"حزب الله" الممسك بخيوط اللعبة

على الرغم من الاعتراضات على انعقاد جلسة مجلس الوزراء للحكومة المستقيلة، وعلى الرغم من صدور بيان عن 9 وزراء يرفضون حضور جلسة الحكومة، عُقدت الجلسة صباح يوم الإثنين 5 كانون الأول / ديسمبر، واتخذت قرارات وصفها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بـ “الضرورية”، لأن بعض بنود جدول أعمال الجلسة يتعلق بحياة المواطنين اللبنانيين، وخصوصاً الشؤون المتعلقة بالمستلزمات الطبية لمرضى غسيل الكلى والسرطان، وأخرى تخص هيئة أوجيرو واستمرار خدمة الأنترنت.

هذه الجلسة، سدَّدت ضربات ووجهت رسائل سياسية عدّة في البلاد. المُسدِّد هو “حزب الله”، بينما الجهة المستقبِلة للرسائل والمتلقية للضربات فكانت متنوعة، تبدأ من معظم الأحزاب المسيحية الرافضة للجلسة، ثم تمر بالبطريركية المارونية، لتصل إلى حليف الحزب الرئيس السابق ميشال عون وحزبه “التيار الوطني الحر”، وضمناً الوزير جبران باسيل على وجه الخصوص.

ما الذي يخبرنا به عقد تلك الجلسة؟

  1. أكد عقد الجلسة، أنّ “حزب الله” هو الطرف الأوحد على الساحة اللبنانية، الذي يمسك بخيوط اللعبة السياسية كاملة. فمن جهة يُبدّد نصاب جلسات مجلس النواب المخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية لعدم “التوافق” على المرشح الذي يختاره (سليمان فرنجية)، ومن جهة أخرى يؤمّن النصاب لجلسة مجلس الوزراء التي يرفضها أغلب المسيحيين (بمن فيهم حليفه التيار الوطني الحر) من باب الحرص على صلاحيات رئيس الجمهورية أو من باب التأكيد أن الأولوية اليوم هي لإنجاز الاستحقاق الرئاسي.
  2. استطاع “حزب الله” أن يخفف عن نفسه الضغوط التي تُمارس ضده نتيجة تعطيل جلسات انتخاب الرئيس واستمرار الفراغ. فهذه الجلسة أرست “سابقة” كانت مرفوضة من قبل، إذ كان اجتماع الحكومة المستقيلة بمنزلة حُرم يفرضه المسيحيون بسبب ما يعتبرونه حرصاً على صلاحيات الرئيس الغائب. وبالتالي، من المؤكد أن جلسات حكومية أخرى إضافية ستتوالى مستقبلاً تحت مسميات “الضرورة”، على الرغم معارضة ميشال عون و”التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” والبطريركية المارونية لتلك الجلسات. وبذلك سيكسب “حزب الله” في فصل الاستحقاق الرئاسي عن باقي الاستحقاقات، وستُباشر الحكومة اتخاذ القرارات تباعاً، كما سوف يستأنف البرلمان التشريع، بمعزل عن الفراغ الرئاسي المعلّق، وهذا ما أمر يهمّ الحزب في هذا التوقيت.
  3. حيّد “حزب الله” نفسه، ووضع حليفه الوزير جبران باسيل في مواجهة اللبنانيين وبعض الأحزاب السياسية المؤيدة لانعقاد الجلسة. وصوّر المعركة على أنها إنتصار لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وللأحزاب، على باسيل. وبالتالي، استطاع “حزب الله” أن يوحي، ونجح في إيحائه طبعاً، بأن الأزمة ليست أزمة فراغ أو تعطيل لانتخاب رئيس للبلاد، وإنما خلاف سياسي بين جهة تريد اتخاذ قرارات حكومية، وأُخرى ترفض ذلك من أجل صون الصلاحيات ولو كان ذلك على حساب صحّة اللبنانيين (مرضى السرطان من كل الجهات: مسلمون ومسيحيون وشيعة من حزب الله وغيره)، ومصالحهم.
  4. سدّد “حزب الله” ضربة لباسيل رداً على البيان الذي صدر مساء الأحد ويعلن فيه 9 وزراء في الحكومة (الثلث المعطل) مقاطعتهم الجلسة. وأثبت الحزب أن الوزراء الذين اختارهم باسيل بنفسه لتولي حقائب وزارية في الحكومة لم يستمعوا إليه في دعوات المقاطعة، وأن البيان، فشل في ثني بعضهم عن الاستجابة، وخصوصاً أن بعض هؤلاء الوزراء من ضمن تكتل باسيل الانتخابي (حزب الطاشناق الأرمني)، وهذا يعني أن باسيل لن تكون له مونة حتى على هؤلاء الوزراء ولا على أحزاب تكتله في القضايا المصيرية الكبرى. مع العمل أن صحفاً لبنانية كانت قد نقلت عن بعض وزراء باسيل أنهم لم يوضعوا في صورة البيان إياه، وهذا يعني أن باسيل كان هو من أصدر البيان من دون علمهم، ومن أجل دفعهم إلى المقاطعة؛ لكن المقاطعة فشلت.
  5. أرسل الحزب إشارة واضحة لباسيل مفادها، أن التعنت في رفض فرنجية مرشحاً للرئاسة، سيفشل مثلما فشل تقويض جلسة الحكومة، وأن الرهان على إحراج “حزب الله” لن تنفع، حتى أن لم يتبن الحزب ترشيح فرنجية في العلن حتى اللحظة، ويستمر في خيار التصويت بـ “ورقة بيضاء”، إلاّ أنها إشارة مهمة لا يمكن استبعادها عن سياق استدراج العروض لتسوية شاملة مع الداخل والخارج، الذي يحاول “حزب الله” تكريسه من خلال الملف الرئاسي.