ماذا بعد خفض تصنيف مصر الائتماني؟

خفضت وكالة ستاندرد آند بورز (Standard & Poor’s) للخدمات المالية، نظرتها المستقبلية لمصر من مستقرة إلى سلبية، وحافظت على التصنيف الائتماني للأصول السيادية عند B/B.

وأشارت الوكالة إلى أن التوقعات السلبية تعكس مخاطر تتمثل في أن الإجراءات التي تنفذها السلطات المصرية قد لا تكون كافية لتثبيت سعر الصرف وجذب تدفقات العملة الأجنبية اللازمة لتلبية احتياجات التمويل الأجنبي المرتفعة للصندوق السيادي. وأشارت الوكالة في تقرير لها، إلى أن إمكانية خفض التصنيف في الأشهر الـ 12 المقبلة ممكناً، إذا بقي دعم التمويل متعدد الأطراف والثنائي محدوداً.

وأضافت الوكالة المختصة بنشر البحوث والتحليلات المالية على الأسهم والسندات، والتي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، أن التقييم السلبي قد يتواصل في حالة استمرار الضغوط التضخمية، ولفتت إلى إمكانية تعديل التوقعات لتستقر، في حال تلبية احتياجات مصر للتمويل بالعملة الأجنبية. ورأت الوكالة أن الإصلاحات التي أعلنت عنها السلطات المصرية، في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، قد تؤدي إلى استمرار تدفق العملات الأجنبية، إذا تم تنفيذها بالكامل. وقالت الوكالة إن مصر تحتاج إلى تمويل خارجي مرتفع بنحو 17 مليار دولار في السنة المالية الحالية، و20 مليار دولار في العام المالي المقبل 2023/ 2024.

وتشير توقعات ستاندرد آند بورز، إلى أن متوسط نمو الاقتصاد المصري في السنوات الثلاث المقبلة، سوف يصل إلى مستويات تدور حول 4٪.

ويشير ذلك إلى انخفاض ثقة المستثمرين الأجانب في الاستثمار في مصر، الأمر الذي قد يضطر الحكومة إلى تسديد أسعار الفائدة المرتفعة على السندات، بسبب المخاطر المتزايدة، ويدفع بالاقتصاد المصري نحو هوة جديدة، ربما تكون تبعاتها أكثر إيلاماً.

وكانت وكالة موديز خفضت تصنيفات مصر طويلة الأجل للعملات الأجنبية والمحلية، من B2 إلى B3 ، في إشارة إلى ارتفاع مخاطر الائتمان. وأشارت الوكالة التي تتخذ من نيويورك مقراً لها، في شباط/ فبراير الفائت، إلى انخفاض احتياطيات مصر من العملات الأجنبية، منذ آخر تصنيف في أيار/ مايو 2022.

سيناريو احتواء الأزمة

وتعقيباً على تقرير ستاندرز أند بورز، قال وزير المالية المصري محمد معيط، إن الضغوط الخارجية على الاقتصاد المصري، وراء خفض التوقعات الاقتصادية للقاهرة، وإذ أشار إلى أن أحد المسببات هو تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، فإن ذلك قد يكون أيضاً بسبب توقف الدعم الخليجي لمصر، والآثار السابقة لجائحة كوفيد 19.

وتسعى الحكومة المصرية إلى تحسين التصنيف الائتماني لمصر في الفترة المقبلة، وتلبية احتياجاتها التمويلية بالعملة الأجنبية، من خلال مرونة أسعار الصرف، وجذب تدفقات كبيرة من العملات الأجنبية، من خلال برنامج العرض الخاص بها، عن طريق تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي المدعوم من صندوق النقد الدولي.

وتحتاج الحكومة المصرية إلى تنفيذ حزمة من الإجراءات المالية والنقدية والهيكلية للتعامل مع المخاوف المتعلقة بارتفاع احتياجات التمويل الخارجي للاقتصاد المصري. كما ينبغي أن تُظهر الجدية في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية، ولا سيما برنامجها الخاص بطرح حصص في الشركات المملوكة للدولة، والتي قد تؤدي إلى تدفق مستمر للعملة الأجنبية.

وربما يعزز من هذه الفرص، الأداء القوي لعائدات تصدير البترول والغاز الطبيعي، والتي وصلت مؤخراً إلى 700 مليون دولار شهرياً، بالتزامن مع خطط ترشيد الكهرباء لتوفير الغاز الطبيعي للتصدير والحصول على العملات الأجنبية. فضلاً عن ذلك زيادة الصادرات غير البترولية بنسبة 29%، وارتفاع إيرادات قناة السويس إلى 7 مليارات دولار العام الماضي (من المتوقع أن تصل إلى أكثر من 8 مليارات دولار في سنة 2023) بالإضافة إلى نمو إيرادات السياحة؛ وكل هذا ربما يدفع تجاه احتواء الأزمة.

وكان وزير المالية كشف أن تحويلات المغتربين بلغت 33 مليار دولار العام الماضي، وأن الاستثمار الأجنبي المباشر زاد بنسبة 71%، ليصل إلى 9,1 مليار دولار في سنة 2022، ارتفاعاً من 5,2 مليار دولار في العام السابق.

وكانت وزارة المالية قد نجحت أيضاً في جمع نحو 500 مليون دولار بموجب صفقة خاصة لاستيراد السيارات.

ربما يكون كل ذلك مبشراً إذا لم تحدث مفاجآت، وهو ما لا يمكن التنبؤ به في ظل التصعيد العسكري في السودان والتوتر المتزايد في ليبيا، وهي أحداث تلقي بظلالها على الوضع العام في مصر؛ لكن على الرغم من ذلك يبقى هذا السيناريو قابلاً للتنفيذ.

جذب الاستثمارات الخارجية

لقد دفع النقص الحاد في العملات الأجنبية، وارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع الأساسية، وبشكل حاد في نسب التضخم، السلطات المالية المصرية إلى زيادة أسعار الفائدة بمقدار 1000 نقطة أساس، وخفض قيمة الجنيه 3 مرات منذ آذار/ مارس 2022.

وتبذل مصر محاولات مضنية، من أجل جذب الاستثمارات الأجنبية، حتى أنها قررت التخفف من أعباء علاقاتها الاستراتيجية بالولايات المتحدة، ومعاودة التعاون الاقتصادي مع روسيا، في محاولة لمواجهة المعضلات الحادة الناتجة عن توقف الدعم الخليجي، وخصوصاً السعودي.

وفي هذا السياق، وقّعت مصر مؤخراً مذكرة تفاهم مع اليونان لتبادل الرؤى بشأن قضايا وموضوعات السياسات المالية، وآليات تطوير التعاون الفني لتجاوز آثار الأزمة الاقتصادية العالمية التي تتشابك فيها تداعيات وباء فيروس كورونا مع التحديات التي فرضتها الحرب في أوروبا.

وتتطلع مصر لإطلاق تحالف الديون المستدامة، خلال شهر أيلول/ سبتمبر المقبل، للتشجيع على تدفق الاستثمارات الخضراء، بهدف خلق مساحة مالية للاستثمار في البنية التحتية، وتحقيق النمو المستدام في فترة ما بعد الوباء، فضلاً عن خلق مسار جديد للمشاورات في تقاطع الديون والمناخ والتنمية، وتلافي الصدمات الصحية والاقتصادية والبيئية.

لكن قد يحد من كل هذه الجهود، اضطرار الحكومة إلى تقديم الدعم المالي لقطاعات المجتمع الأكثر عرضة للضغوط التضخمية، وهي اعتبارات سياسية باتت ملحة، الأمر الذي يعني أن التحول نحو الإنتاج، بات ضرورة أساسية، بالتزامن مع تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي المدعوم من صندوق النقد الدولي.

سيناريو التراجع

في مقابل النظرة التفاؤلية المتصلة باحتمالي الاحتواء وجذب الاستثمارات، فإن سيناريو سلبي تظهره مؤشرات الأزمة الحادة ومؤشرات عدم انتظام سوق الذهب، والغموض بشأن تعويم مقبل للجنيه، وعدم وضوح مؤشرات التنمية في قطاعي البناء والطاقة والصناعات التحويلية، مع ارتباك قطاع الزراعة في ظل أزمة سد النهضة مع إثيوبيا.

فضلاً عمّا سبق، فإن تواصل الحرب الدائرة في أوكرانيا، وتفجر الصراع بشكل أكبر في السودان، لا بد أن يسهما في تراجع الانضباط المالي إلى حد كبير، مع وجود إجمالي عجز 6,1% من الناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع معدلات الدين الداخلي بشكل يثير القلق.

وتعكس إشارة الحكومة إلى النمو القوي في الإيرادات الحكومية، نتيجة توسع القاعدة الضريبية على الرغم من الظروف الاقتصادية، ما يمكن تسميته بالتنمية الكاذبة، ذلك بأن النمو الريعي لا يشير إلى تنمية حقيقية، ويؤدي على المدى البعيد إلى عجز الحساب الجاري بالقيمة الإسمية، وتراجع الأداء الاقتصادي بشكل عام. وكل هذا قد يدفع الأداء الاقتصادي باتجاه تراجعي.