صعوبات الأردن وتأثيرها على اللاجئين السوريين

أثارت التصريحات الرسمية الأردنية في الآونة الأخيرة عن تراجع المساعدات الدولية المتعلقة باللاجئين السوريين وعدم التزام الدول المانحة بتعهداتها، تساؤلات عن مصير هؤلاء في وقت تعاني فيه المملكة صعوبات ومشاكل اقتصادية واجتماعية جمة.

وعلى الرغم من المخاوف والقلق الذي سيطر على اللاجئين بعد التقارب بين عمان ودمشق في السنوات الثلاثة الأخيرة وطرح مبادرة أردنية لحل الأزمة السورية، يرى باحثون أن مصير اللاجئين تحكمه العديد من القضايا منها، الحل السياسي للأزمة، وتطورات الوضع الداخلي الأردني، والأزمات والحروب إقليمياً وحول العالم وموقف المجتمع الدولي. ومع ذلك، فإن مخاوف عديدة تعتري المجتمع الأردني والحكومة من طول أمد ملف اللاجئين السوريين في المملكة:

مخاوف اجتماعية

شكل التوافد الكثيف للاجئين السوريين صدمة للمجتمع الأردني الذي لم يكن مستعداً لهذه الخطوة مع تقدير رسمي بأن وجود اللاجئين “مؤقت” ولن يستمر طويلاً، إلا أنه مع استمرار ازمة اللاجئين بدأ التغير في المزاج الشعبي للبيئة المضيفة التي أصبحت تحمل اللاجئين السوريين بشكل مبالغ فيه مسؤولية الأزمة الاقتصادية، وخصوصاً أن أكثر من 75% من اللاجئين استقروا في المناطق الفقيرة في شمال الأردن، ونافسوا الفئات السكانية الضعيفة على الموارد الشحيحة وفرص العمل والرعاية الصحية والمأوى والتعليم.

مخاوف أمنية

تتخوف الأجهزة الأمنية الأردنية من انتشار الإرهاب، وخصوصاً أن الجماعات المتشددة حاولت وتحاول تمرير أفكارها بين اللاجئين، كما أنها تحاول تهريب أسلحة الى المملكة من خلال الأطفال، مما شكل تحدياً كبيراً على طول الحدود الشمالية، وزاد من التكلفة الأمنية والأعباء المالي المترتبة على المراكز الأمنية والعسكرية لمواجهة اختراق الأمن الوطني الأردني.

تحديات اقتصادية

يُعاني الاقتصاد الأردني ي من مشاكل جمة قبل توافد اللاجئين، فهو اقتصاد يعتمد على المساعدات الدولية، ولا يملك موارد طبيعية كبيرة.

وبلغ الدين العام بشقيه الداخلي والخارجي 58,62 مليار دولار أي أكثر من 114% من الناتج المحلي الإجمالي، وفقا لتقديرات المؤسسات المالية الدولية.

كما تأثرت المملكة في السنوات الأخيرة بشكل كبير من ارتفاع أسعار النفط عالمياً وأزمة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية التي تراجع الدعم الخارجي للأردن بعد اندلاعها، فضلاً عن تراجع المساعدات الخارجية المقدمة للاجئين، إذ أعلنت وكالات الأمم المتحدة، في تموز/ يوليو 2023 عن خفض كبير في برامج المساعدات للاجئين السوريين، بالتزامن مع حظر قانون العمل الأردني مجموعات المجتمع الأهلي السورية التي يرتبط معظمها بشبكات دعم اغترابية مختلفة وتضطلع بدور كبير في الاستجابة الإنسانية على غرار لبنان وتركيا.

ومع تراجع المساعدات الدولية وتعهدات المانحين حذر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ووزير خارجيته أيمن الصفدي من عدم قدرة بلدهما على الاستمرار في دعم اللاجئين.

وأكدت التصريحات الأردنية على أن دعم اللاجئين وتقديم الخدمات لهم مسؤولية تقع على عاتق العالم والمجتمع الدولي، ولا يمكن نقل هذه المسؤولية إلى البلدان المضيفة وحدها لأنها لن تكون قادرة على القيام بذلك بمفردها، وعلى أهمية على أهمية تهيئة الظروف التي تساعد اللاجئين على العودة الطوعية إلى بلادهم.

وتشير التقديرات الرسمية الأردنية الى انه تم إنفاق أكثر من 12 مليار دولار على اللاجئين منذ سنة 2011.

الأزمة والاحتمالات

أثار الانفتاح الأردني على النظام السوري اعتباراً من 2021، مخاوف اللاجئين من إعادتهم قسراً إلى سورية، وخصوصاً المنشقين عن الجيش والمعارضين الذين يخشون التغول الأمني في سورية، أو الشبان الذين في سن التجنيد الإجباري، وكذلك العائلات التي تُراقب الوضع الاقتصادي والمعيشي المتردي جداً في سورية.

ولا يقلل من مخاوف الاجئين أن الأردن لم يتخذ إجراءات قسرية بإعادة لاجئين إلى سورية مثل لبنان وتركيا، إذ إنه، في المقابل، بات الشارع الأردني يحمل اللاجئين المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية في المملكة، وبالتالي من غير المستبعد لجوء الأردنيين الى الشارع مع تفاقم المشاكل الاقتصادية الناجمة عن تراجع المساعدات الدولية للاجئين، وسياسات الحكومة الأردنية التي تتبع فيها وصفات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لاتباع سياسة تقشف في الانفاق العام، ورفع أسعار المشتقات النفطية، بالإضافة الى تأثير الوضع الإقليمي المتدهور المتمثل في العدوان الإسرائيلي على غزة وتداعياته السلبية على اقتصادها وامنها.

إن احتمالات تعامل عمان مع اللاجئين تبقى مفتوحة وترتبط بالحل السياسي بالتقدم في تطبيق بنود المبادرة التي طرحتها، فيما إذا استمر الجمود السياسي مع تردي الوضع الاقتصادي في المملكة واستمرار الازمات في محيطها فان كل ذلك ينذر بانه صبر المملكة قد ينفذ في أي وقت.