كركوك أزمة دائمة وقنبلة موقوتة

مازالت مدينة كركوك (شمال العراق) الغنية بالثروات والمتنوعة قومياً تمثل قنبلة موقوتة على وقع الأزمات المتراكمة منذ عقود طويلة.

وخلال الأيام القليلة الماضية عاشت كركوك على صفيح ساخن ناجم عن سلسلة احتجاجات وصدامات بين الأكراد من جهة والعرب والتركمان من جهة أخرى، على الرغم من وجود قوات الأمن، أدت إلى مقتل وإصابة العشرات من المدنيين.

خلفيات مشكلة كركوك

نشأت الأزمة في كركوك بعد سنة 2003، بسبب صراع السيطرة والنفوذ على المدينة، حيث يقطن خليط من العرب السنة والتركمان والاكراد وأقلية مسيحية، وبعد سنة 2003، سيطرت الأحزاب الكردية على كركوك، وهو تطور اعتبره العرب والتركمان اجحافاً بحقهم.

وتتمتع مدينة كركوك بأهمية استراتيجية من حيث موقعها الجغرافي والاقتصادي، مما يجعلها محط صراع بين الكتل السياسية العراقية.

وتكمن أهمية مدينة كركوك بأنها مدينة تحتوي على آبار نفطية مهمة، وهي ثاني أكبر المدن العراقية، وتأتي بعد مدينة البصرة الجنوبية من حيث  الثروة النفطية، إلى جانب أهميتها من حيث موقعها الجغرافي المميز بوقوعها شمال بغداد، وتُعد حلقة وصل بين أربع مدن عراقية وهي صلاح الدين وأاربيل والسليمانية ونينوى.

كما كانت المدينة العقبة الرئيسية التي حالت دون وصول النظام العراقي السابق إلى اتفاق سلام مع الأكراد خلال سلسلة جولات المفاوضات على مدى سنوات طويلة لوجود خلافات كبيرة بين الطرفين.

أسباب اشتباكات كركوك

في سنة 2017، برز الصراع بشكل حاد بين بغداد وأربيل عندما أصر زعيم حزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني على إجراء استفتاء انفصال إقليم كردستان عن العراق، وضم مدينة كركوك إلى الإقليم وسط رفض الحكومة الاتحادية برئاسة حيدر العبادي آنذاك، وهو الأمر الذي دفع إلى شن عملية عسكرية أمنية سميت بعملية فرض القانون، وأسفرت عن سيطرة الحكومة المركزية على المدينة وتسليم مقرات حزب الديمقراطي الكردستاني الى الجيش العراقي، وتعيين محافظ للمدينة من العرب السنة بديلاً عن المحافظ الكردي.

وانطلقت التظاهرات الأخيرة في كركوك بتشجيع أطراف عربية وتركمانية في المدينة احتجاجاً على إعادة مقر مجلس قيادة كركوك للحزب الديمقراطي الكردستاني الذي تشغله قيادة عمليات كركوك التابعة لبغداد، منذ سيطرة القوات العراقية على المدينة في 16 تشرين الأول/ اكتوبر 2017.

وأدت الاحتجاجات العربية التركمانية إلى قطع الطريق الرئيس الرابط بين كركوك وأربيل لتنطلق عقبها تظاهرات كردية في المدينة مطالبة بإنهاء قطع الطرق، وحدوث مناوشات بين المتظاهرين الأكراد والشرطة وقوات فصائل الحشد الشعبي، أوقعت قتلى وجرحى.

واتهم الرئيس السابق لإقليم كردستان والزعيم الكردي الأكثر نفوذا مسعود بارزاني في رسالة، المتظاهرين العرب والتركمان بالتورط بالعنف قائلاً: “قطع مجموعة من مثيري الشغب الطرق بين أربيل وكركوك بحجة منع افتتاح مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني في كركوك.” وأضاف “لا يسمحون للمواطنين بممارسة حياتهم اليومية، وخلقوا وضعاً متوتراً وخطراً لسكان كركوك.”

كما دعا رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني “رئيس الوزراء الاتحادي إلى التدخل الفوري للسيطرة على ‘هذا الوضع غير المقبول'”، حاثا الأكراد “المضطهدين في كركوك ممارسة ضبط النفس والابتعاد عن العنف.”

ردود الأفعال الكردية وجدت صدى لدى بغداد التي أرسلت شخصيات أمنية وسياسية وأجرت اتصالات رفيعة المستوى لنزع فتيل الأزمة والحد من تأثير الصراع الدائر على مجمل الوضع الداخلي خاصة مع بروز مؤشرات على احتمالات تدخل أطراف دولية في الأزمة.

 

انعكاسات الأزمة

ويعكس الصراع الذي حدث مؤخراً بعد إعلان الحزب الديمقراطي الكردستاني إعادة فتح كافة مقراته ومكاتبه في محافظة كركوك وعددها 33، حقائق مغيبة بشأن اتفاق تشكيل الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني، بشكل قد يؤثر سلباً على بقية الأطراف (الممثلة لبقية أعراق المدينة من عرب وتركمان وغيرهم)، وخصوصاً أن العراق على أعتاب انتخابات مجالس المحافظات المقررة 18 كانون الأول/ ديسمبر المقبل. وعودة الحزب الديمقراطي الكردستاني قد تعني اضافة زخم كبير له في المدينة، وهو ما دفع حزب تقدم (مكون السني) بقيادة رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي إلى إصدار بيان، يطالب فيه الحكومة العراقية وجميع الأطراف السياسية، بتنفيذ بنود الاتفاق السياسي بصورة كاملة دون تجزئة، محملاً إياها المسؤولية كاملة كأطراف سياسية تعهدت بالالتزام بدعم البرنامج الحكومي وتنفيذ الاتفاق السياسي.

ومن غير المستبعد أن ترتبط إثارة الأحداث الاخيرة في كركوك بمحاولة بعض الاطراف والفصائل المسلحة بتعزيز قبضتهم على المدينة من خلال بسط الأمن والسيطرة على مقرات الاحزاب الكردية، في المدينة ذات الأهمية الجغرافية والاقتصادية.

عقدة كركوك في الدستور

وتعتبر كركوك عقدة في الدستور العراقي منذ 2005، بل أقرب إلى القنبلة الموقوتة، لصعوبة التكهن بمصيرها لأسباب تتعلق بطبيعة المدينة السكانية.

ومن أهم التحديات التي تواجه الحل في المدينة عدم تطبيق المادة 140 من الدستور والتي تقضي بالتطبيع ضمن إطار عودة المهجرين والسكان الأصليين من أكراد وتركمان وغيرهم إلى كركوك ومن ثم تعويض مختلف الفئات الاجتماعية الخسائر التي حصلت بسبب مصادرة السلطات السابقة على مساكنهم وأراضيهم وممتلكاتهم إضافة إلى الاستفتاء والذي يجب أن يسبقه التعداد السكاني طبقا للأسس التي كانت موجودة في عام 1957 التي تشكل قاعدة أساسية للخارطة الاجتماعية للمحافظة، بعد التعداد الذي يحدد طبيعة السكان الأصليين للمحافظة، وهذا يشمل المناطق المتنازع عليها الأخرى التي كان من المفروض أن تحسم هذه الخطوة منذ كانون الأول/ أكتوبر 2007.

حل أزمة كركوك

ويعد تطبيق المادة 140 ونزع أسلحة الفصائل  المسلحة باستثناء الجيش وقوات الأمن من أهم القضايا التي تحقق الاستقرار في كركوك إلى جانب ضمان حقوق الأكراد والعرب والتركمان والمسيحيين فضلاً عن الحد من التدخلات الإقليمية بمستقبل المدينة ولاسيما التدخلات التركية عبر الاصطفاف مع مجموعات عرقية مقابل أخرى أو مساندة عناصر حزب العمال الكردستاني التركي لجهات على حساب أخرى أو استقواء بعض المكونات بالمجموعات المسلحة المدعومة من إيران لمواجهة مكونات أخرى في المدينة، الأمر الذي يهدد بتعميق الأزمة، ويقود لاندلاع العنف بين الأطراف المختلفة، ويهدد السلم والتعايش الاجتماعي، وينعكس على مجمل الأوضاع في العراق.