كارثة زلزال سورية: تطبيع ورفع عقوبات

يبدو أن كارثة الزلزال التي ضربت تركيا وسورية في 6 شباط / فبراير لم تقتصر على بعد انساني تمثل بسقوط آلاف القتلى والجرحى وتهدم مدن كاملة على رؤوس سكانها، بل اتخذت بعداً سياسياً عبر تحريكها أوراق التطبيع العربي مع النظام السوري والحديث عن رفع العقوبات الدولية عنه وإعادة تعويمه على الساحتين العربية والدولية.

ويرى الباحث والمحلل السياسي السوري كرم الشعار، في تصريحات أدلى بها لعدد من وسائل الإعلام، أن بوادر إنهاء المقاطعة العربية مع النظام السوري تقوده الإمارات العربية المتحدة لإنهاء الانقسام العربي الحاصل داخل الجامعة العربية بين مؤيد لإعادة التطبيع مع دمشق والرافض لها.

بوادر التطبيع

ويشير الشعار إلى عدة مؤشرات تدل على نية الدول العربية التطبيع مع النظام السوري في خضم الكارثة الإنسانية التي تعيشها سورية ومنها:

1 – الزيارة السريعة التي قام بها وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان إلى دمشق عقب كارثة الزلزال كأول مسؤول عربي يزور دمشق، وهي الزيارة والتي تحمل في طياتها مبادرة عربية إلى دمشق لإنهاء القطيعة العربية.

2 – الزيارة التي قام بشار الأسد إلى سلطنة عُمان عقب كارثة الزلزال والتي تعد الأولى لدولة خليجية بعد الإمارات منذ إندلاع الصراع السوري بعيد عقد من القطيعة.

3 – تصريحات وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود بإن إجماعاً بدأ يتشكل في العالم العربي على أنه لا جدوى من عزل سورية، وبأن الحوار مع دمشق  مطلوب “في وقت ما”، في رسالة حملت في طياتها نيّة المملكة العربية السعودية الحوار والتطبيع مع النظام السوري.

4 – برقيات التعزية والاتصالات التي وصلت من رؤساء وملوك البحرين ومصر والأردن والجزائر واليمن والسلطة الفلسطينية والعراق إلى رئيس النظام السوري.

5 – تغير نبرة خطاب الأسد عقب كارثة الزلزال في خطابه الذي شكر فيه الدول العربية، واصفاً إياها بالشقيقات وقادتها بالأخوة، وذلك بعد سنوات من مهاجمتهم واتهامهم بالوقوف وراء ما يعتبر أنه عدوان دولي ضد سورية.

6 – الجسور الجوية الإنسانية مع دمشق وإرسال فرق الإنقاذ والمساعدات العاجلة من الدول العربية إلى النظام السوري عقب كارثة الزلزال.

7 – موافقة النظام السوري على فتح المعابر الإنسانية مع تركيا بناء على مقترح إماراتي، وهو أمر يكسبه شرعية دولية وعدم الارتطام بقرار محتمل في مجلس الأمن الدولي بفتح المعابر الإنسانية مع المناطق الخارجة عن سيطرته تحت البند السابع.

لكن الكاتب السوري سيف عبد الكريم، يرى أن الحديث عن تطبيع عربي مع النظام السوري مازال مبكراً، حتى لو كانت نيّة الدول العربية القيام بذلك حقاً.

العقبات

ويعتبر عبد الكريم أن إعادة تعويم النظام السوري على الساحتين العربية والدولية يحتاج إلى الكثير من الوقت، وقد يرتطم في العديد من العقبات أهمها:

1 – العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على النظام السوري.

2 – إدانة النظام السوري دولياً بارتكاب العديد من المجازر بحق الشعب السوري، وآخرها تقرير منظمة حظر الأسلحة الكيماوية الذي أكد مسؤولية النظام باستخدام الأسلحة الكيماوية في مدن خان شيخون ودوما بريف دمشق، وما ينتج عنها من محاكمات دولية بحق النظام السوري.

3 – الهيمنة الإيرانية على قرارات النظام السوري والتي تعزز مخاوف الدول العربية من إعادة التطبيع معه من دون أن يفك حلفه مع طهران، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.

4 – الموقف الإسرائيلي الرافض لإيجاد أي حلول سياسية في المرحلة الحالية وابقاء الوضع في سورية على ما هو عليه.

5 – الموقفان الأميركي والأوروبي الرافضان إجراء أي عمليات تطبيع وتعويم للنظام السوري من دون انخراطه بشكل فعلي بعملية سياسية تحت مظلة الأمم المتحدة، وتنفيذه للقرار الأمم المتحدة 2254 الذي يتضمن تشكيل هيئة حكم انتقالي.

سيناريوهات لحلول

يرى الباحث والكاتب السوري ابراهيم غندور، أن الحديث عن إعادة التطبيع العربي والدولي مع النظام السوري يحتاج إلى الكثير من التنازلات التي تهدد بقاء النظام كمنظومة حكم منفردة في إدارة البلد.

ويشير إلى أن التنازلات المطلوبة من النظام تشمل إعادة ترتيب علاقاته وتحالفاته الدولية والإقليمية وانخراطه في عملية سياسية تشمل خطوات خمسة أهمها:

1 – رضوخ النظام السوري لحل سياسي ضمن الأطر الدولية وعلى رأسها قرار الأمم المتحدة 2254 ومشاركة المعارضة السورية في الحكم مع تقليص صلاحيات الرئيس واجراء انتخابات بلدية وبرلمانية ورئاسية تحت أشراف الأمم المتحدة.

2 – مشاركة النظام السوري بشكل فعلي بإعادة صياغة دستور جديد ينهي العمل بالدستور القديم الذي يمنح رئيس البلد صلاحيات مطلقة، والحزب الواحد إدارة البلد.

3 – تقليص دور إيران في سورية، والتي تهيمن على القرار السياسي في البلد، وإخراج أذرعها العسكرية من سورية، والتي تشكل تهديداً مباشراً للدول العربية وإسرائيل على حد سواء.

4 – تسليم النظام السوري المتورطين في جرائم حرب في سورية من بينهم المشرفين على استخدام الأسلحة الكيماوية للمحاكم الدولية.

5 – شروع النظام السوري فعلياً بإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية والعسكرية ومؤسسات الدولة المدنية، وانهاء سيطرة منظومة الفساد التي تدير البلد مقابل الولاء.

ويضيف الكاتب أن الخطوات الخمسة لسيناريو إعادة تعويم النظام السوري والتطبيع العربي معه شبه مستحيلة في الوقت الحاضر، وخصوصاً الدور الإيراني الذي بدأ فعلياً يتحكم بجميع مفاصل الدولة السورية، بدءاً بالسيطرة العسكرية وانتهاء بقرارات الرئاسة السورية.

ويشير الكاتب إلى أن أبواب التطبيع العربي وطرح المبادرات العربية للحل في سورية لا تزال قائمة فيما لو أراد النظام السوري إنهاء حالة الصراع السياسي والعسكري والعودة إلى حاضنته العربية.