لا حرب سنية درزية في سورية رغم الفتنة الطائفية
بات من الواضح أن هناك جهات داخلية وخارجية نافذة تدفع البلاد نحو مواجهة طائفية لا تحمد عقباها.
وقد كان آخر إسفين يدق بين مكونات المجتمع السوري الفيديو المشكوك فيه وبمصدره الذي ظهر فيه إساءة للرسول الكريم، من قبل أحد شيوخ طائفة الموحدين الدروز، الأمر الذي أثار توتراً كبيراً بين السنة والدروزخصوصاً بعد انتشاره على الكثير من المنصات الرقمية والمحطات الإعلامية، ومحاولة الكثيرين استغلاله لإشعال نار الفتنة.
وفيما يلي نقف على هذا التوتر وجذوره التاريخية وسياقه الحالي، ونحاول استكشاف حتمية الحرب من عدمها، وأبرز العوامل التي من شأنها تعزيز الاحتقان، وأبرز توصيات لدرء الفتنة وتجنب الحرب سواء الآن أو في المستقبل.
الدروز في سورية
يشعر الدروز أنهم من الأقليات المضطهدة عبر التاريخ، وهذا الأمر سبب في اتخاذهم للمناطق الجبلية كمناطق إقامة لهم، مثل جبل العرب في السويداء، وجبل السماق في إدلب. إلا أنهم كسبوا ثقة من حولهم بشكل كبير بعد الثورة السورية الكبرى التي قادها سلطان باشا الأطرش ضد الاحتلال الفرنسي سنة 1925. وبشكل عام تمتع بعلاقة متوازنة مع كافة المكونات الأخرى، وحرصوا على الحياد النسبي خلال الصراع السوري بعد سنة 2011، ولا سيما في مناطق مثل السويداء، التي حافظت على استقرار نسبي مقارنة بغيرها. وعلى الرغم من رفض معظم أبناء السويداء الخدمة في قوات النظام خصوصاً بعد 2015، فقد شارك بعضهم ضمن هذه القوات أو الميليشيات التابعة لها، ممن كانت وظائفهم تندرج في المؤسسات العسكرية أو الأمنية أو ضمن التشكيلات الرديفة أو الحليفة لها، فضلاً عمن التحق بها لأداء الخدمة الإلزامية.
وبعد سقوط نظام الأسد في أواخر سنة 2024، كان هناك بعض الأمل لدى الكثير من الدروز بحدوث تغيير إيجابي في الواقع السوري، إلا أن هناك العديد من العوامل السابقة والمستجدة التي يمكن أن تزيد من الاحتقان، وخصوصاً بعد أن أصبحت البلاد تحت قيادة سنية، يرى الكثيرون أنها ذات خلفيات متطرفة، الأمر الذي أدى إلى تعظيم المخاوف لدى مجموعة واسعة من الدروز من رجال الدين أو غيرهم من الشرائح، ولا سيما بعد طلب الحكومة تسليم السلاح في محافظة السويداء، وإدراج الفصائل الدرزية تحت وزارة الدفاع السورية. وزادت هذه المخاوف بعد الأحداث الغير منضبطة في الساحل السوري.
عوامل الاحتقان
هناك عدة عوامل التي من شأنها زيادة الاحتقان بين الطوائف بشكل مباشر وغير مباشر، مثل الانهيار الاقتصادي الذي تبرز معالمه في تفاقم الفقر ونقص الموارد (مياه، كهرباء، وقود) وذلك قد يزيد التنافس المحلي ويحوّل الخلافات إلى صراع هويات. ويتجلى العامل الثاني في غياب الحل السياسي، حيث يرى الكثير من الدروز أن النظام الحالي في دمشق يتّبع سياسات إقصائية ويعمد إلى تركيز السلطة مع فشل الجهود الدولية لإيجاد تسوية، وذلك يدفع المجتمعات المحلية إلى الاعتماد على الولاءات الفرعية والطائفية. ويتمحور العامل الثالث حول التدخل الإقليمي الذي يسهم في تعزيز الانقسامات، فمن جهة هناك محاولات لإيران لاستعادة نفوذها في سورية بعد الضربة القاصمة التي وجّهت لها بسقوط نظام الأسد، ومن جهة أخرى فإن إسرائيل تدّعي أنها مهتمة بالدروز وتسعى إلى المحافظة على أمنهم، متسببة بزيادة التوتر بينهم وبين كافة فئات المجتمع السوري والإقليمي، إذ إن العداء لإسرائيل هو سمة عامة بين مختلف الشرائح والفئات سواء الدينية أو الحزبية أو القومية. وأما العامل الرابع فهو تصاعد الخطاب الطائفي، فمع استمرار الأزمة فإنه يتم الترويج للخطاب الطائفي وخطاب الكراهية من قبل جهات محلية وخارجية من أجل تحقيق مكاسب سياسية، وهذا الخطاب انتشر بشكل مقصود أو غير مقصود في مختلف منصات التواصل الاجتماعي أو المحطات الإعلامية.
الحرب ليست حتمية
على الرغم من وجود العوامل التي ذكرناها سابقاً إلى أن اندلاع حرب طائفية واسعة بين الدروز والسنة ليست نتيجة محتومة لعدة أسباب. فالسبب الأول هو أن السلطة الحالية على الرغم من أنه يغلب عليها لون واحد، إلا أنها تسعى للتأكيد للداخل والخارج أنها تقف بمسافة واحدة بين كافة مكونات المجتمع السوري، وأنها لا تريد اشعال فتيل حرب بين هذه المكونات. إضافة إلى كون معظم القيادات الدرزية تعي أن آتون الصراع يمكن أن يدمر الاستقرار النسبي التي تتمتع به محافظة السويداء، وأن مثل هذه الحرب من شأنه أن يضرب الشريان الاقتصادي الرئيسي للسويداء مع دمشق، إضافة إلى أن النخب المحلية سواء الدرزية أو السنية تدرك أن الصراع المفتوح من شأنه تدمير ما تبقى من بنى اجتماعية واقتصادية بعد 14 من الحرب، ولذلك ستستجيب هذه النخب لاحتواء الأزمة. كما أن هناك احتمال لحدوث تدخل دولي محدود لمنع انفلات الوضع في حال اندلاع الحرب، خشية امتداد الفوضى إلى مناطق أخرى، ونظراً لأنه من الممكن أن تستفيد منها داعش في التمدد مرة ثانية.
إطفاء نار الفتنة
ستبقى سورية بيئة خصبة للتوترات الطائفية بسبب غياب العدالة الانتقالية وانهيار الاقتصاد، لكن تحول التوترات إلى حرب واسعة مرهون بقدرة السلطة الحالية والنخب المحلية والدولية في إدارة الأزمة. والدروز كأقلية مضطهدة عبر التاريخ على الرغم من تفضيلهم عدم المواجهة خصوصاً مع السنة، إلا أن الضغوط الاقتصادية والتدخل الخارجي قد يغير المعادلة. ويبقى التحدي الأكبر هو إعادة بناء الثقة بين المكونات عبر مشروع وطني شامل يضمن مشاركة عادلة بين جميع الأطياف السورية في اتخاذ القرار، وتطمين النفوس من خلال تعزيز الوعي بأهمية التسامح والعيش المشترك.