معوقات التطبيع السياسي بين تركيا والنظام السوري

يعد مسار التطبيع بين سورية وتركيا من أكثر الملفات المعقدة في سياق الأزمة السورية. فعلى الرغم من التصريحات الإعلامية المرحبة بالتطبيع من قبل الطرفين، إلا أن المعطيات والمؤشرات على الأرض لا تشي بذلك.

ويرى خبراء متخصصون في العلاقات الدولية أن التطبيع بين النظام السوري وتركيا يعتمد في المقام الأول على قدرة كل منهما تقديم تنازلات تتعارض مع المصالح السياسية والاقتصادية لكل طرف، وهو ما يصعّب فعلياً مسار التطبيع على الأرض.

وهنا يطرح السؤال الأبرز ماهي تلك المصالح التي ترى كلا الدولتين أن من الصعب التنازل عنها؟

مصالح تركيا في سورية

تعتبر تركيا من الدول الأبرز المتداخلة في الملف السوري، وخصوصاً أن تركيا تمتلك 900 كيلومتر من الحدود المشتركة مع سورية، فضلاً عن دعم تركيا المعارضة السورية شمال غرب سورية ضد النظام السوري وحلفائه.

 

وكانت تركيا د تدخلت في سورية عسكرياً منذ سنة 2015، وخاضت 4 معارك عسكرية: معركة “درع الفرات” ضد تنظيم داعش، ومعركتا “غصن الزيتون” و”نبع السلام” ضد قوات سورية الديمقراطية (قسد)، ومعركة “درع الربيع” ضد النظام السوري، تمكنت عبرها من وقف تقدم قوات النظام على حساب قوات المعارضة.

وتمتلك تركيا عشرات القواعد العسكرية في سورية، فضلاً عن أنها تُهيمن على القرار السياسي والعسكري للمعارضة السورية.

ويمكن تلخيص أهداف تركيا من تدخلها في سورية بعدة نقاط أبرزها:

أولا: تبحث تركيا عن ضمان حماية أمنها القومي ومكافحة تواجد التنظيمات المتطرفة والمتمثلة بحزب العمال الكردستاني المصنف على قوائم الإرهاب التركية، بالإضافة إلى خطر تنظيم داعش والميليشيات الموالية لإيران، في حال سيطرة النظام على المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة.

ثانياً: تبحث تركيا من خلال تدخلها في سورية عسكرياً وسياسياً عن ضمان عدم تشكيل إقليم حكم ذاتي للأكراد العدو اللدود لتركيا

ثالثاً: إن التواجد العسكري التركي في سورية يأتي ضمن طموح تركيا التوسعي في سورية والعراق، حيث استغلت الصراع السوري لتنفيذ مشروعها التوسعي معتمدة بذلك على هيمنتها على الفصائل العسكرية المعارضة والقرارات السياسية أيضاً.

رابعاً: ضمان تركيا نفسها لاعباً أساسياً في منطقة الشرق الأوسط عبر تدخلها في سورية سياسياً وعسكرياً، واستخدام ذلك في السعي لتحقيق بعض المطالب من روسيا والولايات المتحدة والدول الغربية.

 

خامساً: تسعى تركيا عبر تدخلها في سورية لضمان المصالح الاقتصادية وحجز مقعدها بين الدول التي ستساهم في إعادة إعمار سورية مستقبلاً.

موقف النظام السوري من تركيا

إن أهداف تركيا في سورية المتعارضة مع تطلعات النظام السوري، تعد عقبة أمام أي مقاربة بين الجانبين، وخصوصاً أن النظام السوري يرى في تركيا عدو محتل.

ويرى النظام السوري أن عملية التطبيع مع تركيا تحتاج إلى تنفيذ عدة نقاط أساسية منها:

أولاً: خروج تركيا من سورية ومنع أي تواجد عسكري تركي داخل الأراضي السورية.

ثانياً: أن تعتبر تركيا الفصائل العسكرية المعارضة الموالية لها تنظيمات إرهابية والعمل مع الحكومة السورية والجيش السوري على محاربتها والقضاء عليها بما يضمن عودة بسط النظام السوري نفوذه على المعابر والمناطق الحدودية مع تركيا.

ثالثاً: وقف الدعم السياسي والعسكري إلى المعارضة السورية ودفعها إلى مصالحة مع النظام السوري ضمن الشروط التي تضعها دمشق خارج الاتفاقيات الدولية والإقليمية.

رابعاً: الاعتراف بشرعية النظام السوري على أنه القوة الشرعية الوحيدة في سورية وتقديم الدعم السياسي والاقتصادي له مقابل تقديم ضمانات من قبل النظام السوري في القضاء على خطر التنظيمات الكردية التي ترى فيها تركيا خطراً على أمنها القومي وضمان حق تركيا في ملف إعادة أعمار سورية.

تطبيع مستبعد ولكن؟

بالنظر إلى المصالح التركية في سورية وشروط النظام السوري لتطبيع العلاقات بين البلدين، يبدو التطبيع بين البلدين صعب جداً في الوقت الراهن، وخصوصاً أن النظام السوري مصر على تنفيذ شروطه التي تصر تركيا على رفضها، وبالتالي التخلي عن دورها في سورية، أما التصريحات الإعلامية التي يطلقها الطرفان كل فترة بشأن التقارب بينهما، لاتتجاوز عتبة التصريحات السياسية للإعلام من دون وجود أي نية لدى الطرفين بالتنازل عن شروطهم ومصالحهم دفعا لعملية التطبيع.

وفيما يخص موضوع اللقاءات الأمنية والاستخبارتية بين الطرفين، فهي لقاءات كانت ومازالت قائمة منذ إندلاع الصراع في سورية في سنة 2011، وتأتي ضمن عمليات التنسيق الاستخباراتي والأمني بين الدول، ولا تعتبر تلك اللقاءات ضمن مخطط التطبيع السياسي بين البلدين، إذ إن العلاقات بين سورية والنظام السوري لم تشهد إي لقاءات على المستوى الدبلوماسي منذ عقد لقاء بين وزيري خارجية البلدين برعاية روسية منتصف العام الماضي، من دون تسجيل أي مكتسبات أو تقارب سياسي بعد اللقاء على مستوى العلاقات بين البلدين.

أخذاً بالاعتبار ما سبق، فإن لا يوجد أي تقارب يدعم التطبيع بين البلدين سوى ملف مكافحة الخطر المتمثل في تواجد تنظيم قوات سورية الديمقراطية شرق سورية، وهنا يطرح سؤال إذا ما كان قرار القضاء على “قسد” سوف يكون بوابة لإعادة التطبيع بين الدولتين؟