مصر تسعى لتمويلات جديدة في مواجهة انهيار اقتصادي محتمل
أظهرت استطلاعات اقتصادية نشرها وكالة “رويترز” في أواخر نيسان/ أبريل 2025، أن توقعات نمو الاقتصاد المصري انخفضت إلى 3,8% خلال العام المالي 2024/ 2025، بدلاً من 4% كما كان متوقعاً في السابق. وقد فسّر المحللون هذا التراجع الجزئي، بقيام الولايات المتحدة بفرض تعريفات جمركية جديدة، مما زاد من مخاوف التوترات التجارية عالمياً. ومع ذلك يشير الخبراء إلى أن الأثر المباشر لهذه التعريفات محدود على مصر، لأنّ حجم تجارتها مع الولايات المتحدة صغير. كما يتوقع المتخصصون أن ينعكس الأثر الأشد من خلال تأثر ثقة المستثمرين والأعمال العالمية، ولا سيما في أوروبا.
قناة السويس
يستمر تباطؤ الملاحة قناة السويس وبالتالي انخفاض الإيرادات فيها، جراء الاضطرابات الإقليمية. فالهجمات المتواصلة من قبل ميليشيات الحوثي في اليمن منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 أجبرت أغلب الشركات البحرية على تجنب المرور في البحر الأحمر، مماّ جعل السفن تسلك طرقاً أطول حول أفريقيا. وفي تصريحات في آذار/ مارس الفائت، أفاد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأنّ خسائر إيرادات القناة بلغت نحو 800 مليون دولار شهرياً نتيجة “الوضع الإقليمي”. وأكدت وسائل إعلام ووكالة رويترز، أنّ نمو الاقتصاد المصري انخفض إلى 2,4% في 2023/ 2024 من 3,8% قبل ذلك بفعل هذه الاضطرابات. وأشار التقرير إلى أنّ “الحرب في قطاع غزة، أدت لانهيار إيرادات قناة السويس، وأبطأت حركة السياحة”، الأمر الذي جلب ضغطاً جديداً على الموارد الأجنبية لمصر، في ظل احتياجاتها التمويلية الضخمة.
الدين والقروض الدولية
يعد قطاع الألبسة أكثر القطاعات المتأثرة برفع الرسوم، إذ بلغت الصادرات الوطنية من الألبسة للولايات المتحدة 63% في سنة 2024، تليها الحلي والمجوهرات ب
لا يزال حجم الدين الخارجي لمصر ضخماً، إذ يتعين على القاهرة سداد 43,2 مليار دولار التزامات خارجية، خلال أول 9 أشهر من 2025، بينها 5,9 مليار دولار فوائد، و37,3 مليار دولار أصل قروض، بحسب بيانات البنك الدولي.
ولسداد هذه الالتزامات والسداد الدوري للخارج، كثّفت الحكومة جهودها لتدبير احتياجاتها من النقد الأجنبي. ففي آذار/ مارس 2024 وقعّت مصر اتفاقاً موسعاً مع صندوق النقد الدولي بقيمة 8 مليارات دولار، ما ساعد على استقرار بعض المؤشرات المالية. وفي نيسان/ أبريل أفاد البنك المركزي بأنّ احتياطيات النقد الأجنبي بدأت تعود للارتفاع، في ظل التمويلات الخارجية، مع بيع سندات دولية بقيمة 2 مليار دولار في كانون الثاني/ يناير الفائت، ممّا ساعد على تعزيز الاحتياطيات. كما أفرج الصندوق عن 1,2 مليار دولار أخرى، بعد إتمام مراجعة منتصف البرنامج. وللحد من الحاجة إلى الاقتراض الخارجي المباشر، أعلن وزير المالية المصري في مؤتمر صحفي بالكويت أنّ القاهرة ستصدر صكوكاً إسلامية (سندات) بقيمة 2 مليار دولار خلال العام الجاري. ولفت الوزير إلى أن الحكومة منفتحة أيضاً على مبادرات تبادل الدين بالاستثمار، على غرار مشروع “رأس الحكمة” مع الإمارات، الذي أتاح استثمارات ضخمة.
وتقع القاهرة حالياً تحت ضغط الحرص الشديد على تأمين التمويل من شركائها الدوليين، وخصوصاً من دول الخليج، لمواجهة الديون الخارجية الكبيرة، والعمل على خفض عجز الموازنة، دون اللجوء المكثف إلى أسواق الدين الدولية.
الإجراءات الاقتصادية الأخيرة
واصلت مصر تنفيذ إصلاحات اقتصادية بهدف معالجة العجز المالي المرتفع. ففي 10 نيسان/ أبريل، رفعت الحكومة أسعار الوقود للمرة الأولى منذ بداية 2025، بنسبة تتراوح بين 11,7% و14,8% بحسب نوع الوقود، الأمر الذي أدى إلى تخفيض الدعم الشهري المحمّل على خزينة الدولة، والذي كان يصل سابقاً إلى نحو 10 مليارات جنيه شهرياً. وتزامن هذا الإجراء مع التزام مصر بخطة صندوق النقد الدولي لتخفيض دعم الوقود، إلى مستوى تكلفة الإنتاج بحلول كانون الأول/ ديسمبر المقبل (2025). وبالإضافة إلى ذلك، يدرس مجلس الوزراء نقل الدعم السلعي (الخبز، والسلع الأساسية) إلى أنظمة دعم نقدي موجهة خلال العام المالي المقبل.
وفي الوقت الذي تركز فيه السياسة المالية على خفض الدعم، يعاني الاقتصاد من ضغوط تضخمية متصاعدة. فقد ارتفع معدل التضخم السنوي (مؤشر أسعار المستهلكين بالحضر) إلى 13,6% في آذار/ مارس الفائت، مقارنة مع 12,8% في شباط/ فبراير، وهو مستوى أعلى من المتوقع. وقد عزاه محللون إلى تآكل الآثار القاعدية الإحصائية من سنة 2023، وإلى انتظام التوسّع النقدي، فيما تؤدي إجراءات تحرير الدعم جزئياً إلى تسعير تكلفة إنتاج السلع.
يبقى الهدف الرسمي هو السيطرة على التضخم مع الاستمرار في الإصلاحات؛ فقد أعلن رئيس الوزراء أن مصر ستواصل خفض دعم البنزين والديزل تدريجياً للرجوع إلى التكلفة الحقيقية نهاية العام، مع الإبقاء على دعم جزئي للديزل.
زيارة السيسي إلى قطر والكويت
سعى الرئيس السيسي خلال جولته الخليجية منتصف نيسان/ أبريل الجاري، إلى تعزيز التعاون الاستثماري مع دول الخليج لتأمين تمويلات واستثمارات مهمة. ففي الدوحة أعلن بيان مشترك أن مصر وقطر ستعملان على دفع حزمة استثمارية قطرية مباشرة، قيمتها 7,5 مليار دولار. ولم تكشف المصادر الرسمية عن تفاصيل محددة للحزمة، لكن البيان المشترك، أكد عزم البلدين على تعميق الشراكة الاقتصادية لدعم مواجهة الديون والميزان التجاري السلبي.
ومن الجدير بالذكر أنّ مصر وقعت في 2024 بالفعل اتفاقاً مع صندوق الثروة السيادي الإماراتي (ADQ) لتطوير مدينة جديدة (رأس الحكمة) باستثمارات مرتقبة تقدر بنحو 35 مليار دولار.
أما في الكويت، فقد ركز الجانب المصري على ضمان مصادر تمويل بديلة. قال وزير المالية المصري في أن حكومته ستصدر صكوكاً دولية بقيمة 2 مليار دولار، كما بحثت مصر مع الكويت استخدام آليات تمويل مبتكرة وتحويل جزء من ديونها إلى استثمارات.
ولم تُعلن تقارير دولية رسمية عن منح نقدية أو ودائع جديدة من الكويت خلال تلك الزيارة، لكن مصر تتلقى مساعدات وقروض، بشكل منتظم، من البنك الكويتي للتنمية وجهات خليجية أخرى.
عموماً، أرست الزيارتان إطاراً لإشراك شركاء الخليج، في مواجهة التحديات الاقتصادية المصرية، من خلال استثمارات مباشرة ودعم مالي في مشاريع استراتيجية.
حرب غزة والاضطرابات الإقليمية
وتبقى الحرب الإسرائيلية على غزة عاملاً ضاغطاً على الاقتصاد المصري من جوانب عدة؛ فقد أدى تكثيف الأحداث العسكرية على حدود غزة، إلى تصعيد الاضطراب الإقليمي. وتشير التقديرات إلى أن الحرب استنزفت إيرادات النفط والغاز السياحي على حد سواء، كما أنها خفّضت حجم التبادلات التجارية عبر سيناء (مثل معبر رفح الحدودي)، ووفق بعض التقارير، فإنها تسببت بانخفاض النمو الاقتصادي المصري إلى 2,4% سنة 2023/ 2024 بدلاً من 3,8%، بتأثيرها على قناة السويس والسياحة. كما لعبت، الاضطرابات في البحر الأحمر دوراً إضافياً.
في المحصلة، أضافت حرب غزة إلى الضغوط الاقتصادية، إذ علّقت مؤقتاً تدفق بعض السياح الأجانب، وزادت المخاطر الأمنية على التجارة الدولية العابرة عبر الممرات البحرية المصرية. وعلى الصعيد السياسي، جرى استهلاك مصر سياسياً في جهود الوساطة الدولية، لوقف إطلاق النار وإعادة الهدوء إلى قطاع غزة.