الانتخابات البرلمانية في سورية تكريس لسيطرة البعث

بعد إعلان الرئيس السوري بشار الأسد عن إجراء انتخابات مجلس الشعب في البلاد في 15 تموز/ يوليو، بدأ حزب البعث الحاكم اختيار مرشحيه في جميع المحافظات، وسط تساؤلات عن معايير اختيار هؤلاء المرشحين، وهل هو على معيار الكفاءات، أم أن عملية الترشيح تتأثر بالشللية والتكتلات والعشائرية والمال السياسي؟

هيمنة برلمانية

يهمين حزب البعث الحاكم والأحزاب التي تدور في فلكه والتي تنضوي تحت اسم “الجبهة الوطنية التقدمية” على الهيئة التشريعية الأساسية في البلاد منذ أكثر من 5 عقود.

وعلى الرغم من أن الدستور الذي أقر في سنة 2012، قد ألغى المادة الثامنة من الدستور والتي تنص على أن حزب البعث قائد للدولة والمجتمع، إلا أنه بعد 12 عاماً لايزال الحزب يكرس سلطته بالفعل بعيداً عن أي نص دستوري يضمن له ذلك.

ويتألف مجلس الشعب السوري من 250 مقعداً حظي حزب البعث في الانتخابات الأخيرة في 2020 بـ 166 مقعدا أي ما نسبته 66,4 % من المقاعد، في حين أن بقية أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية شغلت 17 مقعداً وبنسبة 6,8%، أما “المستقلون” فيشغلون 67 مقعداً، أي بنسبة 26,8%.

ويُمكن ملاحظة أن مستوى تمثيل حزب البعث الحاكم ارتفع، على مدار الأدوار التشريعية السابقة، بشكل مطّرد منذ تولي بشار الأسد السلطة في البلاد، وذلك على حساب بقية أحزاب الجبهة والمستقلين.

البعث يختار ممثليه

شهدت عملية اختيار حزب البعث لمرشحيه منذ الانتخابات الماضية في 2020، تطوراً إذ أصبح يتم اختيارهم يتم عبر آلية تعرف بـ “الاستئناس”، خلافاً لما كان عليه الأمر سابقاً، حين كانت القيادة الحزبية هي من تفرض مرشحيها بقوائم كانت تسمى “قوائم الجبهة الوطنية التقدمية”.

وتقوم آلية الاستئناس على اختيار المرشحين من خلال مؤتمرات موسعة لفروع الحزب، والاعتماد على آراء كوادره، ومن ثم تحدد القيادة الحزبية أسماء المرشحين، من دون أن يكون هناك ضوابط محددة مثل الحصول على أعلى معدل من الأصوات في عملية الاستئناس.

"ديمقراطية" ناقصة

على الرغم من اعتبار قيادة حزب البعث أن آلية الاستئناس أظهرت أهمية الممارسة الديمقراطية كأفضل معيار قادر على تجسيد خيارات الناخبين لإيصال مرشحيهم وممثليهم الحقيقيين إلى مجلس الشعب، إلا أن هذا الأمر يعتريه الكثير من السلبيات.

ويرى مختصون إن عملية الاستئناس في ظاهرها ممارسة ديمقراطية من خلال أدلاء البعثيين بأصواتهم لاختيار ممثليهم في مجلس الشعب، إلا أن القرار النهائي للبت بأسماء المرشحين يبقى بيد “القيادة الحزبية” التي تبرر اختياراها اختيار المرشحين بأنه يجري استناداً إلى “المصلحة الوطنية العليا”، وإن مصلحة الحزب هي التي تفرض معاييرها، الأمر الذي ينسف حتى الديموقراطية الشكلية المتمثلة باختيار البعثيين ممثليهم، فعملية استئناس تُصبح أقرب إلى الشورى وهي غير ملزمة للقيادة وهذا ما يؤدي الى تفريغ العملية الديمقراطية من محتواها.

ولاءات وليس كفاءات

عملية الاستئناس الحزبي أثارت جدلاً واسعاً في صفوف البعثيين بعد أن طرح الحزب استبياناً على صفحاته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي يطرح فيه سؤال: “هل أظهرت عملية الاستئناس الحزبي ولاءات مَرضيّة على حساب الكفاءات؟.”

معظم التعليقات اعتبرت أن عملية الاستئناس تعاني من العديد من السلبيات، كالاعتماد على الشللية والمحسوبية والتكتلات والعشائرية والمال السياسي وغيرها، وبأن العديد من البعثيين أصبحوا عرّابين للانتخابات وبيدهم مفاتيح الفوز في مختلف الاستئناسات، ومن لديهم الخبرة وأدوات والوسائل غير المشروعة تمكنوا من إقصاء أصحاب الخبرة والكفاءة والنزاهة والسمعة الطيبة، وإيصال من يشملونهم برعايتهم ودعمهم ومن يحقق مصالحهم بغض النظر عن مواصفاتهم أو إمكانياتهم أو سيرتهم.

وأشارت التعليقات أيضاً الى أن عملية الاستئناس والانتخاب تحتاج إلى وعي شخصي وضمير حي وثقافة مجتمعية وبيئة صالحة وإيمان حقيقي وقناعة كاملة بتحقيق المصلحة العامة الحزبية والوطنية، “وهذا للأسف كله غير متوفر في واقعنا الحالي”، وفق تلك التعليقات.

البعض الآخر اعتبر أن إشراف القيادات الحزبية على العملية أثر سلباً على عملية الاستئناس وكان لابد من ان تحل القيادات من الفرق إلى الفروع، وتشكيل قيادات مؤقتة لضمان عدم التأثير على سير العملية الانتخابية.

هل من تغيير؟

يرى مطلعون على الحياة السياسية والحزبية، أن الانتخابات المقبلة لمجلس الشعب لن تؤدي إلى إحداث أي جديد في المشهد السياسي السوري وخصوصاً السلطة التشريعية لعدة أسباب، منها: هيمنة حزب البعث الحاكم على السلطة، وضعف الأحزاب الأخرى وعدم قدرتها على احداث أي خرق، فضلاً عن طبيعة وأداء المجلس في العقود الأخيرة، والذي ظهر من خلالها بانه هيئة شكلية لا صلاحيات لها.

كذلك فإن مجلس الشعب ليس له وزن سياسي أو تشريعي في الحقيقة، وهو لا يسهم في عملية صناعة القرار وخصوصاً في المجالين السياسي والأمني، وهو واجهة واداة تجميلية لتكريس سيطرة الرئيس ليس لا أكثر.

فعلى مر عقود لم يحجب المجلس الثقة عن أي وزارة، ولم يتمكن من إقالة مدير عام، ولم يؤثر على قرارات السلطة التنفيذية المتغولة على حساب السلطة التشريعية.

ويبدو أن إعادة الحياة البرلمانية السورية، التي تعتبر الأقدم في المنطقة العربية، والتي كان لها دور كبير في الحياة السياسة والاقتصادية، أمر بعيد المنال ما لم يتوصل السوريون إلى حل سياسي لأزمة بلدهم يضمن مشاركة الجميع في إعادة اعمارها.