أزمة الكهرباء في مصر الأسباب وتضارب التصريحات

أعلنت الشركة القابضة للكهرباء في مصر، في بيان أصدرته في 22 تموز تموز/ يوليو، أنه في ضوء موجة الحر الأخيرة التي ضربت البلاد، سوف يتم قطع التيار الكهربائي لتخفيف ضغط الاستهلاك على البنية التحتية للكهرباء. وبحسب البيان، يتم تنفيذ الانقطاعات لمدة محددة في اليوم الواحد. وأوضحت الشركة أن أي انقطاع في التيار الكهربائي لن يستمر لأكثر من ساعة. ولم يحدد البيان ما إذا كان انقطاع التيار الكهربائي سوف يحدث في جميع أنحاء مصر، أو ما إذا كان سيحدث كل يوم، لكنه ما زال متكرراً بشكل يومي، ولأكثر من مرة، في معظم أنحاء البلاد.

الانقطاع المتواصل للكهرباء، مع ارتفاع درجات الحرارة، دفع العديد من المواطنين والشخصيات العامة، تجاه للتعبير عن خيبة أملهم، كما ظهر الارتباك على تعليقات مؤيدي النظام. ففي معرض حديثها عن بيان الشركة المصرية القابضة للكهرباء، قالت المذيعة التلفزيونية الشهيرة لميس الحديدي: “هناك مناطق في صعيد مصر ينقطع عنها التيار الكهربائي لمدة ست ساعات، وفي المعادي ثلاث ساعات.” وانتقدت عدم العدالة في سياسة توزيع تخفيف الأحمال، متسائلة عما إذا كانت البلاد تواجه أزمة كهرباء حقيقية، وكذلك عن جدوى مشاريع الطاقة المتجددة المفترض أن تخفف الضغوط الحالية على استهلاك الطاقة التقليدية.

تضارب في الإحالة على مسببات الأزمة

جاء الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، بحسب بيان صادر عن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، أن السبب هو زيادة الطلب على الكهرباء نتيجة موجة الحر الشديد. وبحسب مدبولي، فإن نظام إمدادات الغاز الطبيعي الذي يغذي محطات الطاقة، تعرض لضغوط كبيرة بسبب ارتفاع الطلب على الكهرباء.

لكن الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي بدأ منذ الشهر الماضي، إذ قطعت الحكومة الكهرباء عن مصابيح الشوارع وخدمات أخرى. ولم يكن الاستهلاك حينها قد وصل إلى المستويات الكبيرة الحالية، ما يعني أن هناك أسباباً غير تلك المُعلن عنها لقطع التيار الكهربائي، وأن الضغط على شبكة الطاقة في البلد، الذي يُعزى إلى ارتفاع الطلب على الكهرباء، ليس السبب الوحيد في قطع التيار.

من المعلوم أن انتاج الكهرباء في مصر يعتمد على الغاز والمازوت، وكانت وزارة الكهرباء والطاقة اتفقت مع وزارة البترول والثروة المعدنية، على زيادة مسحوبات المازوت لمحطات إنتاج الكهرباء، في شهر آب/ أغسطس 2022 لتصل إلى نطاق 22-24 ألف طن يومياً، وبحد أقصى 26 ألف طن، في مقابل خفض إنتاج الغاز الطبيعي. ويرجع ذلك إلى رغبة الحكومة في تصدير الغاز، بالتزامن مع ارتفاع أسعاره بشكل كبير في الأسواق الأوروبية، بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.

وكانت وزارة الكهرباء قد بدأت بالفعل، في أعقاب اندلاع الحرب في أوروبا، في رفع نسبة استخدام المازوت لإنتاج الطاقة، ليتراجع حجم الكهرباء المولدة من الغاز الطبيعي إلى 78،6%، بعد أن كانت هذه النسبة نحو 96% في سنة 2020.

البعض أرجع الأزمة الحالية إلى لجوء الحكومة إلى تصدير الغاز لمواجهة أزمة الدولار، على حساب السوق المحلية، وهو افتراض غير صحيح، فمصر، وبحسب البيانات الرسمية، لم تصدر أي كميات من الغاز الطبيعي المسال منذ حزيران/ يونيو الماضي، بسبب عوامل اقتصادية، ترجع إلى انخفاض الأسعار العالمية نتيجة انخفاض الطلب الأوروبي، إذ انخفضت الأسعار بنحو الثلثين، مقابل المستويات القياسية التي سجلتها خلال سنة 2022، وكذلك لأسباب موسمية، من بينها ارتفاع الاستهلاك المحلي.

وحققت صادرات الغاز المسال المصرية، طفرة غير مسبوقة. ففي سنة 2022، بلغت إيرادات مصر من صادرات الغاز 8,4 مليارات دولار، مقارنة بـ3,5 مليارات دولار في 2021. ومع وقف تصدير الغاز، قال وزير البترول المصري طارق الملا، إن مصر لن تستأنف صادرات الغاز المسال قبل شهر تشرين الأول/ أكتوبر من العام الجاري، وذلك من خلال محطتي الإسالة في إدكو ودمياط.

وكانت خطط الحكومة المصرية تتجه نحو الاعتماد على الطاقة المتجددة، بنحو %20 من إجمالي مزيج الطاقة الكهربائية المولدة، بحلول 2022، بواقع %12 لطاقة الرياح، و%6 للطاقة الكهرومائية، و%2 للطاقة الشمسية. إلا أن الخطط الطموحة توقفت لأسباب متعددة، حيث وصل إنتاج الطاقة المتجددة في مصر، خلال الربع الثالث من العام المالي 2022-2023 الذي بدأ في أول كانون الثاني/ يناير الماضي، وحتى 31 آذار/ مارس الماضي، إلى نسبة 12,5%.

كفاءة محطات توليد الكهرباء

بحسب قاعدة البيانات الرسمية، تمتلك مصر فائضاً من الطاقة الكهربائية، في حدود 10 آلاف ميغاوات، كما أن جميع شبكات ومحطات الكهرباء في أنحاء البلاد، تعمل بشكل جيد، ولا تحتاج إلى أعمال صيانة أو إصلاح، ولديها القدرة على مواجهة أحمال أعلى من الأحمال الحالية بمراحل، وبالتالي يمكن حصر المشكلة في عدم توافر وقود كاف لتشغيل محطات وشبكات الكهرباء، ومجابهة الأحمال المتزايدة نتيجة زيادة الاستهلاك بالتزامن مع موجة الحر الحالية.

من جهة أخرى، فإن مصر تمتلك احتياطيات هائلة من الغاز الطبيعي، حيث ساهمت 5 اكتشافات لحقول جديدة للغاز الطبيعي، خلال السنوات الماضية، في زيادة احتياطيات مصر، بل ووضعها على قائمة الدول المصدرة للغاز الطبيعي، باحتياطيات تقدر بنحو 63 تريليون قدم مكعب.

هنا يطرح السؤال نفسه: لماذا ترفض وزارة البترول مد شبكة الكهرباء بالغاز اللازم لتحسين أداء الشبكة في مواجهة تزايد الاستهلاك خلال الصيف؟

ربما لا تخرج المقاربة الموضوعية للإجابة عن هذا السؤال عن احتمالين:

1 - الرغبة في التخزين والحفاظ على الاحتياطي

وفق هذا الاحتمال، ربما لجأت وزارة البترول إلى انتهاج خفض مؤقت في إنتاج الغاز؛ نتيجة الاتجاه إلى الحفاظ على حيوية الخزانات لمدد أطول، وبالتالي أصبحت كميات الغاز غير كافية، لتشغيل محطات الكهرباء في حالة الأحمال المرتفعة، حيث يتم مد محطات الكهرباء بـنحو 145 مليون متر مكعب من الغاز.

ويبدو أن الوزارة غير راغبة في زيادة الكمية، لاعتبارات اقتصادية؛ إذ إنه من المتوقع أن يرتفع سعر الغاز في الخريف القادم، في حال استمرت الحرب في أوكرانيا، كما أن للقرار أبعاد استراتيجية، يأتي في المقدمة منها الحفاظ على وجود مصر ضمن قائمة مصدري الغاز، ويؤدي ذلك بالتبعية إلى امتلاك أدوات ضغط في الملفات الإقليمية التي تشهد تنافساً مع قوى إقليمية.

يتماهى هذا السيناريو مع إعلان الحكومة عن لجوئها إلى استيراد كميات إضافية من المازوت، فبسبب تراجع إنتاج الغاز، تم الاعتماد على المازوت وإحلاله لتشغيل المحطات البخارية، التي تعتمد في إنتاجها على المازوت فقط؛ ما يعني أنها لن تتراجع عن خططها الخاصة بخفض إنتاج الغاز الطبيعي.

2 - ارتفاع المديونية وازدواجية المؤسسات

كشف مصدر مطلع بوزارة الكهرباء والطاقة المتجددة، لموقع مصراوي، أن هناك تنسيقاً واجتماعات مستمرة، تتم بين مسؤولي وزارتَي الكهرباء والطاقة المتجددة، والبترول والثروة المعدنية، انتهت إلى اتفاق يتضمن سداد القابضة للكهرباء، مبلغ ٢ مليار جنيه لهيئة البترول/ لشراء شحنات مازوت من الخارج لتعويض ما تم استهلاكه من الاحتياطي.

ويبدو من إصرار وزارة البترول على قيام القابضة للكهرباء بتوريد قيمة الصفقة إليها مقدماً، وجود حالة من عدم الثقة بين الوزارتين، وافتقاد آلية وجود قرار فوقي، يلزم الجميع بتوفير احتياجات المواطن بشكل فوري، وربما يعود ذلك إلى التراتبية الهيراركية، وتجذر البيروقراطية في الجهاز الحكومي.

وكان رئيس هيئة البترول الأسبق الدكتور مدحت يوسف، أشار في وقت لاحق إلى وجود أزمة لدى شركة الكهرباء، تتعلق بسداد الديون المستحقة لوزارة البترول، لافتاً إلى أن وزارة الكهرباء تحصل على أقل سعر بيع للغاز الطبيعي، حيث يصل إلى 3 دولار تقريباً عن كل مليون وحدة حرارية، فيما يصل البيع إلى 5.6 دولار للشركات الأجنبية.

وقد كشف الإعلامي أحمد موسى، المقرب من النظام، أن وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة، عليها ديون بعشرات المليارات لوزارة البترول والثروة المعدنية. مشيراً إلى أن أزمة التشابك المالي بين الجهتين، مماثلة للأزمة ما بين هيئة التأمين الاجتماعي ووزارة المالية.

وبالتالي يمكن القول إن تعثر شركة الكهرباء في سداد ديونها لوزارة البترول، ربما يكون سبباً خلف اتخاذ الوزارة إجراءات عقابية، تضمنت رفض رفع الإنتاج، واشتراط توريد الأموال اللازمة مقدماً، لشراء شحنات المازوت اللازمة.