فوز ترامب واحتمالات سحب القوات الأميركية من سورية

يبدو أن وجود القوات الأميركية في سورية سيكون على جدول القضايا التي ستتعامل معها الإدارة الجديدة في البيت الأبيض برئاسة دونالد ترامب، وخصوصاً مع ما كشفت عنه تسريبات ظهرت مؤخراً عن دراسات تجريها الإدارة الأميركية لسحب تلك القوات، علماً بأن ترامب أعلن مراراً أنه سيقوم بإعادة الجنود الأميركيين إلى بلادهم.

ونشرت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، في كانون الثاني/ يناير الماضي، عن مصادر رفيعة المستوى في البيت الأبيض ووزارتي الدفاع والخارجية قولها إن الولايات المتحدة تخطط للانسحاب من سورية، وإنهاء وجودها العسكري، الذي لم يعد ضرورياً، وتبحث بشكل مكثف توقيت وكيفية الانسحاب، مؤكدة أنها “لم تعد مهتمة بالبقاء في سورية”.

التواجد العسكري الأميركي

بدأت الولايات المتحدة بإرسال قواتها الى سورية بحلول تشرين الأول/ أكتوبر 2015 حين قامت بنشر 50 عنصراً من القوات الخاصة الأميركية للعب دور استشاري غير قتالي، فكان بمثابة أول تواجد عسكري أميركي في سورية منذ بدء الحرب وتشكيل التحالف الدولي في آب/ أغسطس 2014 بعد أحداث الموصل وبدء عملية “العزم الصلب” ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش).

ثم قامت منذ ذلك التاريخ بتعزيز تواجدها العسكري في سورية بشكل متواصل لقتال تنظيم “داعش” إلى جانب “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) ليبلغ تعداد القوات الأميركية نحو 500 جندي في نهاية سنة 2016، تتوزع بين مدربين من القوات الخاصة ومستشارين وفرق تفكيك متفجرات ومقاتلون في القوات الخاصة.

كما وضعت الولايات المتحدة “ما لا يقل عن 1000 جندي أميركي في الكويت كقوة احتياط في الحرب على التنظيم بعد تصاعد وتيرتها مع انطلاق المرحلة الأخيرة من معركة استعادة الرقة في 6 حزيران/ يونيو 2017، على أن يتولى القادة الأميركيون في سورية مهمة نقل هؤلاء الجنود إلى ساحة المعركة وفقاً لتطوراتها العسكرية.

ومع استلام دونالد ترامب إدارة البيت الأبيض أول مرة، أوعز لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بإعداد “خطة هجومية بقدر أكبر” لمحاربة تنظيم “داعش” في سورية، وشاركت القوات الأميركية بشكل مباشر في ساحة الصراع عندما نشرت جنوداً في منطقة منبج إلى جانب “قسد” واستمرت بدعمها على الأرض حتى سقوط منطقة الباغوز، آخر معاقل “داعش” في سورية في آذار/ مارس 2019.

وبعد أشهر على السيطرة على الباغوز أصدر ترامب قراراً يقضي بسحب معظم الجنود الأميركيين من شمال شرق سورية حتى نهاية 2019، مع الإبقاء على بعضهم لتأمين المنشآت النفطية، إلّا أنه تراجع فيما بعد عن قراره.

وحالياً، لا تزال هناك بعض القوات الأميركية في المناطق الخاضعة لسيطرة “قسد” في شمال شرق سورية في دير الزور والحسكة والرقة، كما تسيطر الولايات المتحدة منذ سنة 2016 على قاعدة التنف الموجودة في منطقة نائية عند المثلث الحدودي العراقي الأردني في محافظة حمص.

ووفقا للبنتاغون، يبلغ عدد القوات الأميركية في سورية حالياً نحو 900 جندي.

جدل أميركي داخلي

لا يزال وجود القوات الأميركية في سورية يثير جدلاً في الولايات المتحدة يتعلق بجدوى وجود تلك القوات حيث تتعالى الأصوات بضرورة سحب تلك القوات.

فمن جهة، ترى الأصوات المؤيدة للوجود الأميركي في سورية من السياسيين والمشروعين، أن تلك القوات لن تبقى إلى الأبد، إلّا أنها تعتبر سورية مسرحاً لصراع دولي إقليمي بين قوى خارجية على عدة مستويات، وهي روسيا وإيران تركيا، وداخلية مثل قوات الحكومة السورية والاكراد والعشائر العربية، وبالتالي أي انسحاب يعتبره هذا الفريق أمر يضر بالأمن القومي الأميركي، وخصوصاً بسبب الوجود الإيراني والروسي في سورية.

كما أن هؤلاء يرون أن أي انسحاب عشوائي غير مدروس، مثلما حدث في أفغانستان، سيؤدي الى انبعاث تنظيم “داعش” من جديد.

وكانت الولايات المتحدة أعلنت مراراً أن وجودها في سورية يرتبط بمحاربة “داعش” والنفوذ الإيراني في المنطقة وتحقيق تقدم سياسي في سورية.

من جهة ثانية، يعتبر الفريق المعارض للوجود الأميركي في الخارج أن الحديث عن انبعاث “داعش” أمر مبالغ فيه لأن التنظيم ضعيف للغاية بحسب التقارير السنوية لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، لافتة إلى أنه يمكن الاعتماد على قوى دولية وإقليمية لمساعدة “قسد” في حماية معسكرات اعتقال عناصر “داعش” ومحاربة التنظيم مثل تركيا أو السعودية أو غيرهما.

ويرى هذا الفريق أن سياسة التدخل الأميركية وتحويل تلك القضايا من سياسية إلى أمنية أدى إلى تكلف الولايات المتحدة خسائر في أرواح مواطنين أميركيين، ناهيك عن أرواح أناس أبرياء داخل المنطقة وخارجها.

هجمات بعد حرب غزة

بعد بدء العدوان الإسرائيلي على غزة بدأت فصائل تمولها إيران استهداف القوات الأميركية في سورية والمنطقة، بسبب دعم واشنطن اللامحدود لإسرائيل ولليمين المتطرف الحاكم هناك.

وتعرضت القواعد الأميركية داخل الأراضي السورية منذ تاريخ 19 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي لأكثر من 140 هجوماً من قبل المجموعات المدعومة من إيران، تركزت غالبيتها على معمل كونيكو وقاعدة حقل العمر النفطي بريف دير الزور، وقاعدة الشدادي بريف الحسكة.

من سيملأ الفراغ؟

موضوع انسحاب القوات الأميركية من سورية سيبقى مطروحاً في الولايات المتحدة، إلّا أن هذا سيرتبط بحملة من القضايا منها السياسة التي سينتهجها الرئيس دونالد ترامب وعما إذا كان سيطبق ما أعلنه مراراً عن سحب القوات الأميركية في الخارج، وتطورات الأوضاع في المنطقة والعدوان الإسرائيلي والاشتباك الإقليمي بين إيران وإسرائيل، بالإضافة إلى الاتفاق بين العراق والولايات المتحدة على سحب قوات الأخيرة.

كما أن العديد من الدول الفاعلة في الملف السوري وعلى راسها روسيا ستحاول اقناع ترامب بسحب قواته من سورية والتوصل معه إلى ترتيبات ما بعد الانسحاب، في حين تسعى تركيا لتقويض قدرات “قسد” قبل خروج الأميركيين، أما إيران فستسعى إلى ملء هذا الفراغ.

ان سحب القوات الأميركية سيكون له الكثير من التداعيات حيث ستسارع الحكومة السورية والدول الفاعلة على ملء الفراغ في المنطقة، بالإضافة الى انه سيشكل كارثة على قوات سورية الديمقراطية ومشروعها في المنطقة، وهذا ما ستحاول واشنطن العمل عليه للوصول الى تفاهمات سياسية لحماية “قسد”.