توتر مزدوج بعد انتخابات رئاسة المجلس الأعلى الليبي

لم تكن نتيجة انتخابات المجلس الأعلى للدولة الأخيرة في ليبيا، والتي جرت في 6 آب/ أغسطس الجاري، بعيدة عن الوضع الذي خبرته ليبيا خلال السنوات التي تلت أحداث شباط/ فبراير ٢٠١١ حين شهدت عملية التصويت على منصب الرئيس، خلافاً حاداً بين الرئيس المنتهية ولايته محمد تكالة، والمرشح الرئاسي خالد المشري، بشأن ورقة تصويت ” باطلة ” دوّن فيها صاحبها اختياره على ظهر البطاقة خلافا لقانون المجلس.

إذ ذاك، طوت اللجنة القانونية بالمجلس الأعلى للدولة في ليبيا الخلاف على منصب الرئيس، معلنة فوز المرشح خالد المشري على منافسه محمد تكالة. ومع إقرار اللجنة القانونية فوز المشري للمجلس، تسارعت الأسئلة عن مدى قبول منافسه محمد تكالة بهذه النتيجة، من دون أي اعتراضات تفضي إلى تعطيل المجلس الذي ينتظره عمل طويل وممتد مع مجلس النواب، ومقره طبرق شرق البلاد، برئاسة عقيلة صالح، بشأن تشكيل سلطة موحدة، وتوحيد المناصب التنفيذية، تمهيداً لإجراء الانتخابات الرئاسية في البلاد والمعطلة، منذ نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2021.

أزمة قانونية وصراع مناصب

أعلن محمد تكاله اعتراضه على نتيجة التصويت، التي تحصل فيها على 68 صوتاً، وأعلن أنه سيحتكم إلى القضاء لحسم الخلاف، فيما قال خالد المشري في مؤتمر صحفي: “وفق نتيجة الاقتراع في الجولة الثانية، التي أظهرت فوزي برئاسة المجلس، اعتبر نفسي رئيساً شرعياً وفعلياً للمجلس”، لافتاً إلى أنّه سيمارس عمله على هذا الأساس، وأنّه لن يسلم الرئاسة إلا بانتهاء مدتها، وإجراء الانتخابات بعد عام. ورأى أعضاء من مجلس الأعلى للدولة يؤيدون خالد المشري، أنّ محمد تكالة “لم يعد أمامه بعدما أعلنت اللجنة القانونية رأيها إلاّ أن يذعن، ويسلم بفوز المشري”، بينما طالبت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، في بيان رسمي، الجميع بــ “التحلي بروح المسؤولية للتوصل إلى حل، وإنهاء هذه الأزمة في أقرب وقت ممكن.” ورأت أنّه “يتوجب على الأطراف المعنية، أن تسعى جاهدة للحفاظ على وحدة وتماسك المجلس، وأن تضع مصلحة ليبيا في المقام الأول.”

وأوضحت اللجنة القانونية في المجلس، التي لجأ إليها المشري لحسم الخلاف، أنّها “اجتمعت بنصاب مكتمل، ورأت أنّ ورقة الاقتراع المختلف عليها “ملغاة”، ولا يعتد بها في احتساب عدد أصوات الناخبين، البالغ 139 صوتاً، من إجمالي أعضاء المجلس.” وبناءً على ذلك، بينت اللجنة أنّ “توزيع الأصوات يكون على النحو التالي: ورقتان غير محتسبتَين في العدّ، وهما ورقة بيضاء، وورقة ملغاة.”

عن هذا الخلاف، قال الباحث السياسي، والمرشح الرئاسي السابق، سليمان البيوضي، في تصريحات خصّ بها موقع “التقرير العربي”، إنّه “بواقعية وبعيداً عن أي اصطفاف سياسي، فإن الأحداث الأخيرة في غرب البلاد، عقب فوز السيد خالد المشري برئاسة المجلس الأعلى للدولة، أظهرت أن حكومة الدبيبة تعيش عُزلة حقيقية على كل المستويات، وأنها تحتفظ بقليل من الأنصار، وتحاول أن تصنع بهم البروباغندا الدعائية؛ أمّا الأخطر فهو فشلها في توحيد رفاق البندقية، من خلال خطاب موحد، بل إن أخطر ما يجب الإنتباه له هو إعلان قوات الأمازيغ حيادها، وعدم انخراطها مع الحكومة في أي معركة.”

ويتابع الكاتب الليبي تصريحاته مؤكداً أن “تحييد قوة الأمازيغ جاء بسبب سياسات حكومية لم تراع الخصائص الثقافية، ممّا أدى لفقدان الثقة بين الطرفين، ولعل هذا ينطبق أيضاً على مدن ومكونات: إما انقسمت، أو تخلّت عن حكومة عبدالحميد الدبيبة، وفي كل المستويات أمنياً وعسكرياً واجتماعياً، لا سيما في معقلها مدينة مصراتة غرب العاصمة طرابلس.”

يلفت المصدر نفسه إلى أن “ما يحدث في مناطق غرب البلاد، لم يعد انقساماً سياسياً يمكن احتواؤه، إذ وصلنا إلى نقطة اللاعودة. واستمرار سلطة الأمر الواقع في نهجها وممارساتها سيضر بالمصالح الإستراتيجية للجميع، وأعتقد، أن الأحداث الأخيرة تتطلب إنهاء دور هذه الحكومة، وإنجاز حل سياسي عاجل بتوحيد السلطة التنفيذية، وتشكيل حكومة تكون مهمتها العاجلة تنفيذ الاستحقاق الرئاسي.”

ويؤكد المرشح الرئاسي السابق، أن “تداعيات يوم انتخابات رئاسة المجلس الأعلى للدولة قد يفضي إلى تفكيك المجلس. بيد أن ثمة ملاحظة جديرة بالإنتباه في هذا الإمر، وهي أن هذه النتيجة قد تبدو مرفوضة بتوصية دولية وإقليمية. كما أن حكومة الدبيبة ستكون متضررة بشكل مباشر من انقسام المجلس الأعلى للدولة، ومتضررة أيضاً من رئاسة خالد المشري مجدداً للمجلس، الأمر الذي يجعل دخولها في أي تصعيد سياسي، خسارة مضاعفة.”

ويستنتج قائلاً “إذاً، ينبغي النظر إلى أزمة انقسام الأعلى للدولة من منظور دولي وإقليمي، وأنّه لن يسمح للحكومة وحلفائها المحليين والإقليمين، بالتلاعب والعبث بأحد أركان الاتفاق السياسي الليبي المجلس الأعلى للدولة، والذي سيؤثر مباشرة على التوازنات الدولية ومسارات الحل المنظور في ليبيا.”

يختتم سليمان البيوضي حديثه لـ “التقرير العربي”، قائلاً “إن ما حدث خلال انتخابات المجلس الأعلى للدولة، يعرض أكثر من طرف إقليمي  دولي، لضرر بالغ. وهناك مخاطر تهدد المصالح الاستراتيجية لتلك الدول في ليبيا، وخصوصاً إذا ذهبت المعارضة نحو تشكيل حزام سياسي مساند وداعم للسيد خالد المشري، وبينت أنّها مستعدة للمضي نحو التصعيد السياسي، والدخول في لعبة العبث بالتحالفات؛ حينها ستتدخل القوى المتضررة بكل نفوذها لاحتواء الموقف ودعم الطرف الأقوى سياسياً، فالدول لا تغامر بمصالحها لأجل سلطة فقدت زخمها، وخسرت حواضنها الشعبية، ولا تملك حزام سياسي حقيقي مقابل كتلة سياسية متماسكة.”

توترات على الحدود

في سياق آخر ذي صلة، أعلنت هيئة الأركان العامة لقوات حكومة الوحدة الوطنية، المتمركزة في طرابلس، في 9 آب/ أغسطس الجاري، أنها وضعت وحداتها “في حالة تأهب”، وأمرتها “بالاستعداد لصد أي هجوم محتمل”، وذلك على خلفية إعلان رئاسة القوات البرية بقيادة صدام حفتر، في 6 آب/ أغسطس الجاري تنفيذ “عملية واسعة”، بهدف “تأمين الحدود الجنوبية للبلاد”. وقد أشار الجيش الوطني الليبي في بيان مصور تلاه أحد قادته العسكريين، إلى حقيقة التحركات العسكرية، مؤكداً قيامه فقط بتأمين المناطق الخاضعة لسيطرته في الجنوب الغربي، ولم يشر إلى وجود نية نحو التقدم إلى مدينة غدامس جنوب غرب ليبيا.

ثمة دلالات عديدة ومؤشرات من الصعب تجاوزها، أو عدم وضعها داخل سياق القراءة التحليلية، فيما يتعلق بتحرك قوات الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، وتعزيز وجود قواته بغية الحضور في جغرافيا المناطق الجنوبية الغربية لبلاده، لا سيما غدامس والمناطق الواقعة بالقرب من الحدود الجزائرية والتونسية، وحدود دولة مالي وتشاد.

الأولى، تُشير إلى أنه قد يبدو الأمر في نظر وتقدير المكونات السياسية والميدانية في الغرب الليبي، يهدف إلى فرض طوق عسكري على مناطق استراتيجية في غرب ليبيا.

الثانية، قد يكون هذا التحرك بهدف التواجد في مناطق حدودية مع عدد من دول الجوار، بما في ذلك معبر الدبداب مع الجزائر، ومعبر وازن مع تونس، بالإضافة لمخاطر الصراع في الساحل والصحراء، بحسب وجهة نظر قيادة أركان القوات البرية، التابعة للجيش الليبي في المنطقة الشرقية.

وفي الثالثة يمكن قراءة هذا التحرك للجانبين في هذه النقاط الجغرافية الهامة من خلال بعض الوحدات التابعة للغرب الليبي، وخصوصاً اللواء ٤٤٤ لإبلاغ سيف الإسلام القذافي بصعوبة تشكيل وحدات عسكرية، خاصّة مع ارتفاع منسوب شعبية سيف الإسلام القذافي في تلك المناطق، ممّا يمثل تهديداً للفاعلين المحليين حالياً.

في غضون ذلك، شهدت المنطقة الغربية حشد لعدد من الميلشيات التابعة لحكومة الدبيبة، وذلك على خلفية بيان أصدره المجلس الأعلى للدولة، يحذر من خطورة تحركات قوات الجيش التابعة للمشير خليفة حفتر، بينما ذهب عدد من المتابعين للملف الليبي، أنّ تلك الحشود ما هي إلا استجابة لذلك اللغط الذي شاب عملية التصويت في انتخابات رئاسة المجلس الأعلى للدولة، الأمر الذي يعني أن الصراع بين الإثنين على رئاسة المجلس، قد لا يتم حسمه سوى بلغة القوة.

غموض وارتباك سياسي

قد تبدو الصورة قاتمة لحد كبير في ليبيا، على خلفية الانقسام الذي حدث في انتخابات رئاسة المجلس الأعلى للدولة، والسيولة الميدانية التي سارع المجلس بالتقاط خيطها، وأصدر بيانه للجهات الفاعلة في الغرب الليبي، محذراً من خطورة تحرك الجيش بقيادة خليفة حفتر، الأمر الذي يطرح سيناريوهات واحتمالات عديدة احتمالات من أهمها:

– دخول جميع الأطراف في مفاوضات لترتيب القوة والنفوذ، وخصوصاً مع سيناريو تنصيب خالد المشري رئيسا للمجلس الأعلى للدولة، مع وصول الدبيبة لاتفاق ضمني، يسمح له بالاستمرار في منصبه حتى لحظة أخرى تطال الجميع.

– عدم التوافق على صيغة تفاوضية بين المشري وتكالة، ومعهم الدبيبة، الأمر الذي ينتج عنه سيولة ميدانية في مناطق الغرب، وخصوصاً أن خالد المشري وعبدالحميد الدبيبة، كل منهما يسيطر على عدد من الكتائب المسلحة في الغرب الليبي.

– عدم التوافق بين جميع الأطراف، سواء العسكرية في الشرق والغرب، أو السياسية في طرابلس، على صيغة توافقية تمنح لكل طرف النفوذ والسيطرة اللازمتين لأدوارهم الفاعلة في المجال العام، ما يعني انقسام المجلس الأعلى للدولة بين المشري وتكالة، وحدوث سيولة ميدانية بين رئاسة أركان القوات البرية، برئاسة صدام حفتر، والقوات التابعة لحكومة الوحدة الوطنية، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، في مناطق الجنوب الغربي.