مؤشرات ودلالات فتح مكتب للناتو في الأردن

على الرغم من العلاقات المميزة التي تربط حلف شمال الأطلسي (الناتو) بالأردن، وتحول تلك العلاقة إلى شراكة في السنوات الأخيرة، إلا أن ذلك لا يجعل إعلان الحلف إنشاء مكتب للاتصال في العاصمة عمّان، باعتباره أول مكتب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خطوة عادية، في ظل محيط ملتهب تعاني منه المملكة.

ويثير إنشاء المكتب العديد من التساؤلات عن سبب إقدام المملكة على هذه الخطوة في هذا التوقيت، وعن هواجس النظام الرسمية واعتبارات الناتو، وهل من شأن تلك الخطوة اقحام المملكة في الصراعات التي تشهدها المنطقة.

تعزيز التعاون مع الجوار الجنوبي

رسمياً، اعتبر كل من الناتو والأردن في بيانين منفصلين الشهر الفائت أن إنشاء المكتب في عمّان هو تعزيز التعاون مع دول الجوار الجنوبي.

وجاء في بيان مشترك لأعضاء الحلف أن “الجوار الجنوبي لحلف شمال الأطلسي يوفر فرصاً للتعاون في القضايا ذات الاهتمام المشترك”، مضيفاً أنه “من خلال شراكتنا، نسعى جاهدين للمساهمة في تحقيق قدر أكبر من الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط وأفريقيا، وتعزيز السلام والازدهار في المنطقة.”

وفي بيان لها، أعلنت وزارة الخارجية وشؤون المغتربين الأردنية أن”الحلفاء في قمة الناتو لسنة ٢٠٢٤ في واشنطن اعتمدوا خطة عمل لتعزيز نهج التعاون في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمواكبة تطورات المشهد الأمني الإقليمي والعالمي، وقد حرصت هذه الخطة على إظهار التزام الحلف بتعزيز التعاون مع دول الجوار الجنوبي، بما في ذلك من خلال إنشاء مكتب اتصال للحلف في المملكة الأردنية الهاشمية وهو مكتب الاتصال الأول في المنطقة”، لافتة إلى أن “المكتب سيسهم في تعزيز الحوار السياسي والتعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك بين حلف الناتو والأردن.”

شراكة استراتيجية

تاريخ العلاقات بين الناتو والأردن يصل إلى قرابة 3 عقود، إذ إن الأردن من ضمن 7 دول عربية شاركت في الحوار المتوسطي للناتو بهدف تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، وتوطيد علاقات الصداقة والتعاون بينها، عبر التشاور السياسي والتعاون العملي، وتعزيز التعاون في مواجهة التحديات المشتركة مثل الإرهاب، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، والجرائم الدولية المنظمة.

وتعمقت العلاقات بين الجانبين بعد قمة ويلز في سنة 2014، وفي حينه أصبح الأردن شريكا ًاستراتيجياً للحلف في العديد من المجالات، مثل أمن الحدود، وإدارة الأزمات، ومكافحة العبوات الناسفة، والدفاع السيبراني، وحماية المعلومات والأمن، ومكافحة الإرهاب، والمشاركة في مناورات عسكرية منها تمرين الأسد المتأهب الذي تستضيفه البلاد.

هواجس الأردن

هناك هواجس لدى القيادة الأردنية نتيجة للوضع الملتهب في المنطقة، أهمها حالة التعاطف الشعبي في الأردن مع المقاومة الفلسطينية، وخصوصاً مع تواصل العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة وتخوف الأردن من تحول تلك الحالة إلى قوة ضاغطة تجاه سياسة الأردن الرسمية بخصوص إسرائيل، والتي حافظت على العلاقات الدبلوماسية والسياسية مع تل أبيب، على الرغم من المظاهرات الشعبية التي شهدتها المملكة أمام السفارة الإسرائيلية في عمّان.

كما ان للملكة هواجس من التمدد الإيراني في المنطقة ودعم طهران فصائل المقاومة الفلسطينية من جهة، والاشتباك الإيراني الإسرائيلي في المنطقة من جهة ثانية، والاتهامات الأردنية لإيران بتهريب المخدرات والسلاح بهدف زعزعة استقرار المملكة.

إذاً فإن الهدف الأساسي لموافقة القيادة الأردنية على انشاء مكتب للناتو هو حماية النظام لنفسه من تطورات داخلية وخارجية، وهي تأتي في سياق ما قامت به المملكة مؤخراً من توقيعها لاتفاقية التعاون العسكري والأمني مع الولايات المتحدة التي تم الإعلان عنها مؤخراً.

الناتو وأمن إسرائيل

جملة من الاعتبارات يضعها الناتو نصب عينه في إنشاء مكتب للتنسيق والاتصال، أهمها الحفاظ على النظام السياسي في المملكة الموالي للغرب،  فضلاً أمن إسرائيل، حيث إن للأردن حدود طويلة مع الكيان وأي حالة عدم استقرار في المملكة قد تحول تلك الحدود إلى جبهة مشتعلة في ظل التأييد الأردني الشعبي للمقاومة الفلسطينية، وهذا ما يسعى الناتو بقيادة الولايات المتحدة إلى منعه.

كما أن الناتو سيمنع أي تأثير على استقرار النظام السياسي الأردني الذي يوصف بأنه أحد دول محور الاعتدال، حيث أن

ويعد الأردن التي تعد أحدى دول محور الاعتدال، بحسب موقعها الجيو سياسي، هي بوابة لدول الخليج العربي التي ترتبط بدورها بعلاقات مميزة مع الناتو، وبالتالي أي تغيير سياسي قد يشكل عامل ضاغط ضد دول الخليج والناتو على حد سواء.

مواجهة روسيا وإيران وأمن الطاقة

ويرتبط إنشاء مكتب للناتو في عمان يرتبط باعتبارات تتعلق بروسيا وإيران، أهمها أن الحلف يعتبر أن روسيا هي التهديد الأكبر لأمنه على الرغم من إعلانه أنه على استعداد للحفاظ على قنوات الاتصال مع موسكو لمنع التصعيد.

ويعتبر الناتو وعلى رأسه الولايات المتحدة منطقة الشرق الأوسط ساحة صراع مع روسيا، وخصوصاً أن الأخيرة استطاعت تعميق تواجدها في المنطقة من خلال تدخلها في سورية وإقامة قواعد عسكرية على المتوسط، وتعزيز علاقاتها مع طهران، وشراكتها مع تركيا، وتحالفها النفطي القوي مع المملكة العربية السعودية.

يضاف إلى ذلك ما نجم عن العدوان الإسرائيلي على غزة ودعم أنصار الله (الحوثيين) في اليمن للمقاومة في غزة واستهداف سفن الدول المؤيدة لإسرائيل في خليج عدن وباب المندب، حيث توجد أهم مسارات التجارة العالمية، الأمر الذي يعتبره الناتو تهديدا لأمنه، بالإضافة للمحافظة على امن الطاقة في المتوسط.

ابتعاد الأردن عن الحياد

يبدو أن الأردن من خلال خطوة فتح مكتب للناتو، يبتعد عن سياسة الحياد إقليمياً، والتي تنتهجها العديد من دول المنطقة كدول الخليج ومصر، وهذا من شأنه أن يزيد من خطر تورطه في صراعات خارجية وتصعيد التوتر مع إقليمياً ودولياً مع خطوة الناتو التي ينظر اليها كخطوة للتوسع.

وربما إحدى مؤشرات فتح مكتب الناتو في الأردن، تصدي المملكة للهجوم الإيراني بالمسيرات والصواريخ ضد إسرائيل، ثأراً لاغتيال قادة في الحرس الثوري في دمش.

ويأتي مكتب الناتو في سياق تعميق علاقات الأردن مع الدول الغربية، وهو استكمال لاتفاقية التعاون العسكري والأمني بين واشنطن وعمّان، وهذا الأمر لا يزال يثير جدلاً شعبياً عن تأثير السياسات الرسمية الأردنية على سيادة المملكة، والذي سيكون له تأثيراً على مستقبل البلد.