المعابر الداخلية في سورية قرار سياسي وفائدة اقتصادية

أصدر المجلس المحلي لمدينة الباب، شرقي حلب، إعلاناً يتضمن فتح معبر رسمي بين مناطق سيطرة المعارضة المدعومة من تركيا وبين مناطق سيطرة النظام السوري وحلفائه، الأمر الذي أثار الكثير من التساؤلات عن أهمية فتح المعبر بشكل رسمي لأول مرة منذ إندلاع الصراع في سورية.

وجاء افتتاح المعبر بعد أيام قليلة من اجتماع ضم شخصيات عسكرية روسية وأخرى تركية في معبر أبو الزندين شرقي حلب، في الوقت الذي يكثر فيه الحديث عن تقارب بين النظام السوري وتركيا برعاية روسية.

إعادة فتح طرق التجارة

تعد خطوة فتح المعابر بين النظام والمعارضة السورية خطوة مهمة لإعادة تفعيل حركة التجارة الداخلية وطرق الترانزيت الدولية وما يعكسه ذلك من فائدة اقتصادية على كل من تركيا في المقام الأول والمعارضة السورية والنظام السوري في المقام الثاني.

وكانت الطرق الدولية المعطلة اm4 و m5شريان تجاري يصل  بين تركيا ودول الخليج العربي مروراً بسورية والعراق، وتعطل منذ إندلاع الصراع في سورية ومنذ ذلك الوقت بدأت تركيا تلجأ إلى تصدير بضائعها إلى الخليج العربي عبر البحر، التدبير الذي زاد من تكلفة أجور الشحن والمدة الزمنية لوصول تلك البضائع.

وعلى الرغم من امتلاك تركيا حدوداً مشتركة مع العراق (طولها 331 كم)، فإن الوضع الأمني والسياسي في العراق والأخطار الناتجة عن التقلبات الأمنية والسياسية في العراق، حال دون استخدام أنقرة هذا الطريق لتصدير منتجاتها براً إلى الخليج.

كذلك فإن المعارضة السورية سوف تستفيد من فتح المعابر مع النظام عبر إعادة انتعاش سوق تصدير البضائع المصنعة في مناطق إدلب وشمال غرب سورية، وإعادة تصدير المنتجات التركية عبر وسطاء إلى مناطق سيطرة النظام السوري.

والأمر ذاته ينطبق على النظام السوري الذي يستفيد من فتح المعابر عبر تصدير المواد الغذائية والطبية والمواد الخام إلى مناطق سيطرة المعارضة السورية، واستيراد المواد التجارية من تركيا عبر مناطق المعارضة السورية، فضلاً عن استفادته من طرق الترانزيت وتحقيق أرباح مالية كبيرة عبر مرور القوافل التجارية من تركيا إلى الخليج العربي في مناطق سيطرته.

قرار سياسي ببعد اقتصادي

يعد قرار افتتاح المعابر الداخلية بين مناطق سيطرة النظام والمعارضة السورية قراراً سياسياً في المرتبة الأولى؛ فكل من تركيا وروسيا تريدان الشروع في تطبيق الاتفاقات الدولية الخاصة بسورية ضمن مسار استانا، ولكن يختلف منظور الدول الراعية للاتفاق بشأن آليات تطبيق تلك القرارات والاتفاقات بحيث تضمن كل دولة من الدول مصالحها السياسية والاقتصادية في الملف السوري.

 

أما على الجانب الاقتصادي، فسوف يكون لخطوة فتح المعابر الداخلية فائدة اقتصادية كبيرة للدول الإقليمية وأطراف الصراع المحلية لما سيعكسه قرار فتح المعابر من انتعاش على سوق تصدير البضائع واستيرادها وإعادة فتح طرق الترانزيت التجارية الدولية المعطلة في سورية.

تنفيذاً لأستانا أم انقلاب تركي؟

تختلف التحليلات بشأن هذه الخطوة، فمن الباحثين السياسيين من يرى أن افتتاح المعبر يأتي ضمن تفاهمات استانا الخاصة بسورية والتي تنص على فتح الطرق الدولية في سورية تحت إشراف وحماية القوى الضامنة (تركيا وروسيا) وهو بوابة لإعادة فتح عدة معابر أخرى بين مناطق المعارضة والنظام السوري لإعادة تنشيط حركة التجارة بين تركيا ودول الخليج العربي مروراً بمناطق النفوذ التركي ومناطق سيطرة النظام السوري.

وفي المقابل يرى آخرون، أن فتح المعابر بين النظام السوري والمعارضة جاء كخطوة تركية للانقلاب على اتفاق استانا الذي ينص على تسيير دوريات روسية تركية مشتركة داخل مناطق المعارضة التي تشرف تركيا على حمايتها، مستغلة في الوقت ذاته انشغال روسيا في حربها ضد أوكرانيا والحاجة الروسية لتطبيق الاتفاقيات المتعلقة بسورية.

وتسعى تركيا بحسب معلومات خاصة حصل عليها موقع “التقرير العربي”، من إعادة فتح المعابر التجارية لحرمان روسيا والنظام السوري من الوصول عسكرياً إلى طريق m4 والذي يمر بجزء واسع منه داخل مناطق سيطرة المعارضة، وذلك عبر شن قوات النظام أي عملية عسكرية ضد المعارضة مستقبلاً بحجة عدم تنفيذ التفاهمات الروسية التركية ضمن اتفاق استانا.

تقويض لمصالح "قسد"

تجدر الإشارة إلى أن قوات سورية الديمقراطية “قسد” استفادت من إغلاق المعابر بين النظام والمعارضة السورية، إذ بقيت وحدها القوة التي تمتلك المعابر التجارية الداخلية مع جميع أطراف النزاع المحلي، وهو الشيء الذي مكنها من السيطرة على خطوط التجارة والاستفادة من طرق الترانزيت وتحقيق عائدات مالية ضخمة جداً.

وتبحث تركيا عبر فتح المعابر الداخلية إلى حرمان “قسد” من التحكم في سوق التجارة الداخلية والاستفادة من طرق الترانزيت التجارية وعائداتها المالية التي كانت “قسد” تستفيد منها، مستغلة عدم وجود أي معابر تجارية بين النظام والمعارضة السورية.

فوائد لمعظم أطراف الصراع

إن قرار فتح المعابر الداخلية بين مناطق سيطرة النظام والمعارضة السورية ونجاح تلك الخطوة قد يحمل في جعبته الكثير من الفوائد الاقتصادية للدول الاقليمية وأطراف الصراع المحلية، في الوقت الذي يعتبر قراراً سياسياً في المرتبة الأولى حيث يضمن تنفيذ الاتفاقيات والتفاهمات بين الدول الضامنة في الملف السوري بما يحقق مصالح تلك الدول وقد يكون بوابة لإيجاد حل سياسي شامل في سورية من منظور تلك الدول عبر منصة استانا التي ترعاها كل من روسيا وتركيا بالتوازي مع تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 الخاص في سورية.