التطبيع بين مصر وإيران قفزة إلى الأمام أم توقف أمام العثرات؟

تقارير متعددة فجرت مفاجأة جديدة في مسار تطبيع العلاقات العربية الإيرانية، آخرها تسريبات عن استضافة العراق في منتصف آذار/ مارس الفائت، مباحثات مصرية إيرانية لاستئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة، فضلاً عن استعدادات تجري من أجل الإعداد للقاء بين الرئيسين عبد الفتاح السيسي وإبراهيم رئيسي.

عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني فداح حسين مالكي، قال إن “المفاوضات بين إيران ومصر جارية في العراق، وسنشهد إعادة العلاقات الإيرانية المصرية في المستقبل القريب.” كما توقع اعادة فتح السفارات بين البلدين، ولفت إلى أن الخطوة التالية ربما تكون عقد لقاء قمة بين السيسي ورئيسي. كذلك أكد أن “إعادة بناء العلاقات بين إيران ومصر أمر في غاية الأهمية، لأنّ مصر من أقدم الدول وأكثرها حضارة في المنطقة والعالم. لذلك، تتمتع مصر بأهمية كبيرة، وهي ذات قيمة عالية مقارنة بالدول الأخرى.”

وتأتي المفاوضات في أعقاب مساعي إيرانية واسعة لإعادة العلاقات مع الدول العربية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ومصر والأردن.

وبحسب صحيفة “ذي ناشينال نيوز”، فإنه بعد ثلاثة أيام فقط من إعلان اتفاق إعادة العلاقات الدبلوماسية مع المملكة العربية السعودية، أبدت طهران رغبة في تحسين العلاقات مع مصر. وقال ناصر كنعاني المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إن مصر دولة مهمة في المنطقة، وما تحتاجه المنطقة هو التآزر بين البلدين.

جدير بالذكر أن العلاقات المصرية الإيرانية قُطعت منذ سنة 1980، في أعقاب استضافة القاهرة للشاه المخلوع، لكنّها استؤنفت جزئياً بعد 11 عاماً، في عهد الرئيس الراحل مبارك، على مستوى القائم بالأعمال وليس على مستوى السفارات، وشهدت العلاقات تحسناً ملحوظاً في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي، وبلغت ذروتها بزيارة الرئيس الإيراني السابق أحمد نجادي إلى القاهرة، في شباط/ فبراير 2013.

ويمكن تفسير هذا التحول الاستراتيجي في ضوء ثلاثة سيناريوهات، تستشرف مستقبل المفاوضات الجارية بين القاهرة وطهران:

1 - عودة العلاقات تحت وطأة الضغط الاقتصادي

تعاني مصر أزمة اقتصادية هائلة، وعجزاً كبيراً في موارد الغلال بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وبالتالي فإن إيران تبدو مصدراً مهماً من مصادر الغذاء، حيث تنتج إيران نحو 120 مليون طن من المحاصيل الزراعية والبستنة سنوياً، وتحتل المرتبة الثامنة على مستوى العالم في هذا المجال، كما يمكن لمصر الاستفادة من التحالفات الزراعية التي تنتهجها إيران خارج حدودها، فعلى سبيل المثال استصلحت إيران نحو 100 ألف هكتار من الأراضي الزراعية في جمهورية باشكورستان الروسية. كما تقوم إيران باستصلاح وزراعة مساحات واسعة من الأراضي في أفغانستان وكازاخستان وأوكرانيا وغانا وأذربيجان ودول أخرى.

وعليه قد تستطيع القاهرة جذب الاستثمارات الإيرانية في المجال الزراعي، والاستفادة كذلك من فائض الغلال الزراعية الإيرانية. لكن هذا التطبيع الاقتصادي الكامل، ربما يتوقف على عدة شروط موضوعية تحاول القاهرة من خلالها عدم الوقوع في أيّ تناقضات سياسية، بين مواقفها المعلنة، والقائمة عل رفض التدخل الإيراني في شئون الدول العربية، وخصوصاً سورية واليمن، وبين ما هو قائم بالفعل على أرض الواقع، ويبدو الأمر مرتهن إلى حد ما بتحركات إيجابية إيرانية في هذا الإطار.

يمكن للقاهرة كذلك الاستفادة من السياحة الدينية الإيرانية، والتي على الرغم حساسية الملف، فإن المزارات الشيعية في مصر، يمكن لها أن تكون رافداً مهماً للاقتصاد المصري، في حال وضع الضوابط اللازمة مع الحكومة الإيرانية، والتي تقوم على مراعاة المزاج الشعبي العام في مصر، والذي يميل إلى تقديس آل البيت، لكنّه ينفر من الممارسات الطقسية العنيفة كاللطميات والتطبير وخلافه.

ويرتبط هذا السيناريو إلى حد كبير، بمدى التقدم في ملف الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران، والذي تحرص القاهرة فيه، كشريك استراتيجي للولايات المتحدة، على مراعاة بعض الضوابط المعيارية في العلاقات داخل التحالفات الاستراتيجية، كما يرتبط بمدى التقدم في ملف التطبيع بين الرياض وطهران، ومساحة الاستيعاب الإماراتية لهكذا تحول، وحساب عوامل المكسب والخسارة بشكل عام.

بالنسبة لطهران، فإن هذا السيناريو قادر على رفع العزلة عنها، وانفتاحها على البلد السني الكبير، حيث الأزهر والعتبات المقدسة لآل البيت في الوقت نفسه، كما أن ذلك التطور الاستراتيجي بإمكانه رفع الضغط عن إيران، بمهادنة أكبر جيش عربي سني في المنطقة، لطالما أعلن أنه يحمي الخليج من أي هجوم إيراني، وكذلك فإن تطبيع العلاقات مع القاهرة، يفقد واشنطن أهم أوراقها في الشرق الأوسط.

2 - تطور بطيئ ومفاوضات طويلة

بعيداً عن التحالفات الاستراتيجية، وموازيين القوى الفاعلة في الشرق الأوسط، تقف عدة عقبات إجرائية أمام تطور العلاقات بين مصر وإيران، أبرزها وجود شارع رئيسي في طهران، يحمل اسم قاتل الرئيس السادات، خالد الإسلامبولي، وكذلك اهتمام طهران بمبدأ تصدير الثورة، والسعي تجاه نشر التشيع في مصر، فضلاً عن ارتباطات طهران الإقليمية بحزب الله في لبنان، وحركة حماس في غزة، والنظام الحاكم في إثيوبيا.

ربما يدفع ذلك إلى إطالة فترة المباحثات، وبطء التحول نحو تحقيق شراكات اقتصادية وتفاهمات سياسية بعينها، ولكن قد يتخلل ذلك حدوث ارتفاع ملحوظ في الميزان التجاري بين البلدين.

وجدير بالذكر أنه على الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية، إلّا أن الصادرات الايرانية لمصر زادت خلال الفترة من أيلول/ سبتمبر 2022، إلى آذار/ مارس 2023، من 26 مليون دولار إلى 133 مليون دولار، كما أن واردات إيران من مصر خلال الفترة نفسها، بلغت نحو 40 مليون دولار.

ويرتبط سيناريو جمود المباحثات كذلك وطول وقتها، بعدم وجود تطور إيجابي في الملف اليمني الذي يتصل بشكل مباشر بالعلاقات السعودية الإيرانية، ذلك بأن التحالف الضمني بين القاهرة والرياض، يفترض التنسيق فيما بين البلدين، قبل الانخراط في اتخاذ مواقف أحادية، في ملف شديد الحساسية كالملف الإيراني. وقد يُفهم من الزيارة التي قام بها الرئيس السيسي إلى السعودية، في أعقاب الإعلان عن الاتفاق الإيراني السعودي، أن هناك تنسيقاً بين البلدين فيما يتعلق بملف العلاقات العربية الإيرانية بشكل عام.

يتصل الجمود كذلك بطبيعة عام الانتخابات الأميركية الذي اقترب (2024)، والذي يتزامن مع عام الانتخابات الرئاسية في مصر، وكذلك بمستقبل النظام الإيراني، في أعقاب الاحتجاجات الأخيرة، والضغط الشعبي على النظام.

3 - فشل المباحثات والعودة إلى نقطة الصفر

ويخضع هذا السيناريو لعدة معطيات، يتصل بعضها بأطر السياسة الأميركية، ومدى اتساع هامش المناورة لدى القاهرة، للدخول في علاقات فاعلة مع طهران، كما يتصل بارتفاع مستويات الضغط السياسي التي تمارسها إيران في المنطقة من خلال أذراعها العسكرية في اليمن وسورية ولبنان وربما العراق كذلك.

وقد يرتبط ذلك بالتغييرات في الداخل الإيراني، ولا سيما بعد أن أقالت إيران علي شمخاني، المدير التنفيذي لمشروع التقارب الإيراني مع الدول العربية، وهو الشخصية الأقرب إلى فهم المزاج العربي، بحكم إجادته للعربية، وصلاته القوية بالخليج، وهو كذلك ابن منطقة الأحواز، ببعدها العروبي.

وربما يرتبط الأمر كذلك بنتائج الحملة الروسية على أوكرانيا، ففي حالة فشل روسيا في حسم الحرب، وحدوث أيّ تطور درامي قد ينتهي بخروج الرئيس بوتين من المسرح السياسي، ربما يؤدي ذلك إلى إحكام الحصار الدولي على إيران، بوصفها الحليف الاستراتيجي لروسيا، وكل ذلك قد يؤدي إلى تراجع السياسة الإيرانية إلى داخل حدودها، ومحاولة امتصاص الصدمة.