خيارا دمشق: المال والحاضنة العربية والحل الأمني التركي

أظهرت التصريحات السياسية القادمة من الرياض، بعد أيام قليلة من المصالحة السعودية الإيرانية، نية المملكة إعادة علاقاتها الدبلوماسية مع النظام السوري وإعادة فتح قنصليتها في دمشق، بالتزامن أيضاً مع لقاء تم على مستوى نواب وزراء خارجية تركيا وسورية في موسكو، مطلع شهر نيسان / أبريل، برعاية روسية – إيرانية، الأمر الذي يعني أن أبواب التطبيع العربي والإقليمي مع النظام السوري قد فتحت على مصراعيها وسط انتقادات سياسية خجولة من قبل المعسكر الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية والداعي لعدم التطبيع مع النظام السوري.

ويرى محللون سياسيون أن النظام السوري بات اليوم أمام تحد كبير، فعلى الرغم من أن التطبيع وإعادة العلاقات الدبلوماسية مع الدول العربية وجارته الشمالية تركيا تصب في مصلحته وتعيد تعويمه على الساحتين العربية والإقليمية، إلا أن خياراته تنحصر في الحل الأمني المرتبط بشكل مباشر مع إعادة تطبيع علاقاته مع تركيا التي تسيطر بشكل كبير على مناطق نفوذ المعارضة السورية شمال غرب البلاد، والمال والحضانة العربيين الذين سيساهمان بشكل كبير في إعادة أعمار سورية تحت سلطته ونفوذه، بعيداً عن شبح العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة عليه.

خياران أمام دمشق

يرى الكاتب السوري عبد الكريم الخطيب في تصريح إلى موقع “التقرير العربي” أن النظام السوري يسعى اليوم أكثر من أي وقت مضى للعودة إلى حاضنته العربية، مستغلاً التقارب السعودي – الإيراني الذي سوف ينعكس عليه بشكل إيجابي، ويواجه في الوقت ذاته ضغوط سياسية روسية لإعادة علاقاته مع تركيا، الأمر الذي يضعه أمام خيارين لا ثالث لهما:

1- رضوخ النظام السوري للضغوط الروسية والمشاركة بشكل فعلي في المفاوضات مع تركيا لرسم خريطة جديدة من التفاهمات السياسية والأمنية بين تركيا والنظام السوري من دون وضع شروط مسبقة على الجانب التركي، وبالتالي اضطراره لتقديم تنازلات كبيرة بشأن آلية مشاركة حلفاء تركيا في المعارضة السورية في الحكم في المرحلة المقبلة، وكذلك الموافقة على تعديل بعض الاتفاقيات الأمنية مع تركيا، ومن بينها اتفاقية أضنة، بما يعطي تركيا صلاحيات أمنية واسعة، ويمكنها من الإبقاء على قواعدها العسكرية شمال غرب سورية، بشكل قانوني.

2- حاجة النظام السوري إلى إعادة علاقاته السياسية والدبلوماسية مع المملكة العربية السعودية ومن خلفها الدول العربية، والتي قد تدفع النظام السوري إلى تقديم العديد من التنازلات السياسية أيضاً، إذ إن أي مبادرة عربية للحل السياسي، قد تتطرق بشكل مباشر إلى شكل الحكم وانخراط المعارضة السورية في الحكم ومؤسسات الدولة السورية الأمنية والعسكرية، كثمن لشروع الدول العربية وعلى رأسها الخليجية في إعادة أعمار سورية بعيداً عن شبح العقوبات الأميركية والأوروبية.

ويرى الكاتب أنه على النظام السوري الإسراع في حسم أولوياته من التطبيع مع الدول العربية واختياره المال العربي وعودته إلى حاضنته العربية وتقديمه تنازلات تضمن عودته إلى الجامعة العربية، والمباشرة في إعادة الإعمار، أو اختيار الحل الأمني مع تركيا الذي قد ينتج عنه حل الصراع العسكري المتواصل منذ أكثر من 10 سنوات مع معارضي النظام، والذي ينحصر في المناطق الحدودية مع تركيا.

التطبيع حاجة عربية

الكاتب والباحث السوري وائل علون يعتبر في تصريح إلى موقع “التقرير العربي” أن التطبيع مع النظام السوري هو حاجة سعودية وعربية أيضاً، للأسباب التالي:

1- عودة المملكة العربية السعودية ومن خلفها الدول العربية للعب دورها الإقليمي في التوصل إلى حل سياسي في سورية ضمن إطار الجامعة العربية يرضي جميع الأطراف الدولية والإقليمية.

2- الحد من النفوذ الإيراني المتنامي في سورية عبر إعادة دمشق إلى حاضنتها العربية وتقليص نفوذ إيران التي باتت تسيطر على معظم مؤسسات الدولة السورية ولا سيما العسكرية والأمنية.

3- حل مشكلة اللاجئين السوريين في عدد من الدول العربية، والذين أصبحوا عبئاً على تلك الدول التي تعاني أزمات اقتصادية.

4- الحد من المخاوف الأمنية التي تعيشها بعض الدول العربية جراء التهديدات الأمنية القادمة من سورية، والتي تتمثل في تهريب الأسلحة والمخدرات إلى الدول العربية وعلى رأسها الأردن والمملكة العربية السعودية.

وحاجة تركية

علوان يرى أن أنقرة بحاجة أيضاً إلى إعادة تطبيع علاقاتها مع النظام السوري، وخصوصاً أنها تعيش مرحلة سباق انتخابات الرئاسية في منتصف أيار / مايو المقبل، وتحتاج حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى كسب المزيد من أصوات الناخبين الأتراك عبر حل مشكلة اللاجئين السوريين في تركيا وإعادتهم إلى سورية، وأولاُ وثانياً، تحقيق مكاسب أمنية وسياسية، منها:

1- تعديل اتفاقية أضنة الأمنية والتي تسمح للقوات العسكرية التركية بالدخول إلى سورية لمكافحة المخاطر الأمنية التي تتعلق بالأمن القومي التركي. وتسعى الدولة التركية من تعديل تلك الاتفاقية للإبقاء على قواتها وقواعدها العسكرية في شمال غرب سورية بشكل قانوني تحت مظلة الأمم المتحدة.

2- مساهمة قوات النظام السوري في محاربة تنظيم وحدات حماية الشعب (YPG) الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني (PKK) المصنف على قوائم الإرهاب التركية، والذي يشكل مخاوف أمنية لتركيا على حدودها الجنوبية.

3- حل ملف عودة اللاجئين السوريين في تركيا والمتمثل في 4,5 ملايين لاجئ سوري مقيم تحت بند الحماية المؤقتة، وضمان عودتهم بشكل آمن إلى سورية.

4- سعي تركيا لانخراط المعارضة السورية الحليفة لها في أي حل سياسي في سورية، بما يضمن مصالحها السياسية ونفوذها في مؤسسات الدولة السورية.

 

إقرأ المزيد عن سورية في تقرير سورية الشهري