ثلاثة سيناريوهات لأزمة العلاقات المصرية السعودية

تفيد تقارير وتسريبات متعددة بأن مجلس الشورى العام لجماعة الإخوان المسلمين، ومجلس الشورى الدولي التابع لها، والهيئات التنفيذية بجبهة لندن، استقر لديها جميعاً، اختيار القيادي التاريخي للجماعة الدكتور صلاح عبد الحق، نائباً للمرشد وقائماً بأعمال المرشد العام، خلفاً للراحل إبراهيم منير، وأكدت التقارير أن هذه الخطوة سوف تُعلن رسمياً في الفترة المقبلة.

ونقل موقع “عربي 21” عن مصدر مسؤول في جماعة الإخوان المسلمين، أنّ هناك توافقاً وترحيباً بين قيادات الجماعة بهذه الخطوة، نافياً بشكل قاطع ما تم تداوله من أنباء أشارت إلى وجود خلافات داخلية حادة بهذا الشأن.

ومن المقرر أن تُعلن جبهة لندن قريباً القرار رسمياً في وسائل الإعلام من العاصمة البريطانية، حيث يقيم عبد الحق، ما لم تحدث مفاجآت غير متوقعة.

التاريخ وحده لا يشفع

وصلاح عبد الحق طبيب ينتمي إلى عائلة أرستقراطية، ويُعد أحد القادة التاريخيين للإخوان المسلمين، وأحد رفاق سيد قطب، وكان قد سُجن معه في القضية المعروفة باسم “تنظيم 1965”.

التحق عبد الحق بجماعة الإخوان المسلمين في خمسينيات القرن الماضي، عندما كان طالباً في المرحلة الثانوية. وهو عضو في مجلس الشورى العام للجماعة، ومجلس الشورى الدولي، وتقلّد العديد من المناصب الإدارية في الجماعة داخل وخارج مصر.

في تسعينيات القرن الماضي، كلفه مكتب الإرشاد الإخواني بالسفر خارج البلاد، والعمل في الهيئة التعليمية الدولية التابعة للجماعة، وتولى منصب رئيس الهيئة التعليمية الدولية التابعة للإخوان المسلمين، لأكثر من 15 عاماً.

في 31 كانون الثاني / يناير الماضي، كشفت مصادر داخل جماعة الإخوان المسلمين، أن مجلس الشورى العام انتخب هيئة إدارية عليا لإدارة شؤون الجماعة لدورة انتخابية جديدة. ومن أبرز الشخصيات التي تم انتخابها للدورة الجديدة المهندس محمد البحيري، والدكتور محي الدين الزايط، والدكتور حلمي الجزار، والناطق الإعلامي صهيب عبد المقصود. وهي كلها أسماء كانت تضع منصب نائب المرشد هدفاً صريحاً لها، الأمر الذي طرح آنذاك تكهنات عن وجود خلافات حادة داخل جبهة لندن، تتعلق بإعلان اسم القائم بالأعمال الجديد.

المصادر أكدت في ذلك الوقت أن تعيين المرشد العام بالوكالة، سوف يُعلن بعد وقت قصير من استكمال الإجراءات الإدارية المتعلقة بهذا الأمر. وكانت الجماعة أعلنت في 4 تشرين الثاني / فمبر الماضي، أن نائب رئيس الهيئة الإدارية العليا لإدارة شؤون الجماعة، محي الدين الزايط، أصبح المرشد العام المؤقت بالوكالة، بعد وفاة نائب المرشد إبراهيم منير.

وجدير بالذكر أنّه في أعقاب بعد وفاة منير، أعلن فصيل إسطنبول أن محمود حسين هو المرشد الجديد بالوكالة. ويبدو أنّه من المستبعد تسوية الخلاف الداخلي بين معسكرات الإخوان المسلمين الثلاثة.

وعلى الرغم من تزايد التقارير، التي تؤكد أن جبهة لندن حسمت قرارها باختيار صلاح عبد الحق، وعلى الرغم من أن الجبهة لم تنف هذه الأنباء، لكن تأخر الإعلان يؤكد أن الجبهة لم تحسم الخلافات الداخلية بعد، وأن هناك قاعدة عريضة ترفض أن يكون اختيار نائب المرشد والقائم بالأعمال، يعود إلى تاريخ الشخص فقط، في ظل منافسة قوية من حلمي الجزار ومحمد البحيري.

منافسة محمومة

يتمتع حلمي الجزار بشعبية واسعة، وخصوصاً بين شباب الإخوان الذين يرفضون تعيين صلاح عبد الحق لتقدمه في السن، ولضعف قدراته الإدارية، وأسلوبه الكلاسيكي في الفكر والإدارة. وتشير تقارير إلى أن الشباب أصيبوا بالفعل بإحباط شديد في أعقاب الكشف عن وصية إبراهيم منير التي طالب فيها أن يخلفه صلاح عبد الحق.

ويبدو اختيار منير لعبد الحق متسقاً مع تفكير القائم بالأعمال الراحل، لاعتباره أن التحولات الحادة قد تتطلب اختيار شخصية تاريخية، يقتنع بها القادة في السجون، وكذلك القواعد الشعبية، وهو منطق، وإن كان يتفق مع أفكار إبراهيم منير ومجموعته، لكنّه يفتقد لقراءة نوعية للواقع، فالتحولات ليست خارج التنظيم وحسب، ذلك بأن الجماعة تشهد سيولة تنظيمية عنيفة، قد تطيح بمستقبلها، في ظل الضغط الذي تمارسه جبهة اسطنبول، والعنف الراديكالي الذي تنتهجه جبهة التغيير (الكماليون)، والذي ربما تدفع ثمنه جبهة لندن، إن لم تسارع إلى إتخاذ إجراءات إصلاحية، تضعها في إطار مغاير عن الجبهات الأخرى، قبل أن تتمكن من إعادة تدوير الأوعية المالية، والبحث عن مسارات آمنة لها، وكل هذا يتطلب وجود قيادة شابة، أو على الأقل غير طاعنة في السن مثل صلاح عبد الحق (78 عاماً).

ويُعَد القيادي الإخواني محمد البحيري، الرقم الثاني في المعادلة، والذي يتمتع بشعبية كبيرة في الخارج، ويدعمه علي العوضي ومجموعة ألمانيا، وكذلك مجموعة البوسنة بقيادة حسين الشرقاوي، كما أن البعض يرى فيه أملاً لتحقيق التطوير المنشود، إذ إنه يعد أكثر انفتاحاً وقدرة على إنجاز تغييرات حادة في هيكل الجماعة، وكذلك تطوير لائحتها الخاصة، وفقاً لما تحتاجه عملية الإصلاح الملّحة، والتي لا يمكن أن تنجزها شخصية بسمات صلاح عبد الحق.

وعلى الرغم من الخلافات التي تتصاعد، إلّا أن تقديرات الموقف تشير إلى أن التوافق داخل جبهة لندن على اختيار صلاح عبد الحق هو الأرجح، ذلك بأن قيادات الجبهة لا تميل، بشكل ما، إلى إجراء إصلاحات جذرية داخل التنظيم، وترفض أي تغييرات كبيرة في لوائحها الخاصّة، حيث يهمن نسق النمط التنظيمي التقليدي على بنيتها الذهنية، الأمر الذي قد يؤدي إلى حدوث انشقاقات تنظيمية فردية، وهو ما قد يترتب عليه ظهور جبهة رابعة داخل الجماعة.

الأفول الإخواني

يمكن القول إن إبراهيم منير قاد التنظيم وسط أنواء عاصفة، تزامنت مع انهيار الجماعة كلياً في مصر، وحظرها بشكل عنيف في دول الخليج العربي، وسقوط أذرعها الحاكمة في السودان وتونس والمغرب، وكذلك الضغط الكبير على مكاتبها في أنحاء أوروبا، وخصوصاً في فرنسا والنمسا.

وكان إبراهيم منير خاض، في سنة 2016، معركة داخل أروقة البرلمان البريطاني، ونجح في منع حظر جماعة الإخوان المسلمين، أو تصنيفها ككيان إرهابي في المملكة المتحدة، عبر تعامله مع الأمر ببراغماتية شديدة، لدرجة أنّه زعم أمام لجنة برلمانية بريطانية أن قوانين الشريعة تتسامح مع المرتدين والمثليين. كما نجح إلى حد كبير في إحتواء تمرد محمود حسين وجبهة اسطنبول، وكبح جماح جبهة الكماليين، التي أصدرت ميثاقاً ثورياً خلال أول اجتماع رسمي لها في العاصمة الثانية لتركيا.

وعلى ما يبدو، جاءت وفاة إبراهيم منير إيذاناً بانفراط عقد التنظيم الذي لم يعرف تاريخه هذا النوع من الانشقاقات العنيفة، في ظال غياب مفاهيم البيعة والولاء والبراء الكفيلة باحتواء الخلافات التي تصاعدت إلى نحو يهدد مصير الجماعة بأكملها.

يمكن القول إنه في حال إعلان التوافق الضمني على اختيار صلاح عبد الحق، فإن الجماعة سوف تواجه خريفاً متوقعاً، تكتنفه كل عوامل الذبول والجمود، ذلك بأن الراهن لا يمكن أن يستجيب لحالة (التحوصل) المتوقعة، في ظل قيادة عبد الحق ومجموعته. كما أن شباب الإخوان في السجون، وكذلك القواعد الكامنة التي طال سباتها داخل حواضن لم تعد مهيأة، لن تطيق صبراً مع جمود جديد، يعصف به الانقسام الداخلي المكتوم، الأمر الذي يطرح عدة خيارات، أقربها حدوث انقلاب ناعم على صلاح عبد الحق، يستنزف البقية الباقية من الجبهة المثخنة بالمشكلات، أو ظهور جبهة رابعة على أنقاض الجماعة.