ملفات مهمة تنتظر السوداني في واشنطن

تكتسب زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني التي طال انتظارها إلى الولايات المتحدة ولقاءاته بالرئيس الأميركي جو بايدن ومراكز صنع القرار في واشنطن، على رأس وفد رفيع المستوى، أهمية استثنائية على وقع الأزمات والتحولات السياسية والأمنية التي يمر بها العراق ومنطقة الشرق الأوسط عموماً في ظل ضجيج الحرب المتصاعد.

شد وجذب عراقي - أميركي

فواشنطن التي وصلها السوداني يوم السبت تعد الراعي الرسمي للعملية السياسية في العراق وصاحبة الدور الأول في الإطاحة بنظام صدام حسين، تجد نفسها غير مرتاحة في ظل تراجع واضح لدورها في المرحلة الراهنة، مقابل قوة النفوذ الإيراني، تحاول إعادة ضبط الوضع واستعاده التوازن من خلال اللعب بأوراق عسكرية واقتصادية ومالية.

وتظهر كل من واشنطن وبغداد حرصاً متبادلاً على نزع فتيل الأزمات المرتبطة بالحرب الإسرائيلية على غزة بعد 7 تشرين الأول/ اكتوبر 2023، وما خلفته من أضرار جسيمة بشرياً ومادياً واقتصادياً، على الرغم من الانحياز الأميركي الأعمى لإسرائيل عبر سعي بغداد لكبح الاندفاع الأميركي بهذا الجانب بشكل يحقق المصالح الأميركية مع العراق، من دون الإضرار بالموقف الرسمي والشعبي العراقي المناصر لفلسطين وغزة إلى جانب الحرص على تنشيط العلاقة مع بغداد وضمان مستقبل وجود آمن القوات الأميركية التي كانت تعيش هاجس التهديد الأمني بين حين وآخر من قبل الفصائل المسلحة خلال الفترة الماضية.

وجاءت زيارة السوداني إلى واشنطن في سياق سعي الحكومة العراقية لضبط الوضع الإقليمي، وخصوصاً في ظل التوتر بين إيران وإسرائيل وتأكيد أهمية التنسيق والتعاون بين البلدين وترسيخ الدور المحوري للعراق لاعباً مؤثراً في المعادلات السياسية الدولية والإقليمية وفق مبدأ النأي عن سياسة المحاور، من دون الإخلال بالثوابت، لما يتمتع به من مكانة، على الرغم من محاولات بعض الأطراف ربطه بمحور دون آخر.

وبقدر ما يسعى السوداني إلى ترسيخه في أذهان الدول الكبرى من أن بغداد وحكومتها عاقدة العزم على مواصلة سياسة الانفتاح على دول العالم، فإن تحقق الزيارة يشي بقدرة بغداد على معالجة المخاوف الأميركية التي ارتبطت بعوامل من بينها وجود الفصائل المسلحة التي دفعت واشنطن إلى الشك بهوية الحكومة ومساراتها السياسية والإقليمية، إلى جانب الحرب في غزة والاشتباك بين واشنطن والفصائل المسلحة العراقية خلال الفترة الماضية.

وفي هذا الوقت الحساس الذي تمر به منطقة الشرق الأوسط بكاملها، فإن أغلب دول المنطقة تراقب مخرجات الزيارة المهمة، وتعول كثيراً على دور العراق في لعب دور أساسي في نزع فتيل الصراع الموجود حالياً فيها، على الرغم من التعنت الإسرائيلي المدفوع بثقافة الانتقام والتدمير. لكن الاتفاقية الاستراتيجية وتفاصيلها المهمة تتيح لواشنطن الإنصات جيداً لصوت العراق ودعواته للتهدئة الإقليمية خشية من أي انعكاسات سلبية على الوضع الداخلي.

أبرز الملفات

وتتصدر ملفات مهمة جدول زيارة رئيس الوزراء العراقي، من أهمها توسيع نطاق العلاقة مع الولايات المتحدة، وخصوصاً في المجالات الاقتصادية من خلال التعاون والشراكة مع الولايات المتحدة التي يرسمها اتفاق الإطار الاستراتيجي. فالسوداني حريص في هذه الزيارة على تفعيل بنود هذه الاتفاقية التي تنص على سبع قطاعات جوهرية للتعاون، ولا سيما أن السوداني يدرك جيداً حجم التحديات التي تواجه حكومته والضغوط التي يتعرض لها من قبل منافسيه ومحاولاتهم لتحجيم دوره مستقبلاً.

وترى حكومة السوداني، خلافاً لبعض أركان الإطار التنسيقي، في الولايات المتحدة شريكاً استراتيجياً مهمّاً ينبغي الاستفادة منه والمضي بالعلاقة معه بصورة متنامية للتعاون في المجالات المتعددة الاقتصادية والاستثمارية والزراعية والصناعية والتعليمية والثقافية والصحية والخبرات التكنلوجية والمناخ والبيئة.

وستكون الزيارة فرصة لعقد اجتماع اللجنة التنسيقية العليا بين البلدين (HCC) المشكّلة في إطار اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين البلدين. فالعراق يظهر انفتاحاً متزايداً على الشركات الأميركية الكبرى، على الرغم من خشية تلك الشركات من المخاطر الأمنية في العراق، لكن حكومة بغداد ستلجأ إلى تطمينات من أجل ضمان صناعة شراكات اقتصادية ناجحة مع دول العالم.

مستقبل الوجود العسكري الأميركي

ومما لاشك فيه فان مستقبل الوجود العسكري الأميركي في العراق، والذي يضم آلاف الجنود الأميركيين في قواعد عسكرية عراقية ضمن الحرب على تنظيم “داعش”، يشغل حيزاً مهماً وكبيراً وأساسياً في أذهان صانع القرار العراقي، بعد اشتداد عود القوات المسلحة العراقية. فالسوداني أكد مراراً علأهمية تحويل العلاقة مع واشنطن إلى تنسيق أمني بعيداً عن الوجود العسكري الذي يثير غضب حلفاءه. فالزيارة ستكون فرصة في إطار تعزيز العلاقات بين البلدين والانتقال بها لتشمل مجالات متعددة، فهي لا تسهدف إلى الإعلان عن إنهاء مهمة التحالف الدولي، كون الأمر مرهوناً بسير الحوار بين ممثلي البلدين في اللجنة العسكرية التي تواصل اجتماعاتها وأصدرت قبل أيام بياناً عن اجتماعها الثالث. فمسألة التحالف الدولي متفق عليها بين العراق والتحالف الدولي وعلى رأسهم الولايات المتحدة، إذ تم تأسيس هذا التحالف قبل 10 أعوام ويعتقد الطرفان أن الوقت قد حان للانتقال بالعلاقة من الجانب الأمني إلى علاقات ثنائية مع بلدان التحالف الدولي تشمل مناحي متعددة.

وتأمل الحكومة العراقية أن يكون ما بعد الزيارة مختلفاً عمّا قبله، فهي تريد ترسيخ مسالة الابتعاد  عن الخنادق والمحاور واعتماد العلاقات المتوازنة والتعاون المستمر مع الولايات المتحدة، لأن ذلك سينعكس إيجاباً على استقرار المنطقة وتنميتها.

ومنذ تولي حكومة السوداني مقاليد الحكم، شهد العراق هدوءاً واستقراراً أمنيا لافتاً إزاء البعثات الدبلوماسية أو القوات العسكرية التي تكرَّر استهدافها خلال السنوات الاخيرة، لكن أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر أعادت المنطقة بشكل عام، والعراق من بين دولها، إلى معادلة التصعيد، مع أن حكومة السوداني تمكنت من إرساء مبدأ الهدنة بين الفصائل وواشنطن ضمن نجاحها الواضح في إبعاد العراق على الدخول في آتون حرب قد تكون مدمرة وتهدد مكاسب السوداني في الداخل العراقي.