الانتخابات الرئاسية في تونس بين المد والجزر
اتخذ الرئيس قيس سعيّد، بعد حراك 25 تمّوز/ يوليو، بعض القرارات، سماها البعض “إجراءات استثنائية”، ومن أهمها تجميد البرلمان، وعزل رئيس الحكومة، وتعيين آخر يعمل تحت إشرافه، إلى جانب جمعه بين السلطة التنفيذية والتشريعية، وهو ما حذا بمعارضيه إلى التنديد والتحذير من مغبة هذا الجمع، باعتباره تهديداً للمنظومة الديمقراطية، معتبرين أن حراك 25 تمّوز/ يوليو، انقلاباً على الشرعية وعلى أهداف الثورة.
راهن قيس سعيّد على الدعم الجماهيري في توجهاته السياسية، والتي حظت بمباركة أغلب الشعب، من أهمها محاسبة الفاسدين من رجال الأعمال والسياسيين، فمع كل اعتقال كانت تتعالى درجة الثقة في شخص الرئيس وقراراته وتوجهاته، على الرغم من تنديد الجهات الحقوقية بمخاطر هذ الاعتقالات التي اعتبروها تهديداً للحريات العامة: حرية العمل السياسي، وحرية الرأي والتعبير
في المقابل، فإن العديد من التونسيين اعتقدوا أن الرئيس يتعرض لموجة من المؤامرات، التي تريد أن تطيح بمساره الإصلاحي، وهذا ما أكده بدوره الرئيس في جل خطابته التي دائماً ما يذكر فيها عبارات “المتواطئين على أمن الدولة”، والفاسدين”، و”اللصوص”… الخ.
هذا الخطاب المتكرر بعباراته، اعتبر العديد من أصحاب الرأي والسياسيين المعارضين لمسار قيس سعيّد أنه خطاب يتسم بالشعبوية والحشد المضلل للجماهير.
تونس الى أين؟
من أكثر الإجراءات التي ندد بها معارضو قيس سعيّد وأصحاب الرأي، هو توقيعه على المرسوم بقانون رقم 54 الذي تم إصداره بعد الأزمة السياسية لسنة 2021، والذي يهدف “إلى مكافحة المعلومات والشائعات الكاذبة على الإنترنت”، إذ تنص المادة 24 منه على السجن لمدة تصل إلى خمس سنوات، وغرامة تصل إلى 50 ألف دينار(18 ألف دولار تقريباً) لكل من ينشر مثل هذه المعلومات، ويتضاعف هذا إذا صدرت الأقوال المسيئة عن أحد موظفي الدولة. وجاء هذا التنديد في إطار اعتبار هذا الإجراء انتهاكاً فعلياً لأهم مكسب حققه التونسيون إبان الثورة، ألا وهو حرية التعبير.
وقد تباينت الآراء بشأن هذا القانون الجديد، فهناك من ثمّن هذه الخطوة، واعتبرها واجبة لضمان هيبة الدولة والمتمثلة في شخص الرئيس وأعضاء حكومته، ووسيلة ضامنة لوقف نشر الإشاعات وإحداث بلبلة بين المواطنين، وبالتالي ضمان الأمن الاجتماعي، في المقابل عارض العديد من الحقوقيين والإعلامين والصحافين هذا القانون، ووصفوه بأنّه انتكاسة جديدة للحقوق والحريات، كما شبهوا هذا المرسوم بالمسار الدكتاتوري الذي توخاه الرئيس السابق زين العابدين بن علي، وفي نفس السياق تقول لجنة الحقوقيين الدولية في جنيف بسويسرا “إن القانون يسمح للرئيس بمراقبة وجميع الاتصالات عبر الإنترنت التي لا يوافق عليها، مشيرة إلى أن المادة 24 لا تحدد ما هو الأكاذيب أو الإشاعات. في كانون الثاني/ يناير 2023، أعرب خمسة مقررين خاصين للأمم المتحدة عن مخاوفهم العميقة بشأن المرسوم وتوافقه مع القانون الدولي، ووصفت منظمة العفو الدولية القانون بأنّه قاسي.”
بعد إقرار هذا المرسوم وتفعيله، تمّ اعتقال العديد من المعارضين السياسيين بتهم متعددة وأهمها تهمة “التآمر على أمن الدولة”، كما تمّ اعتقال عدداً من الصحافيين والإعلاميين ونشطاء الرأي، بتهم اعتبرها أنصار المعارضة كيدية وتضليلية.
هذه الإجراءات مترافقة مع تحديد موعد الانتخابات الرئاسية، جعلت المعارضين يعبرون عن خشيتهم من تصعيد وتيرة الاعتقالات بحق السياسيين المعارضين للرئيس. وما إن أعلن قيس سعيّد أن 6 تشرين الأول/ أكتوبر القادم، هو موعد الانتخابات الرئاسية، حتى بدأ المهتمون بالشأن السياسي في رسم السيناريوهات المتوقعة لنتائج الانتخابات.
مرشحون ومواقف
مع إعلان موعد الانتخابات الرئاسية في تونس، بدأ الحديث عن ترشح بعض الأسماء والتي تنتمي أغلبها الى أحزاب المعارضة، مثل: عصام الشابي الأمين العام للحزب الجمهوري (مسجون بتهمة التآمر على أمن الدولة)؛ رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي (مسجونة بتهمة محاولة قلب النظام)؛ الكاتب والصحفي الصافي سعيد الذي سبق له الترشح؛ الوزير السابق في النظام النوفمبري منذر الزنايدي، الذي يقطن حالياً بفرنسا؛ الأمين العام لحزب الاتحاد الشعبي الجمهوري لطفي المرايحي الذي تم اعتقاله في هذه الفترة بشبة الفساد المالي؛ الإعلامي والناشط السياسي نزار الشعري؛ رئيسة حزب الجمهورية الثالثة ألفة الحامدي؛ عبد اللطيف المكي القيادي السابق بحركة النهضة والأمين العام “لحزب العمل والانجاز التونسي” الذي يمثل بدوره للتحقيق، وهذا حسب ما أعلنه بيان الصادر عن الحزب في 2 تمّوز/ يوليو الجاري وفيه أنّ أمينه العام عبد اللطيف المكي، تلقى استدعاء من النيابة العامة للحضور أمام قاضي تحقيق بشأن وفاة برلماني سابق سنة 2014، وقد جاء هذا الاستدعاء بعد أسبوع من إعلان الحزب اعتزامه ترشيح وزير الصحة الأسبق للرئاسة، وهو ما أفاده بيانهم الصادر يوم الثلاثاء 2 تمّوز/ يوليو، والذي جاء فيه: “في ظرف خمسة أيام فقط من هذا الإعلان الأولي عن الترشيح، تلقى عبد اللطيف المكي استدعاء للحضور أمام قاضي التحقيق يوم الجمعة 12 يوليو الجاري فيما يعرف بقضية وفاة الجيلاني الدبوسي.”
وقد ألمح الرئيس قيس سعيّد لترشحه لولاية ثانية، وفقاً لتصريحاته التي يؤكد فيها أنه لن يتراجع قيد أنملة عن مساره ولن يسلّم الوطن لمن قاموا بتخريبه.
أكثر ما يؤرق المراقبين والمهتمين بالشأن السياسي التونسي، هو عدم تحيين شروط الترشح صلب قرارات هيئة الانتخابات، وفقاً للتغييرات المحدثة في الدستور الجديد، الذي صادق عليه الرئيس في سنة 2022، وهناك إمكانية استبعاد العديد من المترشحين مقل ألفة الحامدي، لأن سنها أقل من 40 عاماً، باعتبار أن السقف الأدنى للعمر الذي نص عليه الدستور هو 40 سنة فيما فوق. كما يتخوف البعض من احتمال إضافة شروط جديدة تعجيزية لعرقلة بعض المترشحين كالتنصيص على وجوبية تقديم الترشحات بصفة مباشرة من قبل المترشحين، وهو ما يعني اقصائهم من السباق الرئاسي مثل عصام الشابي أو عبير موسي بسبب سجنهم.
وعلى الرغم من أن الهيئة العليا للانتخابات مازالت لم تفتح رسمياً مكتبها لتقديم الترشحات، والتي من المتوقع أن تتم آخر شهر تمّوز/ يوليو إلى غاية الأسبوع الأول من شهر آب/ أغسطس، إلّا أن هناك العديد من المساندين والمصطفين في إطار “جبهة الخلاص” التي ضمت كل الأحزاب التي جمدها قيس سعيّد، والتي أعلنت ترشح قياديين منها للانتخابات الرئاسية، على الرغم من قبوعهم في السجون، اعتزاموا التشكيك في نتائج الانتخابات ما لم يتم الافراج عن المعتقلين، والذين مازال أغلبهم قيد التحقيق من السنة الفارطة دون محاكمة، وهذا ما يمثل عائقاً فعلياً أمام النزاهة والشرعية.
في المقابل فإن عوام الشعب يؤيدون، حسب بعض الآراء والصفحات الفايسبوكية الموالية لمسار الرئيس، دعمهم لترشيح سعيّد لولاية ثانية، خوفاَ من عودة الوجوه السياسية السابقة للحكم، والتي لم يعد لها مكانة أو ثقة لدى المواطنين، فعودتهم تعني عودة الزبونية الحزبية، وعودة ما يمكن أن نسميه “الأخوة الأعداء” بالنسخة السياسية، بمعنى أنّ الأحزاب ذات المرجعيات المختلفة كانت متناحرة فيما بينها عندما كانت في الحكم، وعندما تم اقصائها وتقويض صلاحياتها، شكلت ما يسمى “جبهة الخلاص”، وهي حركة مناهضة لحراك 25 تمّوز/ يوليو، ويعتقد بعض موالين لقيس سعيّد أنّ عودة الأحزاب للحكم هي عودة فعلية للصراع وتغيب مصلحة الوطن.
ختاما فإنّ المشهد السياسي في تونس، سيحمل العديد من المفاجئات التي لا يمكن أن يشملها أي سناريو من السيناريوهات المحتملة، لذلك ستكون الانتخابات الرئاسية في تونس محط اهتمام وترقب إلى يوم حدوثها.