لقاء المنقوش مع كوهين أبعد من زوبعة سياسية في ليبيا

أحدث الخبر الذي وزعته وزارة الخارجية الإسرائيلية عن لقاء جرى أخيراً في روما، جمع وزيرة خارجية حكومة الوحدة الوطنية في غرب ليبيا نجلاء المنقوش، مع وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، عضباً شعبياً وسياسياً في ليبيا، وكشف عن خبيئة بعض التحالفات الهشة في الغرب الليبي، عبرت عنها التظاهرات التي خرجت في العاصمة وفي بعض المناطق تحديداً مدن الغرب الليبي، وخصوصاً في الزاوية وتاجوراء ومصراته، فضلاً عن مواقف القوى السياسية الليبية.

ردود تبرز التباينات

عُقب الكشف عن لقاء المنقوش/ كوهين، صدرت بيانات سياسية من القوى الفاعلة الليبية، سواء في الشرق من خلال مجلس النواب أو في الغرب من خلال القوى السياسية، ولا سيما الرئيس السابق للمجلس الأعلى للدولة خالد المشري، وحزب العدالة والبناء، والحزب الديمقراطي، والمجلس الأعلى للدولة بقيادة الرئيس الجديد محمد تكاله.

تلك البيانات كشفت عن مواقف واتجاهات متباينة للأطراف السياسية الوازنة، وخصوصاً تجاه حكومة الوحدة الوطنية ورئيسها عبد الحميد الدبيبة، وما طرأ على تلك التحالفات من تغيّرات وتباينات على خلفية التصريحات الأخيرة التي جاءت عقب إحاطة المبعوث الأممي عبدالله باثيلي أمام مجلس الأمن في آب/ أغسطس، والتي ذهبت معظمها إلى دعم سيناريو تشكيل حكومة موحدة، تستطيع تنفيذ الاستحقاق الانتخابي، والانتقال بالبلد نحو مرحلة الاستقرار السياسي، والاندماج تحت سلطة سياسية تهيمن على جغرافيا ليبيا من شرقها إلى غربها مروراً بالجنوب.

اللقاء ليس عرضياً

لقاء المنقوش/ كوهين لم يكن عرضياً، مثلما سعت الوزيرة الليبية لتصويره، ذلك بأن الاجتماع جاء بترتيب بروتوكولي وسياسي من السفارة الليبية في إيطاليا بحسب مصادر دبلوماسية رفيعة المستوى، وبحضور حسام الغويل مستشار المنقوش للشؤون السياسية. كما أن اللقاء جرى على تخوم تدني شرعية حكومة الدبيبة وفقدان الصلات العضوية مع بعض القوى والتركيبات الاجتماعية والقبلية في الغرب، وخصوصاً في مدينة مصراته، فضلاً عن تفجر الصراع بين ميلشيا الردع وميلشيا 444، في إثر القبض على قائد الأخيرة وهو في الطائرة رفقة رئيس الحكومة وسقوط ضحايا وترويع الآمنين في العاصمة، الأمر الذي سمح بتفكك الولاءات والتحالفات في الغرب وأنتج لقاء ضم رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي والمستشار عقيلة صالح رئيس مجلس النواب والمشير خليفة حفتر في ببنغازي شرق البلاد.

الدبيبة يتنصل

الدبيبة سعى للتنصل من خطيئة المنقوش، فاتخذ قراراً بإيقافها عن مهامها وإحالتها للتحقيق. وبعد ساعات من كشف وقائع اللقاء انتقل بصحبة وليد اللافي إلى السفارة الفلسطينية في طرابلس في محاولة منه لنزع فتيل الأزمة وامتصاص الغضب الشعبي، بإعلانه مساندة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة ورفض ما قامت به المنقوش، مشدداً على لقائها مع كوهين لا يمثل حكومته ولا الشعب الليبي.

المشري وصالح يصعدّان

من جانبهما، سعى كل من خالد المشري وعقيلة صالح لاستخدام الحدث للطعن في شرعية حكومة الدبيبة، ولا سيما أن الأول يدرك جيداً أن إزاحته من منصبه كرئيس للمجلس الأعلى للدولة جاء بمساندة ودعم الدبيبة، بينما رئيس مجلس النواب كان قد أسقط شرعية الحكومة سابقاً، وبالتالي يعتبرها حكومة منتهية الولاية، واستطاع من خلال اللقاء الذي جمعه برئيس المجلس الرئاسي والمشير خليفة حفتر، العودة مرة أخرى لبؤرة الأحداث من خلال لجنة ٦+٦ وحتمية العمل بالضغط على المجلس الأعلى للدولة ورئيسه الجديد محمد تكاله لتمرير القوانين الانتخابية، ثم تحقيق الاستحقاق الرئاسي وفقاً لجميع تصريحات المبعوث الأممي خلال آب/ أغسطس.

مجلس الدولة يُميّع

في المقابل، جاء بيان المجلس الأعلى للدولة وحزب العدالة والبناء مائعاً لا يشير إلى أي لائمة نحو الدبيبة، الأمر الذي دفع خالد المشري لانتقاد هذا الموقف، واعتبار أن البيان الصادر عن المجلس الأعلى للدولة لا يعبر سوى عن رئيسه محمد تكاله.

الخارج ومصالحه

ما سبق هو صورة عن الداخل الليبي، أمّا خارجياً، فإن أجواء السياسة الدولية واضطراباتها بل وتشابك أوراقها التي تُفاقم من تعقيدات ملفاتها الحرب في أوكرانيا، أضحت جميعها نقطة مركزية في مسار تلك الزيارة، وخصوصاً أن الوسيط كانت إيطاليا، ومقر الاجتماع في روما. فأوروبا تنظر بريبة وحذر للاضطرابات السياسية سواء في القارة أو خارجها، وترى ضرورة لتقديم نفسها عبر كافة السياقات مع السياسة الأميركية وتحالفها مع السياسة الخارجية الإسرائيلية، فضلاً عن تقديم نفسها طرفاً داعماً لتوجهات تل أبيب للانفتاح على الدول العربية.

أما إسرائيل نفسها، فتسعى لاستثمارات اقتصادية في ليبيا التي تتمتع بمساحات شاسعة من الصحراء، مع عدد سكان ضعيف، الأمر الذي يسمح بتقديم رؤية اقتصادية ونموذج استثماري في بلد متخم بالثروات.

زرع على لوح زجاج

ختاماً، تؤشر جميع مواقف القوى الليبية المحلية، الشديدة والرخوة، إلى أن لقاء المنقوش/ كوهين حدث بدعم وتوجيه من الدبيبة الذي أراد من خلاله تمديد البقاء في السلطة، ثم ترجيح كفته إذا ما تم تنفيذ استحقاق الانتخابات الرئاسية، وذلك ربطاً بتصريحات للدبيبة موجهة ضد المشير قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر، على خلفية الأحداث في السودان، وتعاونه مع قوات فاغنر، ومحاولة ربط ذلك مع زيارة نائب وزير الدفاع الروسي لبنغازي وتحرك ألوية من الجيش للنقاط الحدودية مع تشاد في الجنوب الليبي.

يُمكن القول إن أجواء عدم الاستقرار وتشرذم الأوراق السياسية بين قوى متعددة الولاءات والانتماءات وميلشيات مسلحة في الغرب الليبي تستند إلى توجهات أيديولوجية ومصالح عديدة، دفعت الدبيبة نحو أقصى آفاق الشطط في السياسة الخارجية، وعرض الخدمات على واشنطن. بيد أن واقع الأمر وراهنه يشيان بكل اليقين أن لا استقرار على الرمال المتحركة، ولا زرع يبتغي حصاده على لوح الزجاج.