هل تحبط سياسة الاقتراض محاولات التعافي الاقتصادي في مصر؟

وفق مصادر حكومية مصرية، فإن المراجعة الرابعة لصندوق النقد الدولي لقرض مصر الممتد، بقيمة 8 مليارات دولار، تم تأجيلها إلى تشرين الأول/ أكتوبر القادم.

وبحسب تقارير محلية، ستركز المراجعة المقبلة على عدة نقاط، بما في ذلك رفع الدعم عن بعض السلع مثل الوقود، وتقليص الإنفاق العام، وتقليص الإعفاءات الضريبية، وهو ما يتماهى مع تصريحات رئيس الوزراء مصطفى مدبولي الذي ألمح إلى أنه سيتم الإعلان عن قانون ضريبي جديد في تشرين الأول/ أكتوبر المقبل.

وكان صندوق النقد الدولي أكد في وقت سابق، أن الإصلاحات الضريبية في مصر، ستكون قضية ذات أولوية في المراجعة المقبلة. كما كان قد أكد في أعقاب الانتهاء من المراجعة الثالثة في تمّوز/ يوليو الفائت، على تحسن الظروف الاقتصادية الكلية في مصر منذ الشريحة الأولى، مشيراً إلى تخفيف الضغوط التضخمية، وتحقيق العديد من الأهداف المالية للصندوق. وبموجب ذلك تمكنت مصر من سحب 820 مليون دولار، من برنامج قرض بقيمة 8 مليارات دولار.

ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي في مصر بنسبة 4%، في السنة المالية 2024/2025، مع انخفاض التضخم إلى أقل من 15%.

انخفاض الدين الخارجي

شهد الاقتصاد المصري في الربع الأول من سنة 2024، انخفاضاً في معدل الدين الخارجي، بقيمة 7,4 مليار دولار، وذلك استناداً لتقرير رسمي صادر عن البنك المركزي المصري. فبحلول نهاية آذار/ مارس الفائت، انخفض إجمالي الدين الخارجي لمصر إلى 160,6 مليار دولار، مقارنة بـ 168 مليار دولار في كانون الأول/ ديسمبر 2023، و164,5 مليار دولار في أيلول/ سبتمبر 2023. ومن بين هذه الديون، بلغت الديون قصيرة الأجل نحو 54,3 مليار دولار، في حين بلغ إجمالي الديون طويلة الأجل نحو 106,3 مليار دولار.

وخلال هذه الفترة، تجاوزت الاستثمارات المتدفقة إلى مصر تلك الخارجة منها، ممّا أدى إلى تدفق صافي للداخل بلغ 14,6 مليار دولار.

وجدير بالذكر أن الديون الخارجية المستحقة على مصر للدول العربية، بلغت 41,6 مليار دولار، تستحوذ دولة الإمارات وحدها على 16,4 مليار دولار من هذه الديون، بما يمثل 10,2% من إجمالي الديون الخارجية.

وعلى صعيد الموازنة، حققت مصر فائضاً أولياً بنسبة 6,1% في السنة المالية 2023/2024، مع انخفاض عجز الموازنة إلى 3,6%.

كما أعلن البنك المركزي المصري أن معدل التضخم السنوي العام في مصر انخفض إلى 25,2% في تمّوز/ يوليو 2024 من 27,1% في حزيران/ يونيو، مما يشير إلى استمرار انخفاض معدلات التضخم وتخفيف ضغوط الأسعار.

كما تباطأ التضخم الأساسي السنوي إلى 24,4% في تمّوز / يوليو، انخفاضاً من 26,6 % في حزيران/ يونيو، وهو أدنى مستوى له منذ كانون الأول/ ديسكبر 2022 والشهر الخامس على التوالي من الانخفاض.

وأشار البنك المركزي إلى أن معدل التضخم الأساسي الشهري سجل سالب 0,5% في تمّوز/ يوليو، مقارنة بنحو 1,3% في الشهر نفسه من العام الماضي.

انخفض معدل التضخم السنوي في المناطق الريفية إلى 24,7% في تمّوز/ يوليو من 26,6% في حزيران/ يونيو، في حين انخفض معدل التضخم السنوي في المناطق الحضرية إلى 25,7% من 27,5% خلال الفترة نفسها.

وقد جاء الانخفاض في التضخم الحضري والريفي مدفوعاً بالمواد الغذائية وغير الغذائية، واستفاد من التأثيرات الأساسية المواتية، الناجمة عن ارتفاع التضخم في سنة 2023.

وانخفض التضخم الغذائي إلى 29,7% في تمّوز/ يوليو من 31,9% في حزيران/ يونيو، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى انخفاض أسعار المواد الغذائية الأساسية، في حين انخفض التضخم غير الغذائي أيضا إلى 22,9% من 24,5% في الفترة نفسها.

وبلغ معدل التضخم الشهري الحضري 0,4% في تمّوز/ يوليو، بانخفاض من 1,9% في تمّوز/ يوليو 2023، و1,6% في حزيران/ يونيو 2024. وقد تم تعويض ارتفاع أسعار المواد الغذائية المتقلبة بانخفاض في أسعار المواد الغذائية الأساسية.

وفي وقت سابق من شهر تمّوز/ يوليو الفائت، أعلن وزير المالية تحقيق فائض أولي بقيمة 857 مليار جنيه في السنة المالية 2023/2024، وهو ما يمثل زيادة كبيرة عن السنة المالية السابقة.

وبحسب الأرقام الرسمية، ارتفعت إيرادات مصر بنحو 59,3% سنوياً، في حين أدت الإدارة الفعالة للموازنة إلى خفض العجز الكلي بشكل كبير بنحو 706 مليار جنيه، مقارنة بالموازنة المعدلة. كما حققت الموازنة العامة للدولة تقدماً ملحوظاً، بانخفاض العجز الكلي للموازنة العامة للعام المالي 2023/2024 إلى نحو 505 مليار جنيه، وهو ما يمثل تحسناً كبيراً، مقارنة بعجز العام المالي السابق الذي بلغ نحو 610 مليار جنيه

كما شهد صافي الأصول الأجنبية لمصر ارتفاعاً ملحوظاً، إذ وصل إلى 508,58 مليار جنيه في تمّوز/ يوليو 2024، مقابل 494,53 مليار جنيه في أيّار/ مايو، وفقًا لتقرير حديث للبنك المركزي المصري. وانتقلت الأصول الأجنبية للبنك المركزي إلى منطقة الفائض لأول مرة منذ آذار/ مارس 2022، مما يشير إلى نهاية مرحلة العجز الطويلة.

وكشف البنك المركزي المصري خلال آب/ أغسطس الجاري، أن صافي الأصول الأجنبية للنظام المصرفي المصري حقق فائضاً بقيمة 626,6 مليار جنيه بنهاية حزيران/ يونيو 2024، مسجلاً فائضاً للشهر الثاني على التوالي.

ويأتي هذا الاتجاه الإيجابي بعد تحول كبير من عجز قدره 174,385 مليار جنيه في نيسان/ أبريل 2024 إلى فائض قدره 676,4 مليار جنيه في أيّار/ مايو 2024. وكان الفائض في شهر أيّار/ مايو ملحوظاً بشكل خاص، وكان أول فائض منذ كانون الثاني/ يناير 2022 عندما سجل الميزان التجاري فائضاً بقيمة 9,674 مليار جنيه.

كما ارتفع صافي الاحتياطيات الدولية لمصر إلى 46,49 مليار دولار بنهاية تمّوز/ يوليو  الماضي، بزيادة نحو 110 ملايين دولار، مقارنة مع 46,38 مليار دولار في حزيران/ يونيو الماضي، بحسب البيانات الصادرة عن البنك المركزي.

ومع ذلك، شهدت احتياطيات النقد الأجنبي انخفاضاً طفيفاً، من 36,9 مليار دولار في حزيران/ يونيو إلى 36,3 مليار دولار في الشهر الماضي.

مع هذا التحسن، طالب البعض بالتوقف عن سياسة الاقتراض، والسعي تجاه تنويع مصادر الدخل، وتحسين فعالية الموارد؛ وبالفعل حاولت الحكومة تحسين فعالية الموارد، لكنّها لم تتخل عن سياسة الاقتراض، بل ذهبت إلى البحث عن مانحين جدد في الوقت نفسه، نظراً لضخامة أعباء الدين، واستمرار الضغط الاقتصادي الناتج عن تراجع حركة الملاحة، بشكل حاد، في قناة السويس، علاوة على استمرار تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.

تنويع مصادر الاقتراض

في سعيه تجاه تنويع مصادر الاقتراض، وافق مجلس الوزراء المصري، مؤخراً، على عدة اتفاقيات تمويل مع الاتحاد الأوروبي، بإجمالي أكثر من مليار يورو. وسيتم تخصيص الجزء الأكبر من التمويل، وهو مليار يورو، للمساعدات المالية الكلية. ويقدم هذا القرض الميسر، الذي من المتوقع صرفه قبل نهاية العام الجاري، فترات سداد طويلة وأسعار فائدة منخفضة. وهو يمثل الشريحة الأولى من حزمة أكبر من القروض الميسرة بقيمة 5 مليارات يورو.

وتسعى القاهرة إلى استخدام هذ القرض، من أجل تخفيف القيود المفروضة على التمويل الخارجي لمصر، وتسيير ميزان المدفوعات الحكومية، وتعزيز احتياطيات النقد الأجنبي، ودعم استقرار الاقتصاد الكلي، وتحسين بيئة الأعمال، وتعزيز التحول الأخضر.

وبالإضافة إلى المساعدات المالية الكلية، تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم 8 ملايين يورو لدعم أنظمة الحماية الاجتماعية في مصر. علاوة على ذلك، وقعت مصر والاتحاد الأوروبي اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة مشتركة تحدد مجموعة واسعة من مجالات التعاون، بما في ذلك التنمية الاقتصادية والتجارة والقضايا الاجتماعية.

من جهة أخرى، فتح وزير المالية أحمد كجوك، خطاً خاصّاً مع بريطانيا، حيث أكد في لقاء له مع السفير البريطاني جاريث بيلي، على أهمية التعاون البريطاني، كما التقى بالمستثمرين البريطانيين لمناقشة التحديات والإصلاحات الاقتصادية التي تقوم بها مصر. وأكد على الدور المحوري الذي تلعبه المملكة المتحدة باعتبارها شريكاً اقتصادياً رئيسياً، وتساهم بشكل كبير في السوق المصرية.

وتعكس تلك المحاولات، نزعة اعتمادية، نحو ضبط الوضع الحالي فيما يتعلق بسعر صرف العملة الأجنبية، وعدم القدرة على التعاطي مع صدمات جديدة، في ظل وضع دولي وإقليمي مضطرب.

محاولات تنويع الموارد

وهناك بالفعل محاولات لتنويع وتطوير مصادر الدخل، فمصر تعتزم طرح مناقصة عالمية جديدة، للتنقيب عن الغاز الطبيعي في عشر مواقع على الأقل في البحر المتوسط ​​ومياه دلتا النيل، بحسب ما كشفه مسؤول حكومي لوكالة بلومبرغ.

ومن المرجح أن يتم تقديم العطاءات الدولية، أثناء المؤتمر والمعرض الدولي للبترول في البحر المتوسط ​​المقرر عقده في تشرين الأول/ أكتوبر المقبل في مدينة الإسكندرية. كما توصلت وزارة البترول والثروة المعدنية إلى اتفاق مع شركاء أجانب، لتسريع خطط تنمية مناطق الامتياز.

وتسعى القاهرة إلى اكتشاف آبار جديدة، في خبيئة المتوسط الغنية بالغاز الطبيعي، ودمج آبار جديدة في شبكة الإنتاج خلال الأشهر المقبلة. وبحسب بلومبرغ، تسعى الحكومة المصرية بنشاط إلى رفع إنتاج الغاز الطبيعي إلى نحو 5 مليارات قدم مكعب يومياً، بحلول نهاية 2024.

علاوة على ذلك، تعاونت مصر مع شركة إيني الإيطالية؛ لإنشاء (محطة تغويز) ثابتة في مدينة وميناء دمياط، بقيمة 150 مليون دولار. والعمل على تسهيل استقبال شحنات الغاز المسال المستوردة وتحويلها مرة أخرى إلى الحالة الغازية.