السويداء تلفظ حزب البعث

اثبتت الانتخابات الأخيرة التي جرت على مستوى الشعب الحزبية لحزب البعث في محافظة السويداء في جنوب سورية، وهي المستوى الثاني من القيادة بعد قيادة الفرع وفقا لمصادر مطلعة، أنه لم يكن هناك أي تغير في مفرزات الانتخابات الأخيرة وهذا يدل استمرار النهج نفسه.

وما يميز انتخابات الشعب في المحافظة التي جرت إما بالتزكية أو في عملية انتخابية، ان المرشحين فيها كانوا من القيادات السابقة او مدراء الدوائر والمؤسسات في المحافظة، وذلك بهدف المحافظة على امتيازاتهم.

كما تبين من خلال الانتخابات عزوف الكفاءات وحملة إجازات جامعية من الترشح للمهمات الحزبية. وسبب العزوف عن المشاركة ارجعته المصادر إلى ما تشهده المحافظة من حراك يطالب بإسقاط النظام وقيام المحتجين بإغلاق المقرات الحزبية، وعدم الايمان بالحزب كمؤسسة مجتمعية قادرة على إحداث تغيير في المحافظة، بالإضافة إلى الوضع العام الذي يشهد تدهور مستوى المعيشة بمستويات قياسية، وتراجع الخدمات، وانتشار الفساد في المؤسسات الحكومية بشكل غير مسبوق ومخيف، وتعطل الإنتاج المجتمعي بشكل عام، وارتباط كل هذا بسياسات الحكومة والحزب، الأمر الذي جعل العزوف عن المشاركة في الانتخابات الحزبية والعمل السياسي بشكل عام امراً موضوعيا.

ليست ذات جدوى

وتأتي الانتخابات مع استمرار الحراك في محافظة السويداء بإغلاق معظم المرافق الحزبية، لأنها ليست ذات جدوى، مثلما يرى مواطنون استطلع “موقع التقرير العربي” آراءهم، فهي جزء من النظام الذي أدى إلى استنزاف مقدرات البلاد وانتشار الفساد والمحسوبية، فضلاً عن تسليم البلاد لقوى خارجية، بالإضافة الى تحول تلك المقرات الى العوبة بأيدي الأجهزة الأمنية وأصبحت مصدر الضرر الأول على المواطن لمحاربته من خلال التقارير الكيدية بحقهم، داعيين الى الاستفادة من تلك المقرات في دعم التنمية المجتمعية.

تقول صحفية معارضة طلبت اقتصار ذكر حرفين من اسمها (ل. ب)، خشية من التعرض لها، إن “مهاجمة المحتجين المقرات الحزبية جاء بسبب حالة الاحتقان جراء سلوك الحزب في السويداء؛ على سبيل المثال يُمنع على غير الحزبيين الحصول على وظيفة، والمشاركة في أي فعالية حكومية، كما انه لا أحد يستطيع الاستفادة من الدولة إلا إذا كان حزبياً، وهذا الشيء أثر بشكل كبير على صورة حزب البعث.”

وأردفت “طبعا هذا الحزب هو حزب حاكم تابع للنظام، وهذا الحزب لا يقوم بتجسيد مبادئه الأساسية بل على العكس من ذلك يقوم بالتخريب”، داعية الى ضرورة الاستفادة من المقرات الحزبية وافتتاح مدارس فيها لأنها ملك لعامة الناس وممولة من الضرائب التي تدفع من قبل المواطنين.”

وكان أهالي بلدة سليم في المحافظة اعادوا منذ أيام افتتاح مدرسة للطلاب في البلدة تم بناؤها في اربعينيات القرن الماضي، كانت قد تحولت منذ الثمانينات إلى مقر للفرقة الحزبية وعمد المحتجون إلى إغلاقه في آب/ أغسطس الماضي بعد بدء الحراك في السويداء.

توسع ثم انحسار

تراجع شعبية حزب البعث وصولاً الى اغلاق مقراته ليس وليد الحراك الأخير في المحافظة، بل إن ذلك جاء بعد عقود من الممارسات الضيقة، مثل الصراع على السلطة وابتعاد الحزب عن أهدافه الأساسية في دعم الطبقات الكادحة كالعمال والفلاحين.

يقول ج. ح، وهو حزبي قديم (طلب أيضاً عدم ذكر اسمه للسبب نفسه)، إن “واقع الحزب في السويداء يمكن رؤيته من جانبين: الأول الصراع داخل الحزب في سورية وانعكاساتها على المحافظة منذ تأسيسه وحتى الآن، والثاني العمل السياسي في القطر والتأثير الأمني على هذا العمل، حيث أصبحت الأجهزة الأمنية هي من تدير البلد وذلك كله على حساب الجانب السياسي.”

وأضاف أنه “منذ بداية المؤتمر التأسيسي في 7 نيسان/ أبريل 1947، التحق العشرات من المواطنين في المحافظة بالحزب، وبرزت قيادات بعثية تاريخية من السويداء مثل منصور الأطرش وشبلي العيسمي، وحمود الشوفي وغيرهم، وصولاً الى الضباط البعثيين، وابرزهم سليم حاطوم، إلا أن الصراع في داخل الحزب انعكس سلباً بدءاً من حركة شباط/ فبراير 1966، والانقلاب على القيادة القومية من قبل اللجنة العسكرية، ومن ثم التخلص من سليم حاطوم واستبعاد ضباط المحافظة من الجهاز الحزبي، وخصوصاً مع ظهور مفهوم الجيش العقائدي القوة الأساسية المتحكمة بالحزب.”

وتابع أنه “منذ ذلك الحين وهناك تفريغ للعمل الحزبي من مضمونه في المحافظة، حيث تم اختيار قيادات ضعيفة مع وجود قليل من الاستثناءات، واستمر هذا الأمر مع وصول الرئيس بشار الأسد اإلى الحكم، حيث تراجع دور القيادات الحزبية، لصالح المؤسسة التنفيذية.”

وأردف أن “العمل السياسي في سورية منذ عقود انحسر بسبب توغل الأجهزة الأمنية في الحياة العامة وهذا كان له أثر كبير على العمل الحزبي، وخصوصاً أن الأجهزة أصبحت المتحكم في البلاد والاعتماد على أشخاص عديمي الكفاءة في بعض الأحيان، والتركيز على الولاء لها، بدلاً من اختيار الكفاءات العلمية والاعتماد عليها في تطوير العمل السياسي والحزبي والشأن العام.”

"البعث" فقد شرعيته

لقد فقد حزب البعث، الذي يشكل الغطاء الأيديولوجي للنظام الحاكم لسورية منذ سنة 1963، شرعيته في العقدين الأخيرين، بحسب مختصين، جراء السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تبناها، وخصوصاً بعد اتباع النظام سياسات اقتصادية مشوهة، منها تحرير الاقتصاد في المؤتمر القطري العاشر سنة 2005 واتباعه ما اسماه “اقتصاد السوق الاجتماعي” حيث أصدر الكثير من المراسيم والقرارات للبرلة الاقتصاد، ساهمت في تمركز الثروة في يد قلة مرتبطة بالنظام.

كما ساهمت السياسات الاقتصادية المتبعة والتي توجهت إلى قطاع الخدمات إلى تراجع العديد من القطاعات الاقتصادية الإنتاجية الضرورية، كالصناعة والزراعة والتجارة، مما أسهم في زيادة الفقر والبطالة وتهميش الأرياف.

وعمقت الأزمة السورية معضلة الشرعية لدى الحزب الحاكم حيث اسفرت تداعياتها عن خروج نحو ثلث مساحة البلاد من سيطرة النظام، ووجود احتلالات للأراضي السورية، وتدهور مستويات المعيشة إلى مستويات غير مسبوقة، حيث أصبحت سورية في اخر الدول من حيث الفقر واحتلالها المراتب الأولى في تقارير الفساد الصادرة عن مؤسسات دولية متخصصة”.

سيناريوهات متوقعة

مع كل ما ورد تبرز سيناريوهات مستقبلية لدور حزب البعث في السويداء بشكل خاص وهي ترتبط بالعديد من القضايا:

أولاً: استمرار الحراك في السويداء حيث يعمل المحتجون على بناء شرعيتهم على تغيير النظام المطالبة بحقوقهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية على أخطاء النظام وسياسات الحزب بالتزامن مع قرار من النظام منذ آب/ أغسطس الفائت باحتواء التظاهرات وعدم الاصطدام مع المحتجين، على الرغم من مذكرات أمنية بتوقيف أشخاص قاموا بإغلاق تلك المقرات.

ثانياً: قرار أمني بإنهاء الاحتجاجات بالقوة وهذا سينتج عنه إعادة فتح المقرات الحزبية وإعادة ممارسة دورها السابق خاصة مع ما افرزته من قيادات نمطية مكررة.

ثالثاً: قيام الحزب وخاصة في السويداء بتصحيح مساره واستقطاب الناس من خلال فرز قيادات جديدة ذات كفاءات تحظى باحترام الناس، إلا أن هذا السيناريو بعيد المنال حالياً.

ومع كل ما سبق يبدو أن معضلة الحزب في البلاد بشكل عام، والسويداء بشكل خاص، مستمرة مع بقاء النهج الحالي وسيطرة الأجهزة الأمنية على الجهاز الحزبي، واستمرار الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية العميقة التي تشهدها البلاد من دون وجود أي بوادر حل تلوح في الأفق.