منتدى "الطائف 33": خطوة مطلوبة لكن قاصرة

نظّمت سفارة المملكة العربية السعودية في لبنان، نهاية الأسبوع الفائت منتدى اتفاق “الطائف 33″، موجهة دعوات لغالبية الأحزاب والقوى والشخصيات السياسية والاعلاميين اللبنانيين. وعلى الرغم من أن عمر الطائف بات اليوم 33 عاماً، إلاّ أنّها المرة الأولى التي تظّم فيها المملكة منتدى من هذا النوع، لتكون سابقة أن تهتم دولة بدستور دولة أخرى، أكثر من أهتمام أركان الدولة نفسها بدستورهم.

ويبدو أن الرياض تتلمّس خطراً محدقاً بهذا الاتفاق، ولا سيما جرّاء الفراغ السياسي الحاصل في أبرز مكوّن للبنان، هو الطائفة السُنّية التي ترعاها السعودية في لبنان، ونتيجة الحديث عن محاولات لتفريغ الاتفاق من مضامينه، وخصوصا بعد الاشارات الفرنسية عن ضرورة تنظيم عقد إجتماعي لبناني جديد، وما أعقب ذلك من دعوة إلى “طاولة حوار”، نظمتها جمعية سويسرية برعاية السفارة ووزارة الخارجية السويسريتين، وبمبارك غربية مبطّنة، تُرجمت لبنانياً وسعودياً على أنّها قد تكون محاولة للدفع نحو تعديل “اتفاق الطائف” بعد 33 عاماً على تحوّل وثيقة الطائف إلى دستور للبلاد.

وعليه، نسجّل مجموعة من الملاحظات، في الشكل وفي المضمون، بشأن أبرز ما دار خلال الندوة، ونستخلص العِبَر والاستنتاجات.

في الشكل:

  1. استطاعت المملكة العربية السعودية أن تؤكد على أنها لا تزال الرقم الصعب على الساحة اللبنانية، على الرغم من ابتعادها عن لبنان لسنوات. فأظهرت أنّها قادرة، عبر دعوة لحضور منتدى، على جمع جميع االلبنايين من كل المشارب والأطياف، ومن كل الأحزاب السياسية على اختلافاتها وتنوعها، خلافاً لبعض الدول التي تظن نفسها فاعلة في لبنان ولها حضورها في الاعلام والسياسة.
  2. نتيجة الأخطار المحدقة بـ “اتفاق الطائف”، والتي تحسستها السعودية، كان لا بد من فعل شيىء لتذكير اللبنانيين جميعاً بمأساة الحرب الأهلية اللبنانية وبالظروف الصعبة التي مر بها لبنان وصولاً إلى اقرار “اتفاق الطائف”، فجاءت تلك المبادرة من السعودية (مشكورة)، إلاّ أنّ المنتدى لم يرتق لأن يكون رداً مناسباً على محاولات العبث بالدستور، ولم يحدث أي تغيير على الأرض، بل بقي منتدى استطاع أن يجمع اللبنانيين في نهاية أسبوع، ثم انتهت مفاعيله مع بداية الأسبوع التالي، وكأن شيئاً لم يكن. إذ كان يمكن للمملكة أن تفعل ما هو أعمق من ذلك، وأشد تأثيراً من دعوة إلى منتدى مدته لا تتخطى الساعتين.
  3. من بين الشخصيات المدعوة والتي حضرت المنتدى، سُجّل غياب سفيرتي الولايات المتحدة الأميركية دوروثي شيا وفرنسا آن غريو، وهما ممثلتان لأهم دولتين معنيتان باستقرار لبنان، ولم تنفكا تتحدثان عن الالتزام بالدستور واحترام الاستحقاقات الدستورية. وغيابهما (الأميركية اعتذرت لالتزامها بحدث رياضي في لبنان، والفرنسية لم يُعرف سبب غيابها) إلى جانب دول أخرى مؤثرة في الشأن اللبناني، بعث رسالة مبهمة، قد تفيد بعدم اكتراثها بتثبيت مندرجات اتفاق الطائف والتشديد عليه، وربّما غيابهما يؤكد الشكوك اللبنانية والسعودية المتوجسة.
  4. تنظيم سفارة المملكة المنتدى مباشرة وتوزيع الدعوات باسم السعودية، سهّل عملية التصويب على المنتدى نفسه، واتهام الرياض، من باب المزايدات، بالتدخل في الشان اللبناني من أجل تبرير تدخلات دول أخرى مثل إيران عبر “حزب الله” الذي لم يكن مدعواً إلى المنتدى. وقد برزت في الصحف القريبة من الحزب والمحور الإيراني بعض المواد التي تصوّب في هذا الاتجاه. إذ كان يمكن أن تُنظم المنتدى أطراف لبنانية معارضة لكل الممارسات والخطابات الرافضة للاتفاق، وترعاه المملكة العربية السعودية من دون أن تقوم هي بتنظيمه، وذلك من باب الحرص على صورة السعودية كصديق دائم للبنان واللبنانيين، وقف إلى جانبهم لسنوات من دون أي مقابل سياسي أو مادي.

في المضمون:

  1. على الرغم من الدعوات الشاملة التي وُجّهت إلى جميع الأطراف في لبنان، إلا أن بعض الحاضرين أخذوا من المنتدى ما يناسب مصالحهم السياسية، وفسّروا مضمونه وفق ما يحلو لهم:

– رئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي، حضر لدقائق معدودة. ألقى التحية على الرسميين الحاضرين ثم انسجب، محاولاً أن ينأى بنفسه، ربما، عن التفسيرات والتأويلات والاصطفافات السياسية، نتيجة الخلاف السعودي – الإيراني، على الرغم من أن مضمون المنتدى هو الدستور اللبناني!

– رئيس حزب “المردة” ومرشح “حزب الله” لرئاسة الجمهورية، كان في الصفوف الأمامية، محاولاً قطف رضى سعودي على ترشيحه إلى رئاسة الجمهورية، فيما كان مرشّح القوى السيادية والمعارضة النائب ميشال معوّض في الصف الثالث.

– سليم جريصاتي الوزير الأسبق ومستشار الرئيس ميشال عون، كان من بين الحاضرين. وقد كشفت بعض وسائل الاعلام أنّ حضوره جاء من باب الردّ على الخلافات بينه وبين الرئيس عون وصهره الوزير جبران باسيل، اللذين أمعنا في خرق “اتفاق الطائف” وأرسيا سوابقاً وأعرافاً غير موجودة بالاتفاق، بمساعدة جريصاتي نفسه، وهو رجل القانون الذائع الصيت.

– الوزير والنائب حسن مراد المحسوب على محور “حزب الله” والنظام السوري، خرج من اللقاء ونشر في صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي أن حضوره هو لـ “الحفاظ على وثيقة الطائف على أمل أن نبدأ بتنفيذ الاصلاحات وإلغاء الطائفية السياسية وحق تحرير لبنان من العدو الصهيوني”، كما دعا إلى “أفضل العلاقات مع الشقيقة سوريا وعدم استعمال لبنان ساحة للتآمر عليها.”

  1. لم يأخذ المنتدى في عين الاعتبار، التحوّلات التي طرأت على “اتفاق الطائف” نتيجة الخلل في موازين القوى، منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري (راعي الطائف) في سنة 2005، إلى اليوم. فبعد اغتيال الحريري استطاع “حزب الله” أن يرسي سوابق لا تنسجم مع روح الاتفاق، وفسّر بنوده بما يخدم وجهة نظره، حتى باتت تلك التفسيرات أشبه بنصوص مقدسة لا يمكن تخطيها، ونذكر منها التالي:

– عدم احترام المهل الدستورية في انتخاب 3 رؤساء للجمهورية (بعد انتهاء المهل الرئاسية لكل من إميل لحود، وميشال سليمان، والآن ميشال عون) وإدخال البلاد في الفراغ إلى أن يتم التوافق على مرشّح الحزب.

– الإصرار على “الثلث المعطّل” في أي حكومة تُشكّل، من أجل ضمان حصول الحزب وحلفائه على حق النقد “الفيتو”، القادر على شل عمل الحكومة، بل تطييرها باستقالة ثلث وزرائها، متى استدعت الحاجة.

– الإصرار على أن يكون وزير المالية في أي حكومة تتشكل، من الطائفة الشيعية، وذلك من أجل ضمان ما يعتبره “حزب الله” وحلفائه من الشيعة، “التوقيع الرابع” بحجة أن هذه الحقيبة كانت من حق الطائفة في مداولات الطائف سنة 1989، لكنّها لم تُذكر في الاتفاق لأسباب مجهولة.

  1. كل ما سبق ذكره من تجاوزات، جعلت إتفاق الطائف مشلولاً ومنقوصاً، لم يأتِ المنتدى على ذكرها أو الإشارة إليها من قريب أو بعيد. بل جل ما جرى التركيز عليه عنوان واحد، هو التمسّك بـ”اتفاق الطائف” باعتباره كاملاً وغير منقوص، بينما الواقع بخلاف ذلك، وبالتالي فإن الدعوة الحقيقية كان يُفترض أن تحمل عنواناً آخراً مختلفاً لا يقلّ عن سقف: “العودة إلى الطائف”، لا التمسك به كما هو اليوم، أو التمسك بما تبقى منه فحسب.