اتفاق السعودية وإيران يُباغت الجميع في لبنان

خلط الاتفاق الإيراني السعودي الذي وُقع في العاصمة الصينية بكين وبرعايتها، الأوراق في المنطقة. فطالت تأثيراته جميع الدول التي تسيطر عليها الميليشيات الإيرانية مثل اليمن والعراق وسورية ولبنان. وتأثير هذا الاتفاق، ولو أنه أعطى لنفسه فترة سماح تمتدّ إلى شهرين، بدا واضحاً في لبنان.

صدمة لدى حزب الله

أحدث الاتفاق صدمة لدى “حزب الله”، الذراع الإيرانية في لبنان. فقبل أيام قليلة من الإعلان عن الاتفاق، كان الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله يدعو اللبنانيين في خطاب متلفز، إلى إنتخاب مرشحه الرئاسي سليمان فرنجية، وعدم التعويل على الحوار الإيراني السعودي لأنّه “سيطول كثيراً”، فأتى الاتفاق بعد هذا الكلام بأيام، واضعاً نصرالله أمام إحتمالين:

1 – أنه غير مطلع عمّا كان يدور في بكين، وهذا ما يدحض ما كان نصرالله يتغنى به لسنوات عن تنسيق حزبه العميق مع القيادة الإيرانية.

2 – أن ترشيح فرنجية كان متسرعاً مستبقاً صاحب العلاقة نفسه، وأقرب إلى “محاولة إلتفاف” على أي ترتيب إيراني سعودي مفترض.

كلتا الحالتين تضعان الحزب في موقف حرج.

وصدمة لحلفاء المملكة

الاتفاق أحدث صدمة أيضاً، لدى الجهة المقابلة، وتحديداً لدى حلفاء المملكة العربية السعودية في لبنان، مثل حزب القوات اللبنانية وبعض النواب المستقلين من الطائفة السنية، فأمسوا يترقبون تحركات المملكة بعد الاتفاق، ليبنوا مواقفهم السياسية ويحددون على وقعه، خياراتهم من الفراغ الرئاسي ومن مسألة السير بترشيح فرنجية من عدمه.

باسيل وجنبلاط

في المقابل، أعطى هذا الاتفاق جرعة قوية لجماعة “الخطة ب”، التي تطالب بالذهاب إلى مرشح رئاسي من خارج اصطفافات المعارضة (النائب ميشال معوض) أو اصطفافات محور الممانعة (الوزير سليمان فرنجية).

من بين هؤلاء رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل الذي يلتزم الصمت منذ إعلان “حزب الله” عن ترشيح فرنجية، وكذلك الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي أوجد لنفسه هامش تحرك أوسع بعد هذا الاتفاق، فأصبح قادراً على فرض وجهة نظره الداعية إلى تبني ترشيح رئيس “محايد” و”توافقي” لا مرشح “تحد” لأي طرف لبناني.

ترنح مرشح الثنائي

بات من شبه المؤكد أن الاتفاق أبعد سليمان  فرنجية، مرشح ثنائي “حزب الله” و”حركة أمل”، خطوات إضافية عن كرسي الرئاسة، وخصوصاً أن ترشيحه من قبل الثنائي المذكور قد سبق إعلان ترشيحه لنفسه (يؤجل موعد ترشيحه منذ نحو أسبوعين وغير معلوم إن كان سيعلنه أم لا)، كما استبق ترشيح الثنائي لفرنجية، الاعلان عن الاتفاق الإيراني السعودي نفسه في بكين.

هامش لتحرك سعودي

الاتفاق منح المملكة العربية السعودية هامش تحرك إضافي على الخارطة اللبنانية، فبدأت من بعد التوقيع عليه في المجاهرة صراحة بمواصفات الرئيس اللبناني، الذي تطمح إلى أن تراه في بعبدا، فارضة المواصفات التي تراها مناسبة لهذا “المرشح المفترض” على فرنسا وعلى بقية الدول الغربية المهتمة في شأن اللبناني، وخصوصاً أن السعودية هي الجهة الأكثر ملاءة مالياً، وبالتالي أكثر قدرة على مساعدة لبنان من أجل الخروج من مأزقه الاقتصادي، وهذا ما تعوّل عليه جميع الأطراف اللبنانية ويدفعها إلى البحث عن الرضى السعودي.

مواجهة محتملة مع إسرائيل

لكن الاتفاق عزّز أيضاً من احتمالات دخول لبنان بمواجهة عسكرية جديدة مع إسرائيل على الجبهة الجنوبية، ولا سيما أن المعارضة الإسرائيلية اعتبرت أن إهمال رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو هذا الملف وانغماسه في الملفات الداخلية التي تخص السلطة القضائية في إسرائيل، فتح ثغرة استطاعت أن تُبعد الرياض عن التلاقي مع تل أبيب بالملف الإيراني، وبالتالي تتسبّب بتلاقيها مع طهران. وهذا ما يفسّر الاتهامات التي وجّهتها حكومة نتنياهو إلى “حزب الله”، الملتزم بالصمت، بعد “عملية مجدّو” في شمال فلسطين المحتلة.

الأمان مرهون بالسعودية

كل هذا يعطي إشارات إلى أن احتمالات عبور لبنان إلى بر الأمان الاقتصادي رهن تنفيذ مطالب المملكة العربية السعودية. أما إن رفض “حزب الله” وحلفاؤه ذلك، فإن الفراغ الرئاسي قد يطول، والأزمة الاقتصادية في لبنان ستتعمق، لا سيما أن “حزب الله” وحلفاءه لا يملكون الأكثرية البسيطة المطلوبة من أجل إيصال مرشحهم (فرنجية) إلى كرسي بعبدا في حال رفضت السعودية أو حتى غضت الطرف عن ذلك.

اقرء المزيد عن إعادة العلاقات بين السعودية وإيران في تقدير الموقف: ارتياح في بغداد التي مهدت للمصالحة السعودية الإيرانية