن الجنائي وقيادة الشرطة، وسط حديث عن تشكيل مجموعات من أبناء محافظة السويداء للعمل في تشكيلات الأمن العام ضمنها.

لكن حدث شقاق بين القوى العسكرية في السويداء، بين رفض التعامل مع السلطة في دمشق من قبل شيخ عقل الموحدين الدروز في السويداء حكمت الهجري والفصائل التابعة له، وبين فصائل تسعى لتفعيل دور الضابطة العدلية بكوادر من أبناء السويداء مع دعم لوجستي من وزارة الداخلية، وتتمثل هذه الفصائل بـ “حركة رجال الكرامة”، التشكيل العسكري الأكبر في السويداء والذي تأسس على يد الشيخ وحيد البلعوس الذي اغتيل في سنة 2015 ويقوده نجله ليث، وفصيل محلي آخر يقوده سليمان عبد الباقي.

أما القنيطرة التي تعيش مخاوف من إقدام القوات الإسرائيلية على مصادرة الأراضي فيها، فهي لم تشهد أي وجود لقوات الحكومة السورية بسبب الاحتلال، بحسب أحد سكان المحافظة الذي أوضح لموقع “التقرير العربي” أن القوات الإسرائيلية بعد توغلها في عدة مناطق من القنيطرة والبدء ببناء مواقع عسكرية، حاولت التقرب من الأهالي عن طريق الاستفسار عن حاجاتهم ووعدت باستقطاب عمّال من داخل المنطقة للعمل في أراضيها مقابل مبالغ تصل إلى 100 دولار أميركي يومياً، والأمر الذي لم يتجاوب الأهالي معه، الأمر الذي دفع القوات الإسرائيلية إلى اعتقال الرافضين لتواجدها ضمن الأراضي السورية.

إسرائيل تعقد المشهد

ما يعقد المشهد في الجنوب السوري أكثر مما هو معقد، التدخل الإسرائيلي الكثيف منذ سقوط نظام الأسد، وذلك من خلال تكثيف الضربات الجوية التي استهدفت أسلحة ومواقع عسكرية لقوات النظام السابق ضمن عملية أطلقت عليها اسم “سهم باشان”، وتجهيزات عسكرية للإدارة السورية الجديدة. إلى جانب هذا، هددت إسرائيل وجود أي تجهيزات عسكرية في الجنوب السوري تعتبره تهديداً لأمنها، إضافة لاحتلال أراض جديدة جنوب سورية.

وعلى الرغم من رفض أغلب الفئات في الجنوب السوري أي تواصل مع إسرائيل، فإن هذه المحاولات خلقت انقسامات بين بعض الفئات، وخصوصاً مع تفاقم الأوضاع الاقتصادية والسياسية في المنطقة، كما تسببت بحملات تخوين تعرض لها المكون الدرزي في جنوب سورية.

ويبدو أن الجنوب السوري سيظل منطقة اضطراب وتنافس إقليمي لفترة طويلة؛ فحكومة الشرع تحاول تثبيت سيطرتها، لكن ضعفها يجعل المنطقة عرضة لمزيد من التجاذبات، بينما إسرائيل ستواصل استراتيجيتها القائمة على منع أي تهديد أمني مباشر، مع استمرار علاقاتها السرية أو العلنية مع بعض القوى المحلية.

بشكل عام، فإن مستقبل الجنوب السوري مرهون بتوازنات القوى بين الداخل السوري، وبين إسرائيل، وكذلك الأطراف الإقليمية والدولية الأخرى.

وفي ظل ضعف الدور الشعبي ضمن هذه التجاذبات، ستبقى المنطقة إحدى أكثر البؤر حساسية في مرحلة ما بعد الأسد.

التقرير العربي الشعار

زين العابد

أبريل 4, 2025In مقالات