جدل في المغرب بشأن تعديل مدونة الأسرة وتقنين العلاقات الرضائية

دعت المؤسسة الملكية المغربية، في خطاب العرش لسنة 2022، إلى إصلاح “مدونة الأسرة” التي مر على آخر تعديل لها 20 عاماً. وقد جاء الخطاب متضمناً الإطار العام لأهم الخطوط العريضة الواجب مراعاتها في هذه التعديلات، إذ قال الملك: “وبصفتي أمير المؤمنين، وكما قلت في خطاب تقديم المدونة أمام البرلمان، فإنني لن أحل ما حرم الله، ولن أحرم ما أحل الله، لاسيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية. من هنا، نحرص أن يتم ذلك، في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي، مع اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح، والتشاور والحوار، وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية.”

يتماهى خطاب الملك مع التوجه العام للمملكة المغربية، التي تسعى لتحقيق توليفة تجمع بين مقاصد الشريعة ومسار التحديث في بعده الدولي، وهو توجه يقوده بالدرجة الأولى الملك، بوصفه أمير المؤمنين، الحامل للصفة الدينية والدنيوية، هذا التوجه الذي يجمع بين التيارات المحافظة والتيارات الحداثية، يعكس صراعاً معلناً لا تؤلفه إلا طبيعة السلطة السياسية للمغرب، التي تمثلها إمارة المؤمنين.

العلاقات الرضائية تفجر صراعاً سياسياً

شهد الفضاء العمومي المغربي منذ الخطاب الملكي، مجموعة من السجالات بخصوص مختلف النقاط الممكن تعديلها، ولاسيما المسائل المتنازع بشأنها والمتعلقة بالارث، والتعصيب، والعلاقات خارج الزواج أو الرضائية، وتقاسم الممتلكات بين الزوجين.

وفي هذا السياق قال وزير العدل المغربي، عبد اللطيف وهبي، خلال مداخلة له بمجلس المستشارين، وهي الغرفة الثانية بالبرلمان المغربي، أنّ مطالبة الفنادق لزبنائها بضرورة إظهار عقد الزواج قبل الموافقة على منحهم غرفا للمبيت، يدخل في إطار ما سماه “عمل دون سند قانوني”. وهو ماشدد عليه بالقول: “عشرون عاماً وأنا أبحث عن السند القانوني، الذي يدعم طلب هذه الوثائق في الفنادق. ولم أجده، إن من يطلب هذه الوثائق يخالف القانون ويجب متابعته قضائياً”.

خلاصة هذا التصريح الذي أدلى به وزير العدل، تضمن نقطتين أساسيتين:

الأولى: لا قانونية المطالبة بوثيقة تتبث أو تحدد طبيعة العلاقة بين الجنسين من طرف الفنادق.

الثانية: تفتح الباب أمام إمكانية المتابعة القضائية، لمن يصر على طلبها في الفنادق.

ويمكن الاشارة هنا الى أنه حتى لو كان الأمر صحيحاً، ويدخل في إطار عملية هجومية استباقية للتيارات الحداثية لربح أمر واقع يخدم التطبيع مع العلاقات الرضائية مستقبلاً، أو يهيء بشكل استباقي لبلورة تغييرات في مدونة الأسرة، إلا أن هناك نصوصاً قانوينة أُخرى تؤطر علاقات الأفراد بتسييج قيمي جذري، يتجاوز مسألة إظهار عقد الزواج عند ولوج الفنادق، مثل تهم الفساد، والخيانة الزوجية، وأوكار الدعارة، والإخلال بالأخلاق المجتمعية العامة، وخلاف ذلك، وهو ما وقع مؤخراً في أحد الفنادق الذي عمل بتصريح وزير العدل، وتساهل في استقبال زبنائها من دون مطالبتهم بعقود الزواج، لكنّهم وجدوا أنفسهم متهمين قانونياً لقيامهم بتصرف يدخل بباب الفساد وإحداث أوكار دعارة، وهو ما جرّ عليهم الاعتقال والمحاسبة القانونية بتهم ممارسة الفساد، لأن القانون الجنائي المؤطر لسلوكات الأفراد في الفضاء والمرافق العمومية لازال ساري المفعول. كما أن مطالبة الفنادق بعقد الزواج هو في الحقيقة لايدخل في شؤون وزارة العدل، بل هو أمر أمني خاضع لوزارة الداخلية، التي تعمل وفق مذكرة شفهية داخلية بهذا الخصوص، وليس ارتكازاً على سند قانوني، الأمر الذي يجعل من تصريح وزير العدل نوعاً من الاستفزاز لبعض التوجهات المحافظة، من دون أن يكون لفائدة سن مشروع قانون يخص العلاقات الرضائية.

رد فعل التيار الإسلامي

يمكن القول إن التصريح الذي قدمه وزير العدل أثار العديد من الانتقادات، ومن أبرز الردود تصريح عبد الاله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية (حزب بمرجعية إسلامية)، والذي قال: “نحن لا نريد أن تصبح فنادقنا أوكاراً لنشر الدعارة والفجور، وإشاعة الفاحشة”، مستهلاً تصريحه هذا بتهنئة خاصة للوزير وحزبه (“الأصالة والمعاصرة” العلماني التوجه) على انجازاته، وهي تهنئة من الواضح أنها تدخل بباب السخرية والتقزيم لحصيلة الوزير وحزبه، أكثر منها تهنئة فعلية. فالاكتشاف الذي يستحق التهنئة بحسب بنكيران، هو اكتشاف وهبي المتعلق بلا أحقية الفنادق في المطالبة بعقد الزواج، وكذلك الفضائح التي تورط فيها عدد من أعضاء حزب الوزير مؤخراً، فالاكتشاف الأول يفتح باب العلاقات الرضائية، ويشجع الفاحشة والزنا والخيانة الزوجية مابين الرجال والنساء، مادام أنه؛ بحسب بنكيران؛ يلغي حاجزاً مهماً،  يسد باب تفشي الفساد في المجتمع.

أما النقطة الثانية فهي تخص سجل حزب “الأصالة والمعاصرة” الذي لُطِّخ مؤخراً بمتاجرة بعض من أعضائه بالمخدرات، وهو الأمر الذي استغله بنكيران لابراز فساد الوزير والحزب ككل. لكن يمكن الإشارة هنا باقتضاب، إلى أن مشروع قانون تقنين المخدرات، هو مشروع تمت المصادقة عليه خلال الولاية الحكومية الثانية لـ “حزب العدالة والتنمية” الإسلامي، ولا يرتبط بـ “حزب الأصالة والمعاصرة”، وهي مغالطة يمررها بنكيران بنية تحميل الحزب العلماني أوزار التوجه العام للدولة، انطلاقاً من التوجه القيمي العام للوزير وحزبه، إذ لخص بنكيران جميع التهم اللا أخلاقية المتعلقة بالمخدرات والفساد والعلاقات الرضائية بالصورة الحداثية التي يروج لها “حزب الأصالة والمعاصرة”.

وخلص بنكيران، من خلال هذا الربط، إلى القول: “إن حزب الوزير لايحمل خيراً للوطن لذا وجب حله، ما دام أن الحزب يتوجه عكس ما يجمع عليه المغاربة، باعتبارهم  مسلمين يمارسون جل الطقوس المؤسسة للهوية الاسلامية من حج وعمرة طلباً للمغفرة الإلهية”، مؤكداً أن “المغاربة تحت دولة إسلامية وليست كنسية تفرض توجهاتها بالقوة، فالخلفية الإسلامية هي الوازع المشترك ما بين جميع المغاربة بمن فيهم أعضاء الحزب (“الأصالة والمعاصرة”) أنفسهم، والذين يحاولون اليوم التملص من هذا الانتماء”، مشيراً إلى أن الإسلام ليس فقط مظهراً اجتماعياً يتعلق بصلاة الجمعة وارتداء الجلباب والسلهام. وهو نقد صريح لسلوكات بعض أعضاء الأحزاب السياسية التي تمارس الطقوس الدينية في المناسبات، من دون أن تسلكه في توجهاتها العملية.

بنكيران رأى أن الوضع العالمي الجديد يتطلب التمسك بالأساس القوي، أي تقوية الجانب السياسي والديني والاقتصادي، وليس نشر الفساد والفاحشة. مورداً نموذج الملك الحسن الثاني الذي استعان بالمعجم الديني (الله والنبي والقرآن)، كما عمل على توزيع المصاحف على المتطوعيين العُزَّل في  خوضهم المسيرة الخضراء  بغية تحرير المناطق الصحراوية.

جدل بين توجهين

إن هذا الجدال السياسي، وإن كانت تحركه دوافع قيمية دينية، يتأسس على أرضية مختلفة بين التوجه المحافظ نسبياً، الذي يحرص على قدسية التشريع الإسلامي في توجهات مدونة الأسرة، والتوجه الحداثي الذي يروم تكسير الفجوة بين التحديث العالمي والسياق المغربي. فالأول يحاول قدر الامكان الإبقاء على الوضع الراهن، اذ يحاول رسم حدود دنيا، أو وضع سقيف محدد لهذه التعديلات، بما لا يتجاوز سقف المحظور الديني، في نظرهم، ويناسب بقدر معين المأمول الديني، لهذا يغلب على تصريحات بنكيران، التنبيه القيمي الأخلاقي، وهي مناسبة لإبراز الصوت المحافظ كما يسطره الحزب الإسلامي. والثاني يحاول جر العربة قدر الامكان إلى الأمام، لهذا يرفع الوزير وهبي سقف التعديلات مستعيناً بفرض ما هو واقع، أو الاستناد إلى الواقع، لفرض ما يساير التوجه العام للدولة، لهذا فأغلب تصريحاته تدخل ضمن باب جس نبض التوجهات المحافظة، لربح مسافة استباقية نحو تعديلات أكثر جرأة، فمسألة لا قانونية المطالبة بعقد الزواج في الفنادق هو تصريح يدخل في إطار الهجوم الاستباقي على التوجه المحافظ، وإعلان أن الأمر لا يخص وضع تغييرات جوهرية تخالف ماهو كائن، بل إن الوضع بسيط للدرجة التي لا تستوجب تغيير الكل، بقدر ما يتوجب التعاطي بايجابية مع أوضاع قائمة، لم نسلم بوجودها تغافلاً أو جهلاً.