مليشيات إيران في العراق تعيد ترتيب أوراقها خلال هدنة غزة

منحت الهدنة في قطاع غزة بعد أسابيع من الحرب الإسرائيلية المدمرة، فرصة للفصائل المسلحة العراقية لإعادة ترتيب أوراقها وتنظيم صفوفها بعد تسجيل عشرات العمليات المسلحة ضد القواعد العسكرية الأميركية في العراق.

وأظهرت العمليات العسكرية ضد المصالح الأميركية أن بنك المعلومات لدى المليشيات العراقية المدعومة من إيران زاخر بالتفاصيل الدقيقة عن أماكن تواجد العسكريين والمستشارين الأميركيين في القواعد المنتشرة غرب وشمال البلد، والتي كانت تتصدر واجهة الأحداث بعد اندلاع الحرب في غزة.

الحكومة تغض النظر عن الفصائل

وتعرضت قواعد عين الأسد وبلد ومطاري بغداد وحرير في أربيل لنحو 70 هجوماً بالصواريخ والمسيرات، أدت إلى أضرار مادية من دون أن توقع خسائر بشرية، لكن تلك الهجمات أغضبت الولايات المتحدة ودفعتها إلى شن غارات على مواقع فصائل مدعومة من إيران، أوقعت قتلى وجرحى وأثارت اعتراضات رسمية.

وحضيت الهجمات التي تشنها المليشيات المسلحة المدعومة من إيران والتي انخرطت في تشكيل “المقاومة الإسلامية في العراق” الذي ضم فصائل منها “كتائب حزب الله” و”حركة النجباء” و”أنصار الله الأوفياء”، بغض طرف واضح من جهة الحكومة، على الرغم من تأكيد بغداد المتكرر ضمان أمن المستشارين العسكريين الأميركيين وفق الاتفاقيات المبرمة، إلى جانب مساندة إعلامية من قنوات فضائية حزبية ممولة من إيران.

وأتاحت الهدنة في قطاع غزة إجراء الحكومة العراقية عملية تغييرات في القيادات الأمنية العراقية على خلفية عدم ارتياح زعماء من الإطار التنسيقي للعلاقة بين عدد من قادة القوات الأمنية وقوات التحالف الموجودة في العراق، وهو الموقف ذاته الذي شاركهم فيه رئيس الحكومة محمد شيّاع السوداني، الأمر الذي أدى إلى إقالتهم  من مناصبهم.

واشنطن ترد عسكرياً

‏ولم تقف الولايات المتحدة مكتوفة الأيدي، فقصفت طائرات مسيّرة مقار لـ “كتائب حزب الله” في منطقة جرف الصخر جنوب بغداد، وشن هجمات على قوافل عسكرية تابعة للمليشيات وخطوط إمدادها، فضلاً عن مهاجمة مواقع على الحدود السورية.

وأدى وقف إطلاق النار المؤقت في غزة إلى اإادة ترتيب أوراق الفصائل المسلحة والتقاط أنفاسها، ولا سيما مع احتمالات تصاعد الهجمات الأميركية في العراق، وذهابها إلى تنفيذ عمليات اغتيال أو اعتقالات لقيادات وزعماء فصائل عراقية مسلحة، كون الحكومة العراقية لا تستطيع السيطرة أو كبح جماح عمليات الفصائل المسلحة، على الرغم من تكرار المطالب الرسمية الأميركية بضبط الوضع.

ويظهر وجود القوات الأميركية في الوقت الحاضر داخل العراق ضرورة ملحة، سواء للتدريب أو حماية الحدود العراقية، كما أن إخراج هذه القوات من عدمه هو من صلاحية رئيس الحكومة العراقية.

الاتفاقية الأمنية على المحك

وتشكل أزمة الصواريخ والطائرات المسيرة للفصائل المسلحة المتحالفة مع الحرس الثوري الإيراني في الهجمات على القواعد الأميركية في العراق وسورية انتهاكاً لاتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين بغداد وواشنطن منذ عام 2008 والمصادق عليها بقانون من قبل مجلس النواب العراقي عام 2009 .

ولايمكن الغاء الاتفاقية إلا عبر مفاوضات دبلوماسية مع الإدارة الأميركية وبعد تشريع قانون من قبل مجلس النواب مع الحفاظ على الجوانب السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية واحترام العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لتعزيز الصداقة في مختلف المجالات لخدمة المصالح المتبادلة.

ومن الصعب على الفصائل المسلحة التعامل مع القواعد الأميركية كقواعد لدولة “عدو” تحتل العراق، كون الولايات المتحدة شكلت تحالفاً دولياً لإنقاذ العراق من تنظيم “داعش” الإرهابي الذي احتل ثلث البلد واخضع ٤ ملايين عراقي لنظام دولة الخلافة المتطرفة.
وعلى هذا الأساس، فإن الوجود العسكري الأميركي سيبقى على المدى الطويل محط تجاذب بين الأحزاب السياسية ذات الأذرع المسلحة من جهة، والحكومة العراقية من جهة أخرى، ولاسيما أن بغداد لم تحقق حتى الآن اكتفاءاً عسكرياً ذاتياً يتيح لها التخلي عن قوة مثل الولايات المتحدة.