العلاقات السعودية الصينية منطلقات الواقع وآفق المستقبل

تمضي العلاقات الصينية السعودية نحو آفاق من التطور، ربما كانت غير مسبوقة، بالتزامن مع المتغيرات الجيوسياسية التي طرأت على واقع النظام الدولي، واضطراب نسقه الثابت الذي عرف هيمنة القطب الأميركي وحده، ومزاحمة التنين الصيني لتلك الهيمنة، وأيضاً مع اضطراب الوضع الإقليمي على تخوم السقوط في هيكل الدولة الهشة، وتفشي الاضطراب، وتدني درجة السلم والاستقرار الإقليمي نتيجة ذلك، الأمر الذي أوجد انفتاحاً في نسق العلاقات السياسية، والتوجه نحو تصفير الأزمات بين العواصم المتنافسة، وخصوصاً ما ارتبط بالعلاقات الخليجية الإيرانية، وما يتصل بذلك نحو الملفات المشتركة على مسرح الأحداث في  اليمن وسورية والعراق ولبنان، الأمر الذي وضع مسار العلاقات الصينية مع دول الشرق الأوسط في بؤرة اهتمام استراتيجيات السياسة الخارجية لبكين، ولا سيما مع دول الخليج ومصر وإيران وتركيا.

وكان البروفيسيور والباحث الاستراتيجي الصيني ديجانج صن، لفت فــي دراســة له بعنــوان “دبلوماســية الشــراكة الصينيــة فــي الشــرق الأوســط” إلى محورين غاية في الأهمية، يمكن من خلالهما فهــم اســتراتيجية الشراكة، التي تسعى بكين إلى تفعيل آلياتها في منطقة الشرق الأوسط؛ وهمـا:

المحور الأول: التعــاون مــع المنظمــات العربيــة فــي المنطقــة مثــل مجلــس التعــاون الخليجــي، وجامعــة الــدول العربيــة، واتحــاد المغــرب العربــي.

المحور الثاني: يركــز علــى شــكل العلاقــات الصينيــة الثنائيــة مــع دول المنطقــة، حيــث تقيــم الصيــن علاقــات اســتراتيجية شــاملة مــع كل مــن: الجزائــر، ومصــر، والمملكــة العربيــة الســعودية، وإيــران، والإمــارات، وتقيـم تعاونـاً اسـتراتيجياً مـع تركيـا، وشـراكة شـاملة مـع إسـرائيل، وعلاقات اسـتراتيجية مع كل من: قطر، والأردن، والعراق، والمغرب، وعُمــان والكويــت، وجيبوتــي، والســودان.

عقود على العلاقات الثنائية

بدأت العلاقات بين الرياض وبكين منذ عقود طويلة مضت، واقتصرت في بادىء الأمر على العلاقات التجارية، واستقبال الحجاج الصينيين، وصولًاً إلى شكلها الرسمي سنة 1990، حين تمّ الاتفاق على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة، وتبادل السفراء.

وتحرص الرياض على تنمية العلاقات الثنائية مع الجانب الصيني، بالتزامن مع توجهها الاستراتيجي نحو تعزيز أواصر الشراكات الثنائية مع القوى المؤثرة؛ بما يخدم مصالح المملكة، وبالتوازي مع أولوياتها فيما يتعلق بالعلاقات مع واشنطن، ومعالجة أوجه الخلل فيها، وخصوصاً بعد سحب  منظومة الدفاع الجوي الصاروخي باتريوت في سنة 2021.

علاقات سياسية متطورة

في كانون الثاني/ يناير 2016، استقبل الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، الرئيس الصيني شين جين بينغ، وعقد الطرفان جلسة مباحثات في قصر اليمامة في العاصمة الرياض، تمخضت عن توقيع 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين حكومتي المملكة والصين، منها مذكرة لتعزيز التعاون المشترك بشأن الحزام الاقتصادي لطريق الحرير، وكذلك مبادرة طريق الحرير البحري للقرن 21، بالإضافة إلى التعاون في مجال الطاقة الإنتاجية، وتدشين مشروع شركة ينبع أرامكو ساينبوك للتكرير (ياسرف)، الذي يعد رمزاً للشراكة بين البلدين.

ومثلت الزيارة التي قام بها الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد، ورئيس مجلس الوزراء، إلى جمهورية الصين الشعبية، استجابة لدعوة حكومتها، دفعة قوية في مجال العلاقات بين البلدين، من أجل ترتيب المزيد من الجهود التنسيقية المشتركة لتعزيز التعاون بين المملكة والصين في مختلف المجالات.

وتقود اللجنة السعودية الصينية المشتركة رفيعة المستوى، التي يرأسها من جانب المملكة الأمير محمد بن سلمان، ومن الجانب الصيني نائب رئيس مجلس الدولة هان تشنغ، قاطرة الجهود الرامية إلى زيادة تعزيز أوجه التعاون في الجوانب السياسية والأمنية والتجارية والاستثمارية، وقطاعات الطاقة، والثقافة، والتقنية. كما أسهم الصندوق السعودي للتنمية، في تمويل مشروع إنشاء مبان جامعية في إقليم سانشي.

وغير مرة، أشاد العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز، بما تقوم به اللجنة المشتركة رفيعة المستوى بين البلدين من جهود لتعزيز العلاقات وتطويرها في عدد من المجالات، منها: علوم وتقنية الفضاء، وبرنامج التعاون الفني في المجال التجاري.

المملكة تستضيف القمة العربية الصينية

في كانون الأول/ ديسمبر 2022، استضافت الرياض فعاليات القمة العربية الصينية للتعاون والتنمية، شارك الرئيس الصيني شي جين بينج، الذي زار الرياض وبقي فيها مدة ثلاثة أيام، حضر خلالها ثلاث قمم سعودية وخليجية وعربية مع الصين.

وقالت المتحدثة باسم  الخارجية الصينية ماو تينج، إن الزيارة سمحت بالارتقاء بالشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين والسعودية إلى مستوى جديد، وخصوصاً أنها شهدت حضور أكثر من ثلاثين قائد دولة ومنظمة دولية، من بينهم قادة مجلس التعاون لدول الخليج، والدول العربية.

ماو تينج اعتبرت أنّ “القمة الصينية العربية” الافتتاحية، بمثابة “علامة فارقة” في تاريخ العلاقات الصينية العربية، كما لفتت إلى أنّ “القمة الصينية الخليجية”، كانت ذات أهمية بعيدة المدى للعلاقات بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي.

ووفقاً لوكالة الأنباء السعودية “واس”، تمّ التوقيع على هامش القمة “السعودية الصينية”، على أكثر من 20 اتفاقية أولية، بأكثر من 110 مليارات ريال (29,3 مليار دولار)، إضافة إلى توقيع وثيقة الشراكة الاستراتيجية بين الرياض وبكين، وخطة المواءمة بين رؤية “المملكة 2030″، ومبادرة “الحزام والطريق”.

الوساطة الصينية بين الرياض وطهران

في 10 آذار/ مارس 2023، أعلن عن اتفاق السعودية وإيران على إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما، بعد محادثات جرت بوساطة الصين، سبقتها جولات عدة من الحوار بين الطرفين برعاية العراق مرة،  وأخرى قامت بها سلطنة عمان.

فاجأ ذلك دوائر عديدة في الشرق الأوسط، وأنحاء العالم، بما تحمله الوساطة الصينية بين قوتين اقليميتين بحجم السعودية وإيران من دلالة، ولا سيما أن هذا التحول الجيوسياسي يظهر عمق المتغيرات الجارية، ما يشي بالأدوار التي تضطلع بها بكين في حيّز الأزمات، بصورة تتناقض كلياً مع تصورات التدخل الأميركي في ذهنية الواقع الشرق الأوسطي، والتي انحصرت غير مرة في التدخل العسكري، والإفراط في دعم بيئة التوتر وتفكيك الدول وسقوطها. وفي المقابل تدرك الرياض وطهران أنّ التحولات التي طرأت على النظام الدولي، منحت القوى الإقليمية القدرة على التفكير في أداء دور أكبر، وكذا التأثير على نسق التحولات الدولية؛ الأمر الذي يلزم معه نزع فتيل بؤر التوتر، والعمل على نهج المصالحات، وتجسير التعاون والتكامل بين القوى الإقليمية، مما سمح للأطراف الثلاثة أن تلتقي جميعاً، عبر أهدافها المشتركة، وإن تباينت درجتها وماهية تموضعها على مسرح الأحداث.

كل هذا يحمل في سياقاته تحولات مهمة على صعيد السياسة الخارجية الصينية، والتي قررت الإنطلاق بقوة نحو اللعب بكافة الأوراق الشرق الأوسطية، وممارسة دور الدولة العظمى، مستغلة تراجع السياسة الخارجية الأميركي، بل وتكشف مواطن ضعفها، فالصين التي استضافت جلسة تفاوضية غير معلنة لمدة أربعة أيام بين إيران والمملكة العربية السعودية، يبدو أنّها نجحت في تكريس نموذج جديد لحل النزاعات بين القوى الإقليمية.

وتأتي أهمية الاتفاق بالنسبة للصين، من خلال استراتيجية تعتمد على التوفيق بين القوى التي ترى بكين أنّ مصالحها ترتبط بها، وليس أدل من أن أولى زيارات الرئيس الصيني للخارج، بعد إنهاء قواعد الإغلاق المرتبطة بالوباء، كانت إلى المملكة السعودية ثمّ الصين. وعليه فإن الوساطة بوصفها اختباراً عملياً لمدى كفاءة أدوات الصين الدبلوماسية، تصنع نوعاً من التكامل في تحركات الصين تجاه المنطقة، حيث أدركت الصين جيداً استخدام أطر علاقاتها مع الطرفين لبدء التفاوض. وعلى عكس واشنطن، تقدم الصين استعدادها نحو القيام بأدوار سياسية وأعمال تجارية من دون قيود تفرضها، أو حدود صارمة تطلبها من الدول على مستوى سياساتها الداخلية، الأمر الذي يمنحها مرونة تامة في بسط رؤيتها الاستراتيجية، وتنفيذ ادواتها التكتيكية.

لا ريب في أن الاتفاق السعودي الإيراني الذي تم برعاية صينية، يظل مرتهناً بعدد من الأمور المهمة، والتي ينبغي الالتفات إليها، ذلك بأن إيران عبر تجاربها وتاريخها الطويل في الصراع مع الغرب والولايات المتحدة الأميركية تحديداً، اتسمت بقدرتها على إطالة زمن أيّ مفاوضات نحو نقطة غير معلومة، ما يجعل مستقبل أيّ مفاوضات من دون أفق معلوم، فضلاً طبيعة الملفات التي تتشابك فيها الدولتان وخاصة في اليمن ولبنان، والتي تمتلك فيهما إيران نفوذاً كبيراً، ومن غير الواضح حتى الآن طبيعة المشاورات التي جرت بين البلدين بما يتعلق بحل الأزمة اليمنية، وهو ما قد يعتمد بصورة كبيرة على ما ستقوم به طهران في المرحلة المقبلة، فضلاً عن تحركات الرياض الدقيقة لصياغة التوافق بين القوى المتصارعة في الداخل اليمني، والجهود التنموية التي تبذلها عبر البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، مما يمنحها، من خلال التوافق مع طهران فرصة ذهبية لتهدئة مسرح الأحداث في اليمن، وفض الاشتباكات الساخنة على حدودها المباشرة، ويظل ذلك رهناً بتوقف طهران عن تقديم الدعم العسكري للحوثيين، وحثهم على نقطة تفاوضية تحسم الصراع الدائر في اليمن.

على أيّة حال، قد يبدو من المرجح أن أثر الاتفاق يحتاج وقتاً حتى يتسنى كشف الضباب عن سحب الخلافات المتشابكة بين الرياض وطهران، وكيف ستمضي المباحثات بينهما عبر التفاعلات السياسية، إذ إن نجاح تلك الصفقة الدبلوماسية بين الرياض وطهران، ومرور الملفات العالقة بينهما من دون أزمات، يعني الوصول إلى نقطة كبيرة وعميقة في سجلات الصين كدولة فاعلة، وخصماً في الوقت نفسه من رصيد واشنطن الاستراتيجي.

تعاون غير مشروط

على نقيض الدول الغربية، التي تُعلي من شأن قيمها  الديمقراطية، وتشترط تلك السياقات، ألّا تضع الصين أيّ شروط على الدول التي ترغب في شراء السلاح، أو تربط تأييدها السياسي بإصلاحات سياسية  أو  قانونية، أو تُعلق على مستوى حقوق الإنسان فيها. وتتميز الصين كذلك باستقرار الحكم فيها بيد حزب واحد، مقارنة بالدول الأخرى التي تتعدد فيها آليات التأثير والتوجه السياسي نحو محددات السياسة الخارجية، الأمر الذي يمنح بكين ميزة نسبية في تصور هيكل العلاقات العربية الصينية وبنيتها.

إنّ الانفتاح السعودي على الصين، يهدف إلى تنويع الحلفاء، ضمن استراتيجية التوجه شرقاً نحو الصين والهند وروسيا، بكل ما يحمله ذلك من امتيازات، وكذلك الرغبة في الاستحواذ على كعكة الامتيازات، في ظل منافسة إقليمية قوية مع إيران.

بالإضافة إلى ذلك، فإن تطور العلاقات مع الصين يعطي رسائل لبعض الحلفاء، وخصوصاً الولايات المتحدة (وتحديداً التيار الديمقراطي الذي ينتهج سياسة متشددة تجاه المملكة زادت حدتها منذ مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي)، بأن السعودية لا ترهن مصالحها لخيارات دولة محددة، ولو كانت بمكانة الولايات المتحدة، وإنّما لديها (أيّ السعودية) بدائل لتحالفاتها الدولية، ولو بمستويات متفاوتة تمكنها من حماية مصالحها.

من جهتها، تدرك الصين مركزية المملكة السعودية في العالم الإسلامي، وهو ما يخفف حدة الضغط على بكين، بما يتعلق بالسياسات القمعية التي تنتهجها تجاه مسلمي الأويغور، ويقطع الطريق أمام حملات المقاطعة الاقتصادية. ومن جهة أخرى، فإنّ مشروع طريق الحرير الصيني، يلزمه تعزيز وجود بكين في المنطقة العربية، وهو ما يجعل من السعودية، بحكم وضعها الجيوسياسي، دولة مركزية لا غنى عنها، في منطقة تورد نحو خمس احتياجات بكين من النفط.

المواءمة بين رؤية المملكة 2030 واستراتيجية الصين للحزام والطريق

منذ التقى الأمير محمد بن سلمان، رئيس وفد المملكة المشارك في قمة قادة دول مجموعة العشرين، في العاصمة الأرجنتينية بيونس آيرس، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، بالرئيس الصيني شي جين بينغ، والحديث عن المواءمة بين رؤية المملكة 2030، واستراتيجية الحزام والطريق الصينية لا ينقطع، وهو ما تجلى بعد ذلك بزيارة الأمير محمد بن سلمان إلى الصين في سنة 2019، حيث التقى بالرئيس الصيني، كما رأس ولي العهد الجانب السعودي في أعمال الدورة الثالثة للجنة السعودية الصينية المشتركة رفيعة المستوى، والتي بحثت أطر التعاون في ذات السياق، وتفعيل آليات العمل المشترك بين البلدين.

اتفاقيات ورؤى اقتصادية مشتركة

يلعب منتدى الاستثمار السعودي الصيني دوراً رئيسياً في ترتيب أولويات الرؤى الاقتصادية المشتركة بين البلدين، وتشارك فيه أكثر من خمس وعشرين جهة من القطاعين الحكومي والخاص في المملكة، وتمكن المنتدى من توقيع 35  اتفاقية، بقيمته أكثر من 28 مليار دولار أميركي، ومنح أربعة تراخيص لشركات صينية مختصة في عدد من المجالات.

وشملت اتفاقيات التعاون الأخرى الموقعة خلال المنتدى عدة مجالات، منها: تطبيقات الطاقة المتجددة، واتفاقية التعاون بين الهيئة العامة للاستثمار و”قولد ويند الدولية القابضة”، الهادفة إلى تفعيل أطر التعاون والتشاور في مجال تطوير الاستثمار في توربينات الرياح الهوائية عن طريق تصنيع أجهزة التحكم الكهربائية، وهياكل المحركات الهوائية وشفرات التوربينات والمولدات الهوائية، باستثمار يقدر بـ 18 مليون دولار. كما وقعت اتفاقيات تشمل كل من صناعة البتروكيماويات، وتقنية المعلومات والبنية التحتية ضمن قائمة القطاعات الاستثمارية المستهدفة.

ومن تجليات الشراكة الثنائية، مساهمة الرياض مع بكين في تأسيس البنك الآسيوي لاستثمار البنية التحتية، بهدف تحسين أوجه الترابط بين البنى التحتية في قارة آسيا وخارجها، عبر الاستثمار في البنية التحتية الخضراء، وتحقيق التنمية المستدامة، وكذلك تعزيز الشراكات الإقليمية.

ويمكن القول إنّ التعاون بين البلدين يشمل مجالات: الاقتصاد، والتجارة، والنقل، والبنية التحتية، والطاقة، وكذلك المجالات الناشئة، مثل: تقنية الجيل الخامس، والذكاء الاصطناعي، والبيانات الكبيرة. كما رحبت بكين بانضمام الرياض إلى مبادرة التنمية العالمية، ودعمت كذلك مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، التي أطلقها ولي العهد السعودي.

الشريك التجاري الأول للمملكة

العلاقات الاقتصادية بين الرياض وبكين، عبرت عن وجودها القوي، من خلال  الاتفاقيات الثنائية بين الحكومتين، وكذلك الاتفاقيات التي تتم بين رجال الأعمال في البلدين، وهو ما أدى إلى أن تصبح الصين الشريك التجاري الأول للمملكة، في آخر خمس سنوات، إذ كانت الصين هي الوجهة الأولى لصادرات المملكة ووارداتها الخارجية منذ سنة 2018، فقد بلغ حجم التجارة البينية نحو 309 مليارات ريال، في سنة 2021، بزيادة قدرها 39% عن سنة 2020، كما بلغ إجمالي حجم الصادرات السعودية إلى الصين 192 مليار ريال، منها صادرات غير نفطية بقيمة 41 مليار ريال.

الاستثمارات السعودية في الصين بلغت قيمتها 8,6 مليارات ريال، واحتلّت المملكة المرتبة 12 في ترتيب الدول التي تقوم بالاستثمار في الصين حتى نهاية سنة 2019. في المقابل بلغت قيمة الاستثمارات الصينية في المملكة السعودية نحو 29 مليار ريال بنهاية سنة 2021.

واستحوذت المملكة السعودية على أكثر من 20,3%20 من استثمارات الصين في العالم العربي، بين العامين 2005 و2020، والبالغة 196,9 مليار دولار، إذ استقبلت السعودية استثمارات صينية خلال تلك الفترة بنحو 39,9 مليار دولار.

ويعزز صندوق دعم الشركات التقنية الناشئة في المملكة علاقات الشراكة بين الطرفين، وكان قد تأسس برأس مال يقدّر بـ 1,5 مليار ريال سعودي، وذلك شراكة بين “إي دبليو تي بي” (eWTp) الصينية، التي تدعمها شركة (علي بابا) وصندوق الاستثمارات العامة، كما يحظى الصندوق بدعم الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز؛ من أجل تطوير منظومة اقتصادية متينة تختص بالأعمال الرقمية في السعودية.

ومؤخراً، أعلنت 15  ‏شركة صينية كبرى، عن رغبتها في الاستثمار في السعودية، والدخول في مشاريع التخصيص لعدد من القطاعات الحكومية، وكذلك مشاريع البنية التحتية، وبالفعل بدأت شركات صينية بتنفيذ مشاريعها في المملكة، مثل شركة “شينغ كون” (Shengkong) التي وضعت حجر الأساس لمصنع لمصابيح الإضاءة “ليد” (LED) في مدينة الجبيل، وذلك بقيمة تتجاوز 3,3 مليارات ريال، وتم كذلك افتتاح مشروع مصنع شركة “بان آسيا” (Pan Asia) الصينية في مدينة جازان، للصناعات الأساسية والتحويلية، بإجمالي استثمارات قيمتها نحو 4 مليارات دولار.

أما عن أكبر الاستثمارات الصينية في المملكة، فهي تلك التي تقوم بها شركة “سينوبك سنشري برايت كابيتال” (Sinopec Century Bright Capital)، وذلك في قطاع التصنيع، بالإضافة إلى البنك الصناعي الصيني، الذي ينشط في قطاع الخدمات المالية والتأمين.

وتحتل المملكة المملكة السعودية صدارة الدول التي تمد الصين بالنفط، بحسب بيانات الجمارك الصينية، سنة 2021، إذ ارتفعت الواردات الصينية من المملكة بنسبة 3,1%، مقارنة بـ 2020، كما زادت حصتها إلى 17% من إجمالي الواردات. وتُعد شركة ينبع “أرامكو سينوبك” للتكرير المحدودة، نموذجاً للشراكة الثنائية بين البلدين، فهي عبارة مشروع مشترك بين شركتي أرامكو السعودية و”سينوبك” الصينية، وتمتلك مصفاة تحويلية متكاملة، يمكنها معالجة 400 ألف برميل يومياً من النفط الخام.

وهناك كذلك اتفاقية جرى توقيعها بين الطرفين، في سنة 2011، تختص بمجالات التعاون النووي للأغراض السلمية.

وكان وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، لفت إلى أن الصين أصبحت بالفعل الوجهة الأولى لصادرات المملكة البترولية، مؤكداً أن علاقات البلدين في مجال الطاقة تشمل عدة استثمارات مشتركة. وأضاف أن التعاون بين البلدين يشمل العمل على الحفاظ على استقرار سوق البترول العالمية. وتابع: “المملكة ستظل شريك الصين الموثوق به والمعوّل عليه.”

واستعرض وزير الطاقة السعودي مجالات التعاون بين الجانبين، ولا سيما في مشروعات تحويل البترول الخام إلى بتروكيماويات، ومجال الطاقة المتجددة، والهيدروجين النظيف، والمشروعات الكهربائية، والاستخدامات السلميّة للطاقة النووية، والاستثمار في مجمعات التكرير والبتروكيماويات المتكاملة. وذلك باعتبار السعودية من الدول التي تشملها مبادرة الحزام والطريق الصينية. كما كشف عن مشروع مشترك يهدف إلى تعزيز التعاون في سلاسل إمدادات الطاقة، عن طريق إنشاء مركز إقليمي في المملكة، للمصانع الصينية.

وينشط الطرفان في مجال التعاون في مجال الهيدروجين النظيف، للحصول على طاقة نظيفة ومستدامة ومنخفضة الكربون، إذ تسعى المملكة لأن يصبح نصيب الطاقة المتجددة من مزيج الطاقة المُستخدم في إنتاج الكهرباء بنسبة 50% بحلول 2030.

أرقام تعكس عمق الارتباط الاقتصادي

بحسب وكالة الأنباء السعودية، تمّ توقيع اتفاقات مبدئية بأكثر من 110 مليارات ريال (29,26 مليار دولار) خلال قمة سعودية صينية عقدت نهاية ا2022، ما يكرس وضعية خاصّة للصين داخل المملكة، بوصف الأولى أكبر مستورد للنفط السعودي، فوفقاً لبيانات الإدارة العامة للجمارك الصينية، فإن شحنات النفط السعودية السنوية إلى الصين بلغت 84,92 مليون طن، أو نحو 1,69 مليون برميل يومياً، بزيادة 1,9% سنوياً.

وبحسب البيانات نفسها، فإن السعودية منشأ 18% من إجمالي مشتريات الصين من النفط الخام، وبلغ إجمالي الواردات 73,54 مليون طن (1,77 مليون برميل في اليوم) في الأشهر العشرة الأولى من 2022، بقيمة 55,5 مليار دولار. كما بلغت واردات النفط العام الماضي 87,56 مليون طن، بقيمة 43,9 مليار دولار، تمثل 77% من إجمالي واردات الصين السلعية من السعودية.

ولدى عملاق النفط السعودي “أرامكو” صفقات توريد سنوية مع عدد  من المصافي الصينية، من بينها “سينوبك” ومؤسسة البترول الوطنية الصينية والمؤسسة الوطنية الصينية للنفط البحري و”سينوكيم” وشركة شمال الصين للصناعات (نورينكو) وشركة “تشجيانغ” الخاصة للبتروكيماويات.

وكانت شركة “أرامكو” قد شرعت في أوائل سنة 2022، في بناء مصفاة ومجمع للبتروكيماويات، بقيمة 10 مليارات دولار في شمال شرق الصين، ضمن المشروع الذي أُطلق عليه اسم شركة هواجين أرامكو للبتروكيماويات، وهو مشروع مشترك يضم أرامكو ومجموعة هواجين للصناعات الكيماوية، ويضم المشروع، المتوقع أن يبدأ تشغيله في 2024، مصفاة تبلغ طاقتها 300 ألف برميل في اليوم، ومصنع إيثيلين بطاقة 1,5 مليون طن سنويا، ومن المقرر أن توفر أرامكو ما يصل إلى 210 آلاف برميل يومياً من النفط الخام.

وتملك “أرامكو” في الصين حصة 25% في شركة التكرير والبتروكيماويات المحدودة التي تعمل في مقاطعة فوجيان، والتي تسيطر عليها شركة التكرير الحكومية العملاقة “سينوبك”. كما وقعت “أرامكو” في تشرين الأول/ أكتوبر 2018، مذكرة تفاهم مع حكومة تشجيانغ، بهدف استثمار تبلغ قيمته 9% في “تشجيانغ للبتروكيماويات” التي تدير أكبر مصفاة منفردة في الصين بطاقة 800 ألف برميل يومياً.

كما تمتلك “سينوبك” 37,5% في “ينبع أرامكو سينوبك للتكرير”، وهي مشروع مشترك مع “أرامكو” يشغل مصفاة بطاقة 400 ألف برميل في اليوم، في منطقة ينبع.

مشروعات الكهرباء

اتفقت شركة تطوير المرافق السعودية “أكوا باور” التي يملك جزءاً منها صندوق الاستثمارات العامة السيادي، مع صندوق طريق الحرير، على الاستثمار المشترك في محطة طاقة تعمل بالغاز، بقدرة 1,5 غيغاوات في أوزبكستان مقابل مليار دولار، وهي جزء من مبادرة حزام واحد طريق واحد.

كما تقوم شركة الصين لهندسة الطاقة المملوكة للدولة، ببناء محطة طاقة شمسية، بقدرة 2,6 غيغاوات في منطقة الشعيبة في السعودية، والمملوكة أيضاً لـ “أكوا باور”.

التبادل التجاري بين السعودية والصين

بحسب اتحاد الغرف السعودية، بلغ حجم التبادل التجاري بين المملكة والصين، في الفترة 2017- 2021 1,2 تريليون ريال، ويعكس هذا النمو الهائل في حجم التبادل التجاري بين المملكة والصين، والذي بلغ 304,3 مليار ريال في سنة 2021  مقابل 221,6 مليار ريال في سنة 2020، مدى قوة الشراكة الاقتصادية بين البلدين، والذي بلغت نسبة ارتفاعه 37%. كما ارتفعت الصادرات السعودية إلى الصين نحو 59% والواردات بنسبة 12% في العام نفسه.

وتصدّر الصين للمملكة السعودية الكهربائيات، والمعدات، والآلات الثقيلة، والأثاث، والمركبات، والملابس، والبلاستيك، والحديد والصلب، ومنتجات السراميك والمطاط، ومعدات الإنشاء الجاهزة، والعديد من البضائع والسلع الأخرى، في حين يشكل النفط والصناعات الكيماوية، واللدائن ومصنوعاتها والمطاط أبرز السلع السعودية المصدرة للصين.

وقد نما حجم التبادل التجاري بين السعودية والصين بما يقارب الـ 75% منذ سنة 2017 وحتى سنة 2021، وبالتزامن مع ذلك الارتفاع الكبير، انخفض حجم التبادل التجاري بين السعودية والولايات المتحدة، خلال الفترة نفسها بنحو 17%، وذلك وفقاً لبيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودية.

موقف الولايات المتحدة

يأتي مسار العلاقات السعودية الصينية، ضمن رؤية  استراتيجية واسعة ومدروسة، تبتغي تعدد بدائل تحالفات المملكة التقليدية، التي دأبت على الاعتماد الكامل على الولايات المتحدة، إذ  تدرك الرياض جيداً أن الاكتفاء بمسار علاقة واحدة مع أحد الطرفين على حساب الآخر ستكون  له تكلفة. بناء على ذلك تعمل الرياض على تطوير علاقتها مع الصين، شريكها التجاري الأكبر، وفي الوقت نفسه تحرص على الحفاظ على علاقتها مع الولايات المتحدة، حليفها الأمني الأول. ويأتي هذا التوجه السعودي استجابة نوعية لتحول أولويات السياسة الخارجية الأميركية، بعيداً عن منطقة الشرق الأوسط بصورة ملموسة، الأمر الذي أثار قلق الرياض تجاه التزام أميركا بدورها كضامن رئيسي للأمن الإقليمي، ومواجه للتهديدات الإيرانية، كما أنّه يستجيب أيضاً بمرونة لتطور العلاقات بين بكين وطهران، الأمر منح شكل العلاقات الصينية السعودية زخماً كبيراً، ودفعها بعيداً عن التصورات الكلاسيكية، داخل حيز الاقتصاد والنفط، على الرغم من ثقل وزنهما في معادلة العلاقات المشتركة.

يقينا، لا ترغب الرياض أن تترك الصين تمتد علاقتها في منطقة الخليج نحو علاقات استراتيجية مع إيران فقط، والتي وقعت بكين معها في سنة 2022 اتفاقية شراكة استراتيجية تمتد إلى 25 عاماً. إذ تستهدف السعودية تنمية الوزن الخليجي والعربي في دائرة علاقات الصين بالمنطقة، كي تقيد من دعم بكين لإيران في السياسة الإقليمية، وخصوصاً الملف النووي.

وأخيراً، توفر العلاقة مع الصين فرصاً اقتصادية متنوعة، تخدم توجهات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي يسعى لتنويع اقتصاد المملكة، وجذب استثمارات خارجية كبيرة في مجالات البنية التحتية، والتصنيع والتكنولوجيا. وبالمثل ترغب الصين في تأمين احتياجاتها من النفط، لتأمين احتياجاتها في ظل حالة التوتر الدولي، واحتمالات تعرضها لعقوبات غربية بشأن تايوان، وفي ضوء ذلك يمكن فهم الاتفاق الذي وقعته بكين مع الدوحة، لتوريد الغاز المسال لمدة 27 عاماً.

ويبدو أنّ واشنطن لا تكترث بالنشاط الاقتصادي الصيني في السعودية، وتنحصر مخاوفها في منح الصين موضع قدم من الناحية العسكرية، أو لعب أدوار استراتيجية كبيرة. وتسعى واشنطن إلى إبقاء الاعتماد الخليجي على الولايات المتحدة فيما يخص واردات السلاح حصرياً، وخصوصاً أنظمة الصواريخ وأجهزة التجسس، وهو ما لم تجد فيه تهديداً إلى الآن، حيث تعتمد السعودية ودول الخليج على المعدات العسكرية الأميركية بشكل كبير، ذلك بأن نحو 73% من واردات السعودية العسكرية جاءت من الولايات المتحدة في الفترة من 2015- 2019. كما تتخوف الولايات المتحدة من التعاون بين الرياض وبكين في مجال الأنشطة النووية، وكذلك تثير مساهمة الصين في أعمال البنى التحتية بعض الشكوك الأميركية، خشية أن يكون لها أغراض غير معلنة.

على خلفية هذه المصالح المتشابكة، وأحياناً المتناقضة، ورغبة السعودية المتزايدة في تنويع شبكة تحالفاتها، وإثارة التناقضات بين واشنطن وبكين، يبدو  من المرجح أن تعتمد الرياض في إدارة سياستها الخارجية تجاه كل من واشنطن وبكين، على تصور تكتيكي يدنو من الاقتراب خطوة خطوة ، بمعنى تجنب الانحياز التام لأحد المعسكرين الأميركي أو الصيني، ومواصلة الحفاظ على التوازن في العلاقات بين القوتين الدوليتين. فحتى الآن لا تزال السعودية حريصة على إعادة تجديد تحالفها الأمني والعسكري مع واشنطن، وتسعى لوضع إطار اتفاق واضح يدعمه الكونغرس، ولا يخضع لتقلب توجهات إدارات البيت الأبيض، وخصوصاً أن العالم لا يزال في طور التحول والانتقال في نظامه الدولي، ولم يستقر بعد على نسق محدد. فضلاً عن كون الأفق القريب يحمل تكوينات ملتهبة تبدو قابلة للاشتعال والانفجار في أكثر من نقطة ساخنة، على غرار الصراع الروسي الأوكراني، وما استتبعه من استقطاب أوروبي خلف كييف ضد موسكو.

ولا يمكن مقارنة التعاون العسكري بين الرياض وبكين، بتعاون الأولى مع واشنطن، ففي سنة 2021 وردت واشنطن أسلحة بقيمة 1,3 مليار دولار للسعودية، بينما وردت الصين أسلحة للمملكة بقيمة 40 مليون دولار فقط، لكن أحداً لا يمكنه التنبؤ بمستقبل التعاون العسكري بين الصين والسعودية، في ضوء رغبة الأخيرة في تنويع مصادر السلاح.

في غضون ذلك، من غير المرجح أن تدفع الولايات المتحدة شركائها في الخليج والمنطقة العربية طوعاً أو كرهاً نحو الاختيار بين أحد الجانبين الأميركي أو الصيني، في مجالات ترى واشنطن أنها تمثل ميلاً حاداً ضدّ مصالحها الاستراتيجية في هيمنتها على النظام الدولي. فضلاً عن زاوية أخرى حتى اللحظة تبصر من خلالها واشنطن كون  العديد من أشكال التعاون بين تلك الدول والصين، لا تمثل تهديداً كبيراً لمصالحها، كما أن تشابك المصالح الاقتصادية وصل إلى حد لا يمكن معه تقويضها بأي حال، وكذلك فإن واشنطن تفتقد إلى القدرة على تقديم حلول أو ضمانات بديلة، في تلك اللحظة الحرجة من عمر النظام الدولي، الأمر الذي يمنح التناقضات التي بدت جلية في النظام الدولي فرصة سياسية ينبغي اقتناصها لحصد أكبر مكسب ممكن على مستوى بنية النظام الإقليمي، ونسقه الآخد في التشكل.

مجموعة بريكس

بمجرد أن ألمحت السعودية برغبتها في الانضمام الى مجموعة الدول الصاعدة (بريكس)، انطلقت ردود فعل مرحبة في عواصم الدول الأعضاء، وثارت أسئلة تكسوها الدهشة في عواصم غربية، ولا تزال تتساءل عن مصير العلاقات المتوترة بين الرياض وواشنطن.

كان ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، قد عبّر لرئيس جمهورية جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، الذي كان في زيارة للسعودية على رأس وفد ضم رجال أعمال من بلاده، عن رغبة الرياض في الانضمام لبريكس، وهو ما رحبت به الصين، ووفقاً لصحيفة “غلوبال تايمز” فإنّ مساعي الرياض في هذا الصدد، تعكس رغبة ملحة في تكريس استقلالية القرار عن واشنطن. الأمر الذي يضعف من هيمنة الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط.

انضمام السعودية الى بريكس يعني أيضاً الكثير بالنسبة للمجموعة، التي تسعى لزيادة وزنها في الاقتصاد العالمي، والانطلاق نحو دعم فكرة زيادة الاعتماد على العملات المحلية في تسوية مدفوعات التجارة المشتركة وغيرها من المبادلات في المجالات الاقتصادية مثل: السياحة والاستثمار والتمويل، رداً على قيام الولايات المتحدة باستخدام الدولار كسلاح سياسي ضد الدول التي تختلف معها.

كان الرئيس الروسي فلاديميير بوتين، قد أكد خلال المنتدى الاقتصادي لدول المجموعة، في حزيران/ يونيو 2022، عن سعي بلاده تجاه خلق عملة احتياطي دولية جديدة، بديلاً عن الدولار الأميركي، تستند على سلة عملات دول بريكس، بأوزان مختلفة تعادل وزن وقوة الدولة التي تعبر عنها.

وعلى أيّ حال، فإنّ انضمام السعودية إلى المجموعة، من شأنه أن يعزز من قيمة الريال السعودي، وهو أمر يتماهى والفكرة التي تدرسها الرياض، بشأن تسوية مبيعات النفط الى الصين باليوان الصيني، كما أن الصين أنشات بورصة لعقود النفط في شنغهاي، تلعب دوراً متزايداً في تسوية صفقات باليوان الصيني وليس بالدولار. ومن المؤكد أن دولاً أخرى من مستوردي النفط السعودي، مثل الهند سوف ترحب بهذا الاقتراح. وكل هذا من شأنه أن يضعف الطلب على الدولار، الذي يمثل عملة تسوية مدفوعات النفط، ويوجه ضربة ثقيلة له، إذا نجحت بريكس في إقامة  منطقة نقدية جديدة مستقلة عن الدولار، مثلما فعلت دول منطقة اليورو.

ومن أبرز العوامل التي تدفع الرياض تجاه الانضمام إلى بريكس، هو رغبتها في الانطلاق نحو عالم التصنيع والتكنولوجيا، وعدم الاعتماد على النفط، والانتقال من مجرد قوة نفطية عالمية، إلى قوة صناعية، ذات أهمية جيوسياسية. وخصوصاً أن معدل إسهام دول بريكس التي تضم 42% من سكان العالم في الاقتصاد العالمي، ارتفع من نسبة 8% فقط، إلى 25%، وتسهم تلك الدول بما يعادل نصف معدل النمو الاقتصادي العالمي.

وبحسب البنك الدولي، فاق الناتج المحلي الإجمالي لدول بريكس (96,1 تريليون دولار)، الناتج المحلي للولايات المتحدة (23 تريليون دولار)، والاتحاد الأوروبي (17,1 تريليون دولار). وهذا يعني أنّ السعودية (833,5 مليار دولار)، يجعل من بريكس أقوى مجموعة اقتصادية في العالم، وبالتالي فإن الأمر أكبر من مجرد فعل عدائي تجاه واشنطن، في سياق الرغبة نحو توطين الصناعات العملاقة.

العلاقات العسكرية والأمنية

بحسب صحيفتا “عرب نيوز” و”سعودي غازيت” السعوديتين، وقعت الشركة السعودية لأنظمة الاتصالات والإلكترونيات المتقدمة اتفاقاً، مع مجموعة تكنولوجيا الإلكترونيات الصينية، لتصنيع أنظمة حمولات الطائرات المسيرة في المملكة، في آذار/ مارس 2023. وذلك في إطار الشراكة الأمنية بين البلدين، في ظل مساعي السعودية لتوطين الصناعات العسكرية، بالتعاون مع الصين، والوصول إلى نسبة 50% من التصنيع المحلي لاحتياجات الجيش السعودي بحلول 2030، بالتزامن مع تقارير غربية، تتهم بكين بتطوير قدرة الرياض على تصنيع صواريخ باليستية. وهذا الأمر تحدثت عنه تقارير استخباراتية أميركية، في كانون الأول/ ديسمبر 2021.

وقالت شبكة “سي إن إن ” الإخبارية الأميركية، قالت إن صوراً التقطتها أقمار صناعية، بالإضافة إلى تقييمات استخباراتية أميركية أظهرت أن الرياض “بنت منشآت لتصنيع الصواريخ الباليستية بمساعدة الصين”، إن وكالة الاستخبارات الأميركية، أكدت قيام المملكة بتصنيع الصواريخ الباليستية، بالتعاون مع الصين.

الصين بدورها لم تنف الأمر أو تؤكده، واكتفى المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية على التقارير الأميركية، بالقول إن البلدين “شريكان استراتيجيان، ويحافظان على تعاون ودّي في جميع المجالات، بما في ذلك مجال التجارة العسكرية”. مضيفاً: “هذا التعاون لا ينتهك أيّ قانون دولي، ولا ينطوي على انتشار أسلحة الدمار الشامل”. وفي يناير/ كانون الثاني 2023، جرى لقاء بين نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، ووزير الدفاع الصيني وي فونغ خه، استعرضا خلاله “العلاقات الثنائية بين البلدين، تحديداً في المجالين الدفاعي والعسكري.” كما تمّ التعاقد مع شركة “نورينكو” الصينية، بقيمة إجمالية تتجاوز 430 مليون ريال، لتأمين ذخائر متنوعة لمصلحة الإدارة العامة للأسلحة.

وكانت المملكة السعودية اشترت في سنة 2014، عدداً قليلاً من الطائرات من دون طيار الصينية من طراز “CH-4” ثم اشترت نحو 15 طائرة من دون طيار من طراز “Wing Loong II”، كما أبدت اهتمامها بشراء 285 طائرة أخرى.