نجاح قمّة بغداد داخلياً أضعفه حجم التمثيل

نجحت بغداد في اخراج القمة العربية التي اختتمت اعمالها يوم السبت 17 ايار/ مايو 2025 شكلاً ومضموناً على الرغم من التحديات الأمنية والسياسية، لكن ضعف التمثيل العربي على مستوى القادة عكس مؤشراً صامتاً إلى امتعاض متزايد من استمرار التدخلات الخارجية في الشأن العراقي، لا سيما النفوذ الإيراني المتجذر في مفاصل الدولة العراقية بشكل يحمل في ثناياه قلقاً عربياً من تآكل هوامش السيادة العراقية لمصلحة أجندات إقليمية.

رسالة إيرانية

وبينما كان العراق منهمكاً بالاستعداد لاستقبال العديد من الزعماء العرب الذين أكدوا حضروهم ولاسيما ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والعاهل الاردني الملك عبدالله الثاني وعاهل البحرين الملك حمد بن عيسى ال خليفة، جاءت زيارة قائد فيلق القدس الإيراني اسماعيل قاآني إلى بغداد قبل يومين من انعقاد القمة بمثابة رسالة سياسية واضحة محبطة ومؤثرة ولم تكن موجهة للعراق وحده بل إلى العواصم العربية مجتمعة مفادها أن “إضعاف حلفاء إيران في لبنان وسورية وغزة لن يجعل من النفوذ الإيراني هشاً، بل هو ثابت وفاعل حتى في النشاطات ذات الطابع القومي الجامع كالقمة العربية.”

احتدام عراقي داخلي

وفي الداخل العراقي المحتدم سياسياً مع قرب الانتخابات التشريعية المقررة في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، لا يمكن إغفال دور الإطار التنسيقي الذي يضم معظم القوى السياسية الشيعية الفاعلة التي تملك اذرع مسلحة، في تقويض فرص نجاح القمة، فبعض أطراف هذا التحالف، وفق ما يبدو، لم تكن راغبة برؤية رئيس الوزراء محمد شياع السوداني يحقق نجاحاً دبلوماسياً قد يعزز فرصه في الحصول على ولاية ثانية وهذه الأطراف نفسها كانت وراء إيصال السوداني إلى المنصب، لكنها تتعامل معه اليوم باعتباره “موظفاً” عليه تنفيذ ما يطلب منه دون اجتهاد خارج النص أو مغامرة بالخروج من العباءة السياسية التي أنتجته.

وكما واجه مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء السابق حملة شعواء من قِبل الدولة العميقة عند محاولته التمرد على قيودها، يواجه السوداني اليوم ذات السيناريو، فالذين راهنوا على إفشاله، لم يتوانوا عن استغلال كل منبر أو حادثة لإسقاطه سياسياً سواء عبر الإخفاق في إنجاح القمة، أو من خلال تقييد تحركاته الإقليمية والدولية، أو حتى عبر إعادة التذكير المستمر بأن العراق لا يزال يدور في فلك إيران.

السوداني مكشوف الظهر

وبعد اسدال الستار على أحداث القمة ظهر رئيس الوزراء العراقي، مكشوف الظهر على غرار من سبقه، ولا يملك أدوات “الثورة” على البنية العميقة التي تحاصره. فهذه البنية، التي تضم تحالفات مذهبية، وميليشيات مسلحة، ومصالح اقتصادية متشابكة، هي ذاتها التي أخرجته إلى العلن ودعمته في لحظة التوافق، وبالتالي فإن هامش حركته مقيد سلفاً بشروط اللعبة التي رسمتها هذه المنظومة التي لا تسمح لأي فاعل رسمي بالتمرد عليها من دون ثمن سياسي باهظ.

ونجح معارضو السوداني في تمرير عدة رسائل منها إفشال القمة ولو معنوياً عبر إظهار العراق كدولة غير مستقلة القرار وتحجيم السوداني وتذكيره بدوره المرسوم ضمن منظومة سلطة لا يمكن اختراقها من الداخل بسهولة إلى جانب تعزيز الخطاب الطائفي الإقليمي وتأكيد ما أشار إليه الكاظمي في مقال له بأن العراق على الرغم من كل الخطاب الرسمي، لا يزال مرتهنا للمحور الإيراني.

العراق بين محورين

ومع ان البيان الختامي للقمة العربية كان باهتا في فقراته التي تناولت الاحداث والتطورات في منطقة الشرق الاوسط، وخصوصاً مايتعلق بالقضية الفلسطينية ولبنان وسورية والسودان، لكن حضور التمثيل العربي بشكل عام في بغداد يمثل تاكيداً على اهمية العراق بلداً محورياً في المتطقة ولاعباً مهماً في الملفات المهمة.

ومع حرص الحكومة العراقية على التعبير بشكل مباشر عن عدم التخلي عن المحيط العربي، إلاّ أن واقع الحال يشير إلى صراع أكبر على هوية العراق الإقليمية وموقعه بين محورين، محور عربي، ومحور إيراني يعمل على إبقائه ضمن معادلة النفوذ.

التقرير العربي الشعار

علي السامرائي

مايو 18, 2025In مقالات