سورية من مهد الحضارات إلى "إمبراطورية المخدرات"

لم تقتصر الأعوام العشرة الأخيرة من الصراع في سورية على تدمير البنية التحتية في البلاد ومقتل وجرح وفقدان مئات الآلاف من السوريين، فضلاً عن لجوء ملايين السوريين بحثاً عن الأمان الذي فقدوه في بلادهم، بل شوه ذلك الصراع صورة سورية التي تحولت من بلد كان يطلق عليه سابقاً مهد للحضارات وعاصمة للياسمين، إلى دولة أصبح يطلق عليها عاصمة المخدرات العالمية.

“سورية ‘إمبراطورية المخدرات”؛ هكذا وصفت صحيفة “نيويورك تايمز” سورية. فالصراع الدائر في البلاد تسبب خلال السنوات الماضية في تفكيك بنية المجتمع السوري وانتشار الفلتان الأمني، بحيث بات البلد بيئة آمنة لتجار المخدرات والمدمنين عليها.

انتشار المواد المخدرة

تشهد شوارع المدن السورية انتشار ظاهرة تعاطي المواد المخدرة، بل بلغ الأمر أنه البعض يتعاطاها داخل حرم الجامعات التي انتشرت ظاهرة التعاطي بين طلابها. تلك الجامعات التي خرجت مئات الشعراء والأدباء وأشهر الأطباء في تاريخ سورية الحديث.

وتدلل التقارير الرسمية عن عجم الكارثة، إذ سجلت وزارة الداخلية في حكومة النظام السوري 4663 قضية اتجار وتعاطي مخدرات، بلغ عدد المتهمين فيها 6370 متهماً، فيما تم ضبط 1189 كيلوغراماً من مادة القنب الهندي (الحشيشة)، و91 كيلوغراماً من الهيرويين، و740 كيلوغراماً من الحشيشة، و18 مليون حبة كبتاغون، و501 الف حبة أخرى مخدرة مختلفة الانواع، و737 كيلوغراماً من زهر القنب، و72 كيلوغراماً من مادة الميثامفيتامين.

وبحسب تقرير صادر عن الهيئة الدولية لمكافحة المخدرات التابعة للأمم المتحدة، فإن الأرقام أكثر من ذلك بكثير، إذ إنها لم تشمل جميع حالات الأدمان والتعاطي المنتشرة بشكل كثيف، بما في ذلك حالات التعاطي بين عناصر الميليشيات المقاتلة في سورية والمناطق الخارجة عن سيطرة النظام في شمال غرب وشرق سورية.

ولم يقتصر الأمر على تعاطي المواد المخدرة بين عناصر الميليشيات القادمة للقتال في سورية من الخارج، والتي كان لها دور كبير سابقاً في تدمير العراق اجتماعياً عبر نشرها المواد المخدرة بين أوساط العراقيين قبل اتباعها النهج ذاته داخل سورية.

ولم تكتف تلك المليشيات التي ترتبط بإيران بنشر ظاهرة تعاطي المخدرات في أوساط السوريين، بل حولّت سورية إلى دولة مصنعة للحبوب المخدرة ونقطة إنطلاق لتهريبها عبر الحدود إلى العالم كافة.

وبحسب تقرير  صادر عن المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن تلك الميليشيات تشترك مع الفرقة الرابعة في الجيش السوري التي يديرها ماهر الأسد شقيق رئيس النظام السوري، في عمليات تصنيع وتجارة المخدرات في سورية.

وأشار المرصد السوري لحقوق الإنسان في التقرير الذي نشره في مطلع العام الجاري، إلى أن عمليات تصنيع المواد المخدرة تتم عبر الميليشيات الموالية لإيران والفرقة الرابعة في الجيش السوري عبر انشاء عشرات معامل التصنيع في كل من مدينة القصير على الحدود مع لبنان، ومدينة دير الزور الحدودية مع العراق.

الأردن أكثر المتأثرين من التهريب

ومع سيطرة الفرقة الرابعة في الجيش السوري والميليشيات المرتبطة بإيران على محافظة درعا الحدودية مع الأردن عقب اتفاق المصالحة المبرم بين أطراف النزاع بضمانة روسية سنة 2018، كان لمعبر نصيب الحدودي والحدود السورية الأردنية الحصة الأكبر من عمليات تهريب المواد المخدرة.

ووفق تقارير صادر عن السلطات الأردنية، تشهد الحدود الأردنية السورية محاولات تهريب للمواد المخدرة القادمة من سورية، تُعد الأكبر في تاريخ البلدين.

فقد أعلنت السلطات الأردنية مراراً أفشالها محاولات تهريب المخدرات القادمة من سورية عبر حدودها، مقدرة حجم الحبوب المخدرة المصادرة منذ سنة 2018 حتى إعداد هذا التقرير بنحو 700 مليون حبة مخدرة.

هذه العمليات دفعت الأردن إلى زيادة عديد قواتها العسكرية ونقاط الحراسة على الحدود مع سورية، كما دعت أكثر من مرة حكومة دمشق على لسان رئيس وزرائها بشر الخصاونة، إلى ضبط حدودها مع الأردن لمنع عمليات التهريب.

من سورية إلى العالم

لم تقتصر عمليات تهريب وتجارة المخدرات من سورية إلى العالم عبر دول الجوار، بل وسعت من جغرافيتها لتصل إلى الخليج العربي والدول الأوروبية.

فقد أعلنت السلطات السعودية مراراً ضبطها المواد المخدرة القادمة من سورية عبر شحنات للخضار والمواد الغذائية، وقدرت ما صادرته بأكثر من 400 مليون حبة مخدرة خلال الأعوام الثلاث الماضية. وأعلنت السلطات الكويتية احباط محاولة تهريب 7 ملايين حبة مخدرة قادمة من سورية عن طريق العراق في شهر نيسان / آبريل 2022.

وكشفت السلطات الإيطالية في سنة 2020 النقاب عن إحدى أكبر عمليات ضبط المخدرات في مدينة ساليرنو الإيطالية، قادمة من ميناء اللاذقية السوري، ومتّجهة إلى ليبيا، وذلك عبر وضعها في 4 حاويات. وقُدّرت الكمية المضبوطة بـ 850 مليون حبة بيضاء صغيرة، بلغ وزنها 14 طناً.

وكانت السلطات اليونانية أعلنت في سنة 2018 عن إحباط محاولة لتهريب المواد المخدرة، هي الأكبر في تاريخ البلد، قادمة من ميناء اللاذقية، إذ تمت مصادرة أكثر من 3 ملايين حبة مخدرة مخبأة داخل شحنة صابون.

ويؤكد خبراء حقوقيون في الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن النظام السوري على دراية، بل على ارتباط مباشر، بعمليات تصنيع المخدرات وتصديرها للعالم عبر حدود سورية البرية وميناء اللاذقية الذي أصبح له دور رئيسي في تهريب المواد المخدرة إلى أوروبا.

وبحسب تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز في مطلع تشرين الثاني / أكتوبر 2021، بعنوان سورية “إمبراطورية المخدرات”، تؤمن تجارة المواد المخدرة العملة الصعبة (الدولار الأميركي) للنظام السوري بعد خسارة سورية مواردها الاقتصادية وتدمير القطاعات الزراعية والتجارية والصناعية. وقُدرت موارد المواد المخدرة المصدرة من سورية إلى العالم عبر التجارة “الحرام”، مثلما يصفها الخبراء الاقتصاديون، بأكثر من مليار دولار أميركي سنوياً.

ووفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن معظم عمليات صناعة المخدرات والاتجار بها، ترتبط بشكل مباشر بالنظام السوري والميليشيات الإيرانية وأفراد وأقرباء رئيس النظام السوري بشار الأسد وشقيقه ماهر الأسد الذي يقود الفرقة الرابعة ذائعة السيط في عمليات تجارة المخدرات بين أوساط السوريين.

ويشير المرصد، إلى تورط كل من أبناء عمومة الرئيس السوري بشار الأسد، مثل وسيم الأسد وسليمان الأسد وفواز الأسد الذين يسيطرون بشكل فعلي على تجارة المخدرات وتصديرها في الساحل السوري، والذين تربطهم علاقات قوية كبار تجار المخدرات في لبنان، مثل نوح زعيتر، كما تربطهم علاقات قوية مع الميليشيات الموالية لإيران في سورية وبحزب الله اللبناني.